تعتزم الحكومة الجزائرية مواصلة سلسلة الزيادات في الأجور استكمالا لسياسة رفع الأجور التي باشرها الرئيس عبد المجيد تبون منذ توليه سدّة الحكم في البلاد قبل أربع سنوات، والتي ارتقت برواتب الموظفين بنسبة 47 بالمئة، في الوقت الذي تعهّد فيه الرئيس تبون برفعها لنسبة مئة في المئة آفاق 2027.
ملف: محمد فرقاني وكمال زقاي وسعاد بوعبوش
عهّد رئيس الجمهورية خلال آخر خرجة إعلامية ببلوغ الزيادات في أجور الموظفين نسبة مئة بالمئة آفاق سنتي ألفين وستة وعشرين ألفين وسبعة وعشرين، بعد أن رفعت سلسلة الزيادات التي باشرها في السنوات الأخيرة أجور العمال بنحو سبعة وأربعين بالمئة.
وقال الرّئيس إنّ هذه الزيادات سيرافقها برنامج اقتصادي متكامل من أجل توفير مداخيل إضافية تضمن التكفل المريح بهذه الزيادات، بما فيها رفع قيمة الدينار الجزائري والنهوض بقطاع الاستثمار الذي يسجل نتائج مبشرة خلال السنوات القليلة الماضية.
وشهدت أجور الموظفين في الجزائر زيادات في السنوات الأخيرة تمّت عبر مراحل استفادت منها جميع فئات المجتمع خصوصا ذوي الدخل الضعيف والمتقاعدين، بالإضافة إلى استحداث منحة للعاطلين عن العمل لأول مرة بالمنطقة ورفعها بعد أقل من سنتين عن استحداثها.
سلسلة الزيادات في الأجور التي أقرّها الرئيس عبد المجيد تبون انطلقت في خضم وضع اقتصادي وصحي صعب بسبب تفشي فيروس كورونا، كانت له تداعيات قاسية على الاقتصاد العالمي والقدرة الشرائية لدى كل الدول، ورغم هذه المعطيات فقد باشر الرئيس عبد المجيد تبون عملية زيادات في الأجور بدأت من خلال رفع قيمة الحد الأدنى للأجر القاعدي بأثر رجعي اعتبارا من جوان 2020.
وتمّ رفع قيمة الحد الأدنى للأجر القاعدي من 18 ألف دينار الى 20 ألف دينار ما يعادل 170 دولار، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ ثمانية سنوات رغم ما مرت به البلاد من فترات عرفت فيها أريحية مالية واستقرارا في مداخيل الخزينة، إلاّ أن الشعب الجزائري لم يذق من خير هذه الموارد إلا بعد أن اعتلى الرئيس تبون كرسي الحكم في البلاد.
وتوالت البشائر للموظّفين في الجزائر الطامحين في تعزيز قدرتهم الشرائية بعد أن أقر الرئيس تبون إعفاء ذوي الدخل الضعيف من الضريبة، فكانت البشرى بإعفاء أصاحب الدخل الذي يقل عن 30 الف دينار من الضريبة، وهي العملية التي تمت بأثر رجعي ابتداء من جوان 2020، وكان لها الفضل في رفع الأجر لدى شريحة واسعة تشتغل لدى القطاع العمومي والخاص على حد سواء.
الإعفاء من الضريبة لدى أصحاب الدخل الضعيف تلاه تخفيض في ضريبة الدخل الإجمالي، ما سمح باستفادة بزيادات معتبرة في أجور 2.8 مليون موظف، وهي العملية التي تمت ابتداء من ماي 2022.
ولم تتوقّف جهود الحكومة عند هذا الحد، وعزّزت أجور الموظّفين بإجراءات استثنائية تاريخية حينما قرر الحكومة مراجعة شبكة النقاط الاستدلالية، وإضافة 50 نقطة في الرقم الاستدلالي للراتب الرئيسي و30 نقطة في الدرجات، بالإضافة إلى الزيادة في العلاوات والتعويضات الشهرية وغير الشهرية، وهي العملية التي تمت اعتبارا من جانفي 2022.
ومسّ رفع النقطة الاستدلالية في قطاع الوظيف العمومي أكثر من 2.7 مليون موظف وعون متعاقد، منهم 2.4 مليون مأخوذين على عاتق ميزانية الدولة، وحوالي 360 ألفاً على عاتق ميزانية الجماعات المحلية.
وفي إطار قانون المالية 2023 خصصت الحكومة 350 مليار دج للتكفل بزيادات أجور 2.8 مليون عامل في الوظيف العمومي، وهي نفس الميزانية التي خصّصت خلال 2024 للتكفل بأجور موظفي الوظيف العمومي، وقرّرت الحكومة مراجعة عدد النقاط الاستدلالية بإضافة 75 نقطة في 2023 و75 أخرى في 2024.
مؤشّرات مستقبلية إيجابية تدعم القدرة الشّرائية
تركت تصريحات رئيس الجمهورية وعزمه على مضاعفة الأجور خلال السنوات الثلاثة القادمة ردود فعل مرحبة بين العمال والطبقة الشغيلة التي تشكّل وعاء واسعا من الطبقة الوسطى الناشطة اقتصاديا والمحافظة على توازنات المجتمع، حيث تناضل باستمرار من أجل تحسين ظروفها المهنية والاجتماعية، وشهدت طفرة بفضل الزيادات المتكرّرة في الأجور بنسبة وصلت 47 بالمائة، وما تركته من أثر مادي وانعكاس إيجابي على القدرة الشرائية لهذه الفئة، على أمل تحقيق زيادات أخرى وتجسيد نسبة 53 بالمائة التي تحدّث عنها الرئيس في تصريحه الإعلامي.
مقابل هذه الرغبة والتفاؤل الكبير الذي أبدته الطبقة الشغيلة التي تسعى الى تحسين ظروفها المهنية والاجتماعية، ومواصلة سياسة الدعم التي تقوم بها الحكومة لمرافقة كل الفئات الاجتماعية عن طريق مختلف القرارات والآليات القانونية والاقتصادية المتخذة في الميدان من رفع الأجور الى تدابير حماية المستهلك ومكافحة المضاربة غير المشروعة. قدّم باحثون وخبراء مختصون نظرة اقتصادية وقراءة تحليلية في مجمل المحاور التي تناولها رئيس الجمهورية خلال الندوة الصحفية وخاصة الشق المتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي، وكيفية بناء معادلة متوازنة ما بين رفع الأجور، وتخفيض نسبة التضخم المرتبطة ارتبطا كبيرا بتقوية الإنتاج الوطني وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
في هذه النقطة الأساسية التي لمست الوتر الحساس لفئات واسعة من العمال والموظفين في القطاعين العام الخاص، ثمّن الخبير الاقتصادي والي عرقوب تصريحات رئيس الجمهورية الاستشرافية للبعد الاقتصادي والاجتماعي التي وصفها بالنظرة المتكاملة لأنها لم تعزل قرار رفع الأجور عن ظاهرة التضخم التي تستنزف في كل مرة هذه الزيادات التي لا يشعر بها العامل بسبب تضاعف أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وأيضا تحدي رفع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية ودفع عجلة التنمية الى الأمام حتى تتحقّق هذه المعادلة الاقتصادية الكلية، وقال “لأول مرة منذ 30 سنة نسمع رئيس الجمهورية يتحدّث على ضرورة رفع قيمة الدينار الجزائري الذي يتهاوى باستمرار، ومحاولة تثبيت هذه القيمة وهذا عن طريق تدابير واليات نقدية يقوم بها البنك المركزي الجزائري لتحديد سعر الصرف مقابل باقي العملات خاصة الدولار والأورو”.
كما شدّد الباحث “على ضرورة مواصلة التدابير الاقتصادية لضمان نجاعة نرفع الأجور، وهذا بإرفاق القرارات المتخذة باليات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية والوطنية لرفع الطاقة الإنتاجية، وترقية المنتوج الوطني مع تقليل فاتورة الواردات والتحكم في الأسعار التي تؤدي حتما الى تخفيض نسبة التضخم الحالية التي تتراوح ما بين 7 الى 8 بالمائة الى أدنى من 4 بالمائة مثلما أعلن عنه رئيس الجمهورية، وقال “إن هذه النسبة في حال ما تحققت خلال السنوات القادمة تعتبر صحية وعادية من وجهة نظر اقتصادية، وقد تنعكس إيجابا على وتيرة نمو الاقتصادي الوطني المستقر في حدود 4.2 بالمائة مع مؤشرات بتحقيق أزيد من 400 مليار دولار ناتج محلي خام سنة 2026، التي ستترك وقعا كبيرا على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري بصفة عامة والطبقة العاملة المتوسطة بصفة أخص، التي ستستفيد أكثر من كل زيادة محتملة خاصة في حالة رفع قيمة الدينار الجزائري”.
الدكتور كواشي: رئيس الجمهورية وفّى بوعد زيادة الأجور
جدّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون التزامه تجاه المواطنين بالاستمرار في رفع الأجور إلى آفاق 2027، حيث تحقّق من هذا الالتزام مطلع السنة الجديدة 2024 بزيادات تتابعت على التوالي ووصلت إلى 47 %، فيما ستتواصل العملية تدريجيا لبلوغ 53 % المتبقية، حسب ما كشفه في لقائه الدوري مع الصحافة.
الاستمرار في رفع الأجور التزام تجسّد على مراحل منذ منتصف 2020، بهدف تعزيز وتقوية القدرة الشرائية، سيما بالنسبة للفئات الهشة وذوي الدخل الضعيف، وتدخلت الدولة الجزائرية لصالح 2.8 مليون مستفيد من هذه الزيادات رغم ما واجهته من تحديات معقدة من أجل استدراك تراكمات الأوضاع، وبناء اقتصاد ناجح يستجيب لتطلّعات الشعب الجزائري.
وكانت آخر الزيادات قد تقرّرت تحت عنوان 2024 انطلاقا من شهر جانفي الفارط بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطن وتلبية احتياجاته اليومية، إلى جانب تقليص الأعباء الضريبية، وبذل جهود معتبرة في مجال التحويلات الاجتماعية التي مثّلت نسبة 18.45 % من الميزانية العامة للدولة برسم سنة 2023 لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية.
ويرى الخبير مراد كواشي أنّ رئيس الجمهورية وفّى بجميع وعوده فيما يتعلق بزيادة الأجور، فلحد الآن هناك 47 % كزيادات في الأجور، وما تبقى 53 % سوف يتم إنجازه إلى غاية سنة 2027، مشيرا إلى أن هذه الأرقام والنسب إيجابية جدا، وهي ربّما معدلات لم تحقّق في أية دولة أخرى، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث تخلت ربما معظم وإن لم نقل كل الدول على المستوى العالمي على دعمها للشق الاجتماعي الجزائر واصلت في نفس المسار من خلال زيادات معتبرة في الأجور.
في المقابل، أكّد د – كواشي أن هذه الزيادات رافقتها محاولات جادة للتحكم في معدلات التضخم وكبح ارتفاع الأسعار، ناهيك عن العمل على توفير مناصب الشغل والاستمرار في سياسة الدعم الشامل الذي تكلف الدولة الجزائرية والخزينة العمومية ملايير الدولارات سنويا.
وحسب المتحدّث تدخل هذه السياسة في إطار السياسة الاجتماعية للدولة الجزائرية، والتي أسّس لها بيان أول نوفمبر ولم تتخل الدولة الجزائرية عنها، حتى في ظل الأزمة الحالية وهي أزمة اقتصادية حادة، وعصفت بمختلف السياسات الاجتماعية التي تبنّتها معظم الحكومات على المستوى العالمي، إلاّ أن الجزائر استمرّت في دعمها للشق الاجتماعي.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أنّ رئيس الجمهورية وفق في تحقيق هدف زيادة الأجور، والتي مسّت مختلف الموظفين وحتى المتقاعدين إلى جانب استحداثه لما يعرف بمنح البطالة، ما يجعل من سياسة الدولة الجزائرية سياسة ناجحة جدا، بحيث تمّ إنجاز معظم الأهداف وما تبقّى يمكن تحقيقه في سنة في غضون 2027، وهذا بالنظر إلى الأريحية المالية الكبيرة التي تعيشها الخزينة العمومية خاصة احتياطي الدخل، ناهيك عن معدل النمو الاقتصادي 4.2 % ومديونية صفرية.
وأوضح د – كواشي كل هذه المؤشّرات كلية إيجابية جدا، وهذا بشهادة المؤسسات المالية الدولية منذ يومين صدر التقرير عن صندوق النقد العربي الذي يشيد بتحسّن المؤشرات الكلية العالية للاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أنّ ذلك سوف ينعكس على الشق الاجتماعي وعلى ربما على الزيادات في الأجور، وعلى الزيادات في مِنح البطالة والتقاعد إلى غير ذلك مستقبلا.