اعتمدت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، مقاربة تشاركية جديدة لتسجيل البرامج التنموية في الولايات، بإشراك المواطنين وممثليهم في المجالس المحلية المنتخبة، وهذا ما يسمح بمعالجة النقائص والاختلالات التنموية، وتمكين كل ولاية من التعبير عن احتياجاتها وتوجيه الأغلفة المالية المخصصة في إطار البرامج العادية والجوارية والتكميلية، لتنفيذها بدقة وفي آجالها المحددة لتحريك عجلة التنمية، وتحقيق التوازن التنموي بين جميع الأقاليم دون استثناء.
كشف مدير الجماعات المحلية بوزارة الداخلية والجماعات المحلية يوسف رومان، في لقاء بـ«الشعب” بمكتبه بمقر الوزارة، عن اتخاذ عدة إجراءات وتدابير لمعالجة الاختلالات التنموية المسجلة بين الولايات، تجسيدا لتعليمات رئيس الجمهورية التي أسداها للحكومة منذ 2020، حيث تحدّث بصراحة عن مناطق الظل، وشدّد على ضرورة القضاء على ظاهرة عدم التوازن التنموي المحلي.
قال رومان إنّ مصالح الداخلية عملت، في المرحلة الأولى، على محاربة الفوارق التنموية طيلة عامين ونصف في مناطق الظل وبين البلديات، مشيرا إلى تحقيق عدة أهداف خلال هذه المدة، بالرغم من بقاء بعض المناطق تعاني مثلما ذكر؛ لأنّها لم يشملها الإحصاء من قبل، لكن تمّ التكفل بها في البرامج التنموية العادية.
وذكر أنّه تمّ رسميا إغلاق برنامج ترقية مناطق الظل في 31 ديسمبر 2022، وفي نهاية البرنامج تمّ الانتهاء من إنجاز 29.295 مشروع، أو ما يقرب من 98.7 % من البرنامج الممول، استفاد من المشاريع المنجزة حوالي 6.2 مليون نسمة.
مشاريـع كبرى واعدة ورصد الأموال مستمر لتلبية احتياجات التّنمية
وبعد الانتهاء من إعادة تأهيل مناطق الظل – يضيف رومان – “تم الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج رئيس الجمهورية المتعلقة بإعادة التأهيل ما بين الولايات، بعدما سجلت اختلالات في التنمية على مستوى البعض منها، وقد قرّر رئيس الجمهورية الانطلاق من ولاية خنشلة، ثم تيسمسيلت ثم الجلفة، ومؤخرا ولاية تندوف”، موضّحا أن هذه الولايات استفادت من برامج تكميلية، حرص رئيس الجمهورية على أن تخرج هذه المشاريع من الجماعات المحلية، ووفق مقاربة تشاركية، يشارك فيها المواطن والمنتخب المحلي، بحيث تمّ تنظيم خرجات ميدانية للولايات المعنية وبالتنسيق مع المجتمع المدني والأعيان والجماعات المحلية، سجلت خلالها العمليات التنموية بناءً على مقترحاتهم.
معالجة الاختلالات التّنموية
أبرز مدير الجماعات المحلية أنّ من بين أهداف البرامج التكميلية المخصصة لفائدة الولايات، معالجة الاختلالات التنموية التي ما تزال قائمة بين الولايات، وهذا ينطوي على الارتقاء ببعض الولايات التي تسجّل نقائص من حيث التنمية.
وأشار محدّثنا إلى أنّ البرامج التي استفادت منها أربع ولايات، ويتعلق الأمر بكل من خنشلة، تيسمسيلت، الجلفة وتندوف، تعرف تقدما ملحوظا للغاية، فبولاية خنشلة تمّ إطلاق 58 عملية من مجموع 59 عملية أو مشروع يشمل 14 قطاعا، وهو ما يمثّل 98.31 % من البرنامج، ومن بين العمليات 58 التي تمّ إطلاقها، أنجزت 20 عملية بالفعل، في حين ما تزال 37 عملية قيد الإنجاز، بما فيها المشروع الهيكلي الكبير المتعلق بإنشاء خدمة السكك الحديدية بين خنشلة وعين البيضاء، الذي يرتقب تسليمه بالكامل شهر ماي المقبل على أبعد تقدير، مع العلم أنّ هذا البرنامج مكّن من استحداث 5870 منصب عمل مباشر في مختلف مواقع البناء.
أما برنامج ولاية تيسمسيلت الذي تمّت الموافقة عليه خلال مجلس الوزراء المنعقد في 27 نوفمبر 2022، بغلاف إجمالي قدره 98.53 مليار دج، تمّ تحريره لإنجاز 97 عملية موزعة على 19 قطاعا، تمّ إطلاق 88 عملية على أرض الواقع، وهو ما يمثّل 90.72 % من البرنامج. ومن بين العمليات 88 التي تمّ إطلاقها، أنجزت 16 عملية بالفعل، و72 عملية قيد الإنجاز.
ويهدف البرنامج التكميلي لولاية تيسمسيلت أساسا إلى فتح هذه الولاية من خلال مشاريع الطرق المختارة، فضلا عن بناء العديد من البنى التحتية لإحياء الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وقد مكّنت هذه المشاريع من خلق حتى الآن 5018 منصب عمل مباشر.
ولاية الجلفة التي نالت حصة الأسد من البرنامج التكميلي، نظرا لشساعة مساحتها، بميزانية ضخمة وصلت 184.78 مليار دج لتنفيذ 248 عملية تشمل 20 قطاعا، 177 مليار دينار خصّصت للمشاريع القطاعية، و8 مليار دينار للبلديات لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية سلّمت عبر دفعتين.
وأشار رومان إلى أنّ تطوير هذا البرنامج تمّ وفق استراتيجية محلية تعتمد على منهجين، التطبيق على أساس التوازن الترابي والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفوارق بين المناطق المختلفة، أما الثاني فيرتكز على تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية ذات الأولوية، وذكر أنّه تمّ خلال 2023 تحديد كافة الأراضي المخصصة لاستيعاب المشاريع الجديدة بمساحة إجمالية قدرها 139 هكتارا.
من جهتها، شرعت مصالح ولاية تندوف بالفعل في إجراءات إعداد دفاتر الشروط واختيار القواعد الأرضية لاستيعاب المشاريع المختارة، مع العلم أنّه تقرّر خلال مجلس الوزراء المنعقد يوم 24 ديسمبر 2023، تخصيص برنامج تكميلي لفائدة ولاية تندوف بغلاف إجمالي قدره 29.5 مليار دج، مخصّص لإنجاز 18 عملية تندرج في إطار سبعة قطاعات، بما في ذلك 17 عملية بقيمة إجمالية تقدّر بـ 29 مليار دج ممولة من ميزانية الدولة. وعملية تتعلق بتعزيز الولاية بالتجهيزات والوسائل، بتمويل من صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، بمبلغ 500 مليون دج.
الفاعلية لتحقيق الأهداف
بالإضافة إلى البرامج التكميلية، تستفيد الولايات من برامج قطاعية تشرف عليها وزارة الداخلية، ويتعلق الأمر – مثلما أبرزه مدير الجماعات المحلية – بالبرامج الجوارية التي كانت تسمى سابقا مخططات البلديات للتنمية، وأصبحت تسمى حاليا برنامج دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المحلية، تموّله خزينة الدولة لدعم التنمية بالبلديات، أما البرنامج الثاني فيتم تمويله من صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، ولديه مجلس توجيه يضم ممثلين عن المجالس المحلية الولائية والبلدية وثلاث ولاة.
وأكّد رومان أنّ البرامج العادية استفادت منها جميع الولايات، عكس ما كان معمول به سابقا، حيث كان يقتصر الأمر على 5 أو 10 ولايات ممّا سجّلت طلبات فقط، مشيرا إلى تخصيص 110 مليار دينار لفائدة البلديات سنة 2023، مكّن من تسجيل 20.097 عملية، تخص إمدادات مياه الشرب، الصرف الصحي، الربط بالكهرباء والغاز، تعزيز البنية التحتية للمدارس، والبنية التحتية الاقتصادية من أسواق، مواقف سيارات، والبنية التحتية للإدارات، اقتناء معدات تدخل..وغيرها، أما في 2024، فقد تم رصد 214 مليار دينار لتنفيذ عمليات مماثلة.
وقال: “كل سنة ندمج البرنامجين، ونسطّر برنامجا ضخما للتنمية يتم توزيع اعتماداته المالية على الولايات، وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار عدد البلديات، المساحة، الوضعية المالية للبلديات، ثروة البلديات، المناطق السكنية المبعثرة، وأضيف لها في 2024 معيار وضعية تقدم نسبة إنجاز المشاريع، فالولايات والبلديات التي لم تنفّذ برامجها لا يمكن منحها اعتمادات مالية جديدة، وهي لم تستكمل المشاريع القديمة”، موضّحا أنّ هذا يعطّل المشاريع ويجمد استغلال الأغلفة المالية.
وأشار رومان إلى أنّه منذ 2023، أصبحت المشاريع خاصة الممولة من طرف صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، تسجّل كل سنة شهر مارس أو أفريل بالموازاة مع انطلاق المشاريع الممولة من ميزانية الدولة في إطار برنامج دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجماعات المحلية، وليس حسب طلبات الولايات، وعليه، فإنّ المسؤولين المحليين ملزمون بتحضير برنامج 2025 من الآن، وأوضح أنّه مع الشروع في تطبيق هذه القاعدة، لاحظنا أن جميع البلديات تنطلق في جميع المشاريع المسجلة، وهذا خلق دينامكية فيما يخص تسجيل وانجاز المشاريع على مستوى العديد من البلديات.
وذكر رومان أنّ الاحتياجات تفوق المبالغ المرصودة، ولكن كل سنة يتم معالجة الاختلالات والنقائص المسجلة عن طريق البرامج العادية أو التكميلية، دون نسيان المشاريع الكبرى التي تمولها خزينة الدولة، خاصة أنّ المشاريع التي لديها أبعاد تنموية تشمل عدة ولايات مجاورة، مثل مشروع غارا جبيلات بتندوف الذي سيغطي المنطقة الغربية الجنوبية، ومنجم فوسفات بلاد الهدبة الذي سيحرك التنمية في سوق أهراس، قالمة، وعنابة، ومنجم الزنك أميزور ببجاية بمنطقة الوسط، مشيرا إلى أنّ رئيس الجمهورية أصر على تحويل المادة الأولية لتلك المناجم في الجزائر، وهذا ما سيكون له الأثر الكبير على تحريك عجلة التنمية المحلية والوطنية، عن طريق إنشاء المصانع وتعزيز المناولة واستحداث مناصب شغل.
وأبرز رومان مجهودات الدولة المبذولة في إطار تعزيز التنمية المحلية، عن طريق تسطير برامج إضافية ممولة من خزينة الدولة، مثل برنامج تأهيل المدارس الابتدائية التي أمر رئيس الجمهورية بإعادة الاعتبار لها، وبعد إحصاء احتياجات الولايات، رصدت الحكومة غلافا ماليا يقدّر بـ 55 مليار دينار للتكفل بالعملية في إطار مخطط المالية التصحيحي، تمّ توزيعه على جميع الولايات، واليوم البرنامج جاري إنجازه وستسلم جميع المشاريع قبل الدخول المدرسي القادم، وهذا ما خلّف استحسانا كبيرا لدى المنتخبين المحليين؛ لأنّه سيحسّن وضعية الهياكل التربوية.
من جهة أخرى، أعلن مدير الجماعات المحلية عن إعداد برنامج آخر طالب به رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء، يتعلق بالتهيئة الحضرية، وقال: “وضعنا إحصاء أوليا للعملية، ونحن في اتصال مع جميع القطاعات لضبط الاحتياجات بدقة”، موضّحا أن البرنامج سيتم تنفيذه عبر مراحل لمدة ثلاث سنوات، نظرا لتكلفته الباهظة، كما جرى العمل به سابقا في برنامج إعادة تأهيل الطرقات الولائية والبلدية.
وأوضح رومان أنّ هذا البرنامج عند تسجيله سيحسّن الوضعية العمرانية لبلديات الهضاب العليا خاصة، التي أصرّ رئيس الجمهورية على الاهتمام بها، لأنه على مستوى المدن الكبرى يوجد مشكل تنظيف، لكن بالنسبة للبنى التحتية لا توجد نقائص كبيرة، بفضل البرامج التنموية العادية المسجلة كل سنة.
تمويل 142 منطقة نشاط
أكّد رومان أنّ تمويل البرامج التنموية مستمر بمختلف صيغها العادية، التكميلية والجوارية، لتلبية مختلف احتياجات الساكنة التي تغيّرت كثيرا عن السنوات الماضية، بحيث لم تعد تقتصر الطلبات على تعبيد طريق، وتوفير سكن أو مدرسة، بل تعداه ليشمل الربط بشبكة الألياف البصرية وشبكة الانترنت، وإنجاز ملاعب ومسابح، وتوفير الخدمات التي تدخل في إطار تحسين مستوى معيشة المواطن.
من جهة أخرى، وبهدف تحويل البلديات إلى أقطاب متخصصة في الإنتاج، كشف رومان عن إطلاق برنامج نموذجي لإنشاء مناطق نشاطات مصغرة، تمّ في المرحلة الأولى تمويل 142 منطقة نشاط من طرف صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية بمبلغ يقدّر بحوالي 15 مليار دينار جزائري، على أن يستمر دعم مثل هذه البرامج كل عامين لتشمل جميع الولايات.
وبخصوص إشكالية تسيير هذه المناطق، أوضح رومان أنّه لم يفصل فيها بعد، لأنّ الإشكال يطرح عندما تكون الأراضي تابعة للملك الخاص للدولة، فالتسيير هنا يكون تحت وصاية الوكالة الوطنية للاستثمار، لذلك إنشاء هذه المناطق يجب أن يكون في أراضي تابعة للبلديات، وعلى هذا الأساس سيفصل النص التنظيمي لقانون الولاية والبلدية في مساحة وطريقة تسيير هذه المناطق التي سيستفيد منها الشباب وأصحاب المؤسسات الناشئة والمصغّرة.