تطلعنا الشاعرة والأكاديمية، الأستاذة الدكتورة مسعودة لعريط، عن قراءتها للمشهد الأدبي النسائي بالجزائر. وترى أنّ توقّف كثير من الروائيات قد يكون سببه غياب البيئة الثقافية والاجتماعية الحاضنة والمشجّعة على إبداع المرأة. بالمقابل، تحظى الرواية الجزائرية بالتقدير والاعتراف والاهتمام عربيا ودوليا، بما فيها المكتوبة بأقلام نسائية، وذلك لتميّزها الفنّي وجودتها الأدبية، وخير مثال كون الروائية آسيا جبار أوّل مرشّحة عربية لجائزة نوبل.
الشعب: بداية.. ما هو جديدك في مجال الأدب والشعر، أو في مجال البحث العلمي؟
أ.د. مسعودة لعريط: صدر لي مؤخرا، في مجال الأدب، عن دار النشر “خيال”، ديوان “مرايا الجسد” في طبعة ثانية منقّحة ومترجمة إلى اللّغة الفرنسية. أما في مجال البحث العلمي، فهناك دائما الجديد على مستوى تأطير طلبة الدكتوراه، وعلى مستوى النشر في المجلات الأكاديمية المحكمة، وكذلك فيما يخصّ البحث التكويني الجامعي، حيث كلّل مشروع “الخطاب حول المرأة في الإعلام الجزائري”، الذي أشرفت عليه رفقة فريق البحث، بالنجاح، وضمنه أنجزنا الكثير من النشاطات والتظاهرات العلمية، من بينها ملتقى وطني بعنوان “العنف ضدّ المرأة من منظور الخطاب الإعلامي الجزائري”، ويوم دراسي موسوم بـ«الممارسات الخطابية تجاه المرأة على شبكات التواصل الاجتماعي”.
رغم أنّ ظهور أول رواية جزائرية باللّغة العربية (“غادة أم القرى” لرضا حوحو) يعود إلى سنة 1947 إلا أنّ المرأة لم تقتحم كتابة الرواية بالعربية إلا بعد أزيد من ثلاثين سنة، وتشير دراسة إلى أنّ ما أصدرته النساء إلى حدود 2010 لا يتعدّى 47 عملا روائيا.. في تقديرك، ما أسباب هذا التراجع؟ وهل توجد مؤشّرات لانتعاش الإبداع الأدبي النسوي عندنا؟
في الواقع، أقدم نص روائي عرفته البشرية هو الحمار الذهبي للكاتب الجزائري أبوليوس، أما الرواية المكتوبة باللّغة العربية في الجزائر فقد بيّنت الدراسات الحديثة التي أعادت النظر في المسار التاريخي للرواية العربية أنّ محمد بن إبراهيم (1806 ـــ 1886) أول من كتب الرواية باللّغة العربية، إذ صدرت روايته “حكاية العشاق في الحب والاشتياق” سنة 1847 بالجزائر. أما البدايات الواضحة والملحوظة فتعود إلى ما قبل عقد الخمسينيات، حيث صارت الكتابة ممارسة ضرورية لإثبات الذات والتحرّر، في هذا السياق، صدر لطاوس عمروش سنة 1947 رواية “الزنبقة السوداء” وهي أول رواية نسائية جزائرية ومغاربيـة باللّغة الفرنسيـة.
وبعد عشر سنوات برزت الروائية آسيا جبار، وهي أهم الأقلام النسائية الجزائرية والعربية باللّغة الفرنسية، وقد بدأت مسيرتها الروائية برواية “العطش” وصدرت بباريس سنة 1957.
بينما تأخر ظهور الرواية النسائية المكتوبـة بالعربيـة في الجزائر إلى سنة 1979، أيّ بعد أكثر من 15 سنة من الاستقلال، حيث كتبت زهور ونيسي “يوميات مدرسة حرة”، ولم تظهر روايتها الثانية “لونجا والغول” إلا سنة 1993، وتزامـن ذلك مع صدور الرواية الأولى لأحلام مستغانمي “ذاكرة الجسد”، ثم استمر صدور الرواية النسائية في الجزائر، عبر أسماء كثيرة نذكر منها فضيلة الفاروق، زهرة ديك، ياسمينة صالح، شهرزاد زاغز، وغيرهنّ.
وإن تحدّثنا عن التراجع أو عن توقّف كثير من الروائيات والكاتبات، فهذا قد يعود برأيي إلى غياب البيئة الثقافية والاجتماعية الحاضنة والمشجّعة على الإبداع الأدبي والفكري للمرأة، والدليل على ذلك نجاح الروائيات الجزائريات المغتربات، أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق في بيروت، وآسيا جبار ومليكة مقدم في فرنسا على سبيل المثال.
تحدّثنا عن الأدب النسوي الجزائري من حيث الكم.. ماذا عن الكيف؟ بصراحة، كيف تقيّمين جودة النص الأدبي الذي تنتجه المبدعة الجزائرية؟
تحظى الرواية الجزائرية بالتقدير والاعتراف والاهتمام على المستوى العربي والدولي، بما في ذلك الرواية المكتوبة بأقلام نسائية، وذلك بدون شكّ لتميّزها الفنّي وجودتها الأدبية، فالروائية آسيا جبار، التي كانت أول امرأة من أصل عربي تدخل الأكاديمية الفرنسية، هي أوّل مرشّحة عربية لنيل جائزة نوبل في الآداب، وكان ذلك سنة 2009.
وفي مثال آخر، سطع مؤخراً نجم الكاتبة الجزائرية “سارة ريفنز” في سماء الأدب الفرنكفوني، وتربّعت على عرش مبيعات الكتب في فرنسا، بعد أن عصفت هذه الشابة التي تسكن في العاصمة الجزائر، بأثقل الأسماء الأدبية في بلد يعجّ بالأقلام والقرّاء، وتخطت مبيعات روايتها “الرهينة” أكثر من 9 ملايين قراءة على المنصة الرقمية “واتباد”.
في ذات السياق.. نلاحظ اجتماع النساء في نوادٍ وجمعيات في مجالات عدّة، في وقت يبقى المشهد الأدبي يفتقر إلى مثل هذه المبادرات.. لماذا في رأيك؟
هذا لا يقتصر على الأدب النسائي إن جاز التعبير، بل الأمر يشمل المشهد الثقافي العام، مشهد تشوبه الكآبة والترهل رغم وجود أسماء لامعة.
في وقت يحتفي العالم بيوم حقوق المرأة، تعاني المرأة الفلسطينية الأمرّين، قتلا، وتجويعا، وتشريدا، مثلما يحدث في غزّة، واعتقالا واضطهادا، كما يحدث في باقي فلسطين المحتلة.. كما تتعرّض المثقّفة والمبدعة الفلسطينية، في أكثر من مناسبة، لمحاولات إسكات صوتها المدافع عن القضية..
بالنسبة لي، لا معنى لعيد المرأة طالما تئنّ المرأة الفلسطينية تحت ظلم واستبداد الاحتلال الصهيوني، وخاصة منذ السابع أكتوبر 2023، فقد تعرّضت أكثر من 8 آلاف امرأة فلسطينية في غزّة إلى القتل، وأغلب شهداء العدوان الصهيوني من النساء والأطفال، ناهيك عن الاعتقال والتشريد والتجويع الذي يعاني منه من تبقى.
ولم تسلم المرأة الفلسطينية المثقّفة من حصار واغتيال جسدي ومعنوي، حيث تعرّضت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي إلى تعسّف شديد من قِبل المنظمة الأدبية الألمانية “ليتبروم” التي قامت بإلغاء حفل تكريم الكاتبة، التي كانت ستستلم جائزة في معرض فرانكفورت للكتاب 2023، عن روايتها “تفصيل ثانوي”.
في الأخير، ونحن لا يفصلنا عن شهر رمضان إلا القليل.. ما هي أمنياتك بهذه المناسبة؟
أمنيتي الوحيدة هي أن تتوقّف الحرب على غزّة، وأن تتحرّر فلسطين وينعم شعبها بحياة كريمة مثل كلّ الشعوب، والأمن والأمان والتطوّر والازدهار لبلدي الجزائر. ورمضان كريم لجميع المسلمين في كلّ بقاع العالم.