“التّراث هو ما يتواصل فينا”..هكذا لخّص غادامير ليمنح “التّراث” فاعلية في الحياة اليومية للناس، فيحتفظ لهم بهوياتهم، ويكون نبراسا منيرا لبناء المستقبل، فالأمم – كما هي عادتها – تؤسّس لنفسها على الأصل الثابت، كي يسمو الفرع إلى السّماء.
وليس في العقلاء من ينكر “التراث” باسم الحداثة، ولا من يسارع إلى الذّوبان في كلّ ما تنتج الحضارات الأخرى، ومن يفعل، يعدِم شخصيته بالتأكيد، ويصبح مجرد (وهم) يعتقد بأنه أمسك بـ (تلابيب) الحضارة، وهو في الحقيقة لا يختلف عن ذلك الغراب الذي أعجب بمشية الحمامة، فلا هو مشى مشيتها، ولا عرف كيف يستعيد مشيته.
أمّا الإفادة من الآخر، فهي طبيعية لا لبس فيها، والمعرفة تقتضي الإمعان في البحث، ومحاولة الإضافة والتطوير، بينما لا يمثّل “التقليد الفارغ” سوى إنهاك للذّات، وتقديم صورة مشوّهة عن واقع الأمة، وقد صرنا نرى كثيرين يسارعون إلى تقليد (قصّات الشعر)، ولبس السراويل الممزّقة، وخرم الأنوف والآذان، بمجرد متابعة فيلم غربي، بل إنّ بعضهم صاروا يهشّمون أجسادهم بالوشوم، تقليدا للاعبي كرة القدم، ويحسبون أنّهم أحكموا القبضة على الحداثة، وعانقوا أسباب الحضارة، ولا يحسّون مطلقا بأنّهم يفتقدون إلى “قوّة الشّخصية”، بل لا يفطنون إلى أنّهم يمثلّون إساءات فادحة لمجتمعاتهم..
نفسح للتّراث إذن، كي يتواصل فينا، ونورثه لأبنائنا وأحفادنا، دون تفريط في أسباب الحداثة، ولا تقصير في الأخذ بأسباب المعرفة، وهذا بالضبط ما نعتقد أنّه يمثّل رسالة “شهر التّراث”.