تشكّل محطة الفاتح ماي أو عيد العمال العالمي، فرصة هامة لتقييم أهم المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقّقت بالجزائر في السنوات الأخيرة، ومسّت مختلف الفئات على رأسها الطبقة الشغيلة التي تشكل أزيد من 2.7 مليون عامل في شتى القطاعات المنتجة للثروة، والساهرة على تقديم خدمة عمومية للمواطن.
حقّق العمال مكاسب مهنية كثيرة بفضل سياسة الدعم والاهتمام المتزايد من قبل الدولة تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية، المتمثلة في إجراءات عديدة، وتدابير قانونية مُحكمة، وقرارات هامة منها الزيادات المتكرّرة في الأجور، وصلت نسبة 47 بالمائة على مراحل، في انتظار الشطر الثاني مطلع سنة 2026 لبلوغ نسبة 100 بالمائة.
وثمّن كثير من المهنيين والنقابيين والخبراء في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مجمل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية للتكفل بانشغالات الفئات الاجتماعية، وكان آخرها قرار إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد خلال عام 2024، تماشيا مع التعديلات التي استحدثها قانون التقاعد والعمل، وكانت لها ثمراتها في تحسين ظروف المتقاعدين، والاعتراف بمكانتهم وتضحياتهم الكبيرة، بعدما ساهموا بدور كبير في وضع أسس الجزائر الحديثة منذ الاستقلال إلى اليوم، ولعبوا أدوارا حسّاسة بحمل المشعل في مراحل مفصلية مرت بها الجزائر الفتية، خاصة مع قرار تأميم المحروقات واسترجاع السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية المنجمية التي شكّلت انطلاقة اقتصادية جديدة وكرست الاستقلال التام.
تحولات كبيرة
عرفت الجزائر منذ سنة 2022 – بحسب المختصين – تحولات كبيرة ومكاسب عمّقت البعد الاجتماعي، وساهمت في تحقيق مطالب وانشغالات فئات عديدة ظلت تطالب لسنوات بتحسين ظروفها المهنية والاجتماعية، وإعادة النظر في شبكات الأجور والمنح التعويضية لفئة عمالية واسعة في القطاعين العمومي والخاص، بشقيه الإداري والاقتصادي، مع الشروع في دراسة معمقة للقوانين الأساسية لعدد من القطاعات الحساسة كالتربية الوطنية، الصحة، التعليم العالي، والعمل على مراجعة الاختلالات في الأنظمة التعويضية من أجل التكفل التام بكل الحقوق المهنية، من خلال مراعاة متطلبات القدرة الشرائية.
بالموازاة مع هذا التحولات الايجابية، أعلنت الحكومة عن حزمة من الإجراءات والتدابير لتعزيز الطابع الاجتماعي للدولة، ومرافقة الفئات الهشّة عن طريق مراجعة المنح الجزافية برفع قيمة منحة التضامن إلى 12 ألف دينار بدلا من 10 آلاف دينار، و7 آلاف دينار بالنسبة لفئة المسنين التي كانت تتقاضى 3 آلاف دينار سابقا، وهذا بقرار من رئيس الجمهورية، مسّت حوالي مليون مستفيد، إضافة إلى رفع الحد الأدنى لمنح التقاعد إلى 15 ألف دينار، رفع منحة البطالة من 13 إلى 15 ألف دينار وغيرها من المكاسب الأخرى المنتظرة خلال هذه العام.
تعزيز العمل النقابي
يشكّل العمل النقابي الفعّال والمسؤول – حسب خبراء القانون – أحد أهم الأسس والميكانيزمات المساعدة على استقرار الجبهة الاجتماعية، ومضاعفة الإنتاج، وحماية المكسب الاقتصادي والنسيج الصناعي الذي بنته الجزائر في السنوات الماضية في إطار ترقية الاستثمار، وأيضا تعميق العمل التشاوري بين الشركاء الاجتماعيين أو ما يعرف بالثلاثية ما بين الحكومة، العمال والنقابات المهنية التي حقّقت هي الأخرى هامشا كبيرا من حرية الممارسة النقابية بفضل الإجراءات الخاصة بمراجعة وتعديل قانون الممارسة النقابية بالجزائر رقم 90 / 14 لسنة 1990 بعد المصادقة على مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق النقابي من قبل نواب الغرفتين تكريسا للمادة 69 من دستور 2020، الذي جاء لتكريس هذا الحق الاجتماعي للعامل وتنظيم الممارسة وعلاقات العمل، وفتح أبواب الحوار، وأكثر من هذا الحق إنشاء نقابات جديدة للدفاع عن انشغالات العمال وتعزيز الحقوق النقابية المكتسبة المتكيفة مع نص الاتفاقية الدولية للعمل.
وتأمل فئة العمال وباقي الشرائح الاجتماعية الأخرى بالجزائر أن تكون سنة 2024 ومحطة عيد العمال الجديدة مناسبة لتجسيد وتعزيز كل المكاسب المهنية المحققة في السنوات الأخيرة، والعمل على تعزيزها بقرارات جديدة ترقي بالعامل الجزائري، وتساهم في تحسين ظروفه المعيشية وتلبية حاجياته الأساسية، مقابل مزيد من التوعية والإحساس بالمسؤولية الثقيلة وسط هذه الفئة الأساسية من أجل إدراك حجم التحديات الاقتصادية التي تنتظرهم مستقبلا للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق الأمن الغذائي في كل القطاعات المنتجة التي تحوّلت إلى رهان حقيقي للجزائر في ظلّ المتغيرات الدولية التي تتطلّب رصّ للصفوف وتكاتفها من أجل التكيف مع الخارطة الجديدة.