خاض أكاديميون ومختصون وإعلاميون، في تشريح ظاهرة “صناعة” الاشاعة وانتشارها، وتزايد مقلق لتأثيراتها على الأفراد والمجتمعات والدول في البيئة الرقمية، وطرحوا حلولا وآليات تصدي لمجابهة “سموم” هذه الظاهرة.
شكل موضوع “الإشاعة، تأثيرها، وآليات التصدي”، محور يوم دراسي نظمه المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين (مكتب الأغواط)، بالتنسيق مع مركز البحث في العلوم الإسلامية والحضارة، الأربعاء.
تصنيفات ودوافع
تحدث أستاذ الإعلام بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، البروفيسور عطاء الله طريف، في مداخلة بعنوان ” الاشاعة عبر وسائط الإعلام الجديدة: فضاء للنشر وتحد لايقاظ الوعي المجتمعي”، عن 3 تصنيفات للشائعات، بحسب الدوافع، التوقيت، والموضوع.
في التصنيف الأول (الدوافع)، أشار عطاء الله طريف، إلى الجانب النفسي ويتضمن ثلاثة أنواع:
شائعات اليأس والخوف، وتمس خوف الإنسان وقلقه، كالخوف من الأعداء، إنتشار مرض أو وباء.. الخ، ويساعد الخوف، حسبه، على ظهور الشائعات ويضاعف من تضخيمها وسرعة انتشارها.
شائعات الأماني والأحلام، وتعبر عن رغبة وأمل عكس شائعة اليأس والخوف، هذا النوع يبعث نوع من الاطمئنان لدى سامعها وناقلها فيعمد إلى تصديقها، مثل الحديث زيادة في مرتبات الموظفين.
النوع الثالث يخص شائعة الحقد والكراهية، وهو أخطر أنواع الشائعات التي تستهدف التعايش السلمى والتفرقة بين أفراد أو شعوب، وإثارة النزاعات الطائفية والمذهبية والقومية.
وفي تصنيف الشائعات، بحسب التوقيت وسرعة الإنتشار، أشار المتدخل إلى الشائعات الزاحفة التي تنمو وتنتشر ببطء حتى تصل في النهاية إلى مرحلة يعرفها الناس.
وغالباً ما تتناول هذه الشائعات، يضيف المتحدث، مواضيع تستهدف عرقلة التطور والنمو الإجتماعي والاقتصادي للدولة.
وهناك نوع آخر يعرف بـ الشائعات السريعة التي تنتشر بسرعة مذهلة، ويعتمد هذا النوع من الشائعة على أهمية وغموض الموضوع الذي تتناوله.
الشائعات الغاطسة أو الغائصة، وتظهر في فترة وظروف معينة، ثم يختفى، وتعاود الظهور مرة أخرى في حال عودة الظروف التي أظهرتها أول مرة.
وفي تصنيف الشائعات، بحسب الموضوع، تقسم وفق الباحث طريف، إلى شائعات سياسية، اجتماعية، اقتصادية، أمنية.. الخ.
مخاطر اقتصادية..
من جانبه، أشار الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، رمضاني بلعلا، في مداخلة بعنوان “أثر الإشاعة على الاقتصاد”، إلى الآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها الإشاعة في مجالات اقتصادية.
واستدل لعلا بنماذج كثيرة، خاصة تلك المتعلقة بتأثير الإشاعات في تغيير سلوك المستهلك، وإحداث اضطربات في التموين بمواد غذائية “رغم وفرة المنتجات، غير أن البلبلة التي تحدث الإشاعة وسط المتلقين تفرز سلوكات غير معتادة تتسبب بأزمات.”
ويرى المتدخل أن تطور الاستخدامات الرقمية وتوسع استعمال منصات التواصل الاجتماعي فاقم من مخاطر الإشاعات، وباتت تمس مستويات حساسة، مشيرا إلى هجمات كثيرة تعرضت لها الجزائر لعرقلة سياسات واصلاحات اقتصادية.
ومن الجانب الديني، تطرق الدكتور غريب صحراوي، مختص في الشريعة والأصول، إلى نظرة الدين الإسلامي إلى هذه الظاهرة التي لها جذور واستعملت على مر التاريخ.
وفي سياق حديثه عن تحريم الكذب والافتراء والغيبة، عرّج صحراوي على التذكير بحادثة الإفك عندما أراد المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بني أي سلول، المساس بالرسول، فتحدّثوا في عرضه، فكان يذهب إلى النّاس ويقول لهم: أما سمعتم ما قيل في عائشة، قيل كذا وكذا.
ويرى المتحدث أنه يمكن الاعتماد على تعاليم الشريعة الإسلامية في التصدي للشائعات في عصرنا الحالي، وقال: ” الشريعة الاسلامية تدعو إلى التثبت والتبيين والفحص، وهذه أسس محاربة الشائعات.”
دور الاتصال المؤسساتي
أسهب الصحفي والناشط التربوي والتاريخي، ياسين كوداش، في الحديث عن الظاهرة من زوايا عديدة.
وقال كوداش، في مستهل مداخلته الموسومة بـ:” الاشاعة بين الشائعة والاخبار.. ودور الاعلام في معالجتها”، إن الاشاعة ارتبطت بالبروباغندا أو الدعاية، وهو ما تذهب إليه لغتنا الدارجة “حين قول أحدهم: هذه دعايات.”
من هذا المنطلق، أبرز كوداش أنه في الوعي الإجتماعي “هناك رفض باطن للإشاعة بغض النظر عن الموقف الديني والإجتماعي.”
واستدل المتحدث بالآية السادسة من سورة الحجرات التي تحرم الإشاعة: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
وتتعدد، وفق كوداش، الدوافع، والأهداف التي يصبوا إليها صناع الشائعات، بحسب السياقات والمواضيع، فقد تكون ذات دوافع شخصية، اقتصادية، سياسية.. الخ.
وفي سياق محاور مداخلته، ركز المتحدث على الدور الهام للإتصال المبني على حقائق ملموسة قابلة للتحقيق والتصديق، وأعطى مثالا عن احترافية مصالح الحماية المدنية في الاتصال والتواصل، ما يقطع الطريق أمام انتشار الشائعة وتوسعها.
وبخصوص آليات التصدي، دعا المتدخل إلى تفعيل دور الجامعة بكل تخصصاتها ومناهجها لمعالجة وتشريح الشائعة كظاهرة متعددة الأبعاد.
إلى جانب تفعيل دور خلايا الإتصال والإعلام المؤسساتية في الرد على الإشاعة، بشكل آني ومعلومات موثقة.