لا تزال سوق السيارات بحاجة إلى مزيد من العلامات؛ فهي تشهد إقبالا كبيرا لا يغني معه سوى الإنتاج المحلي القوّي المكثف، وجميع المؤشرات تقدّم الدلائل على أنها سوق مقبلة على تنظيم محكم وضبط متين، خاصة في ضوء التعليمات الصارمة التي وجهها وزير الصناعة، مؤخرا، إلى الوكلاء المعتمدين، علما أن الجزائر تراهن على هذه الصناعة حتى يبلغ إسهام القطاع في الناتج الداخلي الخام 10 بالمائة، ويمكن توسيع دوائر الإنتاج إلى ولايات عديدة، وفي مرحلة تالية، يحل المنتج المحلي محل المستورد بصفة تلقائية، بمجرد رفع نسبة الإدماج إلى مستويات معتبرة.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وإيمان كافي
ضغط المضاربة بسبب اتساع الطلب، تحدّه صرامة القانون، وأصبحت قضية توازن السوق مسألة وقت، وعندها ستكون “الكلمة” حصرا لـ«المنافسة” بين العلامات التجارية المتزاحمة من أجل تسويق أكبر عدد ممكن من المركبات.. هذا ما ستكون عليه حال السوق قريبا..
مع أوّل انطلاق لقطاع صناعة السيارات، هناك من قدّر المجال الزمني بعامين من أجل استيفاء فروض العرض.. يختفي المضاربون والسماسرة والوكلاء غير المحترفين، وتكون حصة السوق الأعلى للإنتاج الوطني.. هذا ما يتوقع المراقبون أن يتحقق هذا العام، فقد بدأت ملامح عودة التشبع والوفرة إلى السوق، خاصة مع إعطاء الضوء الأخضر لاستيراد حصة 2024، كونها ستتزامن مع ارتفاع مستويات الإنتاج المصنّع محليا.
ويتوقع مراقبون أن تحقق السوق استقرارها بداية من السداسي الثاني هذا العام، خاصة مع التوجيهات للوكلاء المستوردين، بقصد التعجيل باستيراد السيارات، وإجبارهم على احترام القانون والالتزام بتطبيق دفتر الشروط.. ولعلّ الأيام المتبقية كفيلة بغربلة دقيقة لقائمة الوكلاء المستوردين.
بوشيخي بوحوص: انهيار أسعار المركبات المستعملة بنسبة 30 %
تمضي الحكومة قُدما نحو طيّ ملف السيارات في الجزائر بخطى ثابتة، وفق ضوابط وإجراءات حاسمة ودائمة تضمن وفرة المنتوج بمعايير دولية وضوابط قانونية تحمي الاقتصاد الوطني، بفضل الإرادة السياسية التي فضّلت إعادة بعث القطاع، عن طريق ضبط أنشطة استيراد السيارات الجديدة، والتوجّه نحو التصنيع الحقيقي للمركبات في الجزائر، ولقد بدأت نتائج المنهج الجديد تظهر على مستوى الحظيرة الوطنية للسيارات التي بدأت تتعافى تدريجيا..
أكد الخبير الاقتصادي بوشيخي بوحوص، أن استيراد أزيد من 159 ألف سيارة من حصة إجمالية تقدر بـ 180 ألف سيارة ضمن الحصص الممنوحة لوكلاء السيارات لسنة 2023، التي أعلن عنها وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، منذ أيام، سيكون لها أثر ايجابي على سوق السيارات في الجزائر، وذلك منذ التوقف المؤقت للاستيراد لمدة فاقت ثلاث سنوات، مع توقف مصانع التركيب.
سيارات جزائرية.. في الأسواق الخارجية
وأبرز بوحوص أن إعادة التوازن والقضاء على الندرة يتم بشكل تدريجي في حظيرة السيارات الوطنية التي تضم حوالي 6 ملايين مركبة سياحية ومركبة تجارية وشاحنات، وتحتاج تقريبا إلى دخول 250 ألف سيارة سنويا، مذكرا في هذا الإطار بأن 80%من مركبات الحظيرة الوطنية قديمة، يفوق سنها الـ10 سنوات، مما يستدعي تجديد الحظيرة بصفة عامة؛ لهذا – يقول المتحدث – قررت الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة لتجديد الحظيرة الوطنية للسيارات، في أقل من أربع سنوات، وذلك من خلال منح الاعتماد لعشرات الوكلاء، بغية القيام بعملية الاستيراد، مع السماح للمواطنين القيام بذلك باستعمال إمكانياتهم الخاصة، باستيراد السيارات أقل من ثلاث سنوات، وأيضا بالنسبة للشاحنات والجرارات الخاصة بالاستخدام الشخصي، في إطار قانون المالية لسنة 2023 الذي تضمن إعادة إطلاق عملية استيراد المركبات السياحية، مع إقرار التخفيضات الجمركية إلى غاية ديسمبر 2023.
وأضاف المتحدث أن “هذه الأنشطة كان قد تم إخضاعها لقواعد وشروط، تضمنها مرسومان تنفيذيان يحددان شروط وكيفيات ممارسة نشاط وكلاء المركبات الجديدة وممارسة نشاط تصنيع المركبات، صدرا يوم 17 نوفمبر 2022، ويتعلق الأمر بالمرسوم التنفيذي رقم 22-383 المحدد لشروط وكيفيات ممارسة نشاط وكلاء المركبات الجديدة، والمرسوم التنفيذي رقم 22-384 المحدد لشروط وكيفيات ممارسة نشاط تصنيع المركبات”.
بهذا الخصوص، قال بوحوص إن ثمار هذه الإجراءات ظهرت من خلال دخول السيارات الجديدة والمستعملة التي تم تسويقها من قبل الوكلاء، أو المستوردة من قبل المواطنين، من السنة الماضية 2023.
وبعد أن ذكّر محدّثنا بأن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، شدّد سابقا على وجوب “الفصل بين نشاط الوكلاء المستوردين والشركات المصنعة والتوجه نحو صناعة ميكانيكية بمعايير التكنولوجيا العصرية”، أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم، أن مختلف العلامات دخلت السوق الوطنية، على غرار علامة “فيات” الإيطالية التي تمكّنت وحدها من تسويق أكثر من 97 ألف سيارة، إلى جانب دخول علامات أخرى، على غرار أوبل، شيري، جيلي وجاك وغيرها، حيث بلغ العدد الإجمالي، كما ذكر الوزير، حوالي 159 ألف سيارة.
تسهيلات للوكلاء المعتمدين بالجملة
وقال محدثنا إن المفترض كان أن تبلغ الكوطة المستوردة 180 ألف سيارة، ما يعني أنه لم يستطع بعض الوكلاء الوفاء بالتزاماتهم، وخالفوا دفتر الشروط بعدم احترام آجال التسليم، إضافة إلى عدم ضمان خدمات ما بعد البيع، بسبب عدم امتلاك الإمكانات اللازمة، وعدم التخصص في قضايا استيراد السيارات، ويبدو أن بعضهم لا يتلقون السيارات من الشركات الأم، وإنما عبر الوسطاء، يقول بوحوص مؤكدا أن الوكلاء استفادوا من كل التسهيلات التي وفرتها الدولة
ولفت بوحوص – في السياق – إلى أن بعض الوكلاء ألحقوا أضرارا بعدد من الزبائن، بسبب عدم احترام آجال التسليم، رغم أنهم دفعوا المبلغ الكامل مقابل الحصول على سياراتهم، معتبرا أن أسعار السيارات التي تسوّق حاليا والمستوردة من قبل الوكلاء، باهظة الثمن مقارنة مع أسعار السيارات في البورصة العالمية.
وبخصوص تأثير استيراد 159.037 سيارة ضمن الحصص الممنوحة لـ 24 وكيل سيارات لسنة 2023، من بينها 137.982 سيارة سياحية ونفعية ذات الوزن الخفيف، على السوق، أكد المتحدث أن هذا الأمر انعكس مباشرة على السوق، وأثّر على أسعار السيارات المستعملة التي فقدت 30% من أسعارها الخيالية وغير المقبولة، بسبب الندرة من جهة، واغتنام الفرصة من قبل السماسرة من جهة أخرى.. فمثلا يتم تسجيل سيارة من نوع “ماروتي” التي كان سعرها في البداية 35 مليون سنتيم، ليتضاعف بعد مرور أكثر من خمس سنوات إلى 120 مليون سنتيم، وهو أمر غير مقبول، لذلك فإن كثيرا من السيارات القديمة سيكون مكانها الحقيقي المحشر، بعد انتعاش سوق السيارات وفق تعبير محدثنا.
وبخصوص الشق المتعلق بتوزان سوق السيارات وبلغة الأرقام، يتوقع الخبير اقتصادي، تحقيق توزان على مستوى سوق السيارات خلال السنتين المقبلتين، من خلال زيادة العرض، حيث أن مصنع وهران بطفراوي، لعلامة “فيات” وحده، سوف يبلغ معدل إنتاجه 40 ألف وحدة نهاية سنة 2024، و90 ألف وحدة مع نهاية 2026، مما يجعل الجزائر تنتج محليا 170 ألف سيارة سنويا نهاية 2026، مع احتساب إنتاج سبع علامات صينية أخرى، منها جاك، بياك، شيري وجيل، وهذا ما يحوّل الجزائر في غضون سنتين إلى دولة مصدرة للسيارات، وبأقل تكلفة، وستمثل منافسا قويا على مستوى شمال إفريقيا، بل وفي قارة إفريقيا بفضل ميزتين، الأولى تتعلق بتكلفة اليد العاملة، والثانية بأسعار المواد الطاقوية غير المكلفة، باعتبار أن الجزائر بلد طاقوي بامتياز، وبذلك يتحقق الاكتفاء وتتدفق مداخيل إضافية للخزينة العمومية، مع منع تصدير السيارات المستوردة، بحسب تعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إذ لا يتم الترخيص لتصدير السيارات من الجزائر بعد استيرادها، على حساب السوق الوطنية وحاجيات المواطنين، وبأموال الخزينة العمومية.
إحياء “سوناكوم”.. حلّ ناجع
بالمقابل، دعا الخبير الاقتصادي، إلى إعادة بعث الشركة الوطنية “سوناكوم”، وشبكاتها عبر كامل التراب الوطني، وتكليفها أولا باستيراد السيارات الاقتصادية وضمان خدمات ما بعد البيع، مع طرح أسعار معقولة، مما يجعل الوكلاء الناشطين في الميدان يحسّنون من خدماتهم، من خلال الشراء من الشركة الأمّ، وليس من التاجر رقم 4، وفرض أسعار باهظة على المواطنين.
واقترح الأكاديمي، اقتحام صناعات صفائح السيارات بقوّة، من خلال مركبات الحديد والصلب في عنابة، جيجل، وهران وأيضا في بشار مستقبلا، وذكّر – في السياق – أن شركة سوناكوم، كانت تقوم بعملية استيراد المركبات في السبعينيات والثمانينيات وبداية سنوات التسعينيات، والجميع يتذكر رونو 4، ريتمو، وفيات 125، هوندا، باسات، ومازدا 83/82، وكذلك، كيف كانت سوناكوم وشبكاتها تضمن خدمات ما بعد البيع وقطع الغيار الأصلية، مع ضمان أسعار معقولة.
وأضاف محدثنا قائلا: “مثلا السيارات الجديدة المستوردة اليوم من مختلف العلامات سواء كانت صينية، أوروبية، وغيرها على غرار فيات، جيلي، جاك، تصل أسعارها إلى أزيد من 200 مليون سنتيم، لكن لو يتم تكليف سوناكوم بجلب هذا النوع من السيارات، سوف لن يتجاوز السعر 159مليون سنتيم، بفعل أن عملية الاقتناء تكون من الشركة الأمّ، وأيضا بسبب حجم العملية، أي الشراء بالجملة من تاجر واحد، عكس ما هو متعامل به اليوم”.
تصنيع قطع الغيار محليًا.. ضرورة
وحول سؤال متعلق برفع نسبة الإدماج لمصانع السيارات الجديدة في الجزائر، أكد بوحوص، أن طرح قطع غيار منتجة محليا سيخلق مؤسسات جديدة في مجال صناعة قطع الغيار ويضمن تشغيل اليد العاملة وتقليص تكاليف الاستيراد وغيرها من المزايا، من خلال متابعة وإيجاد مناخ ملائم فيما يخص الشبكة المناولاتية، للوصول إلى تحقيق نسبة إدماج معتبرة محليا.
وأفاد الخبير – في السياق – أن “دفتر الشروط يفرض على مصانع السيارات تحقيق إدماج، انطلاقا من السنة الأولى للنشاط، لا يقل عن نسبة 10 بالمائة، على أن يصل إلى 30 بالمائة بعد خمس سنوات، من الممارسة بالنسبة لمصنعي السيارات المعتمدين، وسطر ذلك من أجل تحقيق نسيج مناولاتي مهني كبير، في إطار تحسين نسبة الإدماج في مجال صناعة السيارات، حيث من المرتقب أن تعرف هذه الشعبة تطورا ملحوظا”. وخلص إلى التأكيد على أن “مصلحة الاقتصاد الوطني تقتضي تصنيع قطع الغيار والمكونات الأساسية لصناعة السيارات محليا، موازاة أيضا مع تحسين نظام تكوين اليد العاملة المؤهلة والمتخصصة، خاصة مع دخول السيارات الكهربائية على الخط”.
نبيل جمعة: تصنيع السيارات.. تأمين موارد مالية معتبرة خارج المحروقات
وصف الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، سوق السيارات بـ«الكبيرة والمربحة والواعدة”، مؤكدا أنها تحتاج إلى مزيد من آليات رقابة لمنع المضاربين والوسطاء عن اقتناء أعداد معتبرة من سيارات الوكلاء المستوردة، لإعادة بيعها بأسعار مبالغ فيها، وقدر الخبير حاجة السوق المحلية إلى ما لا يقل عن 400 ألف سيارة كي يتحقّق التشبّع وتتكرس الوفرة، كما تطرق إلى الدور الذي يلعبه الإنتاج المحلي في المرحلة المقبلة، على صعيد تحقيق الوفرة في العرض وتخفيض الأسعار.
توقّع الخبير المالي والاقتصادي نبيل جمعة، أن تنتعش سوق السيارات أكثر وتشهد توازنا في العرض والطلب في المرحلة المقبلة، خاصة بعد أن تحرك وزير الصناعة من أجل استدراك أي نقائص عن طريق وضع حد للتجاوزات، ونزع الاعتماد من الوكلاء الذين لم يحترموا دفتر الشروط،. ويتوقع الخبير أن يبرز الإنتاج المحلي بقوّة، ليس فقط على مستوى السوق المحلية، وإنما حتى في الأسواق الخارجية عبر ضخ كميات نحو التصدير.
أسباب تأخر الوكلاء في توفير المركبات
أكد الخبير جمعة واثقا بأن قطاع السيارات ينتظر مستقبل واعد حيث سيساهم بفعالية في خلق الثروة وتشغيل اليد العاملة واستقطاب التكنولوجيا المتطورة، من خلال تصدير كميات معتبرة من المنتج الوطني، ودعا إلى توسيع النشاط وتكثيفه عبر عدة ولايات من الوطن، وعلى سبيل المثال مصنع فيات، يمكن أن تنجز منه مصانع وملحقات للتصنيع في مناطق أخرى، على اعتبار أن الجزائر سطرت هدفا جوهريا يتمثل في الرفع من الناتج الداخلي الخام إلى سقف 400 مليار دولار، ويرى الخبير أن نشاط تصنيع السيارات قادر على تأمين موارد مالية معتبرة خارج قطاع المحروقات.
تجديد الحظيرة.. في المتناول
وبما أن الحكومة رصدت ما لا يقل عن 1.9 مليار دولار بهدف تمويل استيراد السيارات، وتمكين الوكلاء المعتمدين من تسريع وتيرة استيراد مركبات مطابقة لمعايير الجودة، أكد نبيل جمعة، أن القدرة الإنتاجية لمصنع فيات، تتمثل في إنتاج ثلاث سيارت كل ساعة، بينما في الدول المتطورة يتم تصنيع سيارة خلال كل ثانيتين، والجزائر ستتمكن مستقبلا مع اكتساب الخبرة، من بلوغ هذه الوتيرة السريعة.
ويتوقع الخبير جمعه أن يتوصل المنتج الوطني إلى تلبية الطلب المتزايد في نحو 5 سنوات، وهذا من شأنه أن يجدّد الحظيرة الوطنية للسيارات بشكل تلقائي وتدريجي، لأن مواجهة هذا التحدي في المتناول. ولم يخف جمعة أن النقص في العرض لا يعود بالدرجة الأولى إلى أسباب داخلية، على اعتبار أن العوامل الخارجية كانت سببا مباشرا لقلة العرض بسبب اضطرابات خلفتها أزمة الجائحة في سلاسل التوريد، ومازالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
واعتبر الخبير أن المراقبة الدقيقة لعمليات الاستيراد، والحرص على سيرانها في شفافية تامة من طرف الوزارة الوصية، سيفضي إلى غربلة حقيقية لقائمة الوكلاء المعتمدين، ولن يصمد سوى الوكيل المحترف القادر على تطبيق دفتر الشروط واحترام الآجال، لأن استمرار الوكيل مشروط بما يقدمه على أرض الواقع، على خلفية أن عملية استيراد السيارات مكلفة بالعملة الصعبة وترتكز على شرطين، ويتعلق الأمر بكل من مراعاة توازن الاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه، مراعاة الاستجابة لاحتياجات المستهلكين، خاصة وأن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون أكد أن القدرة الشرائية للجزائريين.. خط أحمر.
واقترح الخبير تقديم سلسلة من الحوافز للمصنعين والمستثمرين، بهدف توسيع نسيج التصنيع والحرص على تطوير البنية التحتية من أجل بناء قاعدة صناعية صلبة تكون مكسبا للأجيال المقبلة، مشددا على ضرورة العناية بسوق قطع الغيار، لأن رئيس الجمهورية أكد على ضرورة أن يضمن كل وكيل توفير نسبة 30 بالمائة من قطع الغيار، وينبغي أن تكون قطع الغيار مطابقة للمعايير الدولية.
ووقف الخبير نبيل جمعة على أهمية إشراك المستهلك في عملية الحد من التجاوزات عن طريق مقاطعته لمختلف الوكلاء المتسببين في بروز تجاوزات غير مقبولة، يدفع ثمنها المواطن، وهذا من أجل تغيير بعض السلوكات، ووضع حد نهائي لها إلى جانب الاستغناء (خدمات) الوسطاء المضاربين.
الخبير جمال جعفري: انتعاش مرتقب في سوق السيارات.. وديناميكية أكبر قريبا
قال الخبير الاقتصادي جمال جعفري إن مؤشرات سوق السيارات بالجزائر، تؤكد أن هذه السوق تشهد منذ بداية سنة 2024 انتعاشا حقيقيا، بفضل الجهود المقدمة من طرف السلطات العمومية للمتعاملين الاقتصاديين في مجالي الاستيراد وتصنيع السيارات مستقبلا، كما طمأن الراغبين في شراء السيارات بترقب تسجيل دينامكية أكبر في السوق، ستبدأ خلال السداسي الثاني من العام الجاري وتتواصل إلى غاية الرفع من القدرة الإنتاجية للمصانع الجزائرية.
اعتبر المتحدث أن التدابير والتسهيلات المقدمة، ساهمت إلى حد بعيد في تحقيق انتعاش محسوس في سوق السيارات، خاصة خلال السداسي الأول من السنة الجارية والتي يتوقع أن تستمر إلى غاية السداسي الثاني، حيث تشير إحصائيات وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني – في هذا الشأن – إلى أنها قد منحت ما يقارب 44 اعتمادا للمتعاملين الذين قاموا باستيفاء جميع الشروط، من بينهم 33 في المائة خاصة ما تعلق بالسيارات النفعية والسياحية، ونسب أخرى تتعلق بأصحاب الدراجات والجرارات والحافلات والآلات المتحركة.
وأشار محدّثنا إلى أن هناك أكثر من 24 متعاملا من بين 44 متعاملا معتمدا من قبل وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، تحصلوا على رخصة الاستيراد من طرف مصالح وزارة التجارة خلال شهر نوفمبر من العام الماضي، ويعود هذا الاهتمام الكبير بسوق السيارات إلى ما خلفته المرحلة السابقة من فوضى وعشوائية في تسيير هذا الملف، الأمر الذي أدى إلى توقيف عدة متعاملين غير نزهاء، كما نتج عن ذلك تسجيل ارتفاع في معدل الطلب من طرف المواطنين، في مقابل شحّ كبير شهدته السوق الجزائرية في هذا المجال، ونتج عن ذلك ارتفاع أسعار السيارات بشكل غير مسبوق.
كل هذه العوامل – يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة المدية -جعلت السلطات العليا للبلاد تولي أهمية خاصة لهذا الملف، وتوفر حلولا بديلة للمواطن، وأضاف – في السياق – أن الجهات الوصية أكدت وصول أولى الشحنات من السيارات المستوردة إلى السوق الوطنية بداية من ديسمبر الماضي وتصدرتها العلامات التجارية المعروفة “فيات”، “شيري”، “أوبل” وكذلك “جيلي”، إلا أنه وبالرغم من التسهيلات التي قدمتها الدولة، تم تسجيل التذمر والاستياء من طرف المواطنين، نتيجة انخفاض العرض بالسوق الوطنية، ويعود ذلك إلى أن عملية الاستيراد تمت بنسب متفاوتة بين المتعاملين، في حين كان مبرمجا استيراد ما يقارب 180 ألف سيارة من مختلف الأنواع قبل نهاية ديسمبر الماضي.
وبحسب ما أشار إليه محدثنا، فإن مصالح وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، أكدت أن هناك وكلاء خصصت لهم أظرفة مالية من أجل مباشرة عملية الاستيراد، ولكن لم ينجزوا هذه العملية بعد، وقد تمت مراسلتهم من طرف الوزارة الوصية لمعرفة أسباب هذه العراقيل والتأخر غير المقبول المؤثر بشكل مباشر على استقرار سوق السيارات، خاصة ما تعلق بارتفاع أسعارها.
في ضوء ذلك، اعتبر الدكتور جعفري أن سوق السيارات بالجزائر تشهد اليوم طلبا متزايدا، في وقت يظل فيه العرض دون مستوى الطلب المتوفر، وهو ما يفسر الأسعار التي يشكو من ارتفاعها المواطنون، بالإضافة إلى ذلك، عوامل اقتصادية وجيوسياسية أخرى، ما جعل الحكومة تعمل من أجل تخفيض الأسعار عن طريق تشجيع الإنتاج المحلي وتحفيز المنافسة بين الوكلاء.
من جانب آخر، يجري العمل على معالجة المشاكل المطروحة في تسيير هذا الملف، كما جاء في حديث الوزير علي عون الذي أكد بلهجة صارمة، عزم الجهات الوصية على سحب الاعتماد من الوكلاء المتقاعسين الذين لم يلتزموا بدفتر الشروط وبتطبيق بنوده فيما يخص عملية استيراد السيارات.
وكان الوزير عون قد شدد في هذا الشأن على أنه سيتم سحب الاعتماد من هؤلاء الوكلاء، حال عدم التزامهم بآجال التسليم، كما صرح الوزير أنه تم تسجيل 20 ألف شكوى في منصة الشكاوى، واعتبر الدكتور جعفري أن هذا الرقم مهم، مما أدى إلى تسجيل بعض الاضطرابات، رغم ما حققته عملية الاستيراد من نتائج لحد الآن، جعلت الأسعار في السوق تتجه أكثر نحو الاستقرار، وهو ما تعكسه المعطيات المقدمة في ملف السيارات، إذ أن الرهان لا يتوقف عند حدود عملية الإستيراد، وإنما تولي الدولة عناية خاصة لعملية الإنتاج والتصنيع فيه، فالدولة الجزائرية تهدف من خلال مخططاتها وبرامجها إلى معالجة هذا الملف عبر التوجه نحو التصنيع بطريقة جادة ومنظمة مستقبلا، كما يشير الدكتور جعفري، ويضيف قائلا: “على العموم، يمكن القول إن سوق السيارات في الجزائر يرتقب أن تشهد استقرارا، خاصة بعد استيراد أزيد من 159 ألف سيارة من حصة إجمالية تقدر بـ180 ألف سيارة ضمن الحصص الممنوحة لوكلاء السيارات لسنة 2023 وفقا لما أكده وزير القطاع علي عون، هذا بالإضافة إلى مصنع السيارات فيات بوهران الذي يدخل ضمن مجهودات الدولة لتعزيز التعاون والشراكة بين الجزائر وإيطاليا، وهو بقدرة إنتاج تصل إلى 50 ألف مركبة، وستبلغ 90 ألف مركبة قبل نهاية 2024، مما سيساهم أيضا في خلق ديناميكية قوية وتوجه نحو استقرار وانتعاش أكبر في سوق السيارات بالجزائر”.