يحيي العالم اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام، غدا الخميس، في سياق “استثنائي” يميزه تنامي تهديدات هذه الأسلحة خاصة في بؤر الصراعات بالعديد من الدول، في ظل استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة الذي يشهد أشغال اقامة منطقة عازلة، فيما تعتبر الصحراء الغربية أكثر “بؤرة تلوثا” بالألغام و بالذخائر غير المتفجرة.
منذ اعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا، يوم 4 أفريل من كل عام، يوما دوليا للتوعية بالألغام والمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام، بموجب قرارها 97/60 المؤرخ في 8 ديسمبر 2005، تعمل دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام و الشركاء على إزالة هذه الأسلحة الفتاكة ودعم السلطات الوطنية وتسهيل نشر بعثات الأمم المتحدة وتقديم المساعدة الإنسانية وحماية المدنيين ودعم العودة الطوعية للنازحين داخليا واللاجئين.
ففي كل ساعة يقتل أو يصاب شخص واحد بسبب هذه الأجهزة المتفجرة وتتسبب في وقوع العديد من الضحايا وترويع المدنيين وتهديد الجهات الفاعلة الإنسانية وبعثات الأمم المتحدة وموظفيها.
ووعيا منها بالخطورة التي تشكلها “مكامن الموت المدفون” التي تحصد المزيد من الارواح الابرياء لدى الفئات الهشة، مخلفة أرقاما مرعة و خسائر مادية في العديد من مناطق النزاعات والحروب، لا تتوانى الامم المتحدة في بذل الجهود الرامية الى تشجيع بناء قدرات وطنية وتطويرها في بلدان تشكل فيها الألغام والمخلفات المتفجرة “هاجسا حقيقيا”.
وبهذه المناسبة، شدد الامين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على أنه بالرغم من انضمام 164 دولة لاتفاقية منع الالغام التي هي واحدة من بين اتفاقيات نزع السلاح، الا أن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك لوضع حد لتهديداتها، من خلال بذل المزيد من الجهود على أوسع نطاق لحماية المدنيين من خطر الالغام الارضية.
الألغام ومخلفات الحروب : قنابل موقوتة في فلسطين والصحراء الغربية
وأهم ما يميز الاحتفال بهذا اليوم العالمي التوعوي هذه السنة، التطورات الخطيرة و”غير المسبوقة” التي تشهدها فلسطين المحتلة، جراء العدوان المتواصل على قطاع غزة، وما يرافقه من جرائم ضد الانسانية وابادة جماعية لم يشهد لها تاريخ البشرية مثيلا، فيما تحصد المتفجرات و الالغام ضد الافراد التي أغرق الاحتلال المغربي بها المناطق الصحراوية المحتلة، عشرات أرواح المدنيين الصحراويين.
ففي فلسطين، تهدف المنطقة العازلة التي يعمل الجيش الصهيوني على إنشائها داخل قطاع غزة من خلال هدم المباني القريبة من الحدود وقضم مساحة أراضي القطاع على طول الحدود، بالأساس الى “تلغيمها”، حسب تصريحات لمسؤولين صهاينة أكدوا فيها علنا أن المنطقة العازلة ستكون بمثابة “حاجز ولن يتواجد فيها شيء سوى الألغام”.
و خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة، هلك 21 جنديا صهيونيا عندما انفجرت الألغام التي زرعوها في مبنيين على بعد 600 متر من الحدود، ما أدى إلى انهيار المبنيين.
وذكرت منظمة “هانديكاب إنترناشونال” الدولية الإنسانية أن الكيان الصهيوني ألقى 45 ألف قنبلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي وحتى منتصف يناير، موضحة أن “3 آلاف منها على الأقل لم تنفجر مما يشكل خطرا يهدد سكان القطاع المحاصر”.
من جهته، أكد جان بيار ديلومييه، نائب مدير العمليات الدولية، أن “ثمة 3 آلاف قنبلة من بين هذه القنابل الـ 45 ألفا لم تنفجر وستشكل خطرا إضافيا على المدنيين عند العودة إلى المناطق التي نزحوا منها في الوقت الذي يتعين فيه توزيع المساعدات الإنسانية”.
في السياق ذاته، صرح تشارلز بيرش، خبير إزالة المتفجرات بالدائرة الأممية للأعمال المتعلقة بالألغام، بأن غزة حاليا “مليئة بالمئات إن لم يكن الآلاف من الذخائر غير المنفجرة، بدءا من الصواريخ المؤقتة إلى الذخائر عالية التقنيةالتي قدمتها الولايات المتحدة للكيان الصهيوني”، موضحا أن هذه الذخائر غير المنفجرة “قد تكون أكثر التهديدات انتشارا لأنها ستدوم طويلا بعد العدوان وتشكل مخاطر على المدنيين لأجيال”. ليضيف أنه “حتى في أوقات السلم النسبي في غزة، فإن القنابل المتبقية من الاعتداءات السابقة كانت تقتل وتشوه بانتظام والتي تشكل الان أسوأ بأضعاف مضاعفة”.
أما الصحراء الغربية، فتعتبر من أكثر البلدان والمناطق تلوثا بالألغام في العالم، لا سيما منذ أن أقام الاحتلال المغربي على طول 2700 كلم جدارا رمليا ليجد الصحراويون أنفسهم بين مطرقة الحرب وسندان الالغام .
علاوة على ذلك، يوجد أكثر من 70 نموذجا من الألغام المضادة للأفراد والدبابات مصنع من قبل 14 دولة، وهو الأمر الذي يعيق جهود السلام في المنطقة، بينما لا يزال الاحتلال المغربي يصر على المضي في زرع المزيد من الألغام التي تجاوزت الـ10 ملايين لغما لإبادة المدنيين الصحراويين العزل.
ووصفت جمعية ضحايا الحرب والألغام في الصحراء الغربية ملايين الألغام المضادة للأفراد والآليات المزروعة من قبل الاحتلال المغربي ب”آلة الموت الحقيقي التي تهدد الحياة بشكل عام وتشكل خطرا داهما على طول أكثر من 2700 كلم في جدار يقسم الصحراء الغربية أرضا وشعبا”.
ويرى رئيس الجمعية الصحراوية لمكافحة الالغام، عزيز حيدر، أن هذه الألغام زادت “من معاناة الشعب الصحراوي على مدى عقود من الزمن، لما تجره من مشاكل بيئية و أضرار وخسائر في الارواح، بالإضافة الى الحيوانات التي لم تسلم منها، مما يعتبر جريمة بحق الارض والانسان”.
ومن نفس المنظور، اعتبر مسؤول العمليات في المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام، البشير غيثي النح، أن الاحتلال المغربي واصل عمليات التلغيم بشكل “رهيب كما ونوعا”، بحيث أنه جعل من الجدار الرملي أطول حقل ألغام في العالم وأكثرها كثافة، بما يجعل الشعب الصحراوي “أكثر الشعوب عرضة لخطر هذه الأسلحة المدمرة”.