اغتنمت الجزائر وليبيا وتونس الفرصة للتباحث والتواصل بعد الانتهاء من القمة السابعة لمنتدى رؤساء الدول وحكومات الدول المصدرة للغاز، والتي أُقيمت في الجزائر، وشاركت فيها الدول الثلاث.
تعد الجزائر وليبيا عضوين دائمين في المنتدى، في حين شاركت تونس كضيف شرف بناءً على دعوة رسمية من الجزائر.
اللّقاء الثلاثي حسب العديد من المتابعين كان فرصة حيوية لتعزيز وتنسيق التعاون الأمني بين الدول المغاربية، والبحث أيضًا حول الكيفية اللازمة لبداية تعاون اقتصادي أكبر بين تونس والجزائر وليبيا. وتعوّل كل من تونس وليبيا على دعم الجزائر لتجاوز أزماتها، التي تعد الدولة الأكبر في المنطقة، سواء جغرافياً أو اقتصادياً، حيث تمتد الحدود البرية بين الدول الثلاث لأكثر من 2000 كيلومتر من شواطئ البحر المتوسط إلى أقصى الجنوب الجزائري.
تعزيز التّعاون الاقتصادي والطّاقوي بين الدّول المغاربية الثلاثة
من بين النتائج الهامة للاجتماع الأخير، كان الاتفاق على تنظيم لقاء دوري بين قادة الدول الثلاث مرة كل ثلاثة أشهر، بهدف مناقشة التحديات المستجدة وتعزيز التعاون الثلاثي. وتسعى الجزائر بجدية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المغرب العربي، وقد تمّ تحقيق خطوة مهمة في هذا السياق من خلال إنشاء مناطق اقتصادية حرة على الحدود، حيث تمّ تجسيد الخطوة مع موريتانيا في الشهر الماضي، ومن المتوقع أن يتم فتح مناطق اقتصادية حرة مع تونس وليبيا خلال العام الجاري.
وتعتبر هذه المناطق خطوة هامة نحو تعزيز التبادل التجاري وحرية تنقل الأشخاص بين الدول الثلاث، خاصة بين تونس والجزائر من الناحية التجارية، وكذلك زيادة تنقل الأفراد من ليبيا نحو الجزائر لغرض السياحة.
علاوة على ذلك، يرى العديد من المتابعين أنّ هذا الاجتماع مهم لتونس، خاصة وأن الجزائر تعتبر الممول الرئيسي للغاز الطبيعي لتونس، سواء من خلال حقوق العبور لأنبوب الغاز الجزائري المتجه إلى إيطاليا أو من خلال عقود شراء مباشرة، والتي تستخدم معظمها في توليد الكهرباء. بالتالي، يمكن القول إن تعزيز التعاون الاقتصادي وإنشاء المناطق الاقتصادية الحرة بين الدول الثلاث سيسهم بشكل فعال في تعزيز الاقتصادات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.
من ناحية أخرى، تسعى كل من ليبيا والجزائر الى الرفع من قيمة التبادل التجاري والتعاون، خاصة في مجال الطاقة، لاسيما وأنّ ليبيا تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 1.5 تريليون متر مكعب، ومن شأن التعاون الثاني أو المتعدد في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز أن يساعد ليبيا للاستثمار في هذه الثروة الطبيعية والاستفادة من الخبرة الجزائرية الكبيرة في هذا المجال لاسيما وأنّّ الجزائر تعتبر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في حوض المتوسط وإفريقيا خلال العام 2023.
رفع مستوى التّنسيق الأمني
من الناحية الأمنية، يأتي هذا الاجتماع بأهمية بالغة للدول الثلاث، في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها المنطقة، والتي تتمثل أساسًا في نشاطات الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي، حيث تعمل هذه الجماعات على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتشكل تهديدًا خطيرًا يستدعي تعاونًا وتنسيقًا فعالين بين الدول المعنية، حيث أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تعزيز التنسيق والتعاون الأمني بين الدول المغاربية. هذا التنسيق الوثيق يسهم في تعزيز القدرة على مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، ويعزّز الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات الأمنية الطارئة.
بالإضافة إلى ذلك، تعد الهجرة غير الشرعية تحديًا كبيرًا للدول المغاربية الثلاث، فالغياب الواضح للتنمية في دول جنوب الصحراء ومنطقة الساحل من العوامل التي تزيد من تدفق اللاجئين والمهاجرين نحو الدول الثلاث، ممّا يفرض عبئا اقتصاديًا إضافيًا على هذه الدول.
كما لا يقتصر التعاون بين الجزائر وتونس وليبيا على مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية فحسب، بل يشمل أيضًا مكافحة تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، من خلال تعزيز التعاون وتبادل المعلومات، يمكن للدول الثلاث تحسين قدراتها على التصدي لتلك التهديدات بشكل فعال.
ومن خلال هذا الاجتماع الهام الذي شمل رئيسي كل من الجزائر وتونس ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، يتجدّد التأكيد على التزام الجزائر بتعزيز التكامل في المنطقة، والمساهمة في مواجهة التحديات الجارية التي تواجه ليبيا، وكذلك مساعدة تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية، كما يعد هذا الاجتماع كذلك فرصة للجزائر لتطويرها اقتصادها، وزيادة التبادل التجاري والتنسيق الأمني مع الدولتين الجارتين.