يشكل القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بمبادرة من الجزائر وباقتراح من الأعضاء المنتخبين بالمجلس (مجموعة العشرة) والذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ترجمة لجهود الجزائر المتواصلة والدؤوبة في أروقة الهيئة الأممية منذ بداية عهدتها كعضو غير دائم في المجلس، في رسالة واضحة للشعب الفلسطيني مفادها أن المجموعة الدولية بمختلف أطيافها تشعر بمعاناته ولم تتخل عنه.
ومنذ توليها مقعدها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، عملت الجزائر – بناء على توجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون – على وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة الذي يتعرض لاعتداء صهيوني همجي منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وفي هذا الإطار، عقدت البعثة الدبلوماسية الجزائرية لدى الأمم المتحدة منذ شهر يناير عدة اجتماعات في مجلس الأمن خصصت لفلسطين وخاصة للوضع في غزة وذلك في إطار جهود الجزائر لإسماع صوت فلسطين عاليا في هذه الهيئة المركزية للأمم المتحدة.
وقد فشل مجلس الأمن عدة مرات في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة بعد استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة الامريكية، لاسيما خلال التصويت على مشروع قرار قدمته الجزائر في شهر فبراير الماضي بهذا الخصوص.
وهذا الفشل الذريع للمجلس لم يثني الجزائر على مواصلة مسعاها إذ أعادت التأكيد، بصوت مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، على عزمها العودة إلى المجلس باسم الأمة العربية الإسلامية والأحرار في جميع أنحاء العالم للمطالبة بوقف حمام الدم بغزة، حيث أكد السفير حينها: “لن نتوقف حتى يتحمل هذا المجلس مسؤوليته كاملة ويدعو إلى وقف إطلاق النار، لأن إرادتنا حديدية وعزيمتنا لا تنضب”.
والتزاما بتعهدها، عادت الجزائر مرة أخرى، لتدق أبواب مجلس الأمن وتطالب بوقف المجازر في فلسطين، بعدما اقترح الأعضاء المنتخبون بالمجلس (مجموعة العشرة) مشروع قرار جديد عقب تعثر المقترح الأمريكي يوم الجمعة الفارط، حيث قادت الجزائر مفاوضات مكثفة ليومين، عملت خلالها على صياغة مقترح مقتضب يعالج العناصر الأكثر تعقيدا، بما فيها وقف فوري لإطلاق النار، يفضي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المسجونين وضمان وصول المساعدات الانسانية والاحتياجات الطبية.
وقد اعتمد المجلس، أمس الاثنين، وبمبادرة من الجزائر تبناها باقي الأعضاء المنتخبين بمجموع 14 صوتا مؤيدا، قرارا من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان والحاجة الملحة إلى توسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في القطاع بأكمله ورفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني، ما أثار ارتياحا عميقا سواء لدى الفلسطينيين أولدى المجتمع الدولي.
الجزائر تطالب بمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة
وعقب التصويت على القرار، شدد ممثل الجزائر الدائم على أن اعتماد قرار اليوم “ما هو إلا بداية نحو تحقيق آمال الشعب الفلسطيني وأن الجزائر تتطلع لالتزام جميع الأطراف بهذا القرار وأن يتوقف القتل فورا ومن دون شرط وأن ترفع المعاناة عن الجميع”، ملفتا أنه من واجب مجلس الأمن أن يضمن تنفيذ قراراته.
كما أكد أن الجزائر ستعود للمجلس، مرة أخرى، في ظل توجيهات رئيس الجمهورية للعمل على أن تكون دولة فلسطين في المكان الذي يليق بها، عضوا كاملا سيدا بالأمم المتحدة.
وفي السياق، كان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، قد أشار بداية مارس الماضي خلال زيارته إلى العاصمة المصرية القاهرة، إلى أن الجزائر تدعو”إلى مباشرة الإجراءات الضرورية لتمكين دولة فلسطين الشقيقة من الحصول على العضوية الكاملة بمنظمة الأمم المتحدة”، مضيفا أن هذا “التوجه لم يعد مطلبا محصورا في النطاق الفلسطيني أو العربي فحسب، بل تعدى ذلك بكثير بعد أن تبنته كل من حركة عدم الانحياز ومنظمة الاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون الإسلامي”.
وقد ذكر رئيس الجمهورية مرارا، بمطالبة الجزائر بمنح فلسطين العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، حيث جدد في كلمته خلال أشغال الجمعية العامة الـ78 للأمم المتحدة، المطالبة بعقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وجاء القرار المعتمد من قبل مجلس الأمن، ليعكس حنكة الدبلوماسية الجزائرية وتمكنها من دواليب العمل في أروقة الأمم المتحدة، كونها المرة الأولى التي يقدم فيها الأعضاء المنتخبون جميعا مشروعا للمجلس حول القضية الفلسطينية.
وبهذا يكون المجلس قد توصل لأول مرة منذ بداية العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة منذ ما يزيد عن خمسة أشهر إلى اعتماد قرار من أجل وقف فوري لإطلاق النار، لإيقاف حمام الدم في غزة الذي تجاوز عدد الضحايا فيه 32 ألف شهيد وأكثر من 74 ألف جريح معظمهم من النساء والأطفال.