تشكل تحلية مياه البحر خيارا استراتيجيا لتحقيق الأمن بما هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي للبلاد، حيث أقرّ رئيس الجمهورية برنامجا وطنيا طموحا لمجابهة تفاقم الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وتأثيرها المباشر على المصادر التقليدية للمياه، سواء كانت سطحية أو جوفية، خاصة وأن بلادنا تعاني – هي الأخرى – من تراجع معدلات تساقط الأمطار أثّر بشكل كبير على تموين الساكنة بالماء الشروب، وتزايد الطلب على توفير مياه السّقي بسبب الجفاف.
في ظل التحدّيات المائية التي تواجهها الجزائر، رجّح رئيس الجمهورية كفّة تحلية مياه البحر كحل استراتيجي لضمان الأمن المائي ومواجهة شحّ المياه.
تشير الإحصائيات إلى أن الجزائر تستهلك سنويا ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء، في حين تفوق حاجاتها 20 مليار متر مكعب. ولمواجهة هذا التحدي، أقر رئيس الجمهورية استراتيجية وطنية للمياه تمتد من 2021 إلى 2030 تهدف إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب عن طريق تحلية مياه البحر بنسبة تصل إلى 60%.
وتعمل الحكومة على تنفيذ المخطط الاستعجالي، ورفع عدد محطات تحلية مياه البحر إلى 19 محطة عام 2024، بقدرة إنتاجية تبلغ 2.11 مليون متر مكعب يوميا. وتشمل هذه المحطات مواقع مختلفة على الشريط الساحلي الذي يمتد لـ 1600 كيلومتر، مما يعكس الجهود المبذولة لتحقيق الأمن المائي.
المدير العام للوكالة الوطنية لتحلية المياه محمـد درامشـي لـ”الشعـب”: تحلية مياه البحر.. خيار إستراتيجي لأمـن مائي مستدام
في السياق، أكد المدير العام للوكالة الوطنية لتحلية المياه محمد درامشي في تصريح لـ«الشعب”، التي استحدثت بموجب المرسوم التنفيذي رقم 23-103 المؤرخ في مارس 2023 من أجل تنفيذ السياسة الوطنية في مجال تحلية المياه بهدف تعزيز القدرات الوطنية في إنتاج المياه المحلاة لضمان الأمن المائي، أن الحظيرة الوطنية لمحطات التحلية آخذة في التوسع بفضل المشاريع المبرمجة.
وتتوفر الجزائر على أحد عشر محطة تحلية كبيرة، تعزّزت بخمس محطات أخرى ستتدخل حيز الخدمة نهاية السنة الجارية، بالإضافة إلى أحد عشر محطة صغيرة موزعة عبر الشريط الساحلي بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 2500 م3 يوميا إلى 10 آلاف، ناهيك عن خمس وثلاثين محطة لنزع المعادن بجنوب البلاد.
في السياق، أوضح درامشي أن المحطات السبعة التي سيتم الانطلاق في إنجازها مع نهاية السنة ستساهم في إنتاج 1.86 مليون متر مكعب يوميا سكيكدة، جيجل، بجاية تتراوح بين 300 ألف و60 ألف م3، الشلف، تلمسان ومستغانم 300 ألف م3.
أما تيزي وزو، فستعرف انجاز محطتين، واحدة بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 ألف م3 وأخرى 60 ألف م3، وقد تم إنشاء شبكة المصب في تيقزيرت، وستمس العديد من المناطق بصفة جزئية أو كلية إلى غاية الوصول إلى نطاق 150 كيلومتر، انطلاقا من الشريط الساحلي على المستوى الوطني.
وكشف المتحدث عن دراسات لمصبات المحطات، حيث تتولى لجنة الصفقات فحص إطلاق الدراسات، وعند انتهائها ستكون المحطات السبع جاهزة، مشيرا إلى أن إنجاز هذه المشاريع يتم بأيدي كفاءات جزائرية تبذل مجهودات كبيرة، حيث أصبحت مشاريع تحلية مياه البحر تنجز بسواعد جزائرية بعدما كانت حكرا على المؤسسات الأجنبية.
7 محطات تنتج 1.86 مليون متر مكعب يوميا.. من دعم التموين إلى تأمين الاحتياجات
ولم يغفل محدثنا الإشارة إلى المجهودات التي تبذلها المؤسسات التابعة للقطاع التي أسندت إليها أشغال انجاز هذه المشاريع، إذ تعمل ليلا ونهارا دون انقطاع، لتسليم هذه المشاريع الهيكلية في آجالها المحددة.
وبالعودة إلى تفاصيل هذا الخيار الاستراتيجي، ارتكز برنامج رئيس الجمهورية في المرحلة الأولى 2022-2024 على انجاز 05 محطات كبرى لتحلية مياه البحر بقدرة انتاج 300 ألف م3 من أجل توفير الماء الشروب للمواطن، وهي محطة كاب بلان بوهران، محطة فوكة 2 بتيبازة، محطة كاب جنات ببومرداس، محطة بجاية، محطة الطارف.
للإشارة، يتكفل قطاع الطاقة والمناجم بإنجاز هذه المحطات، بينما يشرف قطاع الري على انجاز أنظمة ربط هذه المحطات بشبكات جر وتوزيع المياه الصالحة للشرب، ليتم توسيعه فيما بعد من أجل تعميم تواجد محطات تحلية مياه البحر على طول الشريط الساحلي، على اعتبار أن تحلية مياه البحر أحد أبرز الحلول التي من شأنها تغطية العجز المائي، وكل هذا في سبيل إيجاد مصادر مياه مستدامة، لا تتأثر بالتغيرات المناخية لتحقيق أمننا المائي، ومرافقة مسار التنمية.
من جهة أخرى، تتضمن المرحلة الثانية إنجاز سبع محطات جديدة كبرى لتحلية مياه البحر لتنجز ما بين 2025 -2030، في كل من ولايات تلمسان، مستغانم، الشلف، جيجل، سكيكدة، ومحطتين بتيزي وزو وبهذا البرنامج سيتم التزويد بالماء الشروب لساكنة الولايات المذكورة والولايات التي تقع على نطاق 150كلم من هذه المحطات، حيث يقطن أكثر من 70% من إجمالي سكان الوطن، وسيتم الشروع في انجاز هذه المحطات فور استيفاء الاجراءات الإدارية المتعلقة بهذه المشاريع.
ومع الانتهاء من أشغال انجاز جميع محطات التحلية التي تضمنها برنامج رئيس الجمهورية ستصل نسبة الاعتماد على المياه المحلاة إلى 60 % من إجمالي المياه المنتجة وطنيا والموجهة للشرب.
تأمين ودعم
كانت محطات تحلية مياه البحر في السابق تستعمل لتدعيم تزويد المواطنين بالماء الشروب، وليس للتأمين، بالنظر إلى الاعتماد الكبير على المياه التقليدية مقارنة بمياه البحر المحلاة، إلا أن تغيير هذا النمط يتم اليوم، بالاعتماد والتركيز على مياه البحر المحلاة كمصدر أساسي للتأمين، فيما ستصبح المياه السطحية مصدر تدعيم فقط، ومخزونا موجه للفلاحة عند الإمكان.
وفور دخول المرحلة الأولى من هذا البرنامج حيز الخدمة، سترتفع نسبة الاعتماد على المياه المحلاة على المستوى الوطني إلى 42%، ومع انتهاء المرحلة الثانية سترتفع إلى 60%، مما سيسمح بإعادة توجيه المياه السطحية والجوفية لاستعمالها في مجالات أخرى لاسيما الفلاحة أو الاحتفاظ بها كمخزون استراتيجي.
تترجم كل هذه المشاريع التي هي قيد الإنجاز أو على وشك الانطلاق، حقيقة مجهودات الدولة الجزائرية لضمان أمن مائي على جميع المستويات، ما سيساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويخلق أحسن ظروف معيشية للساكنة، كما أن تأمين تزويد الفلاحة والصناعة بالمياه سيساهم حتما في بلوغ مسعى تحقيق الأمن الغذائي من جهة، ومرافقة الصناعة.
الجزائرية للمياه
في هذا الإطار، تتولى الجزائرية للمياه انجاز مشاريع الربط البعدي للمحطات الخمسة، تشرف عليها المؤسسة الجزائرية في إطار التسيير المفوض من طرف وزارة الري، وتعكف على إنجازها مؤسسات جزائرية، حيث ستسمح هذه المشاريع عند دخولها حيز الخدمة بتحويل 1.5 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب يوميا.
وتعتبر هذه المشاريع ضخمة، حيث تتواصل فيها أشغال الانجاز بوتيرة متسارعة، وذلك من خلال الاعتماد على نظام المناوبة “ثلاثة في ثمانية” وطيلة أيام الأسبوع، بما فيها العطل والأعياد الدينية والوطنية.
فبولاية وهران، يتم انجاز 48 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية الرأس الأبيض ببلدية عين الكرمة، وسيسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل ثلاثِ مئةِ ألف متر مكعب يوميا لتموين ولاية وهران، لفائدة أزيد من 3 ملايين نسمة.
وبولاية بجاية التي تشهد هي الأخرى حاليا أشغال انجاز 115 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية تيغرمت، سيسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا لصالح أربعة ولايات، وهي بجاية وبرج بوعريريج سطيف والبويرة، وهذا لفائدة أزيد من مليون نسمة عند دخوله حيز الخدمة.
كذلك الأمر بولاية تيبازة التي تعرف أشغال انجاز 21 كلم من قنوات الجر والإمداد، انطلاقا من محطة التحلية فوكة2، حيث سيسمح المشروع عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا، بكل من ولاية الجزائر العاصمة البليدة وتيبازة، وهذا لفائدة أزيد من 6 مليون نسمة.
وببومرداس، تستمر أشغال مشروع الربط البعدي لمحطة رأس جنات2، حيث يتم انجاز 29 كلم من قنوات الجر والإمداد، حيث سيسمح المشروع عند دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا لفائدة أزيد من 7 مليون نسمة، بولايتي بومرداس والجزائر، بالإضافة إلى تأمين وتعزيز تموين ساكنة أربعة ولايات: وهي البويرة تيزي وزو والمدية والمسيلة، وهذا عبر نظام كدية اسردون.
وأخيرا، ولاية الطارف التي تتواصل فيها أشغال انجاز مشروع الربط البعدي لمحطة التحلية بكودية الدراوش ببلدية بريحان، وهو المشروع الذي يندرج في إطار البرنامج الوطني التكميلي المندرج ضمن الاستراتيجي وضعها رئيس الجمهورية لتعزيز الامن المائي للبلاد، إذ يحتوي على 638 كلم من قنوات الجر والامداد. وسيسمح دخوله حيز الخدمة، بتحويل 300 ألف متر مكعب يوميا موزعة عبر أربعة ولايات، وهي كل من عنابة والطارف وقالمة وسكيكدة، لفائدة أزيد من 2 مليون نسمة.
وتتكون قنوات الجر والامداد مكونة من الفولاذ. و«RHD”، وتتراوح أقطارها بين 90 ملليمتر إلى 1800 مليمتر و39 خزانا مائي بسعة اجمالية تقدر 450 ألف م 3 و17محطة ضخ.
ويسمح نظام الجر عند دخوله حيز الخدمة بتحويل 300 ألف م3 يوميا موزعة على 4 ولايات، وهي عنابة، الطارف، قالمة وسكيكدة، لفائدة أزيد من 2 مليون نسمة في آفاق 2050.
وبوتيرة سريعة، يتم إنجاز مشروع قنوات الجر بشطريه بالرغم من جميع الصعوبات خاصة التضاريس، منها الأرضية الصخرية الغابات الوديان والطرق الوطنية، إلى جانب السكة الحديدية، حيث يتعلق الشطر الأول بقناة بقطر 1500 مليمتر على مسافة 47 كيلومتر، ابتداء من غرفة الانطلاق لقناة الجر إلى غاية خزانات بـ 29 ألف م3، بمركب شعيب بولاية عنابة، ويتم انجازه من قبل مؤسسة “كوسيدار قنوات”.
أما الشطر الثاني للمشروع، فيتمثل في انجاز قناة جر ذات قطر 1800مليمتر تمتد على مسافة 25 كلم، ابتداء من غرفة الانطلاق لقناة الجر وصولا إلى خزان بحيرة الطيور، ذو سعة 50 ألف م3، ويتم إنجازه من قبل مجمع مؤسسات الري “جريد”.
ويعد إنجاز هذا المشروع خطوة أخرى في سبيل تحقيق الاستراتيجية التي وضعتها السلطات العليا للبلاد، لتعزيز محطات التحلية عبر الشريط الساحلي ضمانا لانتظام التموين بالماء الشروب إلى غاية المناطق الداخلية.