أحيا المتحف الوطني للمجاهد، اليوم الأحد، ثلاث ملاحم تاريخية خالدة في الذاكرة الوطنية، في ندوة بعنوان “المصادفة الزمنية في الملاحم الوطنية لتيار المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي 1830-1962، بحضور تلاميذ المدارس الخاصة ومجاهدين.
استذكر مؤرخون وباحثون في تاريخ الجزائر، الذكرى ال153 لإستشهاد زعيم المقاومة الشعبية الحاج الشيخ محمد المقراني، والذكرى ال93 لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأيضا الذكرى ال65 لإستشهاد قائد الولاية الرابعة التاريخية سي امحمد بوقرة، وهذا من أجل ترسيخ هذه المحطات البطولية في وجدان جيل اليوم وإطلاعه على عظمة الثورة وقادتها، الذين لم يكن يتجاوز سنهم انذاك 30 سنة، لكن وطنيتهم وإخلاصهم في الجهاد ضد أعتى إمبراطورية استعمارية انذاك دفعتهم للتضحية بكل ما يملكون وبأنفسهم من أجل تحرير الجزائر.
في هذا الصدد، أبرز البروفيسور حسان مغدوري، من جامعة الجلفة وعضو الجمعية الوطنية لأصدقاء الثورة، ان” الملاحم كلها اشتركت في تيار واحد يعبر عن المقاومة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي، التي بدات في 14 جوان 1830، واستمرت غير منقطعة وأخذت أشكالا متعددة، فدوى البارود في القرن التاسع عشر ودوي القلم مع مطلع القرن العشرين ودوي الرشاش في الثورة التحريرية”.
وقال:
” هذه المحطات تعبر عن تيار مستمر وكيان واحد للشعب الجزائري”.
وتطرق الدكتور حاشي إيدير، مؤرخ وممثل عن الذاكرة في اللجنة الخماسية الخاصة بالذاكرة، الى التاريخ العائلي لزعيم المقاومة الشعبية الحاج الشيخ محمد المقراني، ودوره في مقاومة الإستعمار الفرنسي في ثورة 1871.
عائلة المقراني من أنبل الأسر الجزائرية التي قاومت الإستعمار
وأكد الأستاذ حاشي، ان” الشيخ المقراني، هو سليل أسرة من أشهر وأعرق الأسر الجزائرية، حيث تنحدر سلالته من أسرة نبيلة تدعى الأجواد وهي تعني فئة خاصة من النخبة التقليدية الجزائرية ألا وهي فئة نبلاء السيف والحرب، معروفة بالكرم والسخاء وسداد الرأي”.
وقال: ” كان آل المقراني، من أصل عريق يرجعنا الى عهد مملكة بني حماد في القرنين ال11وال12، من خلال تبني صلة الإنتساب المباشر مع أحد أحفاد السلالة، التي لجأت الى جبل عياد بضواحي المسيلة وقلعة بني حماد عاصمة الحماديين، علاوة الى الإنتساب الى بيت آل الرسول محمد صلي الله عليه و سلم، مما يجذر سلالة شريفة من ال المقراني في ربوع الجزائر.”.
وأشار المؤرخ، “الى ان آل المقراني، شيدوا في ظل العهد العثماني شريعة ذات طابع حربي لأغراض دفاعية بالأساس، حيث تؤكد العديد من المعالم والمحطات على تشكيل تلك القوة العسكرية، التي سمحت لهم بكسب احترام السلطة المركزية”، أضاف المحاضر.
وأكد ان أحمد بن عبد الرحمان المقراني، تولى في بداية القرن ال16، تحصين قلعة بني عباس، وخلال فترة حكم آل المقراني، امتدت سلطتهم الى مناطق عديدة في في ق البيبان، السهول العليا لمجانة، جبال البابور، الحضنة، الزيبان، واحد رهيو، أولاد نائل، حيث كانوا يمتلكون مزرعة كبيرة لتربية الخيول، والقطعان، والاف رؤوس الأغنام ومئات العجول والأبقار والإبل.
وأضاف الدكتور حاشي، ان أحمد المقراني، قاوم جيوش الإحتلال الفرنسي، وحرر المسيلة في 1871 بقيادة بوداود، وورقلة في 1872 توقرت في 1871، بقيادة محمد بن براهيم بن تومي، وحرر برج بوعريريج وتيزي وزو، حيث قلده الأمير عبد القادر، خليفة في سهل مجانة.
وأشار الى ان الشيخ المقراني وبوزراق، كانا من بين ال35 جزائري الذين حكم عليهم بالنفي الى جزيرة كاليدونيا في 1875.
وقال:” تعرضت شخصية المقراني، الى محاولة محوها من الذاكرة الجزائرية في عهد الإستعمار، نشيد بمجهودات وزارة المجاهدين و ذوي الحقوق، في إحياء ذاكرة مثل هذه الشخصيات التاريخية الفذة”.
أبرز المجاهد وأحد تلاميذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد الله عثامنية، دور الجمعية في تعليم ابناء اللاجئين الجزائريين ومحاربة سياسة التجهيل التي شنتها إدارة الإحتلال وأيضا تكوين إطارات للثورة ولما بعد الإستقلال، بإرسال العديد من الطلبة للتكوين في الخارج، والذين كانوا خزان لجزائر ما بعد الإستقلال.
وأكد عثامنية، ان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تكن تفرق بين الفتيات والفتيان في التعليم، هدفها إنتاج جيل متعلم ومثقف يدافع عن بلده.
في هذا الشأن، أشاد المجاهد عثامنية، بشخصية المرحوم حامد روابحية، الذي كان من أقدم المناضلين في حزب الشعب الجزائري ارسله عبان رمضان، بعد مؤتمر الصومام الى تونس، كما عين ممثلا للثورة في العراق.
وقال: بفضل حامد روابحية، وقع الصلح بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس الجمهورية العراقية كريم بلقاسم، كما جعل هذا الأخير يستحدث مادة في ميزانية الجمهورية العراقية لتخصيص مساعدة مالية دائمة للثورة الجزائرية”.
وقدم الدكتور مناصرة، مداخلة بعنوان”مهمة بوقرة مسيرة ونضال”، سلط فيها الضوء على شخصية الشهيد الذي كان قائد الولاية الرابعة التاريخية في وقت صعب تميز بوصول الجنرال ديغول، الى السلطة في 1958، ومخططه في تلغيم الحدود الشرقية والغربية بالأسلاك الشائكة والألغام لقطع الطريق أمام مجاهدي جيش التحرير الوطني لجلب السلاح من الدول الشقيقة.
بوقرة قاد الولاية الرابعة بحنكة واقتدار
في هذا الصدد، أبرز مناصرة، ان الشهيد أعطى أروع الأمثلة في المستوى الأخلاقي الراقي، حيث قال لأمه وهو يودعها متوجها للولاية الرابعة التاريخية في 1953: ة ” اعتبروني من اليوم فصاعدا أني ملك للجزائر”.
كان على رأس الولاية الرابعة التاريخية من 1957الى 1959، وهي منطقة لها خصائص ليست كباقي الولايات الأخرى،حيث يوجد بها مطارات عسكرية وأكبر عدد من المستوطنين، كما ان تمويل مجاهدي المنطقة بالأسلحة ليس بالأمر الهين، قال المحاضر.
وأضاف الأستاذ الباحث:” سي امحمد بوقرة، شخصية فذة عمل في الجانب السياسي والعسكري ونظم الولاية الرابعة التاريخية سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا وصحيا، نظم وحدات الجيش وحضوره شخصيا وسط المجاهدين”.
وأشار الأستاذ مناصرة، الى ان الشهيد، اهتم بتعليم الأطفال، حيث أنشأ مدارس قرآنية من بينها مدرسة الرشاد، وكانت له منظومة إعلامية باستحداث مجلة الثورة ودليل المجاهد، وكان له بعد نظر ومحبوب وسط المجاهدين، واجه حركات مناوئة بالولاية، أضاف المحاضر.
وفي ختام الندوة كرم الاساتذة المحاضرون والمجاهدة والوزيرة السابقة زهور ونيسي.