تمر الجزائر – في الفترة الحالية – بمرحلة يمكن وصفها بأنّها “من ذهب”، بفضل التّحوّل الجذري في مسار توجّهها وأدائها الطاقوي، محقّقة طفرة نوعية غير مسبوقة في الإنتاج والاستكشاف، في وقت لا تعرف الأسواق الهدوء مع الأسعار المضطربة التي تميل إلى التقلب الايجابي بما يخدم الدول المنتجة، ويعد نمو الاقتصاد العالمي الدافع القوي لالتهاب الطلب وقفز الأسعار إلى مستويات عالية.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وإيمان كافي
قرّرت الجزائر عدم الاكتفاء بالطاقات التقليدية الأحفورية، وشقت الطريق لاستغلال طاقات أخرى نظيفة، واستغلالها أحسن استغلال في خضم السير نحو تحول يتطلّب الارتكاز على مزيج طاقوي لا ينضب، ويمثل “التنويع” هدفا أساسيا، وضرورة يفرضها التطور الكبير الحاصل في المشهد الطاقوي المتطلع إلى تعزيز مصادر التموين بالطاقة. وبما أنّ الروافد الطاقوية الجزائرية ذات جودة وثبات وموثوقية؛ فإنّها تستمر في الخط نفسه لتبرز عن قدراتها الحقيقية وإمكاناتها الكبيرة، ولا شكّ أنّ الدور المقبل الذي ستلعبه في أسواق الطاقة بطاقة إنتاجية عالية، مهم جدا، بالنظر إلى شراكات تحويل التكنولوجية وتعميق الاستكشاف، والمزيد من التطوير لآليتها الإنتاجية.
من المرجح أن تحقّق سوناطراك المزيد من التقدم في حركيتها، وتعزيز مكانتها المرموقة في الأسواق الإقليمية والعالمية خلال السنوات المقبلة، فجميع التقارير تعكس المكاسب، وتؤكد نجاعة التوجه في الاستغلال الأمثل لإمكاناتها برؤية استشرافية دقيقة، في ضوء خبرتها ورصيدها في قطاع الإنتاج والتسويق التي تمكنها من الريادة.
خاصة بعد إعلان وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، مؤخرا، أن المؤشرات الأولى عن الاستكشافات في عرض البحر الجزائري كانت إيجابية.
الخبير مهماه بوزيان: “سوناطراك”.. عمل جبار واستشرافي لتعزيز الأمن الطاقوي
يرى الخبير في شؤون الطاقة، الدكتور مهماه بوزيان، أن مستقبل الطاقة في الجزائر واعد يحمل طموحات متعدّدة، ومرشّح لأن يبلغ مستويات نمو كبيرة بفضل العديد من العوامل والمؤشرات الثابتة، ولم يخف أنه في ضوء تسجيل تحسن على مستوى الاستهلاك الداخلي وإنتاج المكثفات، وبفضل ما تجسد من خلال تحقيق فائض في منتجات مشتقات النفط الموجهة للتصدير ضمنت الجزائر العديد من النقاط الإيجابية.
في البداية، قدّم الدكتور بوزيان مهماه قراءة معمّقة حول تبنّي سوناطراك نظرة تنموية حديثة، تستغل فيها الإمكانات الباطنية بطريقة ذكية تركز على التكنولوجيا الحديثة، وعبر بناء شراكات وثيقة، وتطرق إلى رهانات المرحلة التي رفعها العملاق الجزائري، معترفا أنه تم تسجيل جهد تنموي وتطويري وطني يستحق التنويه والإشادة، وينبغي دعمه وتعزيزه، وأضاف – في السياق – أن هذا الجهد الوطني يستحق مرافقة مختلف القطاعات الحيوية، باعتبار أنها ضرورية من أجل ضمان استدامة المكاسب المحققة وتثمينها أكثر.
وقال مهماه إنّ الواقع المعيش يقتضي تكريس ممارسات مواطنتية عملية تتصدى لهدر الطاقة، وتحارب التبذير للموارد الطاقوية الثمينة، واقترح التجسيد العملي الميداني لـ “فعالية الطاقة وكفاءتها واقتصادها”؛ لأنّه يتوقع أن يكون أعظم شعور بأهمية هذا الجهد الوطني الذي يبذل، بل وسيكون أسمى إدراك وتقدير له. في ظل استحضار الوعي بحجم ما يستثمر فيها من أموال وتكنولوجيات وتقنيات وجهد عقلي ومؤسساتي وبشري، إضافة إلى النسبة العالية من المخاطرة، خاصة في مرحلة الاستكشاف، فالمتعارف عليه عالميا – يقول مهماه – أن متوسط النجاح فيها هو (25 %)، وهو ما يعرف بقاعدة الصيد لدى الأسود (نجاح محاولة واحدة من أربع محاولات)، باعتبار أن أي صناعة في العالم تتحمل نسبة مخاطرة عالية تصل (75 %).
السّيادة الطّاقوية.. دعامة صلبة
يرى الخبير مهماه أنّ مجمّع سوناطراك يقوم بعمل جبّار لتعزيز الأمن الطاقوي للجزائر، والمساهمة في تعزيز منظومة الأمن الطاقوي العالمي، كما يعتقد أنّها تشكّل بأنشطتها دعامة أساسية، رفقة المؤسسات الوطنية السيادية، في تجلّ وطني بارز لـ “الدبلوماسية الطاقوية” المرتكزة على دعامة صلبة، هي “السيادة الطاقوية”.
أما بخصوص ما حققت الجزائر من قفزة نوعية في إنتاج النفط شهر أفريل المنصرم، مقارنة بأكبر المنتجين، يرى الخبير أنه يعكس السير نحو المزيد من الرفع من الطاقة الإنتاجية مستقبلا.
وبلغة الأرقام، عرض الخبير رؤيته لواقع ومستقبل العمل الطاقوي، وقال إن الجزائر، في إطار سياسة خفض الإنتاج التي تبنتها منظمة أوبك وشركائها من خارجها ضمن تكتل (أوبك+)، ملتزمة بخفض طوعي في إنتاج النفط بمقدار (48 ألف) برميل يوميا إلى غاية نهاية ديسمبر من هذه السنة 2024، بالإضافة إلى ذلك، فقد تقدّمت الجزائر أيضا بخفض طوعي إضافي لإنتاج نفطها بما مقداره (51 ألف) برميل يوميا حتى نهاية جوان الشهر المقبل، ليكون بذلك إنتاج الجزائر من النفط (908 ألف) برميل يوميا، وذكر أن هذا الخفض الطوعي الذي تبنته الجزائر يهدف إلى تعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها مجموعة دول “أوبك+” الرامية إلى دعم استقرار أسواق النفط وتوازنها، والجزائر كانت وفية لالتزامها الطوعي هذا، فقد أبان تقرير أوبك الشهري لسوق النفط (MOMR) لشهر ماي (14 ماي 2024)، بأنّ إنتاج الجزائر من النفط، لشهر أفريل قدر بـ907 ألف برميل يوميا، ومتوسط إنتاج الجزائر للربع الأول من هذه السنة 2024، كان في المستوى نفسه، مقارنة مع متوسط الإنتاج للربع الرابع من السنة الماضية 958 ألفبرميل يوميا، نزولا طوعيا من مستوى متوسط الإنتاج السنوي لسنة 2023 والمقدر بـ 973 ألف برميل يوميا، ومستوى 1.020 مليون برميل يوميا لسنة 2022.
خطط تطوير الطّاقة
من أجل فهم طبيعة ارتفاع صادرات شحنات النفط الجزائري، حرص الخبير على التذكير بأنّ الجزائر تلتزم بمستوى إنتاج أقل من تعهداتها الطوعية بـ 10 آلاف برميل يوميا خلال الربع الأول من 2024، وفي المقابل وفي الفترة نفسها، ترتفع صادراتها من النفط الخام والمكثفات، حيث بلغ متوسط صادرات النفط الجزائري خلالها، تقريبا 431 ألف برميل يوميًا، مقابل 423.68 ألف برميل يوميًا خلال الفترة نفسها من 2023، وفقا لمصادر خارجية متابعة لأسواق الطاقة. وهذا يعني، وبحساب بسيط، أنّ هناك تحسّن على مستويين، أولاً على مستوى الاستهلاك الداخلي في السوق الوطنية، وثانيا على مستوى إنتاج المكثفات وأيضا تحقيق فائض في منتجات مشتقات النفط الموجهة للتصدير، ووصف الخبير هذا التوجه بأنه مهم ضمن خطط تطوير قطاع الطاقة في الجزائر، وأضاف: هو منجز ينبغي تثمينه.
وحاول الخبير مهماه التفصيل في الموضوع، مؤكّدا أنّ عملية الرفع من الطاقة الإنتاجية في قطاع النفط الجزائري ممكنة، لكنها محكومة بنظام الحصص داخل (أوبك+)، ولذا فهي محكومة بالتزامات الجزائر، بما فيها الطوعية، وحرصها على نجاح مسار الوصل إلى استقرار الإمدادات في نطاق الأسعار العادلة والمتوازنة والمثمّنة للموارد النفطية، وهو المسار الذي يتجسد في سياسة خفض الإنتاج التي تبنتها منظمة أوبك وشركائها من خارجها ضمن تكتل (أوبك+) الذي أسست له الجزائر.
استكشافات ذات جودة عالية
أمّا على صعيد ارتفاع وتيرة الاستكشافات، ومدى استمرارية المسار بالوتيرة نفسها، وتحقيق المزيد من الحقول المنتجة، وقف الخبير في شؤون الطاقة مهماه بوزيان على الإكتشفات المحققة في الجزائر في سنة 2022، لأنّها قادت إلى تحقيق إضافات من الموارد الهيدروكربونية ذات القيمة الأعلى ضمن سلسلة الاكتشافات ذات المستوى العالمي، فقد شهد قطاع التنقيب عن النفط والغاز العالمي أقوى عام له، أي العام 2022، وكانت أحجام حقول النفط المكتشفة جيدة، وبهيدروكربونات عالية الجودة، والنتائج المحققة في الجزائر ودول أخرى، قادت إلى تحقيق إضافات من الموارد الهيدروكربونية العالية القيمة ضمن سلسلة الاكتشافات ذات المستوى العالمي. وكانت الميزة الرئيسية لهذه الاكتشافات، خصوصا في الجزائر، الجودة، إلى جانب إنجاز عدد أقل من الآبار مع الحصول على حجم أكبر من المحروقات، معتبرا أنّ سلسلة اكتشافات النفط والغاز العالمية الجديدة في سنة 2022 شكّلت دافعية عالية لعمليات الاستكشاف، واستدل الخبير على ذلك بتخصيص الجزائر لمساحة استكشاف للمحروقات على امتداد ما يقارب 8 % من مساحتها؛ لأن رهان تجديد مخزونات الجزائر من المحروقات، من خلال ما جاء به المرسوم الرئاسي رقم 24-148 المؤرخ في 19 شوال عام 1445 الموافق 28 أفريل 2024 المتضمن منح امتيازات المنبع (للشركة الوطنية سوناطراك) للبحث عن المحروقات واستغلالها، هو رهان استراتيجي يتجسد في إطلاق جملة من المشاريع عبر 11 رقعة تمتد على مساحة إجمالية تُقدر بـ 185.902.4 كلم مربع. هذه المساحة المخصصة لاستكشاف المحروقات تمثل 7,8 % من مساحة الجزائر.
نجاعة الكلفة وقرب آلة الإنتاج
أمّا في عام 2023 – يقول مهماه – فقد تمكّنت سوناطراك من تحقيق عشرة اكتشافات من المكامن الناضجة للمحروقات، تضاف إلى 16 اكتشافا أنجز خلال عام 2022. وأهم ما يميز هذه الاكتشافات الجديدة المسجلة في حقول النفط، والتي تحظى حاليا بعمليات تقييم وتدقيق بشأن مردوديتها، هو أنّ معظمها يقع بالقرب من المنشآت ومناطق الاستغلال الحالية، ما سيسمح لسوناطراك بضمها سريعًا إلى عمليات الإنتاج، وما يميّزها أيضا هو نجاعتها من حيث الكلفة مقابل البرميل المستكشف، والذي لا يتعدى دولارا واحدا.
وعلى خلفية أنّ هذه الاكتشافات المحققة تؤكد الإمكانات الكبيرة من البترول والغاز التي تمتلكها الجزائر، والجهود المبذولة في مجال الاستكشاف وتجديد الاحتياطي.
وفيما يتعلق بالخارطة الطاقوية الحالية للجزائر، أفاد مهماه أنّ الحكم على أية خارطة طاقوية لأي بلد، ينبغي أن يستند إلى مؤشرات، وهذه المؤشرات يتم استقاؤها من ثلاثة مكونات للنموذج الطاقوي القائم أو الذي تجري هندسته، معتبرا أنّ الجزء الأول من المؤشرات الكمية والكيفية يتأتى من المصادر الطاقوية المتوفرة والمتاحة، وقدرات استغلالها، والجزء الثاني يتأتى من طبيعة البنى التحتية والمرتبطة أساسا بحوامل الطاقة (الكهرباء، الحرارة، الهيدروجين)، أمّا الجزء الثالث فهو الخاص بالتسويق للاستخدمات في السوق الوطنية أو التسويق الخارجي.
ويعتقد الخبير بأنّ مؤشّر التطوير جيد ومرتفع عندما نلمس استهدافًا بالوصول إلى قدرات إنتاجية من المحروقات في مستوى (207 مليون طن مكافئ نفطي) بحلول العام 2028، بمعدل تطوير سنوي لقدرات الإنتاج بـ 1.3% صعودا من 194 مليون طن مكافئ نفطي،المسجل عام 2023، وأيضا الوصول إلى إنتاج أزيد من 110 مليار متر مكعب، كغاز طبيعي مسوّق، وقد تم رصد مبالغ مالية معتبرة لذلك في إطار مخطط التطوير المتوسط المدى 2024-2028، مع المضي بخطى حثيثة في إنجاز مشروع 15 ألف ميغا واط، كقدرات من الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية الكهروضوئية على الخصوص)، منها 3 آلاف ميغاواط تم الشروع في إنجازها، واستهداف اكتمال ذلك في آفاق 2030، إضافة إلى إعادة التذكير بمخطط الاستكشاف الوطني لمجالنا المنجمي الطموح جدا، وهي مؤشّرات كميّة دالة على رهانات ذات أهمية بالغة تُدلّل أيضا على حجم الجهد الوطني، الذي يُبذل لتثمين مختلف مصادرنا الطاقوية من طاقات تقليدية وغير تقليدية وجديدة ومتجدّدة.
ثلاثة مشاريع هيكلية كبرى
بخصوص الجزء الثاني والمتعلق بطبيعة البنى التحتية والمرتبطة أساسا بحوامل الطاقة (الكهرباء، الحرارة، الهيدروجين)، ركّز الخبير على ما أطلق عليه اسم “هندسة ممر الطاقة الجنوبي”، والذي يتمحور حول ثلاثة مشاريع هيكلية كبرى.
المشروع الثاني والمتمثل في استهداف إنتاج 40 تيرا واط ساعي سنويا، من الهيدروجين الطاقي في آفاق ما بعد 2040، وصفه بأنه مشروع طموح لنقل الهيدروجين الأخضر المنتج من مصادر الطاقة المتجددة من الجزائر إلى أوروبا، وصولا إلى ألمانيا، عبر تونس وإيطاليا والنمسا، باستخدام أنابيب الغاز الحالية مع تشييد وصلات ربط جديدة.
أمّا المشروع الثالث، فهو يتمثّل في تجسيد مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، يربط نيجيريا بشبكة الغاز الجزائرية مرورا بالنيجر، ويرى أن الحديث حول هذا الموضوع، يستوجب لفت الانتباه إلى أنّ هذا المشروع مدرج ضمن وثائق المشاريع الاقتصادية المتكاملة للإتحاد الإفريقي، كمشروع أساسي من بين 16 مشروعا مُهَيْكَلا ومُهيكِلا للإتحاد الإفريقي، وفي تقدير الخبير يعد عنصرا مركزيا ومحوريا ومهما.
وعن السقف الذي ستبلغه أسعار النفط خلال العام الجاري، قال مهماه إن التقرير الأخير لمنظمة أوبك، يتوقع بأن تنهي سلة أوبك المرجعية (ORB) قيمتها أعلى من متوسط قيمة العام الماضي بـ 83.67 دولارا، مقابل 81.38 دولارا الذي حققته في العام الماضي 2023. بينما توقعها بالنسبة للخام الجزائري (مزيج صحاري)، ترى بأنه سينهي هذه السنة بمتوسط سعري قيمته 86.40 دولار كثاني أغلى خام في سلة أوبك، وثالث أغلى خام عالميا، مقابل متوسط 83.25 دولارا العام الماضي؛ بحكم أنه كان المهيمن سعريا كأغلى خام عالميا.
محمد حيمران: هذه منجزات العملاق الجزائري.. بالأرقام
تحدّث الباحث بمركز البحث في الاقتصاد المطبّق من أجل التنمية (CREAD)، البروفيسور محمد حيمران، عن واقع إنتاج النفط بالجزائر، من زاوية القفزة النوعية في الإنتاج خلال شهري مارس وأفريل المنصرمين، فقد ارتفع إنتاج النفط الجزائري إلى 909 آلاف برميل يوميا، ليؤكّد على وزن الجزائر في مجال إنتاج النفط بالسوق العالمية.
أكّد محمد حيمران أنّ إنتاج النفط في الجزائر سجّل ارتفاعا في أفريل الماضي بمقدار ألف برميل يوميا على أساس شهري، مسجّلا ارتفاعا في متوسط صادرات النفط الجزائري الذي بلغ 430.97 ألف برميل يوميا خلال الأشهر 3 المنتهية في مارس 2024، مقابل 423.68 ألف برميل يوميا خلال المدّة نفسها من 2023، مقابل 392.33 ألف برميل يوميا في الربع ذاته من سنة 2022.
تقدّم فاره على المستوى القارّي
أكّد الباحث، أنّ الجزائر احتلّت مؤخرا المركز الثالث من حيث حجم إنتاج النفط إفريقيا، فحسب تقرير “أوبك+” الصادر في أفريل، فان الجزائر خططت لخفض إنتاجها النفطي طوعا بمقدار 51 ألف برميل يوميا للربع الأول من 2024، حتى نهاية شهر جوان المقبل، ليصل هدف إنتاجها النفطي إلى 908 آلاف برميل يوميا، حيث يأتي الخفض الجديد مضافا إلى خفض طوعي آخر قدره 48 ألف برميل يوميا، أعلنته الجزائر في أفريل الماضي، من المقرر أن ينتهي مع نهاية 2024”.
وقال محدّثنا: “في أفريل 2023 أعلنت “أوبك+” عن تخفيضات إضافية قدرها 1.65 مليون برميل يوميا، استكمالا للتخفيضات السابقة البالغة مليوني برميل يوميا، والتي بدأت في أكتوبر 2022. وعرفت هذه الإجراءات حاليا تخفيضات إجمالية قدرت بـ3.66 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل حوالي 3 % من الطلب العالمي على النفط”.
وأبرز حيمران أنّ أوروبا تمثل أكبر الأسواق للنفط الجزائري الخام والمكثفات، فضلا عن بعض الدول في قارتي آسيا وأمريكا الشمالية، خاصة الولايات المتحدة.
آفاق تعاون مفتوحة مع كبريات الشّركات
عن آفاق تعاون مجمّع سوناطراك مع الشركات العالمية في مجال الطاقة، أبرز الخبير أنّها آفاق مفتوحة وواعدة، من شأنها أن تؤدي إلى تطوير القطاع أكثر فأكثر، وتمكن من احتلال مكانة أفضل، ومن ثم تحقيق مداخيل أعلى، مشيرا إلى أنّ عدد الاكتشافات الجديدة للمحروقات خلال سنة 2023 بلغ نحو 15 اكتشافا، أغلبها من طرف سوناطراك، علما أنّ سوناطراك تعمل حاليا في مجال الاستكشافات بشكل خاص، أما الشركات الأجنبية فتعمل في شراكتها مع العملاق النفطي سوناطراك في الاستكشافات بشكل أقل عما كانت عليه في السابق، وشراكتها هي أكثر في مجال الاستغلال وتطوير الحقول وحوكمة التسيير.
واعتبر حيمران أنّه فكرة استمرارية القوانين المكرسة بالدستور الجزائري، أعطت دافعا للمستثمر الأجنبي كي يوظف خبرته في الشراكة مع سوناطراك، فمنذ صدور القانون الجديد المتعلق بالمحروقات، وقّعت سوناطراك 6 عقود مع شركائها من أجل تطوير المحروقات، بقيمة اجمالية تقدّر بـ 7 ملايير دولار، مذكرا أن الاستثمار في قطاع الطاقة في الجزائر تجاوز 9 ملايير دولار في عام 2023 مقارنة بثمانية ملايير دولار في عام 2022.
وضمن إطار برنامج استثماري ضخم تنجزه سوناطراك، يستهدف استثمار 40 مليار دولار من 2023 إلى2027، منها 30 مليار دولار في مجال استكشاف النفط والغاز وإنتاجهما، يقول الخبير إن مجمع سوناطراك كشف عن تخصيص 8.8 مليار دولار للاستثمار في 2024، في وقت تسعى الشركة إلى تثمين المحروقات، إذ أُنجزت العديد من المشاريع الكبرى، مثل مصفاة المكثفات في سكيكدة بطاقة إنتاجية تُقدر بـ5.5 مليون طن سنويًا.
تعزيز الشّراكة وتوسيع التّعاون
ووقّعت سوناطراك اتفاقيات عدة مع كبريات الشركات العالمية خلال السنة الجارية، على غرار اتفاقية مع تيثيس أويل السويدية في مجال استكشاف وتطوير واستغلال المحروقات في منطقتي الحجيرة والهياد 2”، كما وقّعت مع “توتال إنرجيز” الفرنسية، لتنفيذ برنامج عمل يهدف إلى تقييم وتطوير موارد المحروقات بمنطقة الشمال الشرقي لتيميمون، وذلك اعتماداً على منشآت المعالجة القائمة بالمنطقة.
أما عن الشركة الإيطالية إيني، فقد أكّد المتحدّث أنها شريك موثوق ملتزم بعقوده، فالاتفاق الأخير المتمثل في بروتوكول اتفاق قصد وضع برنامج جديد للبحث والاستغلال لتثمين إمكانات المحروقات بمنطقة تشمل عدة رقع تعاقدية، يجسّد إرادة الطرفين في تعزيز الشراكة وتوسيع التعاون من خلال تنفيذ برنامج أعمال لإعادة أحياء أنشطة الاستكشاف.
وقال الباحث: “يهدف الاتفاق إلى إبرام عقود للمحروقات في المناطق ذات الاهتمام التي تشمل الرقع التعاقدية بزمول الأكبر وغرد اللوح – سيف فاطمة وغرد مسعود شمال”، مذكّرا أنّه في مارس الماضي، وقّعت سوناطراك وشريكاها “إيني” الإيطالية وإكوينور النرويجية، بروتوكول اتفاق لتشجيع اكتشافات النفط والغاز في الجزائر وتطوير إمكانات منطقتي عين صالح وعين أمناس، اعتمادا على المنشآت القائمة، حيث توصف إيني أنّها أكبر منتج أجنبي في الجزائر بصافي 95 ألف برميل يوميًا من النّفط المكافئ”.
عبد الرحمن هادف: الجزائر فاعل محوري بالخارطة الطاقوية العالمية
يرى الخبير الإقتصادي، عبد الرحمن هادف، أنّ الجزائر تشهد اليوم ديناميكية حقيقية في مجال إنتاج النفط والغاز، في ضوء الإصلاحات التي قامت بها الدولة بهذا المجال، والمخطط التنموي الذي وضعته سوناطراك، حيث خصّصت أكثر من 50 مليار دولار لنشاطاتها والحصة الأكبر وجهت لنشاطات الاستكشاف والإنتاج.
اعتبر الخبير عبد الرحمن هادف، أنّ هذه المعطيات تؤكّد أنّ قطاع المحروقات يشهد حركية كبيرة، وسجّل اكتشافات جديدة تخطو خطواتها نحو مرحلة الإنتاج، ممّا سمح بمضاعفة وتعزيز القدرات الإنتاجية.
وكشف الخبير الاقتصادي هادف أنّ المخطط التنموي لمجمع سوناطراك إلى غاية آفاق 2028، خصّص أكثر من 36 مليار دولار للإنتاج والاستكشاف من إجمالي الغلاف المالي المقدر بـ 50 مليار دولار، وقال إنّها رسالة واضحة تؤكّد عزم سوناطراك على العمل بأقصى قدراتها من أجل تعزيز القدرات الإنتاجية الطاقوية لبلادنا.
سباق في مضمار الاستثمار
أشار محدّثنا إلى أنّ التطور الذي يشهده قطاع المحروقات في الجزائر، جعل كبريات الشركات العالمية، بالإضافة إلى الشركات العالمية المعروفة الموجودة بالجزائر كشركة إيني وتوتال وشركة أكسيدونتال، تبدي اهتماما أكبر للاستثمار بالجزائر، موضّحا أنّ هناك شركات عديدة أصبحت تنتقل إلى الجزائر خاصة مع القانون الجديد للمحروقات، وتسعى هذه الشركات لتكون لها حصة من الامتيازات التي توفرها الجزائر في هذا المجال.
وأكد الخبير أنّ كل المؤشرات تفيد بأنّ قطاع النفط سيستمر في لعب دور محرك التنمية الاقتصادية، خاصة أنّه لا يخفى أن الجزائر باشرت في مخطط تحول اقتصادي كبير يحتاج دعما من قطاع المحروقات.
وأضاف قائلا: “نرى أنّ هناك توازن تعمل عليه السلطات العمومية، حيث تستخدم هذه الرافعة التي تعتبر مهمة في تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى، كما أنّ هناك مجالات تشهد حركية كبيرة حتى في نسبة نموها كالقطاع الفلاحي وقطاع الصناعة”.
وبالحديث أكثر عن الاكتشافات الجديدة في مجال النفط بالجزائر، قال هادف إنّ الجزائر من خلال هذه الاكتشافات في مجال المحروقات، ستعزّز مكانتها كفاعل وكبلد مصدّر للمواد النفطية له مكانته وثقله في سوق النفط الدولية، مشيرا إلى أنّنا عندما نتابع فعاليات الاجتماع الذي نظم في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز، نلاحظ أن هناك نقلة نوعية في تموقع الجزائر والدور الذي تلعبه على مستوى “أوبك +” يعد مهما في التوازنات الأسواق.
هذا كله – يواصل هادف – يسمح للجزائر كدولة مهمة على مستوى الخارطة الطاقوية في العالم، بأن تستعيد وتباشر في حتى مخططاتها للانتقال الطاقوي، لأن هناك مصادر طاقة كبيرة ستعمل عليها الجزائر في السنوات مقبلة.
الدّبلوماسية الطاقوية واستقرار الأسواق
قال هادف: “أعتقد أنّ الآفاق إيجابية جدا بالنسبة لقطاع المحروقات وقطاع الغاز، الجزائر ستكون لها اكتشافات بالنظر للجهد الكبير المبذول في هذا الشق من ناحية الجانب التقني والمالي، وسوناطراك تعمل على تطوير حقول جديدة وبعث شراكات في العديد من المناطق”.
وأضاف: “الجنوب الغربي أيضا يعرف اهتماما لتطوير أحواض جديدة محل استكشاف به، وكلّها ستعزّز من قدرات الجزائر في الإنتاج، كما ستعزز أيضا من مخزون الجزائر في المستقبل، وهذا سيعود بالفائدة على القطاع والاقتصاد الوطني بصفة عامة”، وأشار المتحدث إلى أنّ القدرات التي تزخر بها الجزائر اليوم تعزز من موقعها كدولة فاعلة على مستوى الخارطة الطاقوية، فكلمة الجزائر مسموعة في كل المنتديات، خاصة على مستوى منظمة “أوبك+”، وكذا منتدى الدول المصدرة للغاز.
وقال الخبير هادف إنّ المكانة التي تحظى بها الجزائر فرضتها الدبلوماسية الطاقوية التي تساهم في استقرار الأسواق، وهذا شيء مهم جدا على مستوى الأسواق العالمية، فالمكانة التي تحظى بها بلادنا، تسمح لها بتقريب وجهات النظر بين الفاعلين والمتنافسين في الوقت نفسه، من أجل الحفاظ على استقرار الأسواق، وأضاف أنّ “الجزائر لديها آفاق مهمة في هذا الجانب، وتعمل اليوم على تقريب وجهات النظر بين الدول المنتجة والمصدرة وكذا الدول المستهلكة، خاصة أنّ الدول المنتجة والمصدرة للنفط ليست هي المستهلكة بشكل كبير، بينما الدول المستهلكة للمواد النفطية ليس لديها قدرات كبيرة، عدا الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإنّ الجزائر تسعى دائما إلى تقليص هذه الفجوة، لأنّ وجود اختلالات في السوق الدولية للنفط ليس في صالح أي طرف”.
واعتبر الخبير أنّ الدبلوماسية الطاقوية للجزائر، سيكون لها دور مهم وفعال في السنوات القادمة، خاصة مع تطور النشاط على المستوى الوطني والقدرات التي ستكون في المستقبل ستسهم إسهاما كبيرا، وهذا أمر لاشك فيه، يؤكّد هادف.
وأشار هادف – في السياق – إلى أنّ الجزائر تعمل على مساعدة الدول التي تحاول الانطلاق في هذا المجال، على غرار السنغال وموريتانيا والنيجر، هذه الدول التي أصبحت اليوم من بين الدول المنتجة، ونفس الأمر تقوم به مع دول مثل ليبيا، فهذه النشاطات كلها – يواصل هادف – تصب في مجال العمل على تعزيز نشاط الدبلوماسية الطاقوية التي سيكون لها دورها الفاعل في تقوية مكانة الجزائر على مستوى الأسواق الدولية وعلى المستوى الجيوسياسي، لأنّ الحديث عن الطاقة هو حديث عن أحد المحاور الهامة في إدارة وتسيير العلاقات بين الدول والتجاذبات الجيوسياسية والجزائر اليوم، مساهمتها ستكون جد إيجابية في هذا المجال، كما أضاف عبد الرحمن هادف.