وضعت وزارتا المالية والفلاحة والتنمية الريفية اليد في اليد من أجل إزالة كافة العوائق المرتبطة بتنفيذ وتمويل برامج الاستثمار الواعدة في القطاع الفلاحي، التي يراهن عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لتحريك النمو الاقتصادي خارج قطاع المحروقات من أجل ضمان الأمن الغذائي للبلاد، وتقليص بذلك فاتورة استيراد المدخلات من بذور وأسمدة، والمنتجات الغذائية الأساسية التي يحتاجها المواطنين.
شكّل الاجتماع التشاوري الذي جمع وزيرا القطاعين عبد العزيز فايد ويوسف شرفة على التوالي، أول أمس، فرصة لتحديد جملة التحديات التي يواجهها قطاع الفلاحة، وأبرزها القيود المفروضة التي حالت دون استغلال امكانياته الكاملة المرتبطة بتأخر التمويل، ومعلوم أن رصد الأغلفة المالية الكافية في وقتها مهم لنجاح أي مشروع، ما بالك مشاريع كبيرة أطلقتها الدولة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في زراعات تعتبر أساس غذاء الجزائريين، ولكنها ثقيلة في فاتورة الواردات، وظلت إلى سنوات تستنزف الأموال الصعبة من الخزينة العمومية بسبب بقاء الجزائر مرتبطة بالأسواق العالمية، عن طريق الاستيراد، منها الزراعات الاستراتيجية كإنتاج النباتات الزيتية، والبنجر السكري، والحبوب، والبقوليات، وبودرة الحليب.
ووضعت وزارة الفلاحة في 2024 ضمن أولوياتها التجسيد الفعلي لمختلف البرامج، لاسيما تلك المتعلقة بالقاعدة الإنتاجية والهياكل اللوجيتسية، مع استحداث أقطاب إنتاجية مدمجة عبر تسهيل الاستثمار للمشاريع الكبرى ذات الطابع الاستراتيجي، منها تنمية شعبة الحبوب التي تعد بالغة الأهمية والحساسية من حيث مكانتها في النظام الغذائي للجزائريين، وقصد تشجيع المنتجين على الانخراط في مسعى رفع المساحة المزروعة إلى 3 ملايين هكتار، وتجاوز نكسة الموسم الماضي، الناجمة عن كوارث طبيعية (فيضانات وجفاف مست 37 ولاية) أعطى رئيس الجمهورية تعليمات بتعويض جميع منتجي الحبوب المتضرّرين، بمدخلات الإنتاج من بذور وأسمدة مجانا، وإعفائهم من دفع مستحقات القروض لمدة ثلاث سنوات مع تكفل الدولة بدفع فوائد القروض المترتبة عنها، وهذا بحاجة إلى إجراءات تنفيذية في الميدان، تجعل المنتج في راحة وتدفعه لمضاعفة الجهود من أجل إنجاح الموسم الفلاحي، وتحقيق مردودية عالية تريح الخزينة العمومية من مصاريف زائدة، يمكن توجيهها إلى تطوير عمليات إنتاجية جديدة.
رفع المردودية في شعبة الحبوب يقابلها ضرورة وضع كافة الشروط التنظيمية والتقنية لحماية المنتوج من التلف والفساد، بتخصيص مخازن قرّرت وزارة الفلاحة رفع طاقة تخزينها إلى 9 مليون طن، بهدف تكوين مخزون استراتيجي أمني ومخزون ضبط طويل المدى من أجل تغطية الاحتياجات الوطنية من القمح الصلب واللين، وقد شرعت في بناء 350 مركز جواري للتخزين وإعادة إطلاق مشروع تشييد 16 صومعة معدنية، وبناء 30 صومعة استراتيجية جديدة.
أمّا شعبة البقوليات والمنتجات الزيتية والسكر، ونظرا للتوترات الجيوسياسية التي أثّرت على أسعار المواد الأساسية في السوق العالمية، أعطيت الأولوية لتوجيه الاستثمار إلى الزراعات الصناعية، ووضع آليات جديدة لدعم شعب الذرة الصفراء، النباتات الزيتية (دوار الشمس حقق نتائج ايجابية)، وعليه يسعى المسؤولون بقطاع الفلاحة إلى زرع 45 ألف هكتار من النباتات الزيتية.
وبالنسبة للشمندر السكري، ينتظر إنجاز منشآت جوارية للتحويل الأولي في الجنوب، وكذلك مركز لتحويل الشمندر السكري، وهذا من شأنه تحفيز الفلاحين والمحولين على مواصلة الإنتاج في هذا الميدان.
أما البقوليات فبعدما تمّ وضع حد للاستيراد العشوائي سابقا، والذي لا يحمي المنتجين الوطنيين للبقول الجافة، تمّ تطبيق قرار رئيس الجمهورية المتعلق بالاستيراد الحصري للبقول الجافة من قبل الديوان الجزائري المهني للحبوب، وتم وضع هدف رفع المساحة المزروعة في 2024 إلى 150 ألف هكتار لتغطية الاحتياجات الوطنية، خاصة بالنسبة لمادة العدس والحمص.
ولتحفيز الفلاحين تمّ إعادة النظر في سعر شراء البقول الجافة من الفلاحين ،ورفعه إلى 20 ألف دج للقنطار بدل 15000 دج للقنطار.
استمرار المستثمرات الفلاحية في دورة الإنتاج، يتطلب تزويديها بالكهرباء الفلاحية، وهو ما تعمل عليه الوزارة الوصية بالتنسيق مع القطاعات المعنية لاستكمال عملية ربط 10 آلاف و577 مستثمرة فلاحية على مسافة 9082 كلم، في 2024، وهذه العملية تحتاج تكلفة مالية قدرت بأكثر من 36 مليار دينار جزائري.
ومن أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، تبنّى قانون المالية لسنة 2024، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عدة قرارات تصب في خانة دعم منتجي اللحوم البيضاء والخضروات الطازجة والحبوب الجافة والأرز المنتج محليا وكذلك المستورد، بالإعفاء المؤقت للرسم على القيمة المضافة، وهذا ما سيؤثّر إيجابا على السعر النهائي للمنتوج حين وصوله للمواطن.
ووضع قانون المالية لسنة 2024 حيز التنفيذ النمط الجديد للحوكمة، وفقا لأحكام القانون العضوي 18-15 المؤرخ في 02 سبتمبر 2018 المعدل والمتمم المتعلق بقوانين المالية، حيث وجهت المبالغ المخصصة لقطاع الفلاحة أساسا، لتغطية عمليات تكثيف الإنتاج، من خلال دعم المدخلات الفلاحية (البذور والأسمدة) وتنمية الري الفلاحي والمكننة الفلاحية وأسعار منتجات الطاقة المستخدمة في الزراعة لفائدة محيطات الاستصلاح والتكوين والتأطير التقني والإرشاد الفلاحي، وترقية نظام الضبط وحماية مداخيل الفلاحين، لاسيما من خلال الحث المباشر على تخزين البطاطا والطماطم الصناعية والثوم والبصل والحبوب.