وجّهت الحكومة بوصلتها نحو الطاقات المتجدّدة خلال السنوات الأخيرة، من خلال بعث مشاريع ظلت حبيسة الأدراج لعقود من الزمن. ولا يفوّت الرئيس عبد المجيد تبون أي مناسبة للتذكير باستراتيجية الدولة تجاه الطاقات المتجدّدة، خصوصا الطاقة الشمسية التي شهد العام الجاري انطلاق جملة من المشاريع لتجسيد برنامج هام وطموح تنشد الحكومة حصد نتائجه في قادم السنوات.
أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال ترؤّسه اجتماعا لمجلس الوزراء، الأحد، على أهمية تطوير الطاقات المتجددة، مع مراعاة الآليات والإمكانات التكنولوجية لتحقيق انتقال طاقوي مدروس في أدق تفاصيله يراعي المصالح العليا للدولة والطاقات الموجودة حاليا.
في هذا الشأن، أوضح الخبير الدولي في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي البروفيسور علي شقنان، أن الجزائر عرفت خلال السنوات الأخيرة انتعاشا كبيرا وحركية من خلال إطلاق المشاريع الطاقوية عموما والطاقات المتجددة بصفة خاصة، وهذا من أجل ضمان مستقبل طاقوي آمن وتنويع الموارد الطاقوية وتعزيز سياسة التخلي عن الاتكال على ريع المحروقات.
وأضاف البروفيسور شقنان، أن تنويع مزيج الطاقة يشكل أحد التحديات الرئيسة للتحول للانتقال الطاقوي في الجزائر، ما من شأنه أن يجعل من الممكن إدارة الموارد غير المتجددة بشكل أفضل والتحكم في الطلب الداخلي على الطاقة.
وقال الخبير الدولي في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، «نحن أمام ثورة اجتماعية اقتصادية تفرض نفسها على العالم كله، بعد الثورات الثلاث الأخيرة (الماء والفحم والنفط)، ويعد مزيج الطاقة خطوة أولى في تحول الطاقة، فهو يسمح بعدم اعتماد إنتاج الطاقة على نوع واحد من الطاقة الأولية».
وذكّر محدثنا، بما تتمتع به الجزائر من إمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية، حيث تمتلك مدة تشميس يمكن أن تصل إلى 3900 ساعة في السنة، وواحدة من أكبر صحارى العالم، يصنف بها أكبر مخزون للطاقة الشمسية في البحر الأبيض المتوسط، بمتوسط طاقة يتم تلقيها يوميًا يبلغ 5 كيلوواط ساعي.
ومن شأن هذه الإمكانية، أن تساهم بشكل فعال في تنمية القطاع الفلاحي، خاصة الفلاحة الصحراوية. وأوضح شقنان، أن تحول الطاقة يتكون من ثلاثة مكونات رئيسية؛ تتعلق الأولى بتحول نظام إنتاج الطاقة إلى نظام يعتمد على الطاقات المتجددة والأقل تلويثاً.
فيما تعنى الثانية بكفاءة الطاقة أو الفعالية الطاقوية، والتي تتجسد من خلال تحسين كفاءة الطاقة في أنظمة الطاقة لدينا. أما المكون الثالث فيعنى برصانة الطاقة، التي تشير إلى التخفيض الطوعي والمنظم لاستهلاك الطاقة. وبالحديث عن استراتيجية الحكومة في هذا المجال، قال البروفيسور شقنان «نلاحظ أن هناك اهتمام كبير وإرادة سياسية واضحة من قبل السلطات العليا للبلاد، من خلال تبني مشاريع واعدة في مجال الطاقات المتجددة ولا سيما مشروع 15000 ميغاواط في آفاق 2035 الذي يهدف إلى توليد الكهرباء من مصادر متجددة بنسبة 30%، وهو يحمل بعدا اقتصاديا واجتماعيا وبعدا بيئيا».
وأشار البروفيسور شقنان، أن الجزائر تكرس كل جهودها للبحث عن سبل جديدة للتدعيم بالطاقة والانتقال من الاعتماد على الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد يعتمد على تنويع المصادر الطاقوية بالاعتماد على الطاقات المتجددة.
وعن المشاريع المتعلقة بالطاقة الشمسية، التي انطلقت أو تعتزم الحكومة إعطاء إشارة انطلاقها في قادم الأسابيع، أوضح الخبير الدولي في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، أن الأمر يتطلب دراسة فنية معمقة بخصوص الشبكة الكهربائية.
وأوضح شقنان، أنه ينبغي أن نعاين مدى استجابة الشبكة لضخ هذه الطاقة الكهربائية المنتجة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار كل الأمور، كما يجب أن يضمن ضخ الطاقة في الشبكة من حيث الأمن والاستقرار والموثوقية والمساواة في الوصول، فضلاً عن جودة إمدادات الطاقة وخدمة الطاقة للشبكات.
وعن الخطوة الأولى التي تم الشروع فيها والمتمثلة في إنجاز 3 جيغاواط، أشار محدثنا أنها تستوجب محطة تقييمية حقيقية بعدية لمعرفة كل المشاكل التي يمكن ان تطرأ خلال دمج الطاقة المتجددة في الشبكة من أجل بلوغ الهدف المسطر خلال الآجال المحددة بصفة آمنة.
ودعا البروفيسور شقنان، إلى إشراك الجامعات ومراكز البحث خلال كل أطوار الانجاز.
وذكر أن توجه الجزائر بقيادة الرئيس تبون، نحو تعزيز إنتاج الطاقات المتجددة نابع من إيمانها بالمؤهلات التي تمتلكها لتكون لاعبًا إقليميًا رئيسيًا في تطوير الهيدروجين، وخاصة الأخضر، مشيرا إلى أن الجزائر تتمتع بوضع جيد لإنتاج الهيدروجين الأخضر وحتى الأزرق (من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون وتخزينه) بتكاليف تنافسية للغاية». في ذات السياق، أشار الخبير الدولي في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي البروفيسور علي شقنان، أن تطوير الهيدروجين يتطلب إعداد رأس المال البشري ونقل التكنولوجيا والتمويل، بالإضافة إلى إنشاء سوق شفافة وتنافسية».
ويرى شقنان، أن التحديات التي يتعين علينا مواجهتها من الآن وحتى ذلك الحين عديدة؛ أولها تكلفة التكنولوجيات، التي لاتزال مرتفعة للغاية، بالنظر إلى الطلب وبالتالي الكميات المحدودة للغاية، فيما يتعلق التحدي الآخر بجودة الخدمة وموثوقية المعدات.