قطعت وزارة السكن والعمران والمدينة، ثلاث خطوات مهمة، من أجل التنفيذ الفعال لبرنامج “عدل3” المقرر إطلاق الاكتتاب فيه قبل نهاية شهر جوان الداخل، حيث استكملت المراحل الأولى من التخطيط والتصميم، والتحضير العقاري وإعداد الأرضيات اللازمة، من أجل توفير حلول سكنية بمواد محلية للجزائريين، وتحقيق تطلعات الأسر الجزائرية في الحصول على سكنات لائقة تلبي احتياجاتها.
ملف: زهرة بن دحمان وسعاد بوعبوش
ويتوقّع خبراء أن يساهم برنامج عدل 3 في تحسين الوضع السكني في الجزائر ويعزّز من النمو العمراني المستدام، إذ يعد هذا البرنامج – كما يرونه – خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية الجزائر لمستقبل أكثر ازدهارا.
بدورهم، انخرط منتجو مواد البناء في التوجه الجديد للسلطات العمومية لتوفير سكن عصري ومرافق متطورة، تساهم في تحسين جودة الحياة ودعم الاقتصاد المحلي، إذ نجحوا – في ظرف قياسي – في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمواد بناء، كانت تستورد بالعملة الصعبة، بل أكثر من ذلك، وضعوا بين أيدي المهندسين المعماريين والمرقيين العقاريين منتجات ذكية تسمح بتصميم وإنجاز مبانٍ أكثر مرونة، قادرة على التكيف مع التغيرات البيئية والاحتياجات المستقبلية.
وزارة السكن تضبط الأوعية العقارية وتجند وسائل الانجاز
تتجه الأنظار مجددا نحو فتح باب الاكتتاب في مشروع “عدل 3”، مع بدء العد التنازلي لإطلاق هذا البرنامج في مرحلته الثالثة، حيث حدد السداسي الأول لـ 2024 قبل نهايته كأجل أقصى، لإطلاق الصيغة المطلوبة بكثرة من طرف الجزائريين، تجسيدا لقرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وقد قطعت وزارة السكن أشواطا مهمة في عملية التحضير لبرنامج وصفه وزير السكن بأنه “برنامج ضخم” بـ«هندسة معمارية جديدة” ووسائل إنتاج جزائرية 100 بالمائة.
عمليا، حققت وزارة السكن والعمران، تقدما لافتا في التحضير لإطلاق برنامج “عدل3”، بالتوازي مع الشروع في تنفيذ برنامج 460 ألف وحدة سكنية بصيغة السكن الاجتماعي والريفي المسجل في قانون المالية لسنة 2024، تجسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية في هذا القطاع الحيوي، وتنفيذا لمبادرة طموحة تهدف إلى توفير السكن للمواطنين في الجزائر.
ويستكمل مشروع “عدل3” مرحلتين سابقتين من برنامج “عدل” تعكس التزام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتحسين ظروف المعيشة وتلبية الطلب المتزايد على الوحدات السكنية خاصة فئة متوسطي الدخل التي وصفها بـ«عماد الوطن”.
ووفقا للمعلومات المتاحة، تم عقد عدة لقاءات تقنية برئاسة وزير السكن والعمران والمدينة، لمناقشة الإجراءات التحضيرية لإطلاق المشروع، تم التركيز فيها على الوضعية العقارية المخصصة لتوطين المشروع والأوعية العقارية المتوفرة في 58 ولاية، وقد تم استخدام في هذه العملية تقنية GPS مما سمح بتحديد المواقع الجغرافية، الوضعيات القانونية والتقنية للأراضي ومدى ملاءمتها لاستقبال البرنامج، وهو ما لم يكن متاحا في البرنامج الأول والثاني مثلما ذكر وزير السكن في ندوة صحفية نشطها لدى افتتاح المعرض الدولي لمواد البناء “باتيماتيك”.
هذه المرحلة من المشروع غاية في الدّقة، فالتخطيط والتصميم يعدان جزءا ضروريا لتحديد الأهداف والمتطلبات الأساسية للمشروع، بحيث يشمل تحديد المواقع الجغرافية والتخطيط للبنية التحتية اللازمة، ووضع الخطط الهندسية والمعمارية التي تضمن الاستخدام الأمثل للمساحات، وتلبية الاحتياجات السكانية.
أما التحضير العقاري، فيضمن تحديد الأوعية العقارية المناسبة واختيارها بعناية لضمان ملاءمتها لاستقبال المشروع، بإجراء الدراسات الميدانية لتقييم الوضعيات القانونية والتقنية لهذه الأوعية.
وستتبع هذه المرحلة، بالتجهيز والبناء بعد إعداد الأرضية، حيث تُسخر كافة الوسائل والموارد اللازمة من مواد بناء وعمالة ماهرة للبدء في الإنشاءات، وتحصي الجزائر أكثر من 19 ألف مؤسسة عمومية وخاصة، مؤهلة ومصنفة ستكون شريكا فعالا في تنفيذ الطلب العمومي للسكن.
وخصص لقاء آخر، لدراسة ومناقشة النصوص القانونية والتنظيمية للبرنامج، وكذا عرض المنصة الرقمية الجديدة، حيث أكد وزير السكن في تصريحات سابقة أن الاكتتاب في البرنامج الجديد لـ«عدل3” سيكون رقميا من بداية التسجيل إلى غاية تمليك السكنات، وسيعتمد على رقم التعريف الوطني ورقم الضمان الاجتماعي للمكتتبين، قد حققت المديرية العامة لوكالة عدل، تقدما لافتا في رقمنة خدماتها بإطلاق عدة تطبيقات تسمح للمكتتبين والمستفيدين من السكن بصيغة البيع بالإيجار بمتابعة طلباتهم وتسوية ملفاتهم في ظرف قصير ودون الحاجة للتنقل مسافات بعيدة.
سعر مدروس ونمط عمراني جديد
يشمل برنامج عدل3 جميع ولايات الوطن، وقد أكد وزير السكن والعمران والمدينة طارق بلعريبي، أن البرنامج سيغطي كافة الولايات مع التركيز على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة في مختلف أنحاء البلاد، ومع ذلك قد تختلف الحصة السكنية من ولاية إلى أخرى بناء على الأوعية العقارية المتوفرة، ولتفادي تقليل هذا الأمر على التوزيع العادل للمشروع بين جميع المناطق، قررت وزارة السكن اعتماد نمط عمراني جديد لسكنات “عدل3”، بحيث ستتميز بعدة جوانب مبتكرة تختلف عن المشاريع السابقة لـ«عدل1” و«عدل2”.
ووفقا لتصريحات وزير السكن فإن برنامج “عدل3” سيشهد تشييد عمارات تصل إلى 20 طابقا، أو تزيد عن 15 طابقا، خاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة ووهران، والمدن التي لديها نقصا في الأوعية العقارية، هذا التوجه نحو الارتفاع يأتي مع التأكيد على أن الإنجاز سيكون بوتيرة متسارعة وسيشمل العمارات والمرافق العمومية في آن واحد، كما سيتم الاستغناء عن المحلات التجارية التقليدية أسفل العمارات وتعويضها بمراكز تجارية متعددة الطوابق تقدم مختلف السلع والخدمات، على شاكلة القطب الحضري 13300 بسيدي عبد الله بالعاصمة، وقد صرح وزير السكن أنها تجربة أولى، سيتم الأخذ بها في مشاريع “عدل3” القادمة التي سيعاد النظر في سعرها ولكن بشكل مدروس.
وبهدف ضمان تمويل إنجاز المشاريع السكنية بمختلف صيغها، بما فيها سكنات “عدل3” عجلت وزارة السكن وضع البنك الوطني حيز التنفيذ، بحيث يتولى توفير مصادر تمويل متنوعة للسكن والبناء، سواء للأفراد أو المرقين العموميين والخواص، باعتماد صيغة تمويلية جديدة، منها الادخار المقنن الذي تم إدراجه في قانون المالية لسنة 2024، ويوفر امتيازات وتحفيزات جبائية للمدخرين.
مدير عام مواد البناء ووسائل الانجاز رضا بوعريوة: أكثر من 19 ألف مؤسسة في خدمة الطلب العمومي
نجحت مقاولات وطنية في رفع مساهمتها في انجاز مشاريع قطاع السكن، حيث تحولت الى الشريك الأول للوزارة الوصية في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإسكان، وتلبية الطلب العمومي وذلك بعد أن تبنّت أنظمة بناء عصرية واستثمرت في هذا الميدان ما رفع من جاذبية مهن البناء وخفض تكاليف الإنجاز وقلّص الآجال، وهو ما جعل الجزائر ورشة مفتوحة تسير وفق رؤية واضحة المعالم، محددة الأهداف، ترمي إلى حلّ أزمة السكن بالجزائر تدريجيا.
مؤسسات الإنجاز والبناء الوطني استطاعت فرض نفسها واثبات قدرتها على كسب تحدي التشييد والبناء من أجل توفير سكنات لائقة للمواطن الجزائري، ما جعل وتيرة الإنجاز في القطاع تسير في منحى تصاعدي، وها هي اليوم تستعد للانخراط مجددا في عملية البناء مع إطلاق برنامج عدل3، وصيغ أخرى تترجم إرادة الدولة في إنهاء أزمة السكن.
وأوضح المدير العام للبناء ووسائل الانجاز بوزارة السكن رضا بوعريوة، في تصريح لـ«الشعب”، أن القطاع يحصي أكثر من 19 ألف مؤسسة عمومية وخاصة مؤهلة ومصنفة من درجة واحد إلى تسعة، تشارك في جميع المشاريع التي يشرف عليها القطاع.
وأوضح بوعريوة أنه من بين أهم الإجراءات التي اعتمدتها الوزارة تجاه هذه الوسائل الوطنية هي عصرنة وتقوية طاقتها من ناحية الإنجاز، وهذا بفضل الاستثمارات التي قامت بها، وكذلك بفضل لجوئها إلى الاستثمار الحقيقي في الأنماط الحديثة والمستعملة في البناء على غرار بناء القوالب، ما يعطي البناية نوعية حسنة، إضافة إلى تقليص آجال التنفيذ واحترامها، وتكوين اليد العاملة ونقل الخبرات.
الآجال.. التكلفة والنوعية..
وأكد المتحدث أنه بفضل هذه الوسائل الوطنية، يعرف قطاع السكن ديناميكية كبيرة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث أصبح هناك شباب يشرف على مؤسسات إنجاز تنجز السكنات في ظرف قياسي، وهناك مؤسسات وطنية خاصة قامت مؤخرا بتسليم مشروع ألف مسكن في ظرف قياسي جدا بفضل الاستثمار في التقنيات المستعملة في البناء وكذا اليد العاملة المؤهلة، إضافة إلى الاستثمار في الإمكانات والوسائل والمعدات الإنجاز، ما أدى إلى تحكمها في الآجال المحددة.ويرى بوعويرة أن وسائل الإنجاز الوطنية تملك كل من المؤهلات لأن تكون أكثر تنافسية، وبفضل التعليمات التي أصدرها وزير السكن والعمران والمدينة، صار القطاع اليوم متحكما في ثلاثية الآجال، التكلفة والنوعية، خاصة فضل حزمة من الإجراءات التي قام بها القطاع من خلال تعزيز الرقابة ومتابعة المشاريع، مؤكدا وجود نوعية جيدة فيما يخص تنفيذ واحترام هذه المؤسسات لتدابير والأحكام المنصوص عليها في الوثائق التقنية التنظيمية، وكذلك المواصفات الجزائرية، والكل يلاحظ – يقول محدثنا – احترام المؤسسات لما تمليه دفاتر الشروط التي يعدها القطاع، ما يؤكد استجابتها وانخراطها في توجهات القطاع خاصة فيما يتعلق بالاستثمار الحقيقي للتحكم في وتيرة الإنجاز والآجال المحددة.وأشار المدير العام للبناء ووسائل الانجاز بوزارة السكن، إلى أن هناك بعض المشاريع التي يتم العمل فيها بنظام 3/8، ما ساهم في التحكم في الآجال أو التقليص منها، إضافة إلى الرزنامة المحددة للورشات والتي تلزم مؤسسة الإنجاز باحترامها، وذلك بمتابعة وإشراف من مكتب الدراسات وصاحب المشروع.
تنافسية تلبي احتياجات قطاع السكن..
وبحسب المتحدث، فإن المؤسسات الوطنية أصبحت قادرة على تلبية حاجيات قطاع السكن الذي يعرف ديناميكية كبيرة، خاصة وأنه مقبل على مشاريع أخرى سواء من حيث وسائل الإنجاز التي بلغت حد الوفرة، وهي أكثر تنافسية، حيث تم الوصول إلى إسناد كل مشاريع القطاع إلى وسائل انجاز وطنية وبناء مسكن 100% جزائري، بمدخلات ومواد بناء محلية وبسواعد جزائرية، وبمكاتب دراسات من الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء، المخابر الجهوية والتقنية لدراسات التربة التي تجريها مؤسسات الانجاز الجزائرية، كل بحسب درجة تصنيفها وتأهيلها التي تتطابق مع أهمية وحجم المشروع، ويكون له مكان في الطلبية العمومية.وبخصوص الاستثمارات الذكية في مجال البناء، أوضح بوعويرة أن الوزارة تشجع جميع مؤسسات الإنجاز على التوجه إلى استعمال التقنيات الحديثة والمتطورة، خاصة منها تلك التي من شأنها أن تساهم في تنفيذ المشاريع في أقل الآجال وبالنوعية والجودة المطلوبتين، مشيرا إلى أن الاستثمار في الحلول الذكية مرحب به ومحل تشجيع بما في ذلك أساليب وأنماط البناء الحديثة والجديدة والمبتكرة.
في هذا السياق أشار المتحدث إلى وجود إجراء موضوع على مستوى مركز البحث لوزارة السكن والعمران والمدينة، فيما يخص أساليب وأنماط البناء غير التقليدية المبتكرة والتي لا يغطيها التنظيم التقني المعمول به، حيث هناك إجراء مخصص للمستثمرين من خلال منحهم ما يسمى “وثيقة “الرأي التقني” لتمكينهم من استعمال أساليب البناء المبتكرة، وليس أساليب البناء الهيكلية ومدى ملاءمتها للوسط الجزائري، وكذلك استخدام حتى مواد بناء مبتكرة صديقة للبيئة الايكولوجية. وبالإضافة إلى الأنماط الهيكلية للبناء، أشار بوعويرة إلى تحدّ آخر بالنسبة لمؤسسات الانجاز يتعلق باستعمال وسائل جديدة خاصة الخفيفة منها التي لا تتطلب استعمال عتاد أو آلات للرفع، وتندرج ضمن الحلول الجديدة المعتمدة في البناء، إلى جانب المواد المضافة إلى الخرسانة والتي تمكن من نزع هذه القوالب بصفة مبكرة وبسهولة، وبالتالي، مرور مؤسسة الإنجاز إلى الطابق العلوي، وبفضل هذه التقنية الجديدة يتم التحكم في الآجال، بدلا من الوسائل التقليدية اللي كانت تتطلب مدة منصوصا عليها في التنظيم التقني.وتحدّث المدير العام للبناء ووسائل الإنجاز، عن قيام كثير من مؤسسات الإنجاز بالاستثمار في هذه التقنيات واقتناء الوسائل الحديثة، وهو ما مكّنها من تسليم سكنات في ظرف قياسي، خاصة وأن دفاتر الشروط أصبحت مرنة ومفتوحة وتشجع كل جديد ومبتكر، وليس هناك قيود، بل على العكس تعمل الوزارة الوصية على جعل وسائل الإنجاز أكثر تنافسية حتى ترقى إلى مستوى أعلى، حيث يتم في كل مرّة الإلحاح على اقتناء هذه المعدات واستعمال الأساليب الحديثة من أجل مواصلة عملية تقليص الآجال واحترام معايير النوعية.