كانت نظرية “العوالم الممكنة” في الرواية، مجرد (إرهاصات) و(تساؤلات) و(استفهامات)، حينما اجتمع اثنا عشر ناقدا أوروبيا، في قاعة لا تتجاوز مساحتها أربعين مترا، اصطفت على جوانبها كراسي مخصصة لطلاب الدكتوراه، وتم إطلاق الملتقى الدولي الأول حول النظرية إياها..
واشتغل النقاد على مدى يومين كاملين، لم يجدوا في أثنائهما فسحة لـ(النزهة)، ولا مساحة (لشرب القهوة) و(النميمة) و(الغيبة) وما شابه.. وقد فرضوا على أنفسهم أن لا ينالوا (قسط الراحة) إلا ساعة الغداء، وهذه حددوا لها موعدها من منتصف النهار، إلى الواحدة زوالا، وكان النقاد يعرفون أنهم لن يجدوا من يوفر لهم غداءهم، ولهذا كانوا يسارعون إلى محل للأكل السريع قريب من الجامعة، فيشتري كل واحد (كاسكروطا) من حرّ ماله، ويزدرده على عجل، فيسترد من العافية ما يتيح له مواصلة الأشغال.. واختُتم الملتقى بتوصيات واضحة، وتعليمات صريحة.. وتفرّق الجمع، وعاد كل ناقد إلى بلاده..
المهم.. بعد عامين، التقى النقاد الأوروبيون إياهم، بالقاعة نفسها، ليتوّجوا أشغال الملتقى الدولي بعملية بيع بالتوقيع لإثني عشر كتابا، كانت بمثابة إعلان عن ميلاد “نظرية العوالم الممكنة”، لتتحول – مع الوقت – إلى خبز يومي للدارسين في جميع أنحاء العالم، فقد تبوّأت منتجات الملتقى مكانة مرموقة في المكتبات، وتحرّكت بها آلة الترجمة، و(وقف) العالم مشدوها أمام الفتح النقدي الجديد، وقد وجد نفسه مضطرا إلى (تحيين) معلوماته، وتحسين إمكاناته، وترقية دراساته..
هذه قصة ملتقى دولي نشّطه علماء انشغلوا بسؤال “العوالم الممكنة”، فقدموا الإضافة المعرفية المفيدة، وكل تشابه مع الملتقيات عندنا، هو محض صدفة.