قدم وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، موقف الجزائر “الصريح” و”الواضح” بشأن آليات انتخاب كبار مسؤولي مفوضية الاتحاد الإفريقي مطلع العام المقبل، وهو موقف قائم على قناعات وتخوفات مبررة للغاية، خاصة في ظل حالات الاستقطاب والتدخلات الخارجية المتزايدة والرامية إلى ضرب تجانس المنظمة القارية.
حملت كلمة رئيس الدبلوماسية الجزائرية، في الدورة الاستثنائية للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، المنعقدة، الجمعة، بأديس أبابا، تأكيدا على مبدأين أساسيين هما تعزيز التوجه الاندماجي والتجانس داخل الاتحاد الإفريقي ودعم الإجماع الذي طالما شكل نقطة قوة المنظمة.
وفي سياق تحفظ الجزائر، على التوجه نحو «تفعيل مبدإ التناوب الإقليمي بالنسبة لمنصبي رئيس المفوضية ونائبه»، تتجلى صحة هذا الموقف وأهميته بالنسبة للاتحاد الإفريقي والقارة ككل، خاصة بالنظر للتحولات الجيوسياسية وحالات الاستقطاب الدولي والإقليمي والذي يراد به في كل مرة ضرب انسجام الدول الإفريقية.
وتقر لوائح انتخاب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ونائبه و6 مفوضين، على مراعاة التناوب الإقليمي في توزيع المسؤوليات، بحيث تشترط ألا يكون الرئيس ونائبه من نفس المنطقة الجغرافية الواحدة.
وتنص المادة 38 من قواعد إجراءات انتخاب رئيس المفوضية، أن يكون المرشحون من «الرجال والنساء الأكفاء ذوي الخبرة المثبتة في المجالات ذات الصلة والمتمتعين بقدرة قيادة وصفات وسمعة جيدة في الحكومة أو البرلمان أو المنظمات الدولية أو القطاعات الأخرى ذات الصلة».
وفي ظل التوجه نحو التراجع عن هذا المبدإ القائم على الانتقاء الموسع، بحيث يقدم مرشحون من المناطق الجغرافية الخمس، ليتم انتخابهم على أساس المعايير المذكورة والمشاريع التي يأتون بها، تحذر الجزائر من تبعات ذلك، مستندة إلى حجج قوية للغاية.
والتسويق لهذا التوجه الجديد، بمبرر المساواة في تقلد المسؤولية السامية داخل هياكل الاتحاد الإفريقي، مع مبدإ «حرية الاختيار وتعددية الترشيحات والتنافس الشريف بين مختلف أبناء وبنات القارة» بحسب عطاف، الذي أبرز أن التناوب الإقليمي بصيغته الجديدة يعد تراجعا عن عملية الانتقاء والانتخاب التي كرست «التوجه الاندماجي للمنظمة القارية» التي رسخها الآباء المؤسسون بطريقة عفوية وبصفة متعاقبة، بحيث كان العمل بالتفاف الأفارقة حول الشخصيات التي يرونها الأنسب والأجدر بقيادة طموحات الاتحاد الإفريقي وتنفيذ أجنداته، بغض النظر عن منطقته السياسية التي ينحدر منها.
وبالنظر إلى الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ونائبه، يحمل المنطق التداولي على شغل المنصبين بدل الانتخاب توجسات ومخاطر على عمل المنظمة.
ويؤدي العمل بهذه القاعدة، إلى فرض المنطقة الجغرافية التي تحين فترتها إلى فرض مرشحين معينين، بغض النظر عن معايير الكفاءة والسمعة وحتى القناعات ومدى الإيمان بالمبادئ التأسيسية للمنظمة.
وهو ما عبر عنه عطاف بالتخوف من أن يتحول الترشح في منطقة بعينها إلى «إملاء» وأحيانا إلى مصدر للتجاذبات والتوترات داخل الإقليم المعني، بحيث قد تولد التوترات القائمة بين دولتين أو ثلاث داخل المنطقة الجغرافية الواحدة، إلى انسداد بشأن هوية المرشحين. وفي هذه الحالة، لن يكون لأعضاء الاتحاد الإفريقي هامش للتدخل، في ظل التراجع عن الانتخاب، بل إن فرضية تعثر هياكل الاتحاد تظل كبيرة.
ولعل أهم ما تحذر منه الجزائر، هو أن يتعارض مبدأ التناوب الإقليمي في اختيار رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي مع مبدإ التناوب الإقليمي الساري في رئاسة الاتحاد.
وأشار وزير الخارجية، إلى «إمكانية الانتقاص من صلاحيات مؤتمر رؤساء الدول والحكومات في انتقاء وانتخاب أفضل المرشحين لقيادة المنظمة»، مفيدا بأن ذلك قد ينجر عنه قيادة ناقصة الشرعية من حيث «ظهورها كخيار لمنطقة وليس لقارتنا بأكملها».
ومعنى ذلك، أن مؤتمر الرؤساء لن يكون أمامه خيارات عديدة من مرشحين يتنافسون على أساس مشاريع وأفكار، وإنما أسماء محددة تقدمها المنطقة الجغرافية المعنية.
وكل ما عبرت عنه الجزائر مبني، برأي مراقبين، على مبررات قوية للغاية، بالنظر لحساسية منصب رئيس المفوضية ونائبه، والصلاحيات الواسعة المرتبطة بذلك. علما أن الرئيس الحالي للمفوضية، كان قد اتخذ في وقت سابق قرارا إداريا يقضي بمنح صفة عضو مراقب للكيان الصهيوني، ضاربا عرض الحائط مبدأ الإجماع الذي ينص عليه الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي.
وأثبتت الجزائر وجنوب إفريقيا، صواب موقفهما الحازم بالاعتراض على خطوة موسى فقيه، قبل أن تؤكد المجازر البشعة التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، أنه قرار كان سيحمل كثيرا من العار الذي يلطخ سمعة الاتحاد الإفريقي كمنظمة رائدة في مكافحة الاستعمار والفصل العنصري.
في المقابل، أكدت الجزائر أنها مع الإجماع الذي سيحدد قواعد انتخاب المناصب الرفيعة في مفوضية الاتحاد الإفريقي، إيمانا منها بهذا المبدأ الذي وضعه الآباء المؤسسون لمنظمة الوحدة الإفريقية وبعدها الاتحاد الإفريقي.
وستجرى الانتخابات السادسة لرئاسة المفوضية الإفريقية، بداية 2025، وفق القواعد الجديدة المزمع إدخالها من قبل المجلس التنفيذي.