شهدت الجزائر العاصمة مؤخرا حدثًا مهما تمثل في توقيع اتفاقية تاريخية بين الجزائر وتونس وليبيا لإنشاء آلية للتشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاثة في منطقة الصحراء الشمالية.
تأتي هذه الاتفاقية تتويجًا للقاء التشاوري الأول الذي جمع قادة الدول الثلاث في تونس، والذي تمخض عنه اتفاق على التعجيل بتفعيل آليات مشتركة لاستغلال هذه الموارد المائية الحيوية. بالموازاة مع ذلك، تواصل الجزائر في استكمال المشاريع الاستعجالية الخاصة بإنجاز خمسة محطات تحلية مياه البحر، وتسليمها قبل نهاية السنة، تنفيذا لبرنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المتعلق بتعزيز الأمن المائي للبلاد، ومجابهة شح المياه الناتج عن التغيرات المناخية.
ملف: علي مجالدي وسعاد بوعبوش وأم الخير سلاطني وحبيبة غريب
الجزائر-تونس-ليبيا.. اتفاق تاريخي يُمهدّ لعهد جديد
تكتسي الاتفاقية التاريخية التي أبرمتها الجزائر وتونس وليبيا لإنشاء آلية للتشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاثة في منطقة الصحراء الشمالية، أهمية إستراتيجية قصوى للدول ثلاثتها، خاصةً في ظل تزايد تحديات ندرة المياه في المنطقة، حيث تصنف كل من الجزائر وتونس وليبيا ضمن دول التي يميّزها النقص المائي نتيجة للتغيرات المناخية وتراجع معدلات التساقط.
وبحسب التقديرات، تبلغ كمية مخزون المياه الجوفية في هذه المنطقة، أكثر من 10 آلاف مليار متر مكعب، وهو ما يمثل ثروة هائلة تُتيح فرصًا واسعة لتحقيق الأمن المائي على الأمد البعيد، وتحسين مستوى معيشة أكثر من 65 مليون نسمة في الدول الثلاثة.
تعاون شامل
تمثل هذه الاتفاقية – حسب عديد المتابعين – خطوة هامة نحو تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الثلاثة في مجال الأمن المائي وتحقيق ما يعرف بـ«الانتشار” في مجال التعاون الاقتصادي، وتُمهّد الطريق لمزيد من المشاريع المشتركة في قطاعات حيوية أخرى، مثل الأمن الغذائي حيث تسعى دول المنطقة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والعلف، وتُعدّ المياه الجوفية ضرورية لزراعة هذه المحاصيل، لاسيما في المناطق الصحراوية، وتعد الجزائر رائدة في هذا المجال.
وتعد ولايتا وادي سوف وبسكرة من المناطق التي تعرف نهضة فلاحية غير مسبوقة بالجزائر، وتساهم بنسب معتبرة في الناتج الإجمالي الفلاحي في الجزائر، ويمكن أن تُساهم مشاريع استغلال المياه الجوفية في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة في الدول الثلاثة، والاستفادة من الخبرة الجزائرية في هذا المجال لاسيما وأن قيمة الإنتاج الفلاحي في الجزائر سنة 2023 تجاوزت الـ 30 مليار دولار، وبنسب نمو سنوية تتجاوز الـ5 ٪.
مبادئ توجيهية
علاوة على ذلك، أكدت الاتفاقية المشتركة على ضرورة احترام عدد من المبادئ التوجيهية لضمان إدارة مستدامة للمياه الجوفية المشتركة، من أهمها، الاحترام المُتبادل لسيادة كل دولة على مواردها المائية، والتعاون العادل والمنصف في استغلال هذه الموارد، إضافة إلى الحفاظ على التوازن بين احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، واعتماد نهج علمي في إدارة وتطوير الموارد المائية.
ومن بين الخطوات الرئيسية التي تم التوصل إليها في هذا الاتفاق، إنشاء آلية دائمة للتشاور بين الدول الثلاثة حول إدارة المياه الجوفية، والتي سيكون مقرها العاصمة الجزائرية. كما تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك لصياغة مشاريع واستثمارات مشتركة في مجالات عدة، مما يعزز التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدان الثلاثة.
تكامل إقليمي
وفي السياق، أكدت معظم الصحف العربية والعالمية التي تناقلت الخبر، أن الاتفاقية تُمثل نموذجًا رائدًا للتعاون الإقليمي في مجال إدارة الموارد المائية، وتُشجّع الدول الأخرى في المنطقة على تبني نهج مماثل لمعالجة تحديات ندرة المياه وتجنب الصراعات التي من الممكن أن تنشأ جراء نقص المياه أو المياه العابرة للحدود، واستغلال المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا يُعدّ إنجازًا تاريخيًا يُساهم في تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الثلاثة، ويُفتح آفاقًا واسعة لتحقيق الأمن المائي والتنمية المستدامة في المنطقة.
كما أن الأهمية الإستراتيجية لهذا الاتفاق، تتجلى في قدرته على دعم الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في المنطقة؛ فالمياه الجوفية هي مورد حيوي للزراعة والصناعة والحياة اليومية، واستغلالها بشكل مستدام يمثل تحديًا ملحًّا وفرصة للتعاون الإقليمي وتعزيز الاستقرار على جميع المستويات.
مدير عام الوكالة الوطنية لتحلية المياه محمد درامشي: مشاريع تحلية مياه البحر بسواعد جزائرية بعدما كانت حكرا على المؤسسـات الأجنبية
تشكل تحلية مياه البحر خيارا استراتيجيا لتحقيق الأمن بما هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي للبلاد، حيث أقرّ رئيس الجمهورية برنامجا وطنيا طموحا لمجابهة تفاقم الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وتأثيرها المباشر على المصادر التقليدية للمياه، سواء كانت سطحية أو جوفية، خاصة وأن بلادنا تعاني – هي الأخرى – من تراجع معدلات تساقط الأمطار أثّر بشكل كبير على تموين الساكنة بالماء الشروب، وتزايد الطلب على توفير مياه السّقي بسبب الجفاف.
في ظل التحدّيات المائية التي تواجهها الجزائر، رجّح رئيس الجمهورية كفّة تحلية مياه البحر كحل استراتيجي لضمان الأمن المائي ومواجهة شحّ المياه.
وتشير الإحصائيات إلى أن الجزائر تستهلك سنويا ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء، في حين تفوق حاجاتها 20 مليار متر مكعب. ولمواجهة هذا التحدي، أقر رئيس الجمهورية استراتيجية وطنية للمياه تمتد من 2021 إلى 2030 تهدف إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب عن طريق تحلية مياه البحر بنسبة تصل إلى 60%.
وتعمل الحكومة على تنفيذ المخطط الاستعجالي، ورفع عدد محطات تحلية مياه البحر إلى 19 محطة عام 2024، بقدرة إنتاجية تبلغ 2.11 مليون متر مكعب يوميا. وتشمل هذه المحطات مواقع مختلفة على الشريط الساحلي الذي يمتد لـ 1600 كيلومتر، مما يعكس الجهود المبذولة لتحقيق الأمن المائي.
في السياق، أكد المدير العام للوكالة الوطنية لتحلية المياه محمد درامشي في تصريح لـ«الشعب”، التي استحدثت بموجب المرسوم التنفيذي رقم 23-103 المؤرخ في مارس 2023 من أجل تنفيذ السياسة الوطنية في مجال تحلية المياه بهدف تعزيز القدرات الوطنية في إنتاج المياه المحلاة لضمان الأمن المائي، أن الحظيرة الوطنية لمحطات التحلية آخذة في التوسع بفضل المشاريع المبرمجة.
وتتوفر الجزائر على أحد عشر محطة تحلية كبيرة، تعزّزت بخمس محطات أخرى ستتدخل حيز الخدمة نهاية السنة الجارية، بالإضافة إلى أحد عشر محطة صغيرة موزعة عبر الشريط الساحلي بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 2500 م3 يوميا إلى 10 آلاف، ناهيك عن خمس وثلاثين محطة لنزع المعادن بجنوب البلاد.
في السياق، أوضح درامشي أن المحطات السبعة التي سيتم الانطلاق في إنجازها مع نهاية السنة ستساهم في إنتاج 1.86 مليون متر مكعب يوميا سكيكدة، جيجل، بجاية تتراوح بين 300 ألف و60 ألف م3، الشلف، تلمسان ومستغانم 300 ألف م3.
أما تيزي وزو، فستعرف انجاز محطتين، واحدة بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 ألف م3 وأخرى 60 ألف م3، وقد تم إنشاء شبكة المصب في تيقزيرت، وستمس العديد من المناطق بصفة جزئية أو كلية إلى غاية الوصول إلى نطاق 150 كيلومتر، انطلاقا من الشريط الساحلي على المستوى الوطني.
وكشف المتحدث عن دراسات لمصبات المحطات، حيث تتولى لجنة الصفقات فحص إطلاق الدراسات، وعند انتهائها ستكون المحطات السبع جاهزة، مشيرا إلى أن إنجاز هذه المشاريع يتم بأيدي كفاءات جزائرية تبذل مجهودات كبيرة، حيث أصبحت مشاريع تحلية مياه البحر تنجز بسواعد جزائرية بعدما كانت حكرا على المؤسسات الأجنبية.
ولم يغفل محدثنا الإشارة إلى المجهودات التي تبذلها المؤسسات التابعة للقطاع التي أسندت إليها أشغال انجاز هذه المشاريع، إذ تعمل ليلا ونهارا دون انقطاع، لتسليم هذه المشاريع الهيكلية في آجالها المحددة.
وبالعودة إلى تفاصيل هذا الخيار الاستراتيجي، ارتكز برنامج رئيس الجمهورية في المرحلة الأولى 2022-2024 على انجاز 05 محطات كبرى لتحلية مياه البحر بقدرة انتاج 300 ألف م3 من أجل توفير الماء الشروب للمواطن، وهي محطة كاب بلان بوهران، محطة فوكة 2 بتيبازة، محطة كاب جنات ببومرداس، محطة بجاية، محطة الطارف.
للإشارة، يتكفل قطاع الطاقة والمناجم بإنجاز هذه المحطات، بينما يشرف قطاع الري على انجاز أنظمة ربط هذه المحطات بشبكات جر وتوزيع المياه الصالحة للشرب، ليتم توسيعه فيما بعد من أجل تعميم تواجد محطات تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، على اعتبار أن تحلية مياه البحر أحد أبرز الحلول التي من شأنها تغطية العجز المائي، وكل هذا في سبيل إيجاد مصادر مياه مستدامة، لا تتأثر بالتغيرات المناخية لتحقيق أمننا المائي، ومرافقة مسار التنمية.
من جهة أخرى، تتضمن المرحلة الثانية إنجاز سبع محطات جديدة كبرى لتحلية مياه البحر لتنجز ما بين 2025 -2030، في كل من ولايات تلمسان، مستغانم، الشلف، جيجل، سكيكدة، ومحطتين بتيزي وزو وبهذا البرنامج سيتم التزويد بالماء الشروب لساكنة الولايات المذكورة والولايات التي تقع على نطاق 150كلم من هذه المحطات، حيث يقطن أكثر من 70% من إجمالي سكان الوطن، وسيتم الشروع في انجاز هذه المحطات فور استيفاء الاجراءات الإدارية المتعلقة بهذه المشاريع.
ومع الانتهاء من أشغال انجاز جميع محطات التحلية التي تضمنها برنامج رئيس الجمهورية ستصل نسبة الاعتماد على المياه المحلاة إلى 60 % من إجمالي المياه المنتجة وطنيا والموجهة للشرب.
تأمين ودعم
كانت محطات تحلية مياه البحر في السابق تستعمل لتدعيم تزويد المواطنين بالماء الشروب، وليس للتأمين، بالنظر إلى الاعتماد الكبير على المياه التقليدية مقارنة بمياه البحر المحلاة، إلا أن تغيير هذا النمط يتم اليوم، بالاعتماد والتركيز على مياه البحر المحلاة كمصدر أساسي للتأمين، فيما ستصبح المياه السطحية مصدر تدعيم فقط، ومخزونا موجه للفلاحة عند الإمكان.
وفور دخول المرحلة الأولى من هذا البرنامج حيز الخدمة، سترتفع نسبة الاعتماد على المياه المحلاة على المستوى الوطني إلى 42%، ومع انتهاء المرحلة الثانية سترتفع إلى 60%، مما سيسمح بإعادة توجيه المياه السطحية والجوفية لاستعمالها في مجالات أخرى لاسيما الفلاحة أو الاحتفاظ بها كمخزون استراتيجي.
تترجم كل هذه المشاريع التي هي قيد الإنجاز أو على وشك الانطلاق، حقيقة مجهودات الدولة الجزائرية لضمان أمن مائي على جميع المستويات، ما سيساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويخلق أحسن ظروف معيشية للساكنة، كما أن تأمين تزويد الفلاحة والصناعة بالمياه سيساهم حتما في بلوغ مسعى تحقيق الأمن الغذائي من جهة، ومرافقة الصناعة.
في هذا الإطار، تتولى الجزائرية للمياه انجاز مشاريع الربط البعدي للمحطات الخمسة، تشرف عليها المؤسسة الجزائرية في إطار التسيير المفوض من طرف وزارة الري، وتعكف على إنجازها مؤسسات جزائرية، حيث ستسمح هذه المشاريع عند دخولها حيز الخدمة بتحويل 1.5 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب يوميا.
وتعتبر هذه المشاريع ضخمة، حيث تتواصل فيها أشغال الانجاز بوتيرة متسارعة، وذلك من خلال الاعتماد على نظام المناوبة “ثلاثة في ثمانية” وطيلة أيام الأسبوع، بما فيها العطل والأعياد الدينية والوطنية.
فبولاية وهران، يتم انجاز 48 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية الرأس الأبيض ببلدية عين الكرمة، وسيسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل ثلاثِ مئةِ ألف متر مكعب يوميا لتموين ولاية وهران، لفائدة أزيد من 3 ملايين نسمة.
وبولاية بجاية التي تشهد هي الأخرى حاليا أشغال انجاز 115 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية تيغرمت، سيسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا لصالح أربعة ولايات، وهي بجاية وبرج بوعريريج سطيف والبويرة، وهذا لفائدة أزيد من مليون نسمة عند دخوله حيز الخدمة.
كذلك الأمر بولاية تيبازة التي تعرف أشغال انجاز 21 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية فوكة2، حيث سيسمح المشروع عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا، بكل من ولاية الجزائر العاصمة البليدة وتيبازة، وهذا لفائدة أزيد من 6 مليون نسمة.
وببومرداس، تستمر أشغال مشروع الربط البعدي لمحطة رأس جنات2، حيث يتم انجاز 29 كلم من قنوات الجر والإمداد، حيث سيسمح المشروع عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا لفائدة أزيد من 7 مليون نسمة، بولايتي بومرداس والجزائر، بالإضافة إلى تأمين وتعزيز تموين ساكنة أربعة ولايات: وهي البويرة تيزي وزو والمدية والمسيلة، وهذا عبر نظام كدية اسردون.
وأخيرا، ولاية الطارف التي تتواصل فيها أشغال انجاز مشروع الربط البعدي لمحطة التحلية بكودية الدراوش ببلدية بريحان، وهو المشروع الذي يندرج في إطار البرنامج الوطني التكميلي المندرج ضمن الاستراتيجي وضعها رئيس الجمهورية لتعزيز الامن المائي للبلاد، إذ يحتوي على 638 كلم من قنوات الجر والامداد. وسيسمح دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا موزعة عبر أربعة ولايات، وهي كل من عنابة والطارف وقالمة وسكيكدة، لفائدة أزيد من 2 مليون نسمة.
وتتكون قنوات الجر والامداد مكونة من الفولاذ. و«RHD”، وتتراوح أقطارها بين 90 ملليمتر إلى 1800 مليمتر و39 خزانا مائي بسعة اجمالية تقدر 450 ألف م 3 و17محطة ضخ.
ويسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة بتحويل 300 ألف م3 يوميا موزعة على 4 ولايات، وهي عنابة، الطارف، قالمة وسكيكدة، لفائدة أزيد من 2 مليون نسمة في آفاق 2050.
وبوتيرة سريعة، يتم إنجاز مشروع قنوات الجر بشطريه بالرغم من جميع الصعوبات خاصة التضاريس، منها الأرضية الصخرية الغابات الوديان والطرق الوطنية، إلى جانب السكة الحديدية، حيث يتعلق الشطر الأول بقناة بقطر 1500 مليمتر على مسافة 47 كيلومتر، ابتداء من غرفة الانطلاق لقناة الجر إلى غاية خزانات بـ 29 ألف م3، بمركب شعيب بولاية عنابة، ويتم انجازه من قبل مؤسسة “كوسيدار قنوات”.
أما الشطر الثاني للمشروع، فيتمثل في انجاز قناة جر ذات قطر 1800مليمتر تمتد على مسافة 25 كلم، ابتداء من غرفة الانطلاق لقناة الجر وصولا إلى خزان بحيرة الطيور، ذو سعة 50 ألف م3، ويتم إنجازه من قبل مجمع مؤسسات الري “جريد”.
ويعد إنجاز هذا المشروع خطوة أخرى في سبيل تحقيق الاستراتيجية التي وضعتها السلطات العليا للبلاد، لتعزيز محطات التحلية عبر الشريط الساحلي ضمانا لانتظام التموين بالماء الشروب إلى غاية المناطق الداخلية.
الدكتورة سعاد مواسة: لا مفرّ مـن مشاريع تحلية ميــاه البحر
وأكدت المختصة في علم المياه بجامعة معسكر، الدكتورة سعاد مواسة، أنه في سبيل تحقيق الأمن المائي، أصبح الاعتماد على أنظمة وتقنيات تحلية مياه البحر ضرورة ملحة، موضحة أن توجه الجزائر إلى توحيد الجهود لمواجهة التحديات الاقتصادية مع ليبيا وتونس، أمر إيجابي في سبيل تحقيق استقرار المنطقة، لاسيما من جانب الأمن المائي والغذائي.
وذكّرت مواسة في تصريح لـ«الشعب” بقرارات قمة تونس التي نصت مخرجاتها على إنشاء آلية للتشاور حول المياه الجوفية المشتركة على مستوى الصحراء الشمالية، عملا على تحقيق الأمن المائي، ولفتت إلى أن الأمر يتعلق بحصة وافرة من مخزون المياه الجوفية تتمركز في الجزائر، مع مراعاة طبيعة المخزون غير المتجددة.
وترى مواسة أنه في سبيل استغلال احتياطي المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وليبيا وتونس، لابد أولاً من اكتشاف هذا الاحتياطي، وذلك من خلال القيام بدراسات علمية دقيقة واستخدام النمذجة لتقدير حجم هذا المخزون المائي، والتحقق من جودته ومدى صلاحيته للاستخدام المقصود- سواء كانت مياه مالحة أم قابلة للاستخدام كمياه شرب، إلى جانب تحديد الكمية المطلوبة للاستخراج دون التأثير على جودة المياه ومدى صلاحيتها للاستخدام.
في سياق آخر، أكدت مواسة أن مشاريع محطات تحلية مياه البحر، لتغطية احتياجات السكان من مياه الشرب، واحدة من القرارات المهمة في مسار تطور الدولة، وهي وسيلة فعالة لمواجهة الإجهاد المائي، خاصة في المناطق الساحلية والمناطق الداخلية التي تعاني من نقص المياه، وأكدت أن اللجوء إلى نظام تحلية مياه البحر، من أجل تلبية وتغطية احتياجات الشرب في الجزائر، اختيار لا مفر منه وليس رفاهية، في ظل تراجع كبير للمياه العذبة كما ونوعا ومن مختلف المصادر السطحية والجوفية.غير أن اللجوء إلى نظام التحلية المكلف ماليا – تقول المتحدثة – وتضيف أنه لابد أن يتماشى ـ مع مفاهيم التنمية المستدامة، من خلال التفكير في التخلص من نفايات إنتاج المياه المحلاة، بطريقة تجعلها صديقة للبيئة على الأمد الطويل، مثل إعادة تدوير المواد الكيميائية المركزة وإعادة استغلالها في التحلية، تفاديا للتلوث في الوسط المائي، وادخارا للموارد المالية التي تستهلكها عملية التحلية.
وتحدثت مواسة عن أهمية نظم تحلية مياه البحر كوسيلة فعالة لمكافحة نقص المياه، والإجهاد المائي، إضافة إلى حماية المياه الجوفية من خطر التلوث، بإنشاء محيطات للحماية، منبهة إلى ضرورة إعداد خرائط للمناطق المجهدة والمناطق المعرضة للتلوث، نتيجة النشاط الصناعي أو الفلاحي. وأشارت – في السياق – إلى أن مخزون المياه الجوفية في المناطق الشمالية محدود جدا، ويستلزم إحاطته بالحماية اللازمة من مختلف أشكال الهدر، من خلال خرائط للمناطق التي تعاني من الإجهاد المائي أو التلوث، الأمر الذي ينطبق على المياه السطحية التي يجب أن تحظى هي الأخرى بالعناية اللازمة، لحمايتها من التلوث، من خلال معالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها إلى الأودية والسدود، لتجنب تلوثها بمختلف الملوثات.
شبح نقص المياه يتلاشى في وهران
يعتبر بناء محطات تحلية مياه البحر خيارا تبنته السلطات العليا للبلاد بصفة استعجالية، لمواجهة شح المياه والجفاف الناجم عن التغيرات المناخية، كما يندرج ضمن المخططات الاستراتيجية الكبرى التي يحرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على تجسيدها ميدانيا في آجال قياسية، لضمان حق المواطن وتلبية حاجياته من الماء الشروب بصفة منتظمة ومستمرة، إضافة إلى ضمان الأمن المائي للبلاد.
في هذا الإطار، استفادت ولاية وهران من عدة مشاريع بهدف تحقيق الأمن المائي والغذائي من خلال استحداث موارد مائية غير تقليدية، على غرار محطات تحلية مياه البحر واستعمال المياه المصفاة في السقي الفلاحي، وبعض الصناعات، بل وفي الاستعمالات شبه الحضرية مثل سقي المساحات الخضراء وتنظيف الطرقات.
وتعد محطة تحلية مياه البحر “الرأس الأبيض” من أهم المشاريع الاستراتيجية التي حظيت بها ولاية وهران ضمن البرنامج الاستعجالي المتضمن إنجاز 5 محطات تحلية مياه البحر في كل من وهران محطة “الرأس الأبيض”، “كاب جنات” بولاية بومرداس، “فوكة 2” بتيبازة، “كدية الدراوش” في الطارف و«تيغرمت توجة” بولاية بجاية، وسيسمح هذا المشروع الحيوي بإنتاج 1.5 مليون متر مكعب من المياه.
وستؤمن محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض الواقعة بعين الكرمة غرب وهران، فور دخولها حيز الخدمة نهاية ديسمبر 2024، إمدادات المياه الصالحة للشرب لولاية وهران، إضافة إلى تعزيز القدرات المائية للولايات الغربية الأخرى على غرار عين تموشنت وغليزان ومعسكر، كما ستساهم في القضاء على كل النقاط السوداء التي يعاني منها مخطط تزويد ساكنة المناطق الغربية الولاية.
وستساهم محطة “الرأس الأبيض”، وفق المدير العام لـ«سيور”، أسامة هلايلي، في تعزيز مخطط توزيع الماء الشروب بوهران كونها ستزود مباشرة وبشكل رئيسي الجهة الغربية من ولاية وهران، خصوصا بلديات دائرة عين الترك، القطب العمراني أحمد زبانة، مسرغين، حي بوعمامة، بوتليليس، المرسى الكبير وغيرها من المناطق التي يعاني سكانها من التذبذب في التزويد بالمياه والانقطاعات المستمرة، ويزود الجزء الشرقي من الولاية من حصص المياه بالكامل التي تنتجها محطة تحلية مياه البحر بالمقطع ومن نظام التحويل مستغانم-أرزيو-وهران (الماو) لولاية وهران بالكامل.
رهـان الإنجاز ..
تسير أشغال إنجاز محطة تحلية مياه البحر للرأس الأبيض اليوم، بوتيرة جيدة، حيث من المقرر وفق ما أعلن عنه والي ولاية وهران السعيد سعيود، في تصريحاته الاخيرة “تسليم المشروع ودخوله حيز الخدمة ديسمبر المقبل”.
ويسهر على إنجاز المحطة 1.500 عامل وفق برنامج عمل متواصل 7 أيام في الأسبوع على مدار 24 ساعة يوميا، من خلال ثلاث فرق مناوبة، كما أوكل انجاز المحطة إلى طاقات وكفاءات وشركات جزائرية 100% وهي مجمع سوناطراك، الشركة الجزائرية للطاقة، الشركة الوطنية للهندسة المدنية والبناء، والمؤسسة العمومية للأشغال البترولية الكبرى.
وحددت مدة الإنجاز بـ25 شهرا وهو ما يعد من الآجال القياسية مقارنة مع “المحطات التي شيدت قبل سنة 2021 من قبل شركات أجنبية، واستغرقت أشغالها ما بين 36 و52 شهرا، علما أنها تتربع على مساحة 16 هكتارا بقدرة إنتاج 300 ألف متر مكعب يوميا.
وبالموازاة مع ذلك، تم إطلاق أشغال حماية مشروع شبكة التوزيع بطول 48 كلم من الأنابيب وخزانيين التابعة لمحطة “الراس الأبيض “بداية أكتوبر 2023، وحدد الموعد النهائي لاستلام شبكة التوزيع بـ 14 شهرا.
وتقدر سعة الخزان الأول من الأنابيب وخزانين، بسعة 50 ألف متر مكعب، ويقع بعين تاسا بلدية عين الكرمة بينما تصل سعة الخزان الثاني إلى 30 ألف متر مكعب ويقع ببوسفر، دائرة عين الترك.