انتقلت القضية الفلسطينية من محاولات التصفية النهائية إلى اعتراف المجتمع الدولي بأحقيتها في نيل عضوية كاملة في الأمم المتحدة. هذا التحول جاء مشفوعا بدماء الآلاف من الشهداء في غزة، ومدفوعا بأداء دبلوماسي باهر للجزائر على مستوى مجلس الأمن.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شهر سبتمبر من العام الماضي، دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأكّد عمل الجزائر على تحقيق هذا الهدف بوضعه أولوية أثناء شغلها لولايتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي.
بعد ثمانية أشهر من هذا الخطاب، صوّت أعضاء الجمعية العامة الأممية في دورات استثنائية طارئة لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين في الحصول على صفة العضو الكامل، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب بشكل إيجابي.
وخلال هذه الفترة حدث الكثير للقضية الفلسطينية، حيث انبعثت من جديد بعد وصول مخطّط تصفيتها بشكل نهائي إلى محطة الإجهاز الأخير، وعادت لتشغل العالم بكفاح متفرّد ضد آلة القمع والقتل الصهيونية، ونالت دعما غير مسبوق في جميع الدول بما فيها تلك الراعية للكيان الصهيوني.
وفي ذات الفترة، تأكّد مرة أخرى أنّ الجزائر دولة المبادئ لم تخطئ في توجّهاتها، وفي رفعها لنسق نضالها من أجل القضية “الأم”، خاصة وأنّها تبوّأت مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، منذ جانفي الماضي ولمدة سنتين.
الرّئيس تبون، ومن مقر وزارة الدفاع الوطني، عاد في كلمته إلى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكيف استغربت الكثير من الدول رفع الجزائر لراية إدخال فلسطين كعضو كامل إلى الأمم المتحدة، اعتبارا للمسافة التي قطعها قطار محو شيء اسمه “فلسطين”.
لكن الأحداث أثبتت صحة الموقف الجزائري، بل إن الكثير من الدول ومنها أوروبية أعلنت عن قرب اعترافها باستقلال دولة فلسطين، بينما كان البعض يتأهّب لرؤية مخطط إفراغ الأراضي الفلسطينية من الشعب الفلسطيني، ومن لم تدركه همجية الاحتلال انتهى في الصحاري مشرّدا ومهجرا.
قبل انعقاد الدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصويتها لصالح العضوية الكاملة لفلسطين بـ 143 صوتا (دولة) مقابل 25 امتناع ورفض 09، كانت الجزائر قد تقدّمت بمشروع قرار لمجلس الأمن، وفي مضمونه موضوع واحد ووحيد وهو منح فلسطين صفة العضو الكامل.
لم يكن هذا المشروع هو الأول من نوعه، فقد عقد مجلس الأمن أزيد من 7 اجتماعات في ظرف 03 أشهر بطلب من الجزائر، بشأن القضية الفلسطينية، وتقدّمت بمشاريع قرارات أهمها النص المتعلق بوقف إطلاق النار، والذي تمت المصادقة عليه لأول مرة منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
جلّ الخبراء والمراقبين علّقوا على الأداء المهني الراقي للوفد الجزائري بالأمم المتحدة، وقدرته التفاوضية ولجوئه لمناورات غير مسبوقة لبناء الإجماع الدولي داخل مجلس الأمن والالتفاف على “الفيتو” الأمريكي.
وكلّما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض، كلّما صدح صوت سفير الجزائر عمار جامع قائلا “سنعود أكثر قوّة وأكثر صخبا”، وهو ما حصل مع مشروع قرار قبول عضوية فلسطين، حيث عادت الجزائر بذات النص عبر الجمعية العامة الأممية، وكانت أكثر صخبا حيث حاز النص على دعم 143 دولة ما يمثّل أغلبية المجتمع الدولي.
وستعود في غضون أيام قليلة إلى مجلس الأمن لبحث مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يوصي بإعادة النظر وبشكل إيجابي في الطلب الذي يمنح فلسطين حقها التاريخي، في بناء دولة مستقلة.
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وفي آخر مقابلة إعلامية شهر رمضان المنقضي، هذا المسعى بالمعركة التي تخضوها الجزائر ولن تتخلى عنها حتى تتحقّق “أحب من أحب وكره من كره”.
وأكّد بأنّه آن الأوان أن تصبح فلسطين دولة معترف بها بالأمم المتحدة “حتى ولو كانت محتلّة”، لافتا إلى أنّ الشعب الفلسطيني دفع ما فيه الكفاية من تضحيات جسام، وآخرها سقوط 35 ألف شهيد على يد الصهاينة المتعطشين للدماء والخراب.
وفي ظل استمرار المعارك على الأرض والمعارك القضائية في المحاكم الدولية والمعارك الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تشد الجزائر على يد فلسطين وتقف دائما ورائه لمضاعفة الزخم النضالي إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.