أكد قادة الجزائر وتونس وليبيا في ختام لقائهم التشاوري الأول المنعقد، الاثنين، بالعاصمة تونس، على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة وتعزيز مناعتها، مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة.
ملف: الشعب، علي مجالدي، محمد فرقاني، علي عويش، سفيان حشيفة وحياة كبياش
اتفق قادة البلدان الشقيقة الثلاثة، الرؤساء عبد المجيد تبون وقيس سعيد ومحمد يونس المنفي، المجتمعون بقصر قرطاج، في بيان “قمة تونس”، على “تنظيم هذا اللقاء والحفاظ على دورية انعقاده بالتناوب بين الدول الثلاث للارتقاء بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تربط كل بلد بالآخر إلى مرحلة نوعية جديدة تتعدى الإطار الثنائي إلى التفكير والعمل الجماعي”.
وأكدوا إدراكهم المشترك “بضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة كلها وتعزيز مناعتها، لاسيما مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة وفارقة لم يعد بالإمكان لأي دولة أن تواجه تداعياتها بمفردها”، فضلا عن “الحاجة الملحة لأن يكون للدول الثلاث صوت مسموع موحد وحضور مؤثر وفاعل في مختلف فضاءات الانتماء الإقليمية والدولية”.
وأبرز قادة الدول الثلاث أهمية “الاستعداد التام للانفتاح على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصة تتقاسم ذات الأولويات المشتركة البناءة في دفع هذا العمل الجماعي المشترك وإثراء وتعميق التفاهم والتعاون لخدمة الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة والنأي بها عن سياسة المحاور ومخاطر التدخلات الخارجية”.
وأعربوا عن “تمسك الدول الثلاث باستقلال القرار الوطني النابع من إرادة شعوبها وحرصها على إقامة علاقات مع البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى، في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتمسكها بنظام دولي متعدد الأطراف بدعم التعاون والتضامن والعدل والإنصاف في العلاقات الدولية ومساواة الجميع أمام القانون الدولي”.
وشددوا على ضرورة أن “لا يقتصر هذا التشاور والتنسيق على الملفات السياسية فحسب، بل يشمل كل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب الدول الثلاث، لتحقيق تطلعاتها المشروعة في الاستقرار والازدهار والتكامل”.
وعبر قادة البلدان الثلاثة عن “الرفض التام للتدخلات الأجنبية في الشأن الليبي ودعم الجهود الرامية إلى التوصل إلى تنظيم الانتخابات، بما يحفظ وحدة دولة ليبيا وسلامتها الترابية ويضمن أمنها واستقرارها ونماءها، مع التأكيد على الدور المحوري لدول المنطقة المجاورة لليبيا في دعم السلطات الليبية في مسار إعادة الاستقرار والأمن وفي جهود إعادة الإعمار”.
من جهة أخرى، تضمن البيان الختامي “الإدانة القوية للانتهاكات اليومية الصارخة وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني الشقيق وتجديد الدعوة العاجلة للمجموعة الدولية من أجل الوقف الفوري والدائم للعدوان الهمجي والرفع الكامل للحصار عن قطاع غزة لتأمين إيصال المساعدات الغذائية والطبية وتتبع قيادات الاحتلال ومساءلتهم عن جرائمهم”.
كما تم التأكيد على “الدعم الثابت لصمود الشعب الفلسطيني الباسل، لاستعادة كافة حقوقه التاريخية المشروعة وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف والمساندة المطلقة لحق دولة فلسطين في الحصول على عضوية كاملة ودائمة في منظمة الأمم المتحدة”.
في سياق آخر، حذر قادة الدول الثلاث من “خطورة التدخلات الخارجية في منطقة الساحل والصحراء وتبعاتها على السلم في دول المنطقة وفي العالم”، مبرزين ضرورة “دعم أمن واستقرار دول هذه المنطقة وحماية سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية وتعزيز التعاون معها على مختلف الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتنموية”.
ودعوا إلى “اضطلاع العمل العربي- الإفريقي المشترك بمسؤوليته ودوره في سياق الجهود الأممية الهادفة إلى وضع حد للمعاناة الإنسانية المتفاقمة التي يعيشها الشعب السوداني الشقيق، وفرض وقف الاقتتال والابتعاد عن العنف باعتماد الحوار سبيلا لإيجاد تسوية للأزمة في السودان، تحفظ مقدراته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه”.
وشددت ذات الوثيقة على أهمية “مزيد تعميق التشاور وتبادل التحاليل والتقييمات والمعلومات حول ظاهرة الإرهاب والاتجار بالبشر وبكل أنواع المخدرات والجريمة المنظمة، لحماية المنطقة من هذه الآفات”.
تكوين فرق عمل مشتركة لإحكام تنسيق الجهود لتأمين الحدود
وفي ضوء التهديدات والتحديات التي تواجهها الدول الثلاث، جراء التغييرات الجارية في المنطقة وفي العالم ومن أجل دفع مختلف أوجه التعاون وتفعيل الجهود المشتركة لتعزيز قدرة شعوبها على مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ولا سيما في مجال تحقيق أمنها المائي والغذائي والطاقوي، اتفق القادة الثلاثة على “تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها إحكام تنسيق الجهود لتأمين حماية الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة”.
وتتكفل هذه الفرق أيضا بـ«وضع مقاربة تنموية تشاركية لتنمية هذه المناطق، مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة غير النظامية في شمال البحر المتوسط والدول الإفريقية جنوب الصحراء”.
كما تم الاتفاق على “تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية، على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع وبرامج التعاون الهادفة إلى تحقيق الأمن المائي والغذائي للبلدان الثلاثة”.
ومن بين هذه الآليات “التعجيل بتفعيل آليات مشتركة لاستغلال المياه الجوفية المشتركة في الصحراء الشمالية والتعجيل بتنفيذ مشروع الربط الكهربائي المتزامن بين شبكات نقل الكهرباء بين الدول الثلاث وتطوير التعاون وإقامة شراكات في مجال استكشاف وإنتاج وتخزين المواد البترولية وفي قطاعات المناجم والطاقات المتجددة والنظيفة على غرار الهدروجين الأخضر”.
ومنها أيضا “تذليل الصعوبات التي تعيق انسياب السلع والبضائع بين الدولة الثلاث، وبحث سبل الرفع من نسق التجارة البينية وإقامة مناطق تجارية حرة مشتركة والتسريع باتخاذ الإجراءات المناسبة لتيسير حركة نقل الأشخاص والبضائع، لاسيما عبر تطوير شبكات النقل الطرقي والسككي وإنشاء خط بحري منتظم يربط بين الدول الثلاث”.
وتم الاتفاق على “وضع برامج عمل لتثمين مختلف أوجه الموروث الحضاري المشترك ولتعزيز التعاون في مجالات البحث العلمي والتكوين المهني والتكنولوجيات الحديثة والتبادل الطلابي والشبابي وتشجيع إنتاج برامج ثقافية وتربوية مشتركة”.
وفي ختام هذا الاجتماع الأول، تقرر “تكليف نقاط اتصال يتم تعيينها من قبل كل دولة، لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه تمهيدا لعقد الاجتماع التشاوري القادم الذي سيتم تحديد موعده ومكانه بالتشاور بين قادة الدول الثلاث”.
وحدة ثلاثية تُعزّز الاستقرار وتؤسس لفضاء اقتصادي موحّد
في خضم التحديات الإقليمية والدولية المستمرة التي نعيشها وحالة الشتات غير المسبوقة التي تعيشها المنطقة العربية، شهدت المنطقة المغاربية حدثاً تاريخياً بارزاً من الممكن أن يؤرخ لمرحلة جديدة، بعد اجتماع قادة كل من الجزائر وتونس وليبيا للمرة الأولى في اجتماع تشاوري، بهدف توحيد المواقف وتعزيز التعاون والتكامل بين هذه الدول الشقيقة.
يؤكد العديد من المتابعين أن هذا الاجتماع له أبعاد عميقة وتأثيرات واعدة على مستقبل المنطقة، لاسيما في الجوانب الأمنية، السياسية والاقتصادية، هذه الأخيرة أصبحت تشكل في العصر الحديث عموداً أساسياً للتطور والاستقرار. كما يُمثل هذا الاجتماع علامة فارقة في مسيرة التعاون بين الدول الثلاث، ويُرسي الأساس لإنشاء وحدة ثلاثية جديدة تُعزز والاستقرار وتُطلق إمكانات اقتصادية هائلة.
بدأ اللقاء التشاوري الأول بين قادة الدول المغاربية الثلاث، الجزائر وتونس وليبيا، بالتأكيد على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ورفض أي تدخلات أجنبية من شأنها تأزيم الأوضاع. وقد أكد القادة على أهمية بناء علاقات ثنائية قائمة على التفاهم والتعاون المشترك، وتعزيز دورهم في المحافل الإقليمية والدولية لتحقيق أهداف مشتركة تصب في صالح شعوبهم.
في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية العلاقات الدولية الدكتور مصطفى بوحاتم، في تصريح لـ«الشعب”، أن هذا الاجتماع يمكن أن يكون لبنة أساسية في بناء وحدة ثلاثية جديدة. إذ يعتبر أن التكامل الجديد يجب أن يركز بشكل خاص على الجوانب الاقتصادية، وهو ما يمثل فرصة هائلة لتحقيق التنمية وخلق فرص عمل للشباب وتعزيز استقرار المنطقة.
وبالفعل، يولي هذا التكامل الجديد أهمية بالغة للمجال الاقتصادي. فهو يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز التجارة والاستثمار بين الدول المغاربية الثلاث نحو تحقيق تكامل اقتصادي أكبر وتنمية مستدامة. ومن المهم أيضاً أن يتضمن هذا التعاون تحفيز الابتكار وتبادل المعرفة والتكنولوجيا، لتعزيز القدرة التنافسية وتحقيق التطور الاقتصادي المنشود.
على صعيد البنية التحتية، يمكن أن يسهم التكامل الاقتصادي في بناء مشاريع مشتركة لتطوير الطرق والموانئ والمطارات، مما يسهم في تسهيل حركة التجارة والسفر بين الدول الثلاث، وبالتالي تعزيز الربط الاقتصادي والاجتماعي بين شعوبها.
وفي ظل التحديات العديدة التي تواجهها الدول المغاربية، يبرز تحالف الجزائر وتونس وليبيا كخطوة مهمة نحو تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وأخذ العبرة من التجارب السابقة. ونجاح هذا التحالف في تحقيق أهدافه، سيكون له تأثير كبير على مستقبل المنطقة على جميع الأصعدة، وسيسهم في تعزيز الاستقرار المستدام.
والاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا، يعد انطلاقةً واعدة نحو تأسيس وحدة حقيقية، لاسيما وأن الجزائر قد أعلنت، في وقت سابق، عن سعيها لإنشاء مناطق تجارية حرة مع كل من ليبيا وتونس كبداية نحو أفق أكبر. وتُعدّ هذه الخطوة بمثابة رسالة قوية تُؤكّد على إيمان هذه الدول بأهمية التعاون والتضامن في مواجهة التحديات المشتركة، كما أن الباب يبقى مفتوحا أمام دول أخرى للانضمام لهذا التكتل الجديد، بما يخدم مصالح الدول المنضوية تحت هذا التكتل، بعيدا عن أي حسابات قديمة كان لها الأثر السلبي على اتحاد المغرب العربي.
الباحث محمد أديـب حميدي: نحو تشكّل تكتل جديـد على أسس صلبة
أوضح الباحث في العلوم السياسية الدكتور محمد أديب حميدي، أن البيان الختامي المشترك للاجتماع التشاوري الأول لقادة الجزائر وتونس وليبيا، جاء بصيغة مباشرة تحمل خطة طريق واضحة وتصوّرات عامة لإطار التكتل الاستراتيجي الجديد بين الدول المعنية.
وقال الدكتور محمد أديب حميدي، في تصريح لـ«الشعب”، إن الإطار الاستراتيجي الجديد يضمن تموقعًا سياسيًا محترمًا، وبناء قواعد اقتصادية حديثة ستُؤمِّن مستقبل الدول الثلاث التي تمتلك عوامل مساعدة على العمل المشترك والانتقال من الثنائية إلى الثلاثية.
وتابع حميدي، بأن لقاء القمّة التاريخي يُمثِّل بداية الطريق نحو تشكّل تكتل مغاربي جديد أساسه العلاقات المتينة بين الأطراف الثلاثة التي تمّ الارتقاء بها، بفعل هذا الاجتماع، من الثنائية إلى الثلاثية، حيث ساعد في سرعة التقارب جملة من العوامل، منها القواسم المشتركة التاريخية والجغرافية والاجتماعية والثقافية للدول الثلاث، وتجانس الوعاء الشعبي إلى حد كبير، وقرب الحدود والتفاعلات المتواصلة، والإرادة الصادقة للقادة حول الشراكة الاستراتيجية من أجل الوقوف أمام التحديات الإقليمية والدولية، وكذا الرؤية المشتركة لأوضاع المنطقة والتصور الموحّد للحلول.
وارتكزت مخرجات اللّقاء، وفقا للمتحدث، على تحديد معالم واضحة للتكتل الثلاثي تضمنها البيان الختامي في شكل مباشر، من خلال توضيح الأسباب من جهة، وتحديد الأهداف من جهة أخرى، مع رسم معالم عمل المرحلة القادمة، انطلاقا من الوحدة السياسية بهدف تقوية الموقف عبر مختلف الفضاءات الإقليمية والدولية بما يعزز المكانة والموقع، واحترام الخصوصيات الداخلية للدول وعدم السماح بالتدخل في قرارات الشعوب وآفاقها نحو المستقبل.
فضلا عن ذلك، تنصيب وتكوين فرق عملية لتوحيد الرؤى المشتركة بخصوص مختلف القضايا الأمنية والاقتصادية، الإدراك التام للدول الثلاث لأهمية التكتل في مواجهة الأوضاع الداخلية والخارجية التي تتطلب وحدة لضمان الأمن والازدهار والنماء، ورفض أيّ تدخل أجنبي في الشأن الليبي والدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية للخروج من المراحل الانتقالية، مع الترحيب بمساهمات دول الجوار في إعادة الإعمار، والإدانة التامة للعدوان الصهيوني على قطاع غزة والدعوة الملحة لتجريم ما حدث وتعزيز الموقف الدولي بالمطالبة بعضوية دولة فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وتجريم ومنع التدخلات الأجنبية في منطقة الساحل الإفريقي والدعوة إلى الحوار بين الفرقاء من أجل تحقيق الاستقرار، بحسب قوله.
ولفت الدكتور حميدي، إلى أن مضمون البيان الختامي يُلاحظ فيه اللمسة الجزائرية، سواءً ما تعلّق بالموقف من الملف الليبي أو القضية الفلسطينية. كما أن الدّارس للبيان الختامي، يلمح التناسق والانسجام الكلي مع الرؤية الجزائرية التي اقترحت خطة طريق للتكتل المغاربي الثلاثي الجديد.
أستاذة العلوم السياسية نبيلة بن يحيي: اللقاء التشاوري مؤشر على تفعيل علاقات متعددة الأطراف
أبرزت الأستاذة بن يحيى في تصريح لـ«الشعب”، أن هذه الدول تشترك مباشرة مع الجزائر في حدودها الشرقية، التي تجابه فيها معضلات كثيرة، من الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، سواء تعلق بالبشر أو السلع وغيرها… مما جعل من هذا اللقاء يكتسي بعدا استراتيجيا وخاصة في ظل الظروف الإقليمية التي تعيشها المنطقة المغاربية أو المحيط الدولي.
وأكدت الأستاذة نبيلة بن يحيى، أن القمة الثلاثية انعقدت وسط جمود آليات عمل اتحاد المغرب العربي منذ 1994 والتحديات الجيو- سياسية التي تواجهها المنطقة ككل، إذ تعيش ليبيا على رمال متحركة بصراع النفوذ بين القوى الخارجية داخل ليبيا، بينما تواجه الجزائر عدة تحديات أمنية بخاصة في الحدود الغربية (المغرب)، وفي الجنوب (مالي والنيجر).
وكانت مخرجات هذه القمة ـ تضيف ـ تسعى نحو تحقيق تنسيق اقتصادي بين الدول الثلاث لما تتمتع به من إمكانات مهمة ستعود بالنفع على شعوب المنطقة، مع محاولة التأسيس لتكتل جديد. وتم الاتفاق مع قادة هذه الدول على تكوين فرق عمل مشتركة تعمل من أجل حماية أمن الحدود المشتركة بين هذه الدول والرفض التام للتدخل الأجنبي في الشأن الليبي من جهة، ومن جهة أخرى تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية، على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع.
ترى الأستاذة، أن المقاربة التشاركية كانت واضحة في تصريح القادة الثلاثة، الذين أكدوا على تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس وليبيا والجزائر، وتطوير التعاون وتذليل الصعوبات لانسياب السلع وتسريع إجراءات تنقل الأفراد وإقامة مناطق تجارية حرة بينها.وتحقيق ما سبق ذكره يكون، بحسب المتحدثة، من خلال تكوين نقاط اتصال لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في هذا اللقاء، تمهيداً لعقد اجتماع تشاوري آخر لتقييم مسار هذه الثلاثية وتأطيرها بمشاريع تصبّ في المقاربة الأمنية الشاملة للمنطقة، سواء تعلق الأمر في جانبها الأمني أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
أستاذ القانون العام علي سالم نورالدين: تعاطي الصحافة العالمية مع مجريات اللقاء دليل على أهميته
أشار أستاذ القانون العام بالمركز الجامعي علي كافي الدكتور علي سالم نورالدين، إلى أن اللقاء التشاوري الأول الذي جمع قادة كل من الجزائر، تونس وليبيا، يُعدُّ “خطوة هامة في العلاقات الثلاثية بين هذه الدول التي يربطها تاريخ طويل وعلاقات حسن جوار وثقافة مشتركة، ناهيك عن العروبة والدين”.
وكشف علي سالم في حديثه لـ “الشعب”، عن أهم مخرجات اللقاء وأبرز ما جاء في بيانه الختامي، مشدداً على أهميته ودلالات انعقاده في هذا الوقت بالتحديد، واصفاً اللقاء بمثابة إضاءة شمعة في تكتّل مغاربي جديد، بحسب تعبيره.
وأكد أستاذ القانون العام بالمركز الجامعي علي كافي بتندوف، ضرورة انعقاد اللقاء بشكل دوري، وتضمين البيان الختامي لمسألة الرقي بالعلاقات الثنائية بين البلدان الثلاثة الى مرحلة نوعية من العمل المشترك تتعدى الإطار الثنائي، هي بوادر حقيقية لظهور تكتّل مستقبلي “يجري التحضير له على نارٍ هادئة”، سيكون مبنياً على التعاون والعمل المشترك.
المتحدث وهو يعدّد أهم مخرجات اللقاء، أكّد أن الحدود المشتركة للدول الثلاث جعلت من التحديات الأمنية عاملا مشتركا بينها، وهو ما جعل القادة يطرحون هذه الجزئية بقوة في بيانهم الختامي، وهو ما يفرض على الدول الثلاث تكثيف الجهود وتوحيد الرؤى وتكييف أجندتها حول جميع القضايا ذات الصلة.
واستطرد قائلاً، إن تسارع الأحداث حول العالم وما تشهده من صراعات وتحولات جذرية في العلاقات الدولية، بات من الضروري على الدول الدخول في تكتلات، حيث لا يمكن لأي دولة أن تعيش بمعزل عن محيطها الخارجي، وهذا اللقاء التشاوري قد يكون بداية لتكتّل مغاربي جديد فرضته الضرورة والمصلحة المشتركة للدول.
وقال علي سالم، إن تأكيد البيان الختامي للقاء التشاوري على تمسّك الدول باستقلالية قرارها، نابع من التحولات والوعي السياسي والثقافي الذي تعيشه البلدان الثلاثة والداعي الى ضرورة التحرّر من مخلّفات الاستعمار.
وسلّط المتحدث الضوء على ما يحدث في بعض البلدان الإفريقية، التي أعلنت شعوبها وأنظمتها الخروج علناً عن عباءة المستعمر، ومحاولات هذا الأخير التمسّك بالمنطقة، موضحاً بأن هذا الواقع الجديد ألقى بظلاله على أشغال اللقاء التشاوري الذي أكّد على تمسّك الدول الثلاث باستقلالية قرارها.
واختتم أستاذ القانون العام بالمركز الجامعي علي كافي، بالتأكيد على أهمية هذا اللقاء، ليس فقط بالنسبة للبلدان المشاركة، بل على المستويين الإقليمي والمتوسطي، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال تتبّع ما كتبته الصحافة العالمية وطريقة تعاطيها مع الخبر.
وقال، إن هذا اللقاء الذي يحمل في طيّاته رمزية زمنية هامة، لا يمكن التغاضي عنها، ودلالات جيوسياسية تتخطى حدود الدول الثلاث قد كشف النقاب عن بعض النوايا السيئة التي لم تكن خافية وسلّط الضوء عليها وجعلها تتجلى أكثر للعيان.
أستاذ العلوم السياسية حمزة حسام: حماية أمن الحدود من المخاطر.. أولوية
اتفق رؤساء تونس والجزائر ليبيا، في بيان مشترك توج أول اجتماع ثلاثي لقادة الدول الثلاث بالعاصمة التونسية، على تعزيز التعاون الأمني بين البلدان الثلاثة، وتنسيق الجهود لحماية أمن الحدود من المخاطر المحدقة بها، كما طالب قادة الدول الثلاث بوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ومحاكمة المتسببين فيها.
أوضح الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية الدكتور حمزة حسام، أن البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع التاريخي لقادة دول الجزائر وليبيا وتونس، يأتي في سياق المستجدات على المستويين الإقليمي والدولي، التي تتطلب التحرك ككتلة جيو- سياسية ومنسقة في سياساتها وموقفها على المستوى المغاربي، وأول هذه المستجدات هي التهديدات العابرة للحدود والتي تتطلب تنسيقا وثيقا لمواجهة أي حركية تهدد وحدة الدول وسيادتها وتماسك شعبها.
كما أن الحركية التي تعرفها الحدود بين البلدان الثلاثة تحتم التعاون الأمني والتنسيق بين هذه الدول للتصدي لأي محاولات اختراق والتأثير وبسط النفوذ على الدول المغاربية من فواعل فوق إقليمية، بما فيها بعض الدول العربية والتي إن لم تواجه بأسلوب منسق ونوع من التكامل في الحركية بين الدول المغاربية، فمع الوقت ستؤدي إلى مزيد من التفكيك في العلاقات بين دول المغرب العربي الكبير وحتى إلى حالات استعداء بين الدول.
وأضاف الدكتور حمزة حسام، أن قوة أي دولة مهما بلغت، فإنها لن توازي قوة التكتل الإقليمي. وقال الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، “هذا على المستوى الإفريقي ومن أجل مواجهة التحديات التي تشهده القارة الإفريقية، ناهيك عن التحديات التي تواجهها الدول الثلاث والتي تتعلق بالمستوى الأورو- متوسطي، مثل ملف الهجرة غير الشرعية والتي أشار إليها البيان، يضاف إليها المفاوضات الجارية اليوم بين تونس والاتحاد الأوروبي، فتونس هنا بحاجة لموقف موحد من الدول المغاربية لمواجهة أيّ ضغوط من 27 دولة تشكل الاتحاد الأوروبي”.
وأفاد الدكتور حمزة حسام، أن أي دولة من الدول الثلاث، ستكون في موقف ضعف في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي في قضية تخص الهجرة غير الشرعية أو أي تحديات أمنية. وقال محدثنا، إن “تغيير نمط التعامل، إذا أردنا فعلا أن نفرض شروطنا ومنطقنا في المفاوضات مع التكتلات الجيو-سياسية، ينبغي الخروج بصوت واحد، وهذا أيضا واحد من الدوافع الأساسية التي حركت هذه الحركية المغاربية”.
من المستجدات التي أشار إليها البيان المشترك للاجتماع الأول لقادة دول الجزائر وليبيا وتونس، هو الحركية الاقتصادية الحاصلة. في هذا الشأن، قال الأستاذ حمزة حسام، إنه من الواضح أن هناك مصالح اقتصادية مشتركة بين الدول الثلاث وحاجات اقتصادية ونوع من القدرة على تلبية بعض حاجات شعوب الدول الثلاث بالتعاون فيما بينها، بالإضافة الى توفر كل المقومات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والتي أشار إليها البيان لإنجاح تجربة تكاملية مغاربية، وهو واحد من الظروف أو العوامل التي يجب الاستثمار فيها من أجل تحقيق مصلحة اقتصادية مشتركة لهذه الدول تساهم في إعطائها ثقلا داخل التكتلات الإقليمية أو على المستوى الإقليمي وتسهم في تحقيق أهدافها التنموية.
وفيما يخص القضية الفلسطينية والتي أكد البيان المشترك للدول الثلاث على أهميتها، أوضح الدكتور حمزة حسام “الجزائر اليوم تقف في أول الصف للدول المناهضة للتطبيع وتواجه في الوقت نفسه كتلة الدول المطبّعة، سواء داخل العالم العربي ككتلة جيو- سياسية أو داخل الجامعة العربية كمنظمة إقليمية”.
وأضاف الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، أن الجزائر اليوم تتعاون مع كل من يدعم توجهها تجاه القضية الفلسطينية، “إذا استطعنا توحيد مواقفنا كدول لها ثقل ووزن في العالم العربي، خاصة كموقف تجاه الكيان الصهيوني، فهذا سيعطي للجزائر والدول الرافضة للتطبيع كتونس وليبيا ثقلا أكبر داخل جامعة الدول العربية في مواجهة الكتل الجيو- سياسية الأخرى التي اختارت مسار التطبيع”.
وعن ما جاء في البيان حول “الاستعداد التام للانفتاح على كل إرادة سياسية صادقة ومخلصه تتقاسم نفس الأولويات مع الدول الثلاث”، يرى الأستاذ حمزة حسام أن هذه بمثابة دعوة للدول التي تمتلك المقومات المشتركة التي تتوفر في الدول المبادرة، مثل موريتانيا والتي انخرطت في حركية تنسيق وتعاون وشراكة مع الجزائر في الآونة الأخيرة، يضاف إليها مستوى البنى التحتية والبعد الاقتصادي الذي أخذته العلاقات الجزائرية الموريتانية.