أكد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني السيد عبد المجيد تبون، أن السيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي مهاب واقتصاد متطور وأن التطور الذي تشهده الجزائر أمر ملموس لا ينكره إلا جاحد.
يؤكد خبراء لـ«الشعب”، أن كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة الزيارة التي أداها إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، الأربعاء، حملت رسائل سياسية واقتصادية غاية في الأهمية، في مقدمتها أن وحدة البلد وسيادتها خط أحمر، لا يمكن لأحد أن يتخطاه، وأنه لا سبيل إلى اللجوء إلى المديونية.
ملف: حمزة محصول، حياة كبياش، علي مجالدي وكمال زقاي
الجزائــر.. ثوابت راسخــة ومواقـف ثابتـة
حمل خطاب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بمقر وزارة الدفاع الوطني، بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة، خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف، عنوانها “جيش قوي واقتصاد متطور”، وركيزتها الوفاء لرسالة الشهداء والتمسك بالثوابت الوطنية المنصوص عليها في بيان 1 نوفمبر 1954.
من أبرز ما جاء في كلمة الرئيس تبون، حديثه عن سنة 2027، بوصفها محطة مفصلية ستنقل الاقتصاد الوطني ومعه البلاد ككل، إلى مستوى آخر من التنمية الشاملة، اعتبارا لانطلاق كافة المشاريع الهيكلية، خاصة في قطاع المناجم.
وفي الاقتصاد تعتبر ثلاث سنوات، مدى قريبا في الاستشراف والتخطيط. وانطلاقا مما أنجز لحد الآن، يمكن وصف العام الثالث بأنه عام الحصاد الأكبر، لما أنتجته استراتيجيات النهوض بالبلاد في جميع النواحي.
التاريخ المعلن والمنتظر خلاله، ليس ضربا من الوعود أو الالتزامات السياسية للرئيس تبون، وإنما حصيلة متوقعة تدعمها تقييمات وتقارير كبريات المؤسسات المالية الدولية التي أجمعت على أن الجزائر تسير بخطى ثابتة لتصبح القوة الأولى في إفريقيا.
وفي 2027، سيدخل منجم غارا جبيلات حيز الاستغلال الفعلي برقم أعمال مرحلي يضاهي 7 ملايير دولار، وسيموّن صناعة الحديد والصلب لتصبح جزائرية 100٪، وذلك عبر خط السكة الحديدية الجاري إنجازه بين تندوف وبشار بوتيرة متسارعة.
الخميس الماضي، تم توقيع اتفاقيات استغلال مناجم الحديد والفوسفات والزنك والرصاص مع الشركاء الأجانب، ومع ربطها بشبكات النقل، ستتربع الجزائر على عرش هذا القطاع قاريا، مع احتلال مرتبة جد متقدمة ضمن أكبر الممونين بالمواد الأولية المنجمية في العالم.
تطوير الاقتصاد الوطني، لا يتم بالنسبة لرئيس الجمهورية، بمعزل عن مواصلة عصرنة الجيش الوطني الشعبي، لتأمين الحدود وحماية الأمن القومي، بأقصى جاهزية وبأحدث العتاد الحربي.
وقال رئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلحة، إن المسار الذي تقطع الجزائر عليه خطواتها نحو المستقبل، يقوم على “جيش قوي واقتصاد متطور”، وأشاد بجاهزية قوام المعركة الذي يشرف على تحضيره قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة.
ولأن الجيش والاقتصاد، هما عنصرا السيادة الكاملة، عمد الرئيس تبون إلى توجيه رسائل واضحة، بشأن مُضيّ الجزائر قدما نحو تطوير القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد خاصة الصناعة، لتصل إلى حدود 20٪ من الناتج الداخلي الخام، والفلاحة لتحقيق الأمن الغذائي وإنتاج 50٪ من احتياجات البلاد من المنتجات الاستراتيجية (الحبوب) في مرحلة أولى.
هذا التوجه الذي يراعي المصلحة الوطنية المحض، يتم بالتزامن مع تأمين حدود البلاد، والجاهزية العملياتية الدائمة ضد أي اعتداء، قائلا: “نحن دولة سلام، لكن إذا تم المساس بحدودنا فلن يوقفنا أحد”.
ولم يترك رئيس الجمهورية الفرصة للأطراف التي لم تعد تُخفي عداءها للجزائر وتستهدف جوارها الإقليمي، بالتأكيد على الوفاء لمبادئ السياسة الخارجية القائمة على احترام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمساهمة في صناعة الأمن والاستقرار في الإقليم.
وضمن هذه الرؤية، لا شيء سيوقف الجزائر في الدفاع عن القضايا العادلة وخاصة القضيتين الفلسطينية والصحراوية، من مختلف المحافل والمنابر الدولية، مثلما هو الحال في مجلس الأمن الدولي، حيث تخوض معركة الاعتراف بالعضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، وفضح جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة.
الرئيـس تبـون أكد عمق التماسك بين مؤسسات الدولة
حمل خطاب رئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة زيارته إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، رمزيات ودلالات سياسية وأمنية، عسكرية واقتصادية هامة، تؤكد على عمق التماسك بين مؤسسات الدولة الجزائرية، وتحمل ردا واضحا للأطراف الخارجية التي لا تكف عن اختلاق الأكاذيب والأراجيف عن الجزائر، بأن وحدة البلد وسيادتها خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتخطاه، بحسب ما صرح لـ«الشعب” أساتذة من قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
يرى الدكتور حسام حمزة، أن زيارة رئيس الجمهورية للمؤسسة العسكرية تزامنت مع اليوم الوطني للذاكرة، وأنها تؤكد على عمق التماسك بين المؤسسات الوطنية الكبرى، خاصة رئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي، والرسالة التي تم توجيهها من قبل الرئيس ورئيس الأركان ضرورية للخارج خاصة، ولكل الأطراف التي تعمل دائما على نشر صورة مشوهة عن الواقع الجزائري، فالزيارة أكدت على عمق التماسك بين مؤسسات الدولة الجزائرية.
ويواصل الأستاذ حسام التأكيد على أن الدول تُبنى بجيش مهاب واقتصاد قوي، وهو تأكيد على تلك العلاقة المتعاضدة بين العسكري والاقتصادي في بناء الدول، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن تحافظ الدولة على بقائها في النظام الدولي الحالي المتسم بالفوضى وبالعودة إلى ما يسمى بالحروب الكلاسيكية، لا يمكن أن تحافظ على بقائها، وعلى أمنها وسيادتها دون قوة عسكرية تكون مواكبة لمختلف التحديات والتهديدات التي تواجهها ضمن النظام الدولي “الفوضوي”.
واستدل المتحدث في تحليله بأن أقوى الدول، مثل التي تتبنى خطاب الديمقراطية، وتدعي أنها تعمل على نشره في العالم، نجدها هي الأقوى عسكريا، والأكثر إنفاقا على الأسلحة وعلى القطاع العسكري، مشيرا إلى أن الجيش والقوة العسكرية تعد ركيزة أساسية لبقاء واستمرار الدولة، وفي الوقت نفسه لإفشاء قوتها وتأثيرها على المستويين الإقليمي والدولي، لأن المعادلة الدولية الحالية في النظام الدولي مبنية على أساس أنه “كلما كنت أقوى، كلما كنت مهابا أكثر ومحترما أكثر”، وهذا ما تعمل عليه الجزائر والجيش الوطني الشعبي من خلال استراتيجيته العسكرية متعددة الأبعاد.
من جهة أخرى، يعتقد المتحدث أنه عندما يتم الدمج بين القوى العسكرية والاقتصاد المتطور، يعد ذلك دليلا على عمق الإدراك بأنه لا يمكن الحفاظ على القوة العسكرية إلا باقتصاد متطور، يوفر مداخيل دائمة، واستقرارا للدولة ويجعلها قادرة على أن تضطلع بمهمتها الأمنية والعسكرية، وفي الوقت نفسه فإن الحديث عن البعد الاقتصادي، في بناء الدول واستمرارها وفي تطورها، مرتبط بعامل مهم جدا من الناحية الأمنية، لأنه يضمن الاستقرار ويضمن مزيدا من الاندماج بين الجيش والشعب، وبين الشعب والسلطة، ولذلك فإن التركيز على البعد الاقتصادي مهم جدا – يقول المتحدث – من الناحية الأمنية.
أما من الناحية الدولية، يقول حسام حمزة إن الدولة كلما كانت قوية اقتصاديا، كلما اكتسبت أوراق التأثير في محيطيها الإقليمي والدولي، وتعزز في الوقت ذاته من سيادتها، مشيرا إلى أن الدول التي تخترق سيادتها هي تلك لجأت إلى الاستدانة فأصبحت رهينة بيد المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، والذي يعد في حد ذاته أداة في يد القوى التي تستخدمه من أجل السيطرة والهيمنة والتحكم في الدول.
ونرى أن الاستقلالية الاقتصادية – يؤكد حمزة – انعكست على السياسة الخارجية الجزائرية في الفترة الأخيرة، منذ طوفان الأقصى وما قبله. وقال، إن استقلالية القرار الجزائري وقدرته على المواجهة وحتى على الاشتباك الدبلوماسي مع القوى العالمية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية داخل مجلس الأمن، وهذا مصدره الاستقلالية المالية والاستقلالية الاقتصادية التي تحظى بها الجزائر، والتي تجعلها قادرة على تلبية تطلعات الشعب الاجتماعية، وعلى تقديم خدمة عمومية أفضل، تكسبها الشرعية داخل أوساط الشعب.
من جهته، يرى المحلل السياسي والنائب بالبرلمان الدكتور علي ربيج، أن زيارة رئيس الجمهورية إلى مقر وزارة الدفاع جاءت في توقيت مهم جدا، من حيث أن الجزائر تحضر لخوض انتخابات رئاسية مسبقة بتوقيت قصير، وهي حاسمة في تاريخ البلد، ولأنها تعد كذلك أحد مؤشرات الاستقرار السياسي، لأن إنجاح هذا الاستحقاق يقدم رسالة للداخل مفادها أن مؤسسات الدولة ساهرة على النظام وعلى استقرار الدولة. أما الرسالة الأخرى، هي أن رئيس الجمهورية قد أحدث هذا التقليد من خلال زيارته الى وزارة الدفاع، كونه وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو يؤكد من خلالها أن مؤسسة الجيش هي واحدة من المؤسسات الدستورية والمؤسسة التي تسهر على استقرار البلد، وان هذا التعاون والتكامل ما بين المؤسسة السياسية المتمثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الأركان ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الأمنية الأخرى.
وأضاف المتحدث في السياق، أن كل هذه الرسائل توحي باستقرار الجزائر الذي يأتي من خلال وقوف وتجند القوات المسلحة الجزائرية بكل قطاعاتها للدفاع عن أمن واستقرار البلد، ولإحباط أي محاولات أو مخططات قد تستهدف البلد، سواء من خلال الحدود أو عمليات التهريب أو الجماعات الإرهابية.
كما حملت كلمة الرئيس رسالة الى الخارج – يقول ربيج – على اعتبار أن هذه الأطراف الخارجية والمنظمات غير الحكومية وبعض الدول التي “تتحرش” بالجزائر، تحتاج لمثل هذا الرد الواضح، الذي يؤكد أن وحدة الجزائر خط أحمر لا يمكن لأحد، مهما كان، أن يتخطاه. كما جاءت كلمة الرئيس في وقت يشهد انهيارا كليا للمنظومة الدولية التي فشلت في حماية الشعب الفلسطيني، والتي وقفت عاجزة أمام غطرسة الاحتلال الصهيوني، وهذا يؤكد حقيقة أن الدول لا يمكن أن تعول على استقلالها واستقرارها وأمنها من خلال هيئة الأمم المتحدة التي فشلت في أداء دورها كمنظمة دولية.
أما الدكتور أحمد ميزاب، فإنه يرى كلمة رئيس الجمهورية وكلمة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول سعيد شنقريحة، تحملان العديد من الدلالات، باعتبار أنهما تؤكدان أن طبيعة التحديات التي تواجه الجزائر في ظل واقع إقليمي ودولي، يعرف متغيرات وتحولات عميقة، بالإضافة الى طبيعة السياسات وأهميتها الاستراتيجية التي تنفذها الدولة الجزائرية في إطار صناعة الاستقرار والحفاظ كذلك على المكتسبات الوطنية وكذا تحقيق مقومات السيادة الوطنية.
وعلى هذا الأساس – يضيف المتحدث – فإن كلمتي الرئيس ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أكدتا على جاهزية تبني السياسات الوطنية الناجحة والفعالة، التي تسهم بشكل كبير جدا في تحقيق الأهداف الإستراتيجية وفي ضمان معادلة الأمن والاستقرار في ظل إقليم مضطرب وعالم متغير.
الصناعات العسكرية فخر الجزائر وعكازها لتقليل الاستيراد وتعزيز الاكتفاء الذاتي
في خطوة مهمة تعكس التزام رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بتعزيز السيادة الوطنية وتعزيز الاستقلالية الوطنية، ألقى الرئيس خطابًا هامًّا أمام جميع قيادات القوات المسلحة والنواحي العسكرية الأسبوع الماضي، حيث أكد على عدة نقاط جوهرية تحمل رسائل سياسية واضحة للداخل والخارج.
يأتي هذا الخطاب في سياق تحديات متعددة تواجه البلاد، سواء على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما يمنح أهمية كبيرة في توجيه السياسات الحكومية وتوجيه الرؤية المستقبلية للبلاد.
وأكد الرئيس تبون في خطابه بقوة على أن السيادة الوطنية تتأكد بالاعتماد على جيش قوي عصري ومتطور، مشيرًا إلى الدور الجوهري للجيش الوطني الشعبي، باعتباره العمود الأساسي في حفظ السيادة والأمن الوطنيين.
الجيش الجزائري صمـام الأمـان بشمال إفريقيــا والساحل الإفريقي
وبلغة الأرقام، تُعدّ الجزائر قوة عسكرية إقليمية وعالمية هامة، حيث تحتلّ مرتبة متقدمة على خارطة القوى العسكرية، وتُصنّف ضمن أقوى الجيوش في إفريقيا والعالم.
وتأتي هذه القوة من مزيج فريد من العوامل، تشمل التعداد الكبير للقوات، والعتاد المتطور، والصناعة العسكرية المتقدمة، والقيادة الحكيمة والعقيدة القائمة على عدم التدخل ونصرة القضايا العادلة.
وتُعدّ الجزائر من الدول القليلة في إفريقيا التي تمتلك صناعة عسكرية متقدمة، حيث تُنتج محليًا العديد من المعدات العسكرية، مثل المركبات المدرعة والأسلحة والذخائر.
وتساهم هذه الصناعة في تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز الاكتفاء الذاتي الدفاعي للجزائر. ويُعدّ هذا الإنجاز مصدر فخر للجزائر، ويعكس التزامها بتطوير قدراتها الدفاعية بشكل مستقل.
في السياق، أوضح الرئيس في كلمات مباشرة وواضحة، أن تطوير الجيش وتقويته “لا تعني تجهيزه للاعتداء أو السيطرة على أيّ منطقة أو على الدول المجاورة، بل لحماية التراب الوطني. ومنذ استقلال الجزائر كان الجيش الوطني الشعبي صمام الأمان في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، حيث تمكن من دحر التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، لاسيما بعد الفوضى الأمنية التي عاشتها منطقة الصحراء الكبرى وانتشار الأسلحة بشكل غير مسبوق.
ومع ذلك، لم يقتصر خطاب الرئيس على الجوانب العسكرية فقط، بل أكد أيضًا على أهمية تطوير الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين كمكمل لهذا الجانب. ويعرف الاقتصاد الوطني نسب نمو جد مهم، فاق 4٪ سنويا.
ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للجزائر 400 مليار دولار في آفاق 2026، بحسب ما جاء في خطابات سابقة لرئيس الجمهورية. ومن شأن هذا النمو، أن يساهم بشكل كبير في زيادة متوسط الدخل الفردي في الجزائر من 5500 دولار حاليا، إلى أكثر من 8000 دولار. وتعتبر الجزائر الأولى على المستوى المغاربي في متوسط الدخل الفردي.
لا استسـلام للضغوط الخارجية
من النقاط الجوهرية التي تطرق إليها رئيس الجمهورية، الرفض المطلق للاستدانة الخارجية. مؤكدا أن البلاد لن تستسلم للضغوط الخارجية التي قد تهدد استقلاليتها وقرارها السيادي، مشددا على ضرورة الاعتماد على الموارد الداخلية وتعزيز الاقتصاد المحلي كخطوة أساسية نحو الاستقلالية الكاملة.
وتمتلك الجزائر تجربة سيئة مع الديون الخارجية خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، حيث أثقلت الديون وفوائدها كاهل الخزينة العمومية، مما انعكس بشكل سلبي على المستوى المعيشي للجزائريين. وتحذر العديد من الدراسات والتقارير الدولية، من أن ديون الدول النامية من الممكن أن تؤدي الى أزمات اقتصادية حادة، لاسيما وأن منح هذه الديون يكون في الغالب مرفوقا بمشروطية سياسية تتعلق برفع الدعم عن الطبقات الهشة وتحرير العملة، ما يرهن القرار السياسي والاقتصادي للدولة الممنوحة لصالح الدول المانحة.
دعم القضايـا العادلـة
خطاب رئيس الجمهورية لم يقتصر على الشأن الوطني فقط، بل تطرق أيضًا لدعم القضايا العادلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فأكد على دعم الجزائر للقضية الفلسطينية وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وحققت الجزائر، الجمعة الماضي، انتصارا دبلوماسيا تاريخيا بعد تصويت الجمعية العامة في الأمم المتحدة بالأغلبية (143 صوت) لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة،
وتعتبر الجزائر أول دولة عربية وضعت خطة شاملة لدعم هذا المسار خلال العامين الماضيين، البداية من انعقاد القمة العربية بالجزائر في نوفمبر 2022، حيث تضمن البيان الختامي حينها، وبمبادرة من الجزائر، ضرورة السعي لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وفي خطابه في مارس 2023 من على منبر الأمم المتحدة، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر سوف تعمل كل ما في وسعها من أجل حصول فلسطين على مقعد رسمي في الأمم المتحدة، والسعي نحو إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ومنذ جانفي 2024، بداية عضوية الجزائر في مجلس الأمن، صعّدت الدبلوماسية الجزائرية من حدة الضغط على الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له، بتوجيهات من رئيس الجمهورية، وقدمت الدبلوماسية الجزائرية العديد من مشاريع القرارات، بما في ذلك مشروع قرار في مجلس الأمن لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
أما فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، فقد أكد رئيس الجمهورية على ضرورة منح الشعب الصحراوي حقه في تنظيم استفتاء وفي تقرير مصيره.
كما تطرق إلى المآسي التي يتعرض لها الشعب الصحراوي والوضعية الصعبة التي يعيشها، فيما ثرواته المعدنية والبحرية تنهب من طرف الاحتلال المغربي، مما يدفعه إلى الانتفاض.
وأكد الرئيس تبون، أن الجزائر لن تتخلى عن الشعب الصحراوي، داعيًا منظمة الأمم المتحدة إلى تسريع عمل لجنة تصفية الاستعمار للقيام بدورها في حل هذه القضية، لاسيما وأن الأمم المتحدة تصنف قضية الصحراء الغربية على أنها قضية تصفية استعمار.
الجزائر الجديدة من أكثر الإقتصادات نموا بالمنطقة الإفريقية والعربية
أرجع خبراء في المجالين الاقتصادي والسياسي، تأكيد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على عمق الرابطة بين سيادة القرار الوطني وامتلاك اقتصاد قوي ومتطور، إلى حجم التأثير الذي يمثله هذا البعد التنموي في تحصين أركان الدولة وقرارها السياسي داخليا وخارجيا، وأيضا اكتساب القدرة والآليات التي بإمكانها تحقيق الأمن الغذائي، ومواجهة الضغوطات الدولية المختلفة التي تمارس على الدول، خاصة تلك التي سقطت في فخ الاستدانة الخارجية، حيث فقدت موقفها وقوتها الدبلوماسية ولم تعد كلمتها مسموعة أو حتى التأثير في الكثير من القرارات الدولية.
أشار رئيس الجمهورية في خطاب ألقاه بمقر وزارة الدفاع الوطني، إلى كثير من النقاط الحساسة وملفات الراهن السياسي والاقتصادي. وأكد بالخصوص على “أن السيادة الوطنية تصان وترتكز على عنصرين أو ركيزتين أساسيتين هتا امتلاك جيش قوي ومهاب الجانب واقتصاد قوي ومتطور”، وهذا في إشارة إلى الأهمية الكبيرة التي يمثلها البعد الاقتصادي والتطور التكنولوجي للدولة في حماية القرار السياسي والدفاع على المواقف الدبلوماسية الثابتة للجزائر، في كثير من القضايا الدولية، على رأسها القضية الفلسطينية، التي أشار إليها في خطابه بالتأكيد على “التزام الجزائر اللامشروط والثابت تجاه القضايا العادلة على رأسها القضية الفلسطينية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”.
وأشار الرئيس في خطابه، إلى حجم النمو والتطور الذي تعرفه الجزائر في مختلف المجالات، بفضل السياسة الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من قبل الحكومة، للمساهمة في تنمية المجتمع وترقية الإطار المعيشي للمواطن، وهذا بتأكيده “أن التطور الذي تشهده الجزائر أصبح أمرا ملموسا لا ينكره إلا جاحد، خاصة مع استمرار وتيرة النمو الاقتصادي واستكمال برنامج المشاريع الاستثمارية الكبرى المسطرة حتى آفاق 2027، وكلها مكتسبات ستنعكس -دون شك- إيجابا على الجانب الاجتماعي الذي يعرف هو الآخر الاهتمام والمتابعة عن طريق برامج الدعم والمرافقة التي سطرتها الحكومة لمرافقة الفئات الهشة والمهنية التي استفادت من زيادات ورفع في المنح، كان آخرها قرار رفع منحة المتقاعدين بنسب تتراوح بين 10 و15٪.
ومن أبرز المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والطموحة التي حققتها الجزائر في السنوات الأخيرة، شهادة صندوق النقد الدولي الذي أشاد في آخر تقرير له، بحجم الحركية الاقتصادية ونسبة النمو الذي شهدته الجزائر خلال سنة 2023 المقدر بـ4,2٪ كأسرع اقتصاد نامي بالمنطقة الإفريقية والعربية، حيث اعتبر أداءه قويا. وأرجع ذلك أساسا إلى الالتزام التام بالإصلاحات الاقتصادية والاستدامة المالية والتأكيد على متانة وقوة الأداء الاقتصادي في السنوات الأخيرة، بفضل انتعاش قطاع المحروقات الذي شهد نموا بنسبة 4,5٪ وتنوع الصادرات وتوسعها نحو باقي القطاعات الصناعية والإنتاجية الوطنية، بفضل تحسن مناخ الأعمال والاستثمار، مع توقع ارتفاع في نسبة الإنتاج الداخلي الخام إلى 3,8٪ سنة 2023.
ويتوقع خبراء أن تشهد الجزائر خلال السنوات القادمة، طفرة اقتصادية كبيرة، وذلك راجع إلى السياسة الناجعة المنتهجة من قبل الحكومة والتدابير المتخذة في مجال ترقية الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، بعد تفعيل القانون الجديد واستحداث الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار التي تحصي حاليا حوالي 6600 مشروع استثماري جديد من شأنه تعزيز مكانة الاقتصاد الوطني والمساهمة في رفع الناتج المحلي الإجمالي المقدر حاليا بـ270 مليار دولار، وهي من أبرز المؤشرات الإيجابية التي سترفع الجزائر إلى مقام الدول الرائدة وتصبح أكبر قوة اقتصادية بالمنطقة، بإمكانها تعزيز حضورها الدبلوماسي الدولي وقرارها السيادي والمستقبل تجاه مختلف القضايا السياسية والأمنية، الإقليمية والدولية.