تجمع صليحة خليفي بين الرسم والتشكيل والخط العربي والشعر، وأصبحت واحدة من الفنانات المحترفات، اهتمت في السنوات الأخيرة بالخط اللهيبي الذي ابتكرته وفاء للثورة الجزائرية المباركة، وفي حديثها مع “الشعب” نكتشف جوانب من حياتها الفنية والإبداعية.
صرّحت الفنانة والشاعرة والخطاطة صليحة خليفي في حديث جمعها مع “الشعب”، بأنها بدأت حياتها المهنية أستاذة في اللغة العربية، قبل أن تباشر سنة 1987 مشوارها في الفنون التشكيلية، لتجوب منذ ذلك العالم لعرض أعمالها الفنية التي تدعو من خلالها إلى العودة للقيم النبيلة، حيث عرضت أعمالها في فرنسا لاسيما بالمركز الثقافي الجزائري ومعهد العالم العربي وفي مدن فرنسية أخرى.
شاركت في أيام العالم العربي في براغ سنة 2005، وفي بلدان أخرى مثل السعودية وتونس والمركز الثقافي الجزائري بمونريال (كندا). وتحصلت خلال مشوارها الفني على عدة جوائز.
شغلت منصب معلمة في مادة اللغة العربية لمدة 16 عاما، وبعد أن نالت شهادة أفضل معلمة من طرف وزارة التربية والتعليم سنة 1986، قررت خوض مجال الفنون الجميلة لتصقل موهبتها في الرسم، وأبت إلا أن تروّض قريحتها الفنية وتشبعها من مشارب المدرسة الكلاسيكية، وبعد عامين تخرجت من معهد الفنون للرسم كأستاذة للفن التشكيلي، واشتغلت بعد ذلك على إبراز الخط اللهيبي، وفي المقابل عرفت أكثر من خلاله.
وأفادت خليفي، بأنها شاركت في عدة معارض وطنية ودولية، وكانت سفيرة الخط اللهيبي الجزائري المنشأ، الذي ارتقى خارج الحدود من خلال محاكاته لمظاهر اجتماعية بحتة، حيث حاولت في كل مرة أن تربط في أعمالها بين الفرشاة والقلم، وبين الريشة والحبر، وبين الرمز المختبئ بين تفاصيل الرسمة والحرف الظاهر بكل سلاسة للعيان، وركزت في كل معرض تنظمه في أروقة الفنون المختلفة على الكلمات التي تحمل بعدا إنسانيا وسط رونق الألوان المختارة.
وأكدت في إطار حديثها عن مجال فنها التشكيلي، بأنها تستعمل تقنية خاصة تتمثل في المزج بين الحروف العربية واللاتينية، وتنتهي بشعلة، وهو رمز إلى كل ما تقاسيه الإنسانية من عنف وجبروت وظلم، ولأن حسها الدافئ الأنثوي الغالب على معظم أعمالها، فقد رسمت الفنانة الحب أحيانا على شكل أغصان تنمو في قالب وردي. وأحيانا أخرى كانت ترمز لها بحروف ذات معان عديدة، فهو منبع الخير والأماني السعيدة، كما أنه سبيل الأمل والعطاء والحياة المديدة، واهتمت كثيرا بنواحي الأمان والسلام الذي تفتقده الكثير من الدول على غرار فلسطين والبلدان الأخرى المستضعفة، وعكست ذلك في أعمال نالت التقدير والاستحسان والتشجيع، فوظفت العديد من المواضيع ذات العلاقة بالواقع المر الذي يتجرعه العديد من اخوتنا في هذا العالم، ومن أبرز العناوين التي اختارتها في هذا الخصوص نجد الحرية، الاستقلال، الحرب، الظلم، النضال، الحوار، التسامح، الصبر، الشرف.
وذكرت الفنانة صليحة خليفي المولودة سنة 1952 ببجاية لـ “الشعب”، بأنها تركز في أعمالها الفنية إلى جانب المواضيع الإنسانية على الأمثال الشعبية، لتفاجئ جمهورها تارة بلوحات تمزج بين جمال الرسومات ودقة معاني كلماتها، وتارة أخرى تطل على عشاقها بمجموعة من تحف زجاجية تحمل دلالات راقية عن الحياة والأمل، وأحيانا أخرى تفضل أن تخرج من فيض الكلمات الهادفة لتكتب شعرا وبمواضيع أغلبها عن المجتمع والوطن والمرأة والشباب والطفولة.
وجاء في معرض حديثها، أن الذي دفعها إلى ابتكار الخط العربي اللهيبي الذي تنتهي حروفه بألسنة النار، هو تلك الحادثة الأليمة التي جرت في مسقط رأسها بولاية بجاية، والذي تسبّب فيها الاستعمار الفرنسي حين قام بإبادة جماعية على مستوى تلك المنطقة، فبقيت صورة شرارة النيران واللهب والدخان المنتشرة في كل مكان مترسخة في ذهن صليحة الصغيرة، التي كانت تعاني آنذاك من رداءة في الخط في مادة اللغة العربية، وتحوّلت بعد مرور الزمن إلى فكرة سطع نجمها وشمسها ونورها وجمالها على تقاسيم كل لوحة من لوحاتها التي قاربت 1200 لوحة مضامينها مستوحاة من أفكار راقية ومعاني هادفة.
أما النار التي تقصدها من خلال أعمالها، فقالت عنها “هي النار المعنوية التي يعاني منها الإنسان جراء الحروب والخلافات، إلى جانب أمراض العصر كالفقر والمجاعة، وهي عموما تعبر عن كل ما يؤلم واقع الإنسان”.
في جعبة هذه الفنانة الشاملة التي ارتوت من بحر الفن والحرف والجمال والحكمة، أكثر من 1000 لوحة فنية، ونحو400 قصيدة شعرية باللغات الثلاث العربية والفرنسية والأمازيغية، حيث من بين عناوين قصائدها نجد “ياجيش أمتي” و«تحية إليكم جميعا”، “جزائر ياتاج إفريقيا”، إلى جانب تشكيلة من التحف الزجاجية والخزفية والمنمنمات ذات طابع اسلامي تحوي آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، وحاليا ماتزال شعلة لا تهمد في الحقل الإبداعي رغم بلوغها 72عاما، من أقوالها المشهورة إلى كل نساء العالم والجزائر خاصة “السعادة عند المرأة ليست ما هي عليه الآن أو لاحقاً، بل السعادة ما تستطيع أن تظهر عليه، فبقدر نجاحها على إيهام الناس أنها سعيدة فهي تكون كذلك”، “من المفترض أن تكون المرأة جريئة وقوية الشخصية، وأن تواجه مصاعب الحياة بنفسها”.