يتحدث المجاهد وعضو كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، يوسف مصار، عن مساره النضالي في الثورة على الحدود الشرقية، وكيف واجه المجاهدون طائرات ودبابات فرنسا بعزيمةنيل الحرية، وتفاصيل أخرى في هذا الحوار بمناسبة الذكرى الـ62 لعيد النصر 19 مارس 1962.
بداية من هو المجاهد يوسف مصار؟
بداية شكرا على استضافة “الشعب” العريقة الناطقة بلسان الشعب، لي.
المجاهد يوسف مصار، عضو جيش التحرير الوطني مولود في 20 جانفي 1940، أصيل مدينة عزازقة ولاية تيزي وزو، حالفني الحظ أنني التحقت بصفوف جيش التحرير الوطني.
لا أقول إنني من مفجري وصانعي الثورة، بل أنني بكل تواضع ممن إلتحقوا بالثورة في جوان 1959 واحتضنتنا هذه الأخيرة ولقنتنا مبادئ الحرب وفنون القتال ومبادئ العقيدة الوطنية لجيش التحرير الوطني لأنها ثورة شعبية مباركة.
إلتحقت في المنطقة الشمالية التابعة للولاية الثانية التاريخية بقيادة المرحوم عبد الرحمان بن سالم، بقيادة هيئة الأركان العامة الرئيس الراحل هواري بومدين. كنت تحديدا في الفيلق رقم 21، الكتيبة الرابعة للسلاح الثقيل بقيادة المرحوم أحمد قايد صالح، وقائد الفيلق عبد الله بوترعة، ونائبه مختار كركب، النائب العسكري في الكتيبة الأولى عمار بن سمرة، قائد الكتيبة الثانية المرحوم اللواء محمد بتشين، الكتيبة الثالثة مصطفى فيلالي.
أصبحنا كلما نذكر الرفقاء من قادة الثورة اليوم، إلا ونترحم عليهم وما تبقى إلا القليل من المجاهدين.
حدثنا عن أهم المعارك التي خضتها مع رفقاء النضال؟
خلال المعارك سواء العمليات المنظمة يوميا أكيد فيه شهداء في صفوفنا رحمهم الله.
كانت خسائر كبيرة في الأرواح فيما يخص العدو لأننا مثلما قلت حرب المفاجأة هي أصعب حرب عندما تفاجئ عدوك بكمائن تنفذه مجموعات صغيرة. هذا موجود في التوصيات العشر لجيش التحرير والمنبثقة عن مؤتمر الصومام 1956، موجهة إلى المجاهدين من أجل العمل بها ميدانيا، بحسب ما تسمح به ظروف القتال وطبيعة الأرض، منها، مواصلة الكفاح إلى حين يتحقق الإستقلال التام، مواصلة تحطيم قوات العدو بكل الوسائل المتاحة، تنمية القدرات المعنوية لجيش التحرير الوطني، توسيع شبكات الإستخبارات في صفوف العدو، تعزيز نفوذ الجبهة في أوساط الشعب، تقوية روح الإمتثال للأوامر والنظام في صفوف الجيش، تقوية روح الأخوة والتضحية والعمل المشترك في صفوف المجاهدين، مراعاة المبادئ الإسلامية والقوانين الدولية في تحطيم قوات العدو.
مجاهدو جيش التحرير إتبعوا حرب العصابات، التي تنفذها مجموعات صغيرة، وهي الهجوم على العدو وتكبيده أكبر الخسائر ثم الإنسحاب والتفرق بسرعة، ثم الإلتقاء في مكان متفق عليه لا يعلمه إلا المجاهدون، لأننا لا نستطيع مواجهة العدو الذي يملك قوة عسكرية كبيرة وعتاد حربي متطور، لكن حرب العصابات تمكننا من الإنتصار على جيش الإحتلال.
رفقاء استشهدوا وتركوا فيك أثرا؟
أتذكر فيه معركة جرت يوم 25 فيفري 1961، كانت تهطل أمطار غزيرة جدا، كنّا في الكدية رقم 10، بن بريك، هي حاليا مركز جمارك، كان رفقتنا سي محمد دوادي، ربي يرحمه، رئيس الخلية، كان لنا كوخ مبني بالحطب ومغطي بالديس، مُموّه، عندما يمر العدو أمامه لا يلاحظه.
قرر سي محمد دوادي، في منتصف الليل النزول إلى الكوخ للأكل ونتدفأ قليلا، ثم نعود الى أماكننا. كنا متمركزين في مكان على الحدود بمنطقة أم الطبول والقالة، يستحيل على العدو الوصول إليها بطائراته ومدافعه.
نزلنا إلى الكوخ وأكلنا ما وجدناه، وفي حدود الثالثة فجرا صعدنا. في تلك الليلة خرج العدو بضباطه المدربين والمحترفين وتمركزوا في المكان، الذي كنا متمركزين فيه من قبل، ونصبوا لنا كمينا لأنهم عرفوا أن ذلك المسلك يمر به المجاهدون.
كان يتقدمنا الشهيد محمد دوادي، حاملا سلاحا من نوع تومسون، صنع أمريكي، وكتيبة وراءه ثم تأتي كتيبة المتحدث (يوسف مصار)، حاملا سلاح “أم جي 45 MG”، ومن ورائي كتيبة أخرى وبعدها كتيبة أخرى، وفيلق آخر من ورائهم حاملا سلاح البازوكا، نسير في مجموعات متباعدة نوعا ما.
بمجرد ما دخل محمد دوادي، الذي كان يتقدمنا المكان الذي نصب فيه العدو الكمين لم يصبر عسكري فرنسي وأطلق عليه وابلا من الرصاص حتى تحطم السلاح الذي بيده، رحمه الله.
نجانا الله عزوجل، فلو لم يطلق جندي الإحتلال النار على الشهيد داودي، ومرت كل الكتائب على الكمين لأستشهدنا كلنا.
بسرعة البرق تمركزنا في زاوية نسميها الزاوية الميتة، مختفين من العدو، ثم أطلقنا بشكل مكثف النار بكل الاسلحة التي كانت بحوزتنا.
لحظة توقف اطلاق الرصاص من طرف العدو، الذي أسقطنا منه قتلى وجرحى.
في تلك الأثناء سمعت بقية الكتائب المجاورة في الرويسية وباب البحر، أننا في اشتباك مع العدو، فأرسلت لنا تعزيزات.
لا أنسى هذه الحادثة، عدنا الى موقعنا، وجدنا دم الجنود الفرنسيين على الصخرة وقد أزيل بعضها وأخذوا جرحاهم وقتلاهم، لكن عند شروق الشمس بدأت المدافع والطائرات تقصف المنطقة المتواجدين بها واستعملوا في ذلك سلاح النابالم الخطير، لكننا أخذنا احتياطتنا في هذا الشأن.
أحدثكم عن مخاطر غازات القتال، في معركة أخرى كنا في اشتباك مع العدو، الطائرة الصفراء تحوم بالجبال وتبحث عن أماكن تواجد المجاهدين، تقصفنا بقذائف، منها ما انفجر بشكل عادي وأخرى تنفجر بغازات القتال، هذا الأخير يسير مثل الضباب لا تشعر به.
عندما اختبأنا من الطائرة في غار عميق شعرنا بإختناق، كان معنا المدعو بوعكولة دراجي، من منطقة جيجل، محمد صياد من عين البيضاء، اسماعيل بوعقال، من نواحي باتنة، ذويب خميس من ورقلة، المتحدث من عزازقة.
طلب منا رئيس الفرقة دراجي بوعكولة، الخروج وكانت لدينا قارورات ماء وهناك من كانت له قارورة عطر، أخذنا نشمها كي لا نستنشق الغاز القاتل، فضلنا الإستشهاد بالرصاص على أن نختنق بغاز القتال لأنه صعب، ولحد الآن ما نزال نعاني اثاره على مستوى الرأس خاصة كلما حل فصل الشتاء.
كنا نعتمد حرب العصابات لإضعاف معنويات العدو
حدثنا عن المعارك التي شاركت فيها؟
أكيد المعارك اليومية مستمرة مع العدو كر وفر، لأننا كنا في منطقة استيراتيجية وهي منطقة القالة، بولاية الطارف حاليا، أم الطبول، سقلاب، باب البحر، بودخان، روشي الشاذلي (صخرة الشاذلي)، الى غاية روايسية وعين العسل.
كانت منطقة استيراتيجية بامتياز بحكم أنها منطقة عبور وخروج جيش التحرير الى التراب التونسي سواء للعلاج أو التدريب أو لجلب السلاح والذخيرة والعودة إلى الولايات التاريخية.
لذلك العدو الفرنسي أنشئ خطي شال وموريس، وهما خطان جهنميان، خط الموت 10 آلاف إلى 20 ألف فولط، ناهيك عن حقل الألغام، المغروسة تحت الأرض والأحراش، ليس من السهل على أي بشر إختراق هذا الخط إلا بشجاعة وإيمان قويين وبوسائل ولو بدائية مثل المقص المختص في قطع الأسلاك الكهربائية، وبعض المجاهدين المختصين في نزع الالغام.
استشهد الكثير من المجاهدين، الذين عبروا هذا الخط وتفحموا، كما أن العدو كان متمركزا مقابل الأسلاك الشائكة مع الأضواء الكاشفة يصعب اختراق تلك الأسلاك.
في أواخر الثورة سنتي 1960 و1961، تحصلنا على سلاح “بانقالور” عبارة عن أنبوب كبير حوالي 5 أمتار، صنع بالفتيل الصاعق هو صنع روسي تبرع به الاتحاد السوفياتي انذاك لجبهة التحرير الوطني، في الحقيقة مزاياه جيدة وهي أن الإنسان عندما يستعمله وينفجر يفتح فتحة كبيرة من خطي شال وموريس وينزع تلك الأسلاك، حيث يمكن للشخص أن يهرب دون أي خطر.
الأفضل اعتماد حرب عصابات لأننا لا نملك نفس العتاد الحربي من دبابات وطائرات ومدافع، علاوة على أن حرب العصابات هي حرب استنزاف نشوش على العدو أحيانا حتى ولو لم يكن هناك قتال، كي نضعف معنوياته.
لكن المهم أن لا نتركه ينام بسلام ويرتاح، عندما تحطم دبابة أو سيارة عسكرية أو قطع الأسلاك الشائكة كلها استنزاف لقدرات العدو ومكاسب لنا.
العمليات الكبرى، التي ينفذها مجاهدو جيش التحرير الوطني، مدروسة على خريطة عسكرية حربية، تكون عمليات منظمة تنفذها الكتائب الأولى التي تنزع الألغام والمرور بسرية تامة، ثم يأتي من وراءها الفيلق الرابع للأسلحة الثقيلة التي كنت منظما إليه، لدينا المدافع الرشاشة من نوع MG45، 12-7 أمريكية الصنع، مدافع الهاون من عيار 45 إلى 85 ملم، هذا السلاح للدفاع والهجوم في الوقت نفسه.
الفيلق الرابع يحمي المجاهدين، الذين سبقونا الى الخط المكهرب، نحميهم بالسلاح على الرمي المقوس وليس الرمي المستقيم، وهذه هي تقنيات الحرب واحدى استيراتيجيات جيش التحرير الوطني، كذلك مهمة الفيلق الرابع تدعيم الكتائب الثلاثة الموجودة لأنها تقوم بمهام الحماية والهجوم والدفاع في الوقت نفس.
لأنها تحمل السلاح الثقيل أي بمثابة الظهر الواقي للكومندو، أحيانا يتواجه جنود جيش التحرير وجها لوجه مع العدو ويصبح القتال بنوع من السلاح الأبيض المخصص للقتال الفردي، منح لكل جندي من جيش التحرير وأنا أملك واحدا أهداه الجنرال جوزيف بروس تيتو، الرئيس اليوغسلافي للثورة.
وفيه معارك كبرى مدروسة من قيادة الثورة، وتكون مستعدة لها، خاصة وأن هناك جهاز الإستعلامات والإتصال (المالغ) أي المخابرات، يزودنا بكل التفاصيل عن عدد عساكر العدو، نوعية أسلحتهم المستخدمة، ومعنويات عساكرهم، من خلال نشريات ترسل يوميا.
تدرس قيادة الثورة استيراتيجية الهجوم بناءا على هذه المعطيات، وتكون العمليات العسكرية من حين لآخر ولديها أسبابها ودوافعها ليست عمليات اعتباطية، في حين العمليات اليومية فهي حرب العصابات من أجل استنزاف قدرات العدو حتى نحرم عليه النوم.
لولا وزارة الإتصال والإستعلامات”المالغ” وخلايا التصنت وجهاز الإشارة، والذين كانوا يشوشون على أجهزة تصنت العدو كي لا يكتشف مكانهم، لما أمكننا الحصول على هذه المعلومات، لما تأسس هذا الجهاز ساعد الثورة التي كانت تكبر يوميا في جميع الميادين.
كان معنا العقيد محمد شعشوعة، كان مكلف بجهاز الإرسال والإتصال لجيش التحرير الوطني بالفيلق على الحدود وفي أحد المعارك في جهاز الارسال والإستقبال كنا في اشتباك وبجانبنا فيلق رقم 11، للمرحوم ذيب مخلوف، الذي كان قائد الحرس الجمهوري، والفيلق 9 لمحند أوحند من تيزي وزو، تدربوا في المنطقة الحدودية مع تونس ملاق، وتجهزوا بالأسلحة والذخيرة ثم عادوا للولايات الثانية والثالثة والرابعة لمواصلة الأوامر، ثم جاءت الأوامر بتوقف التنقل نحو الحدود بسبب كثرة مراكز العدو وكثرة أبراج المراقبة، أحيانا كتيبة ممع قادتها من الولاية الثالثة تتوجه نحو الحدود الشرقية لجلب الأسلحة، فيصل عشرين مجاهد منهم والبقية يموتون في الطريق، بسبب الصعوبات.
أعطت القيادة أوامر بتمركز الفيالق على الحدود، ومن هنا تبدأ الحرب وندفع العدو للعودة الى الوراء، ولا يمكننا الدخول الى قلب المعركة لأننا لا نملك حماية جوية ودبابات ووسائل النقل. المجاهدون يسيرون على أقدامهم أشهرا، يصلون، حاملين السلاح والذخيرة والمؤونة، في ظروف صعبة.
كان هناك فيلق المجاهد المرحوم عبد الرزاق بوحارة، الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، محند أوحند، الذيب مخلوف، خالد نزار، القايد صالح كان قائدي المباشر، سليم سعدي، محمد بن أحمد عبد الغاني، كان مسؤول دشرة المجاهد، في وادي بوعديلة، كان جيش منظم مدرب.
هناك معارك أسقطنا فيها الطائرة الفرنسية، جريوي ابراهيم، وبريكات موسى ربي يرحمهم كانوا معنا.
أدى جهاز الإعلام أدوارا قيادية كبرى، تصل كل المعلومات بدقة من الحدود الغربية والداخلية والشرقية. المرحوم عيسى مسعودي، ذو الصوت المدوي كان في اذاعة صوت العرب بالقاهرة ثم تحول إلى تونس، يذيع يوميا على 19:45، أخبارا عن جيش التحرير الوطني.
بفضل جهاز الإرسال والإتصال، كانت هناك نشريات يومية.
كنا نستمع لصوت الجزائر في مذياع انذاك، اشتراه عمي رابح، مناضل كان ينزل الى قرى تونس ويشتري لنا أدوات التصوير والمذياع.
علاقات أخوية مع مسؤولي الثورة
علاقاتك مع مسؤولي الثورة بالناحية التي كنت تنشط بها؟
علاقاتنا مع المسؤولين أخوية لا حدود لها ولا توصف، ويمكن القول إنها معاملات أكثر من أخوة معاملات إنسانية، المسؤول يحتضنك .
أتذكر حين كانت تحضر لنا المرأة الجزائرية من اللاجئين في مراكز الحدود بالقواعد الخلفية رغيفا أو كسرة مطلوع في أكياس (أحيانا تكون نادرة)، المسؤول لا يأكل حتى يأكل جنوده ولا ينام حتى يتأكد من أن جنوده ناموا.
شئ رباني روحاني لا يوصف، هي ثورة شعبية وليست ثورة سيد أو قائد، لديها خصوصية لا تجدها إلا في صفوف المجاهدين .
حدثنا عن يوميات المجاهد في الجبال وأهم الصعاب؟
كنا نُعوّض بعضنا، لأن عدد جنود جيش التحرير الوطني بالمنطقة التي كنت بها كُثر، وعدد الشهداء في صفوفنا قليل جدا، نادرا ما نفقد مجاهد أو إثنيين. لدينا قواعد خلفية أين نستريح.
أتذكر، في أحد الليالي كان صديقنا محمود بلعلى، أتمنى أن يكون على قيد الحياة، يلعب لعبة الخاتم للترفيه عن أنفسنا، هذه في حالة الإستراحة بينما الكتيبة الأخرى تكون في الاشتباكات والعمليات والكمائن وهكذا، ثم تأخذ حظها من الراحة ونستلم نحن زمام القتال.
خلال سنوات الكفاح لم أمرض ولم أشعر بالبرد شتاءا أو الحر صيفا بالرغم من قساوة الطقس، ولا الجوع، ولم أفكر في أهلي، كان همنا الوحيد هو استقلال الجزائر، الأخوة جمعتنا، المجاهدون هم أهلي ومستقبلي، هدفنا نبيل، كنا نفكر في تحقيق النصر أو الإستشهاد، أقولها بكل فخر. شئ ميزنا به الله عزوجل يصعب وصفه.
.. وماذا عن المحكمة الثورية لتسوية النزاعات؟
هذا السؤال يجيب عنه المسؤولون أو المجاهدون، الذين كانوا في الولايات التاريخية الداخلية، الإنسان يكون واقعيا هذه شهادة تاريخية من الذاكرة والتي لا ينبغي تحريفها.
كنا نحن جيش التحرير المرابط على الحدود الشرقية والأمر نفسه في الحدود الغربية، عندما تحدث منازعات، ونادرا ما تكون لأننا جيشنا منظم منضبط قادته محنكين، حتى اذا كانت فيه حالات نادرة هناك لجنة الإنضباط تنتقل من فيلق الى الناحية ثم الى هيئة أركان الحرب العامة بقيادة الراحل هواري بومدين، لتفصل في النزاع، الذي لا يحدث في صفوف المجاهدين والجنود، اذا كان شئ من هذا النوع يكون على مستوى القادة، وليس الأفراد أنا شخصيا لم أعشه ولم أسمع عنه.
المرأة كانت سند أخيها الرجل اثناء الثورة
ماذا تقول عن دور المرأة في الثورة؟
المرأة قامت بأدوار ريادية كبيرة، خاصة في المدن الكبرى بالعاصمة، في حمل الأسلحة ونقل الرسائل، تضميد الجرحى في صفوف الفدائيين والمسبلين، قدمت دعما معنويا قويا لأخيها الرجل المجاهد، هذا الأمر نعرفه كمجاهدين، لا يمكن إغفال دورها.
أين كافحت لم تتواجد نساء بيننا، ربما في الولايات الداخلية التاريخية لأن المجاهدين كانوا محتكين مع الشعب في القرى والمداشر، والجبال وحتى جنديات كن يتكفلن بغسل اللباس وعلاج المرضى وهناك من حملن السلاح وشاركن في المعارك، وفيهن من استشهدن في المعارك.
في المنطقة، التي كنت بها مدة ثلاث سنوات لم تكن معنا نساء. كنا في منطقة استيراتيجية منطقة عبور خطي شال وموريس، احتكاكنا فقط مع اللاجئين في القواعد الخلفية، حيث كانت النساء يعجن الكسرة ويعالجن جرحى المجاهدين.
وإذا كانت إصابة المجاهد خطيرة يحول الى إحدى المستشفيات بالتراب التونسي وممكن يتحول الى الخارج، خاصة دول أوروبا الشرقية وعلى رأسها يوغسلافيا، التي استقبلت الكثير من الجرحى وبولغاريا. هذه الدول دعمت كثيرا الثورة.
وماذا عن الشعب الذي احتضن الثورة، وفر الأكل والمبيت..؟
الشعب الجزائري يمثل ما قاله البطل الشهيد العربي بن مهيدي، “ألقو الثورة للشارع يحتضنها الشعب”، وما قاله الرئيس الراحل محمد بوضياف ” إذا لم نجد من يلتحق بالثورة سنفجرها بقردة الشفة”.
الشعب قدم مساعدات كبيرة للثورة وتضحيات، الثورة أصبحت قوية ومنظمة في السنوات الأخيرة وكسبت دعما معنويا سياسيا، دبلوماسيا، داخليا وخارجيا حتى في هيئة الأمم المتحدة.
الثورة تكبر بالتضحيات وليس من العدم، لولا ضرباتنا القوية لما اعترف بنا العدو.
ماذا تقول على جبهة التحرير الوطني كتنظيم ثوري؟
جبهة التحرير الوطني، كانت لها أدوار اجتماعية نصت عليها التوصيات العشر المبثقة عن مؤتمر الصومام والتي ذكرتها سالفا.
في الشق الإجتماعي تسجيل الشهداء، ومساعدة أرامل الشهداء والمحتاجين.
وفي الشق الدبلوماسي والسياسي، التفاوض من أجل القضية الجزائرية، حتى الوفد المفاوض كلهم مجاهدون كانوا في جبهات القتال، الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية هيكل سياسي لكن في الحقيقة أعضاءها عسكريون.
حدثنا عن يوم إعلان توقيف القتال في 19 مارس 1962؟
عندما شرع في المفاوضات بإيفيان برئاسة المرحوم كريم بلقاسم، والرفقاء محمد الصديق بن يحي، مصطفى بن عودة، لخضر بن طوبال، سعد حلب، الطيب بولحروف، وغيرهم، الوفد المفاوض كان صنديدا وكانوا رجالا عرفوا كيف يتفاوضون، كانت تصلنا أخبارهم.
بالنسبة لجيش التحرير الوطني، كنا على قدم وساق والعمليات العسكرية تدار في الميدان دون توقف حتى في وضح النهار، في مواجهة جيش الإستعمار الفرنسي أكبر قوة استعمارية في العالم مدعمة بالخلف الأطلسي.
كنا نشتم رائحة الإستقلال لأننا نسمع أخبارا في كل وقت، جاءنا الفيلق رقم 26 بقيادة علي شكاي، والشايب الوردي، من سوق أهراس هو مجاهد مسن لكنه يقود الفيلق، وتضاعف عدد المجاهدين والأسلحة في الفيلق، وأصبح فيلقان في منطقة واحدة، هذا أثناء المفاوضات بأمر من القيادة حتى نضغط أكثر على حكومة الإحتلال.
أصبحنا نوجه ضربات للعدو في وضح النهار بمدافع الهاون، أسقطنا طائرات، بفضل موسى بريكات، أسقط طائرة بسلاح 12-7.
قصفتنا قوات الإحتلال من زوارق حربية، لأننا كنا على السواحل، كانت حربا بأتم معنى الكلمة في الشهور الأخيرة، ما قبل 19 مارس 1962.
بالنسبة ليوم 19 مارس 1962، إعلان توقيف القتال تاريخ عظيم لا ينسى وفرحة عارمة أراه شخصيا أنه يوم الإستقلال، حيث اعترف العدو بتقرير مصير الجزائريين بعد 132 سنة من الإحتلال والإبادة الجماعية ونفي الجزائريين ومحاولة طمس هويتنا الإسلامية.
الفرحة في أوساط المجاهدين في هذا اليوم لا توصف فبعد قتال ومعارك خاضوها لنيل الحرية، تحقق النصر المنشود.
كيف كان وضع الجزائريين الصحي والإجتماعي بعد الإستقلال؟
كانت ظروف مزرية قلة المؤونة والأموال، منظمة الجيس السري الفرنسي شوشت الوضع. لم نفرح كثيرا بوقف القتال. جنرالات فرنسا الذين تمردوا على ديغول، لم يقبلوا ولم يهضموا استقلال الجزائر، الجنرال ماسو، بيجار، ارتكبوا مجازر في حق الجزائريين بوهران، قسنطينة، عنابة والعاصمة.
اضافة الى مشكل اللاجئين الجزائريين على الحدود الشرقية والغربية، كان لابد من إعادتهم ألى أرض الوطن، من يتكفل بهم، في هذه المسألة تعب مجاهدو جيش التحرير، هياكل الدولة غير موجودة الإحتلال دمر كل شئ، وجدنا فراغا رهيبا على جميع الأصعدة والمستويات، كنا نتنقل من ولاية لأخرى لرؤية الوضع.
عانينا لبناء الجزائر بعد الاستقلال والشعب الجزائري كان قنوعا وصابرا، كانت فرحته بالاستقلال أعظم، أروي ذلك كمجاهد عاش هذه الفترة.
أشرفت على تكوين أفراد الدرك في الجزائر المستقلة
ما هي المهام التي مارستها بعد استرجاع السيادة الوطنية؟
أواخر الثورة كان المرحوم العقيد مختار كركم، قائد الفيلق مفرنس، وأنا كنت أتقن اللغة العربية، كُلفت بمهمة محافظ سياسي.
من درسنا محمد الترزي، من بسكرة، والزبير سيف الإسلام، الذي كان رئيس التحرير في جريدة “الشعب”.
قمنا بحملة تحسيسية لفائدة الجزائريين حول تقرير المصير بعد 19 مارس 1962، وكان لابد من الإتصال بالشعب وتوعيته حول تقرير المصير كنت في ميلة، القرارم، وجدنا الشعب واع بمصيره ما عدا بعض أذناب فرنسا، الذين كانوا يرفضون الإستقلال لكن عددهم قليل.
أُدمجت في سلك الدرك الوطني، كنّا نرتدي نفس لباس جيش التحرير، فقط تغيير الإشارة في اليد خاصة بالدرك.
أشرفنا على تكوين أفراد الدرك، وأحمد دراية، أشرف على تكوين جهاز الشرطة، وآخرون أشرفوا على تكوين جهاز الجمارك كي نحفظ الأمن، وهي قطاعات حيوية.
رسالتك للأجيال ونحن في زمن يتكالب فيه حاقدون على الجزائر؟
في تاريخ الأمم والشعوب، والشعب الجزائري بالخصوص، رجال ونساء اختارهم الله عز وجل وفضلهم دون سواهم، يناضلوا ويجاهدوا وفيهم من استشهد لكن في النهاية يتحرر الوطن، رحم الله الشهداء الذين بفضلهم نعيش اليوم في نعمة الأمن والأمان والحرية.
ومن نعم الله جيل الإستقلال بعد جيل نوفمبر بما أكتسبوه من علوم وتكنولوجيا ومعرفة لمواكبة العصر ليكونوا خير خلف لخير سلف، ويبلغوا رسالة الشهداء، من آبائهم وأجدادهم، الذين ضحوا بكل نفس ونفيس من أجل استقلال الجزائر ومن أجل هذه الأجيال لتعيش في أمن وأمان واستقرار.
رسالتي لأبناءنا وبناتنا من كل الأعمار أن يحافظوا على الجزائر وأمانة الشهداء لأنها غالية جدا أكثر من خمس ملايين و400 ألف شهيد منذ 1830، وأكثر من مليون ونصف مليون شهيد من 1954 الى 1962 وحدها، هو ثمن الحرية والجزائر القارة العزيزة على قلوبنا، ما مرت عليه من ثورات وانتفاضات عبر التاريخ من 1830 إلى 1962، ويحافظوا على قيمة ما تبقى من المجاهدين الأخيار، الذين نتمنى لهم الصحة والعافية.