أعلن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خروج البلاد نهائيا من اقتصاد “مافياوي” إلى تنمية تحترم بشكل كامل “بيان أول نوفمبر 1954”، وعبر عن فخره بالنتائج الاقتصادية المحققة في ظرف 4 سنوات “والتي تمهد الطريق نحو إقرار المرحلة الثانية من الزيادات في الأجور”، خاصة مع مواصلة الديناميكية ذاتها لتنويع الاقتصاد الوطني واستغلال القدرات الكاملة.
نزل الرئيس تبون، إلى دار الشعب، مقر المركزية النقابية، محملا بأرقام ومكاسب تحققت للدولة وللعمال الجزائريين، بفضل نظرة جديدة، وضعت الشعارات جانبا وفتحت المجال أمام تجسيد “النخوة الجزائرية” وجعل “صنع في الجزائر”، حقيقة وليس خيالا.
كان ذلك يوم أمس، وبمناسبة اليوم العالمي للشغل، حيث استقبل رئيس الجمهورية، من قبل قيادات الاتحاد العام للعمال الجزائريين وعلى رأسها الأمين العام عمار تاكجوت، الذي قال: “أنا اليوم ثاني نقابي في الجزائر، لأن النقابي الأول هو رئيس الجمهورية”، مشيرا إلى ما قدمه لصالح العمال من زيادات في الرواتب ومن حماية للقدرة الشرائية، في غياب أية حركة مطلبية.
انتصار رئيس الجمهورية للعمال والطبقة المتوسطة والهشة في الجزائر، لم يأت ضمن تنفيذ التزامات أو برنامج، وإنما في إطار رؤية شاملة تتماشى وتضحيات الشهداء والوطنيين الأحرار، وحلمهم في بناء دولة قوية باقتصادها وقادرة على إحداث نهضتها.
هذا ما أكده الرئيس تبون في كلمته، التي فاقت مدتها الساعتين من الزمن، حيث استهلها بالتأكيد على أن “بلادنا أخذت مجراها الطبيعي لصالح العمال والاقتصاد والإنتاج الوطني”، مذكرا بالوضعية المزرية التي وجد عليها البلاد في 2019.
وأفاد بأن تلك السنة “كانت الأخيرة من عشرية مافياوية، باقتصاد منهار وأجور لا تكاد تدفع بسبب خطابات البهتان التي ادعت عجز الخزينة عن سدادها وعن تآكل احتياطي الصرف بفعل الفساد الذي عم ونخر كل القطاعات”.
وذكر رئيس الجمهورية، بالتخلي في تلك الفترة عن الطبقة العاملة والهشة نتيجة “إتباع سياسة الرأسمالية المتوحشة التي تزيد الغني غنى والفقير فقرا”، ليوضح مدى خطورة الغاية من ذلك الخطاب السياسي المدمر.
وقال: “لقد كانوا يريدون تفتيت البلاد وتسليمها لغير أهلها”، مضيفا بأن الهدف النهائي أيضا كان تجريدها من سيادتها بوضع رقبتها تحت رحمة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، من خلال اختلاق العجز المالي واللجوء إلى المديونية الخارجية.
وبصراحته المعهودة ورغبته الدائمة في مصارحة الجزائريين بما حدث في واحد من أحلك الفترات في تاريخ الجزائر، بين الرئيس تبون أن قوة دفع قوية وجموحة كانت وراء هذا التوجه الذي حمل “لواءه مجموعة من المفترسين”.
وكشف أن من بين خطط التدمير التي كانت تحضر تحت شعار “الثلاثية”، بيع ممتلكات الدولة لأنفسهم “وعلى هذا الأساس جاء الحراك المبارك لإنقاذ البلاد”، وتابع كيف أن هؤلاء الرأسماليين المتوحشين وصل بهم الأمر إلى اقتناء طائرات خاصة “ومحاولة بناء قاعاتهم الشرفية الخاصة على مستوى المطار”، وهو الأمر الذي تصدى له هو شخصيا آنذاك.
وبين تشخيصه الدقيق لحال الاقتصاد الوطني، في تلك الحقبة، ومدى هشاشته من خلال الاعتماد المطلق على المحروقات والتركيز “كل التركيز على الاستيراد”، قائلا: “كل الناس كانت تسعى للاستيراد، من أجل تضخيم الفواتير، وترك ملايير الدولارات من أموال الشعب وراء البحار وشراء الفنادق خمس نجوم وشركات، وشراء حتى الجنسيات”.
هذه الأقلية “المفترسة” مثلما وصفها الرئيس تبون، قامت بتوزيع الريع على بعضها البعض، وشكلت حلف الذئاب “ كلهم متفقون على عدم السماح بإنتاج وطني يعيد النخوة للجزائريين والجزائر ويحافظ على الاستقلال”.
وأكد رئيس الجمهورية، أن كل من حاول التصدي لهذا التوجه المدمر تعرض للأذى هو وأولاده وتمت محاربته، ليكشف أنه وفي سنة 2022 تمت منح رخص الاستغلال لـ 900 شركة كانت مجمدة لأسباب واهية، والدافع وراء ذلك هو “استمرار الاستيراد”.
وذكر أن دخول تلك الشركات مجال الإنتاج سمح باستحداث 22.000 منصب شغل مباشر، وفي وقت واحد، الأمر الذي لا يحدث سوى في الدول الأوروبية أو المتقدمة.
لن نذهب للمديونية
تعميم الاستيراد، تضخيم الفواتير وتهريب الأموال إلى الخارج ونهبها، كان بغرض إنهاك احتياطي الصرف وخلق العجز، بين فاتورة سنوية للواردات بـ 60 مليار دولار، مقابل 42 مليار دولار كاحتياط سنة 2019، وبالتالي اقتياد البلاد إلى مشنقة الدين الخارجي.
هذا المخطط الذي فصل فيه جيدا رئيس الجمهورية، فشل في النهاية، بعد أن رفض بشكل قاطع خيار المديونية “لأننا نعرف بلدنا ونعرف من أين تؤكل الكتف ولم نذهب إلى القروض التي تعود إلى ما وراء البحر من خلال توظيفها في الاستيراد”.
وجدد الرئيس تبون حسمه في هذا الأمر، بقوله “ رفضنا المديونية وفاء للشهداء الأبرار ولمن ضحى من أجل البلاد، ولن نبيعها مقابل ملايير الدولارات”.
وبعدما كانت “القلة المفترسة” تطارد من يقف في طريقها، انتهى بهم الأمر بين “سجين وهارب، ولكن العدالة تواصل عملها ضد كل من امتدت يده للفساد”، يؤكد رئيس الجمهورية، قبل أن يضيف “ أردنا بناء اقتصاد بعيد عن الريع، بينما كانت الناس تتبع البرميل، وهذا ما انتهينا منه دون رجعة”.
اليوم.. بكل فخر وشرف
رئيس الجمهورية، الذي سار في حقل الألغام منذ 2019، وبعد المعركة تلو الأخرى، وقف أمس، أمام ممثلي العمال، ليعلن بكل “فخر وشرف” أن الإنتاج الوطني بدأ يبرز في الداخل والخارج.
ومما ذكره، أن البلاد في ظرف 4 سنوات، تحولت من استيراد الوقود إلى تصديره، ومن استيراد مواد كمالية بقيمة 750 مليون دولار إلى مصدرة لها (المايونيز)، وبـ 7000 مؤسسة ناشئة دخلت حقل الإنتاج وتطمح إلى التصدير.
ومن سجل الأرقام التي وردت في خطابه، أن 100 طلب استثمار أجنبي تم تسجيله بالوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، و7.000 مستثمر جزائري داخل البلاد يريدون إنجاز شركات منتجة، ما يقابله خلق 200 ألف منصب شغل.
يأتي ذلك بفضل الرؤية والنظرة المغايرة تماما لإدارة اقتصاد البلد، من خلال وضع قانون جديد للاستثمار “لن تعدل منه فاصلة واحدة إلى غاية 10 سنوات”، ضمانا للاستقرار التشريعي والأمن والقانون للمستثمرين الوطنيين والأجانب.
وطمأن في السياق، أن اقتصاد البلاد اليوم، يقوده رجال أعمال ومقاولون “أنقياء”، بعيدون عن شبهات الفساد ولا يتقاطعون مع أفكار البورجوازية المتوحشة.
ومما أكده الرئيس تبون في كلمته، أن فكرته الاقتصادية قائمة على “الأرقام والأهداف” لا الشعارات، وفي هذا السياق يبرز الدور المحوري للرقمنة والتي انطلق مسارها قبل سنتين، بما ينهي تماما الضبابية في التسيير ويخرج الاستثمارات والعمل الجاد من الكذب والتلاعبات والمحسوبية.
وأوضح رئيس الجمهورية، أن هذه النظرة تستهدف ما هو أعمق من الإنتاج لأنه وفي الراهن لا يراعي الجانب المدمج لقاعدة “صنع في الجزائر”، مفيدا بأن بناء مصنع في الوقت الحالي “بعتاد مستورد ومادة أولية مستورد لا تلبي الهدف الطموح الذي نسطره”.
ولكسب هذا الرهان الصعب، يضع الرئيس تبون مجموعة خطط مدمجة، مثلما تحقق مع إنتاج زيت المائدة الجزائرية من الحقل إلى القارورة، ومثلما سيحدث نهاية 2024 بإنتاج “أول ثلاجة وأول تلفزيون وأول غسالة جزائرية 100 بالمائة والخروج نهائيا من تركيب الأطقم المستوردة”.
وحتى في الصناعات الثقيلة على غرار الحديد والصلب تتجه الجزائر، نحو تحقيق هذه المعادلة الجديدة بفضل استغلال منجم غار جبيلات الذي “كان حلما ورغبة قوية للرئيس الراحل هواري بومدين، ولكن اليوم تحقق وبإمكان الزعيم الراحل أن يرتاح في قبره” يقول رئيس الجمهورية”.
وتنتج الجزائر اليوم، من حديد التسليح في مصانع وهران وجيجل والحجار حوالي 8 ملايين طن سنويا، ما يفوق الاحتياجات الوطنية، لكن ورادات المادة الأولية لتشغيل هذه المصانع تقدر بـ 1.4 مليار دولار، وعليه يشكل تموينها بالمادة الخام من غار جبيلات إنجازا حقيقيا في اتجاه صناعة صلب جزائرية مدمجة بنسبة 100 بالمائة.
ودعا رئيس الجمهورية، إلى زيارة الطبعة المقبلة لمعرض الإنتاج الوطني، والاضطلاع على ما تحقق، مشيرا إلى أن الاسمنت الجزائري وبقدرة انتاج 40 مليون طن سنويا يصدر إلى افريقيا، أوروبا وآسيا، كما يصدر حديد التسليح الجزائري إلى القارة الأمريكية “ويا له من فخر”.
وأكد الرئيس تبون في المقابل، أهمية قطاع السكن والبناء في خلق الديناميكية الاقتصادية، خاصة وأنه يصبح يعتمد كليا على المواد المصنعة محليا، خاصة مواد السيراميك الذي أصبح ينتج وطنيا بنوعية رفيعة، بعد سنوات من الاستيراد المكلف.
آفـاق واعدة
رئيس الجمهورية، وفي سياق تأكيده على الأرقام المحققة بدل الشعارات، أكد أن الجزائر اليوم في “مأمن”، باحتياطي صرف يناهز 70 مليار دولار، وبأهداف اقتصادية واضحة وطموحة.
وقال: “الجزائر، أحب من أحب وكره من كره، هي ثالث اقتصاد في إفريقيا”، بشهادة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي”، مضيفا أن البرنامج المسطر هو رفع الناتج الداخلي الخام إلى 400 مليار دولار (حاليا 266 مليار دولار)، لنصبح في آفاق 2026-2027 القوة الاقتصادية الأولى أو الثانية في القارة.
وأفاد بأن صندوق النقد الدولي ورغم ضغوطات اللوبيات المعادية والرافضة للتنمية الاقتصادية للبلاد، أكد أن نسبة النمو المحققة نهاية 2023، وصلت 4.1 بالمائة والتي تعني خلق الثروة ومناصب الشغل.
وأعلن أن الهدف المرحلي في 2024، هو الحفاظ على استقرار النمو في حدود 3.8 أو 3.9 بالمائة، مشيرا إلى حجم القفزة النوعية المحققة في سنوات وجيز، بعدما كان الناتج الداخلي الخام سنة 2016 لا يتجاوز 164 مليار دولار.
هذا التحول الهائل للاقتصاد الوطني، سيعزز الحسابات الاقتصادية للدولة، من خلال تقوية الجباية والضرائب، والذي يتم بالتوازي مع إقرار العدالة الضريبية، ما يجعل البلاد على بعد خطوة واحدة من إقرار المرحلة الثانية من الزيادات في الأجور على ان تتبع بخطوة اخرى يعتزم رئيس الجمهورية القيام بها متمثلة في رفع الحد الادنى من الاجر القاعدي المضمون.
هذه الزيادات ستتم، مع آليات فعالة لمكافحة التضخم، على غرار مراقبة الأسعار ومكافحة المضاربة ورفع قيمة الدينار إلى أزيد من نسبة 4.5 بالمائة المحققة نهاية العام الماضي. وبالتالي يكون لها أثرها في رفع القدرة الشرائية من جهة وعدم التأثير على الخزينة العمومية من جهة أخرى.
والمستفيد من هذه الرؤية الاقتصادية الشاملة والطموحة، سيكون المواطن البسيط الذي يرفع عنه الغبن ومن خلال الطبقة المتوسطة التي تعرضت للتكسير الممنهج وسحب منها دورها القيادي في ضبط استقرار المجتمع والاقتصاد “ ما نجم عنه الحراك المبارك ضد تلك الممارسات”.
ولم يغفل الرئيس تبون، مسار التصدير خارج قطاع المحروقات، والذي حقق في سنته الأولى (2022) منذ أن تحول إلى برنامج فعلي وليس شعار، 6.5 ملايير دولار، ويجري العمل على رفع السقف إلى 10 أو 11 مليار دولار سنتي 2024/2025.
وشدد رئيس الجمهورية، على أن البرنامج المسطر جعل البلاد تخرج نهائيا من رأس المال المفترس إلى تنمية تحترم إعلان أول نوفمبر 1954، قائلا: “ لن نحيد قيد أنملة على رسالة الشهداء ولن نتراجع عن الطابع الاجتماعي والديمقراطي للدولة”.
وأضاف بأن التحويلات الاجتماعية لن تكون عبئا على الاقتصاد إذا ما توجهنا بقوة نحو الإنتاج الوطني، من خلال رفع مساهمة القطاعات الأخرى في الناتج الداخلي الخام، مستدلا بالصناعة التي قفزت من 03 بالمائة في السابق إلى 9 بالمائة حاليا، ولاحقا بين 13 و20 بالمائة.
وقال إن مساهمة قطاع الفلاحة اليوم في الناتج الداخلي بلغت 18 بالمائة وبقيمة إجمالية داخلية قدرها 35 مليار دولار وهذا “هو الاقتصاد الذي يعكس النخوة الحقيقة”.
أخلقة الحياة العامة
جزء من خطاب رئيس الجمهورية تركز، على أخلقة الحياة العمومية، لأن البلاد وفي الفترة السابقة عانت “من انهيار الاقتصاد ومن انهيار الأخلاق أيضا”، الأمر حتم فرض نظرة شاملة للنهوض بالبلاد.
وذكر بحالة التفسخ الذي جعلت البعض يريد تفتيت النسيج الاجتماعي وضرب مقومات ورموز الدولة، حيث وصل الأمر بالبعض إلى شتم الشهداء، وخلق حساسيات خطيرة، ما حتم سن قانون يجرم ويردع تلك الممارسات.
وأشاد رئيس الجمهورية، بمساهمة الجيش الوطني الشعبي في التطور الاقتصادي بالبلاد، مشيرا إلى أنه جيش يرعب أعداء الجزائر “وقوته من قوة الاقتصاد”.
وأشار إلى أن حجم المؤامرات التي حيكت ضد الجزائر، وتم التحذير منها وكيف أنها ظهرت للعيان، وقالوا “كانوا يريدون للجزائر أن تكون سوريا الثانية أو ليبيا الثانية، وكانت خطتهم قريبة التنفيذ عن طريق المتآمرين والطابور الخامس”.
وأفاد بأن الخطر مزال قائما والواقع يؤكد ذلك، ويجابه بالروح الوطنية، وقال “عندما طلبنا منهم ألا يقع في الفخ وألا يكونوا عملاء وخبارجية انظروا إلى السفير الذي حذرنا منه ماذا يقول عن الجزائر اليوم”.
في إشارة إلى السفير الفرنسي السابق، كزافي دريانكورت الذي يشن حملات إعلامية حاقدة ومضللة دوريا على الجزائر عبر وسائل إعلام بلاده.
زيـادات للمتقاعدين
في ختام كلمته، وضمن رده على انشغالات بعض القيادات النقابية، أعلن رئيس الجمهورية، عن زيادات وشيكة في أجور المتقاعدين بنسبة تتراوح بين 10 و 15 بالمائة، وسيتم إقرارها في اجتماع مجلس الوزراء المقبل الذي سيعقد في بحر الأسبوع المقبل.
وأكد رئيس الجمهورية، حرصه على كافة الأصناف المهنية خاصة الأطباء ومنتسبي قطاع التربية، موضحا أنه يرفض تقديمهم “هدايا مسمومة” في شكل زيادة في الأجور يضيع أثرها في التضخم، ولكنه يفضل تحضير قرار الزيادات في الأجور والتوزيع العادل للثورة بدفع مقومات التطور الاقتصادي المتصاعد.
في الأخير كرم الاتحاد العام للعمال الجزائريين، رئيس الجمهورية، بعد ثناء قياداته على ما قدمه للعمال وللجزائريين في السنوات الأربع الماضية، دون انتظار الحركة المطلبية، ما جعله يستحق عن جدارة لقب “النقابي الأول” للبلاد.