حينما أراد سبيلبيرغ أن (يشرعن) للحروب الأمريكية، خاطب العالم بـ (قلب أمّ) ثُكلت في ثلاثة أبناء، ولم يبق على قيد الحياة من (فلذات كبدها) سوى ابن واحد اسمه رايان، ما ألزم جميع (المحاربين) بـ»إنقاذه» لأجل والدته الثكلى..وتبدأ رحلة البحث عن رايان، ويقدم الجيش الأمريكي خيرة جنوده في رحلة الإنقاذ، ليعود رايان سالما إلى أمّه..طبعا..سبيلبيرغ لا يتعرّض مطلقا إلى سؤال الحروب الأمريكية عبر العالم، فـ «الأمريكان» يمثّلون – دائما – الحق، وينشرون الأنوار، حتى حين يرفعون «الفيتو» ضد وقف إطلاق النار على النساء والأطفال!!
على كل حال..لا لوم على سبيلبيرغ، فقد استغلّ الأدوات الأدبية والفنية التي اكتسبها من أجل تمرير مشروع بلاده من خلال الرهان على الجانب الإنساني الأكثر جاذبية، إذ ليس ما يقنع بالخطاب أفضل من خفقات قلب مكلوم، ووجع ثكلى، لكن (حكاية رايان) – مهما كانت مقنعة – تبقى خيالا أدبيا محض، عرف كيف (يتحقّق) على الشاشة، ويصبح أمرا واقعا، عنوانه: «يجب إنقاذ الجندي رايان».
ولا نغالي إذا قلنا إنّ تاريخنا الثّوري المجيد، يحتفظ بصور لأمّهات عشن معاناة أكبر من عناء أم رايان، وقدّمن رسائل إنسانية أجلّ وأسمى من رسائل أم رايان، وهنّ حقيقيات عشن الواقع المرّ تحت نير الاستعمار الغاشم، ولسن متخيّلات مثل أمّ رايان، غير أنّ كفاحهنّ وصبرهنّ وأمجادهنّ لم تحظ (سبيلبيرغ) لينحت لهنّ التماثيل، ويقدّمهن في الصّورة التي ينبغي أن تسود الفكر العالمي..هذا تقصير كبير يتواصل عندنا، فالمادة التاريخية المتوفّرة عظيمة، ولا ينقص سوى الفنان الألمعي الذي يعرف كيف يبني أمجاد بلاده.