أكّد خبراء وباحثون في الاقتصاد والسياسة، أنّ إعلان الجزائر المُنبثق عن القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، يُمثِّل نقلة إستراتيجية مُثلى لمحاربة الفقر الطاقوي في قارة أفريقيا والعالم.
سفيان حشيفة وسعاد بوعبوش
أبرز خبراء في تصريحات متطابقة لـ “الشعب”، أنّ إعلان الجزائر يضمن سيادة الدول المُنتجة على مواردها من الغاز الطبيعي، ويُراعي بشكل وثيق تحقيق التحولات الطاقوية الآمنة وفق منظور أفضل لمستقبل الحضارة الإنسانية.
وفي هذا الشأن، يؤكّد أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، البروفيسور فارس هباش، أنّ إعلان الجزائر للقمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، جاء شاملاً وجامعاً وتوافقياً من خلال تطرقه إلى جميع النقاط والمحاور المتعلقة بإنتاج وتطوير تقنيات استخراج الغاز من جهة، وكذا سُبل الحفاظ على المستوى التوازني لسوقه الدولي من جهة أخرى، وكل ذلك في كنف ضمان مصالح جميع الأطراف الفاعلة في السوق سواءً الدول المُنتجة أو المُستهلكة.
وأوضح الخبير الاقتصادي هباش، في تحليل خصّ به “الشعب”، أنّ إعلان الجزائر التاريخي يضمن بالفعل مصالح جميع المعنيين بإنتاج وصناعة الغاز، وحتى المستوردين، حيث كانت ولا زالت الدبلوماسية الطاقوية الجزائرية متميزة بنجاحاتها وتفرّدها في تحقيق التوازنات الطاقية في العالم.
تبادل التّكنولوجيات بين المُنتجين
أفاد البروفيسور فارس هباش، أنّ إعلان الجزائر ركّز على الحقوق السيادية المُطلقة والدّائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي، في ظلّ التفاوت بالتحكم بتكنولوجيات استخراجه بين الدول المُنتجة، ممّا جعل بعضها عرضة للاستغلال، وبالتالي وثّق الإعلان التوافقي تبادل التكنولوجيات والخبرات بين البلدان الأعضاء، ليكون معهد الأبحاث الذي تمّ تدشينه بالجزائر بمثابة الجسر الحقيقي الذي سيعمل على تطوير البحث والابتكار في مجال صناعة الغاز، وكذا تقاسم وتشارك تلك الابتكارات بين جميع المنضوين تحت لواء المنتدى، بالتوازي مع بروز رهانات وتحديات بات يعرفها السوق العالمي.
وأشار المصدر ذاته، إلى أنّ الغاز الطبيعي صار يعرف طلبا عالميا متزايدا كمصدر وفير ومتاح ومرن وموثوق من ناحية، يُقابله بروز تصوّرات لإعادة تشكيل خارطة الغاز العالمي من ناحية أخرى، ممّا يجعل هذه الرهانات ذات بعد استراتيجي وحيوي تتطلب تكاتف جهود جميع الفاعلين بعيدا عن النظرة الأحادية ذات البُعد الاستغلالي تحت غطاء حماية البيئة وظاهرة التغير المناخي، لا سيما وأنّ مئات الملايين من البشر وبالخصوص على مستوى القارة الإفريقية ما زالوا محرومين من التوصيل بالغاز والكهرباء بالرغم من امتلاكهم لمصادر ومنابع الطاقة.
وعلى هذا الأساس، كافحت الجزائر من خلال إعلانها التاريخي المنبثق عن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز في طبعتها السابعة، على وضع الاستراتيجيات المُثلى لمحاربة الفقر الطاقوي، وتثمين دور الغاز الطبيعي الهام في تحسين الولوج إلى الطاقات الآمنة على مستوى العالم.
مستقبـل أفضل للحضارة الإنسانية
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور نور الصباح عكنوش، أنّ الجزائر تقود العالم باقتدار وإصرار نحو حضارة الغاز، في سياق إعادة توزيع الطاقة والقيم بمنظور استراتيجي، ينطلق من فكر طاقوي جديد يضع الغاز مصدرا حيويا لاستمرار واستقرار المُنتظم الدولي في المدى الطويل.
وقال الباحث نور الصباح عكنوش، في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، أنّ إعلان الجزائر التاريخي المصادق عليه بالإجماع بقمة منتدى الدول المصدرة للغاز السابعة، يضمن إصلاح بيئة وبنية صناعة هذا المنتوج الاستراتيجي بشكل أكثر ديمقراطية وعدلا بين اللاعبين الدوليين، ممّا يتطلّب إرادة سياسية وإدارة ذكية للحقيقة الغازية تقوم على مركزية الدور الجزائري الرصين في جمع قوى النمو الحميدة في جنوب الكرة الأرضية، نحو هدف مستدام يضمن توازنا في العلاقات والسياسات بين دول العالم القادم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وأضاف محدّثنا بأنّ مضمون إعلان الجزائر يُحقِّق يقينا راسخا لدى الفاعلين الدوليين بأنّ هناك مستقبل أفضل للحضارة الإنسانية في ضوء التحول الطاقوي الآمن إلى الغاز، إذا استوعب الجميع طبيعة اللحظة التاريخية التي تمرّ بها البشرية وجوديا وتنمويا بسبب استخدام الطاقات الأخرى غير النظيفة، ومنه تأتي أهمية البناء على إعلان الجزائر بسرعة ورؤية شاملة.
ووفقًا لعكنوش: “يتّضح جليًا بعد قراءة عناصر ومحتوى إعلان الجزائر جيدا، منهجية مستبصرة مستوعبة لكل الإرادات الخيرة والأفكار النظيفة الرامية إلى التأسيس لعالم طاقوي نظيف للأجيال القادمة، والتي ستحكم بالإيجاب لاحقًا على ما تحقّق في الجزائر مطلع مارس 2024”.
يأتي المُعطى الطاقوي المُستجد، في وقت يشهد العالم تحولات هيكلية مصيرية بأفكار ومشاريع آمنة للمستقبل، أصبحت عاصمته الجزائر كما كان الشأن في سبعينيات القرن الماضي عندما تسيَّد بلد المليون ونصف المليون شهيد حركة التنمية والحرية في كل أقطاب المعمورة، يقول نور الصباح.
رئيس مؤسسة المنتدى الجزائري لاقتصاد الطاقة والطاقات المتجددة: ”إعلان الجزائر”.. الغاز مرافق مستدام لنصف قرن مقبل
وأكّد الخبير الطاقوي حسين بن شنين ورئيس مؤسسة المنتدى الجزائري لاقتصاد الطاقة والطاقات المتجددة، أنّ الانتقال الطاقوي النظيف بدأ في كثير من دول العالم في إطار تنويع مصادر الطاقة، بما فيها الجزائر، وهذا بهدف إعطائها المرونة اللازمة في إدارة الموارد الطاقوية غير المتجدّدة، والتحكم في الطلب الداخلي على الطاقة، مع الإبقاء على الغاز الطبيعي كمرافق مستدام لهذه المساعي لمدة لا تقل عن 50 سنة وفقا لما تضمّنه إعلان الجزائر، مع تهيئة البيئة الملائمة من أجل تحوّل طاقوي سلس عبر استخدام الطاقات المتجددة الجديدة، والذي لن يكون إلا بتطوير قطاعات صناعية قادرة على المنافسة دوليا.
أوضح بن شنين في تصريح لـ “الشعب”، أنّ الانتقال الطاقوي لم يعد خيارا بل هو رهان لابد من كسبه والتحكم فيه، وهو ما تعمل عليه الجزائر في السنوات الأخيرة من خلال عدة برامج، خاصة وأن الغاز الطبيعي يمثّل مصدرا رئيسيا لإنتاج الطاقة بـ 65 ٪، في حين يمثل النفط 35 ٪، ويعتبر الغاز الطبيعي المصدر الأساسي لإنتاج الكهرباء بما يعادل 99 ٪، في مقابل ذلك تتمتع بلادنا بإمكانات هائلة في مجال استغلال الطاقة الشمسية، مع مجال شمسي يتراوح بين 2500 إلى 3600 هكتار في السنة.
واعتبر الخبير الطاقوي توجّه الجزائر لإنتاج 15 ألف ميغاواط لآفاق 2035 مؤشرا عن الإرادة السياسية، ومساعي الحكومة لتطوير الطاقات المتجددة بشكل مستدام لتوفير احتياجات البلاد، وتوليد ديناميكية للتنمية الاقتصادية، ولقد شرع مجمّع سونلغاز في تجسيد هذا المشروع باعتبارها رائدة في مجالها، وتمتلك خبرة وإطارات ذوي كفاءة بهدف ربح الوقت والجهد لتجسيد رؤية رئيس الجمهورية في هذا الإطار، في انتظار تحقيق النجاعة الطاقوية لترشيد الاستهلاك الوطني المنزلي والإنارة العمومية والنسيج الصناعي.
وأشار بن شنين إلى أنّ الغاز الطبيعي سيبقى مرافقا آمنا للانتقال الطاقوي من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي والتقني الحاصل في هذا المجال، رغم أنّه أقل مصدر أحفوري ملوث للبيئة، فمثلا يمكن الاستفادة من الغاز عبر نزع ثنائي أكسيد الكربون، والذهاب لصفر كربون في حدود 2050 بهدف الحفاظ على استدامة حياته، وهي العملية التي بدأ العمل بها في العالم وكذلك الأمر بالنسبة للجزائر، حيث وقّعت وزارة الطاقة مؤخرا اتفاقية مع مؤسسة “إكسموبيل” الرائدة في هذا المجال من أجل التقاط “CO2” من المشاعل، واستغلال هذا الغاز بعد تخزينه في إنتاج الهيدروجين ومجالات أخرى.
وأوضح المتحدّث أنّ استحداث معهد أبحاث الغاز بالجزائر سيكون بمثابة مركز للخبرات الدولية، وحاضن لمختلف التكنولوجيات والتقنيات الجديدة المستخدمة والحلول المبتكرة لأدمغة الدول الأعضاء في تطوير استغلال الغاز الطبيعي، وضمان استدامته واستخدامه في مرافقة الانتقال الطاقوي، كما ستحظى مختلف المخابر والجامعات الوطنية بالفرصة للاستفادة من كل ما هو جديد.
من جهة أخرى، تطرّق رئيس مؤسسة المنتدى الجزائري لاقتصاد الطاقة والطاقات المتجددة لدور الطاقة الشمسية في التقليل من استخدام الغاز الطبيعي بالجزائر – التي تتوفر على 20 محطة – وكذا بالعالم سيما لدى الدول التي لا تتوفر على سدود لإنتاج الكهرباء على غرار الصين وكند والولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل، يرى بن شنين أنّ الحديث عن الانتقال الطاقوي يقود بالضرورة للحديث عن النجاعة الطاقوية بهدف الحد من التبذير الطاقوي، سيما على مستوى الاستهلاك المنزلي والانارة العمومية التي تستهلك 12 % من الكهرباء المنتجة من الغاز، وتبذر منها 75 %، خاصة وأنّ الجزائر تتوفر على 4 ملايين و300 ألف نقطة ضوئية “عمود كهربائي “، والتي أكّد عليها رئيس الجمهورية في اجتماع الوزراء المنعقد في 21 نوفمبر 2021، في حين أن المنازل والإدارات تستهلك 40 % من الكهرباء، ويتم تبذير 38 % منها، فيما تستهلك الصناعة 20 % من الإنتاج الوطني وتبذّر 15 %.
وسعت الجزائر لتحقيق ذلك من خلال برنامج وطني للنجاعة الطاقوية، والذي تمّ تحديد أنه ما بين 2022-2030 يجب لتوفير10 % من الطاقة تخصيص 260 مليار دج، وهو أمر وصفه المتحدث بالوقت الكثير، إذ يمكن – حسبه – الوصول إلى 10 % في ظرف سنتين باستخدام التكنولوجيات الحديثة ويمكن الوصول إلى 50 %، بالإضافة إلى القيام بعدة إجراءات من حملات تحسيسية وملتقيات، واعتماد بنايات العزل الحراري، التسيير الذكي والذاتي للبنايات، التصفية المزدوجة لنوافذ التهوية.