لا يختلف إثنان على الدور البارز للجزائر في أول قرار لوقف إطلاق النار لاقى القبول بمجلس الأمن منذ اندلاع حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة بعد السابع أكتوبر. كما أن الحركية والعمل الدؤوب للجزائر بمجلس الأمن خلال أقل من ثلاثة أشهر من انضمامها كعضو غير دائم، أعطى ثماره وارتقى بالقضية الفلسطينية إلى مستويات سعت لبلوغها عبر عقود من النضال المتواصل.
ملف: محمد فرقاني وحياة كبياش وسفيان حشيفة
يرى أستاذ القانون بجامعة الجزائر الدكتور منير قتال، لـ “الشعب”، أن الأولوية اليوم هي الحرص على ترسيخ القضية الفلسطينية من الناحية القانونية، ومعركة الجزائر القانونية لإعلاء الصوت الفلسطيني لاتزال متواصلة ومستمرة، خاصة وأن المواقف التي سجلتها الجزائر، إما عن طريق الدبلوماسية الجزائرية من خلال مقاطعة ممثل الكيان الصهيوني في جلسات علنية أمام مجلس الأمن، أو من خلال مشروع قرار وقف إطلاق النار والذي مررته الجزائر بطريقة ذكية جدّا، ستتطلب متابعة وعزما على تجسيد القرار.
وبالرغم من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو، إلا أن الجزائر أبت إلا أن تعيد الكرّة مرّة أخرى، وهذه المرة عن طريق قرار يحمل صبغة جماعية للدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن.
وأضاف محدثنا، أن الجزائر رمت بثقلها الدبلوماسي وبذلت جهودا مضنية في الوقت والمكان المناسبين؛ فمجلس الأمن الدولي يملك الصلاحيات القانونية لأجل الحرص كل الحرص على تنفيذ ما تمخض من قرارات ما لم تتم معارضتها من أي طرف.
وأوضح قتال، أن مجلس الأمن هو أعلى هيئة تراقب وتنفذ قرارات المحاكم والهيئات القانونية الدولية، لذا فله كل الصلاحيات لتطبيق قراراتها. وأكد أن للجزائر كامل الحق في إثارة الملفات الثقيلة على مستوى مجلس الأمن، وأول ملف تعهد الرئيس تبون بإثارته وإعادته للنقاش وليتصدر واجهة القضايا التي يناقشها مجلس الأمن بعد انضمام الجزائر لعضوية المجلس غير الدائمة بداية هذا العام، هو ملف القضية الفلسطينية.
وذكر قتال، أن المجتمع المدني والهيئات المتخصصة في القانون وعلى أعلى مستوى لبّت نداء الرئيس تبون لمحاكمة الكيان الصهيوني على جرائمه وشكلت جماعات ضاغطة على الرأي العام الدولي، بالإضافة إلى مساعي الجزائر داخل المجلس من أجل حشد أكبر قدر من المؤيدين للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته ونيلها مكانة كاملة السيادة بالهيئة الأممية.
وأضاف الدكتور قتال، أن الضغط القانوني أتى بثماره والجزائر التي بادرت إلى مشروع وقف إطلاق النار، استطاعت أن تجمع أكبر قدر من التوافقات حول المشروع السابق، باستثناء الطرف الأمريكي، الذي اضطر الى استعمال حق النقض أمام امتعاض جميع الدول والهيئات العالمية.
من جهته، يرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر الدكتور حكيم بوغرارة، عبر “الشعب”، أن الجزائر أدت دورا كبيرا جدا في الحفاظ على حقوق الدولة الفلسطينية، وحتى خطاب الممثل الدائم للجزائر بالهيئة الأممية عمار بن جامع تحدث عن قيام الدولة الفلسطينية، وأن الجزائر ماضية في هذا المسعى وإلى أبعد الحدود لتفعيله بالهيئة الأممية.
وأضاف بوغرارة، أن وجود دول أوروبية تتحدى الاتحاد الأوروبي وتعلن عزمها على التصويت لصالح الدولة الفلسطينية لنيل عضوية كاملة رسمية في الهيئة الأممية، بالإضافة إلى تصويت الدول العشر المنتخبة في مجلس الأمن على إسقاط إدانة حماس كحركة إرهابية، هو بمثابة مكسب وثمرة جهود بذلت في العلن والخفاء من طرف الجزائر خلال الفترة القصيرة التي قضتها حتى الآن كعضو غير دائم بمجلس الأمن.
ويرى الأستاذ، أن ما قامت به الجزائر واجب ومسؤولية، وما تقوم به “مكة الثوار” تجاه القضية الفلسطينية نابع من إيمانها الراسخ بعدالة القضية التي تدافع عنها. كما أن الجزائر لا تبتغي المجد من وراء هذه التحركات، بل فقط المصلحة الفلسطينية وقيام دولة كاملة السيادة للشعب الفلسطيني.
وأكد بوغرارة، أن تواجد الجزائر لفترة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر بمجلس الأمن حقق مكاسب عظيمة للقضية الفلسطينية. وذكر محدثنا، أن الجزائر تعهدت بالقيام بكامل دورها وواجبها من أجل القضية الفلسطينية، وهو ما كان خلال هذه الفترة، من خلال إعداد مشاريع قرارات لصالح القضية الفلسطينية أحرجت بها كبريات الدول المساندة للكيان الصهيوني.
وأشار أستاذ علوم الإعلام والاتصال، أن الجزائر ساهمت في توسيع دائرة القبول للقضية الفلسطينية لدى دول العالم، بل إنها ألهمت الشعوب وكل أحرار العالم من خلال بياناتها وخطاباتها في منبر الهيئة الأممية، فخرج الأحرار في كل مكان منددين برفض مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي أعدته الجزائر.
وختم محدثنا قوله، إن دور الجزائر معروف تاريخيا ويلقى احترام الجميع، فحتى الولايات المتحدّة الأمريكية التي قد تختلف معها حول القضية الفلسطينية، إلا أنها تحترم مواقف الجزائر وتعمل على التواصل والتشاور الدائم مع ممثليها في الهيئة الأممية ووزارة الخارجية.
الدكتور حسام حمزة: قرار وقف إطلاق النار نجاح دبلوماسي جزائري جديد
يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور حمزة حسام، تبني مجلس الأمن، الاثنين، وللمرة الأولى، قرارا يقضي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، نجاحا دبلوماسيا كبيرا ومدويا للجزائر، ومكسبا للفلسطينيين الذين يعيشون التقتيل والدمار يوميا، في انتظار دخوله حيز التنفيذ.
ويبرز الانتصار الدبلوماسي الذي حققته المندوبية الدائمة للجزائر لدى الأمم المتحدة، من خلال قرار مجلس الأمن الدولي الذي يحمل الرقم 2728 وامتناع الولايات المتحدة عن عرقلة صدوره، كما فعلت 3 مرات منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
في السياق، قال الأستاذ حسام في تصريح لـ “الشعب”، إن الجزائر من خلال هذا المشروع الذي اقترحته، وجدت هذه المرة صيغة توفيقية تقريبية وسطية تتجنب الحساسيات التي أثارتها المشاريع السابقة لدى الأعضاء الدائمين تحديدا، لأن بيدهم إسقاط القرار.
قال، إن الجزائر استعملت حنكتها الدبلوماسية، وأرادت أن يكون مشروع القرار صادرا عن كتلة الدول غير الدائمة في مجلس الأمن، وهذا في حد ذاته تجنبا للحساسيات التي تثأر أو التي تحصل بين الكتلتين اللتين تمثلان الدول الدائمة في مجلس الأمن والمقسمة الى كتلتين بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، حيث كان كل مشروع قرار يقترح من إحدى الكتلتين، يرفض تلقائيا من الكتلة الأخرى، بالنظر الى الحسابات والمناكفات الجيوسياسية.
أوضح في هذا الصدد، أن الجزائر علما وإدراكا منها أن أي مشروع قرار يصدر عن أي من الكتلتين أو عن أحد الأعضاء الدائمين، فإنه سيرفض تلقائيا من غريمه في كتلة الدول الدائمة، ولذلك أرادت أن يصدر القرار عن كتلة الدول غير الدائمة وكان ذلك اختيارا جيدا وموفقا جنب استخدام حق النقد.
من زاوية النظر أخرى، اعتبر حسام أن ما قامت به الجزائر نجاح دبلوماسي، خاصة في ظل الظرفية التي نعيشها وحالة الدعم المطلق وغير المسبوق للولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني، وبالتالي فإن استصدار هذا القرار نجاح هام، مشيرا الى أن هناك ظروف أخرى ساعدت على هذا النجاح، تتمثل في الحسابات الحاصلة الآن بين الرئيس بايدن ونتنياهو.
يعد هذا القرار ـ بحسب الدكتور حسام ـ الجزء الأول من العملية، أي وقف إطلاق النار ووقف قتل الأبرياء. ويبقى الجزء الثاني، الذي يتضمن مجموعة من التحديات المتمثلة في تطبيق القرار وفرضه على الاحتلال الصهيوني، مشيرا الى أن مجلس الأمن يمتلك كل الوسائل والأدوات وفقا لميثاق الأمم المتحدة التي تخوله تطبيق قراراته، بما فيها الوسائل العسكرية أو وسائل الإكراه.
وأضاف المتحدث في السياق، أن التحدي الآن يتمثل في أن هذا المجلس هل سيكون أهلا لتطبيق قراراته؟، خاصة أمام تعنت الاحتلال الصهيوني ولامبالاته وعدم أخذه بعين الاعتبار لأي قرار صدر عن المؤسسات الدولية في الأشهر السابقة، سواء كانت صادرة عن الأمم المتحدة، أو عن الجمعية العامة أو عن محكمة العدل الدولية.. فالكيان يضرب بالشرعية الدولية عرض الحائط.
ويرى حسام أن مجلس الأمن أمام اختبار جديد لحفظ ما تبقى من ماء وجهه والفشل الذريع الذي تعامل به طيلة الفترة السابقة، حيث كوّن صورة لدى الدول والشعوب على أنها بصدد مؤسسة فاشلة وعاجزة وغير قادرة على الاضطلاع بمهامها، ومن جهة أخرى حجم الفظائع والكوارث الإنسانية وما أدت إليه من احتقان على المستوى العالمي وعلى مستوى الرأي العام العالمي، بسبب ما يشاهد كل يوم من جرائم ترتكب من طرف الاحتلال الصهيوني، باتت تحرج كل الداعمين لهذا الأخير وأصبحوا أمامها عاجزين عن الاستمرار في دعم ارتكاب الجرائم في حق شعب أعزل، وهذا ما يجعل ـ بحسبه ـ تطبيق هذا القرار أمرا ملحا.
أستاذ علوم سياسية: انتصار تاريخي لفلسطين فـي مجلس الأمن الدولي
وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الوادي، سليمان نبار، إن الجزائر التزمت بأعرافها الدبلوماسية العريقة منذ توليها مقعدها في مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة 2024/ 2025، استنادًا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، التي تقضي بالمساهمة الفعّالة في تعزيز السلام وفضائل الحوار وترسيخ التعاون الدولي.
أفاد الدكتور سليمان نبار، في تصريح خصّ به “الشعب”، أن الجزائر أصبحت صوتًا حقيقيًا للشعوب المضطهدة والقابعة تحت وطأة الاستعمار لتمكينها من حقها في تقرير مصيرها، في رسالة التزام واضحة للدبلوماسية الجزائرية يرددها دائما ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك السفير عمار بن جامع.
وأضاف نبار، أن “الفيتو” الأمريكي السابق ضد وقف إطلاق النار في غزة، لم يثن الجزائر عن مواصلة نصرة القضية الفلسطينية وبإصرار أمام قوى العالم، بتوجيهات ودعم لامشروط من قِبَل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حيث ترجم ذلك على أرض الواقع السفير عمار بن جامع، خاصة في تصريحه الذي لقي صدى دوليا، وفحواه أن الجزائر ستعود وتطرق أبواب مجلس الأمن الدولي ولن تكلّ حتى يتحمل هذا الأخير مسؤولياته.
وتابع الأستاذ: “عزيمة الطرف الجزائري في أروقة الأمم المتحدة حالت دون استمرار تكبيل مجلس الأمن بآلية حق النقض، وهو ما تجسّد فعلا من خلال قيادة الجزائر لمفاوضات على العديد من الجبهات تُوِّجت بانتصار وإصدار قرار تاريخي لنصرة فلسطين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، غايته تجميد أبشع حرب موثقة إعلاميا عرفتها الإنسانية على الأخوة الفلسطينيين”.
إلى ذلك، عملت الجزائر منذ شغلها مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي على جعل القضية الفلسطينية في طليعة أولوياتها، ونافحت منذ اندلاع الحرب الصهيونية الهمجية على قطاع غزة لوقف إطلاق النار ورفض التهجير القسري للأشقاء الفلسطينيين، لعلّ أهمها مشروع قرار جزائري لوقف إطلاق النار في غزة الذي نصّ على رفض التهجير القسري ووقف جميع الانتهاكات، ناهيك عن تجديد الدعوة لدخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن للقطاع المحاصر من طرف الكيان الصهيوني، بحسب نبار.
كما دعت الجزائر، مثلما أردف المتحدث ذاته، إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بشأن إعطاء الصبغة الإلزامية لقرار محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني، وطالبت صراحة من خلال سفيرها الدائم لدى الأمم المتحدة بأن لا يكون الاحتلال الإسرائيلي استثناءً في جزئية العقاب، لكن هذا المشروع، كما هو معلوم، قوبل باستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض “الفيتو” للمرة الثالثة منذ بداية العدوان على غزة.
قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم الذي خططت له الجزائر ونجحت في استصداره، ما هو إلا بداية طريق نحو تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، يختم الدكتور سليمان نبار.