يلعب أدب الطفل دورا حيويا في تشكيل عقول وقلوب القراء الصغار، ويزودهم بالأدوات التي يحتاجونها لفهم العالم من حولهم. ومن خلال صفحات الكتب، يمكن للأطفال تعلم دروس قيمة، وتطوير مهارات مهمة، وتنمية حب القراءة الذي سيستمر مدى الحياة. وتقع على عاتق من يكتب للأطفال تزويدهم بأدب عالي الجودة، لا يسليهم فحسب، بل يثقفهم، ويلهمهم، ويمكّنهم من نمو عقلي ونفسي طبيعي، في عصر الشاشات والغزو الثقافي.
يشهد العالم، كل يوم، صدور عدد لا يحصى من الكتب والأعمال الإبداعية الموجهة للأطفال، باختلاف أعمارهم وثقافاتهم، ما جعل لأدب الطفل مكانة وأهمية، ليس بسبب عدد قرائه فقط، بل لأهميته في التنشئة الاجتماعية والنفسية والعلمية.
لماذا نكتب للطفل؟
يلعب أدب الطفل دورا مهما في تطوير اللغة ومهارات القراءة والكتابة. ومن خلال قراءة الكتب ذات اللغة الغنية والقصص الجذابة، يتعرّض الأطفال لمفردات وتركيبات جمل جديدة، ما يساعد على تحسين قدراتهم في القراءة والكتابة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد القراءة بصوت عالٍ للأطفال، منذ سن مبكرة، على تحسين مهارات الاستماع والفهم لديهم، ما قد يشكل أساسا قويا لنجاحهم الأكاديمي في المستقبل.
كما يعتبر أدب الطفل بوابة لاستكشاف مواضيع مختلفة، وغالبا ما تتناول كتب الأطفال القضايا المهمة بطريقة تناسب أعمارهم، ما يوفر الفرص للأولياء والمعلمين لتسهيل المناقشات الهادفة مع القراء الصغار. ومن خلال الأدب، يمكن للأطفال تعلم دروس قيمة، واكتساب رؤى من شأنها أن تساعد في تشكيل قيمهم ومعتقداتهم.
ومن فوائد أدب الطفل قدرته على إثارة الفضول وحب التعلم، إذ يمكن لكتب الأطفال أن تلهم التعطش للمعرفة والرغبة في استكشاف أفكار ومفاهيم جديدة. ومن العلوم والتاريخ إلى الفن والموسيقى، يغطي أدب الأطفال مجموعة واسعة من المواضيع التي يمكن أن تشعل شغف التعلم والاكتشاف في العقول الصغيرة. كما يعمل أدب الطفل على تعريف الأطفال بثقافات ووجهات نظر وتجارب مختلفة. ومن خلال قراءة القصص عن شخصيات من خلفيات متنوعة، يطوّر الأطفال التعاطف والتفاهم مع الآخرين، مع توسيع نظرتهم للعالم.
ويتمتع هذا الأدب بالقدرة على إلهام الأطفال، وخلق الشغف لديهم. ومن خلال القراءة عن الشخصيات التي تتغلب على التحديات وتحقق أهدافها، يتعلم الأطفال دروسا قيمة عن المثابرة والعمل والإيمان والثقة بالنفس.
ومن فوائد أدب الطفل التسلية والترويح عن النفس، وهذا النوع من الترفيه يعزز الصحة العقلية للطفل، ففي عصرنا الرقمي، الذي يشهد انتشارا غير مسبوق للشاشات والتكنولوجيا، يوفر هذا الأدب ملاذا ونافذة على عالم الخيال والإبداع. ومن خلال الانغماس في صفحات الكتاب، يمكن للأطفال إطلاق العنان لإبداعهم وتصور الشخصيات والإعدادات بطريقتهم الفريدة، ويعزز ذلك التطور المعرفي لديهم، ومهارات حل المشكلات والمسائل، والتفكير بشكل إبداعي، والتوصل إلى قصصهم وأفكارهم الخاصة.
وعلى عكس الشاشات التي تفرض على المتلقي رسائل في اتجاه واحد، تخلق صفحات الكتب التفاعل في الاتجاهين، من خلال تنمية الخيال وتصور الشخصيات والتفاعل معها، ما يوفر بيئة سليمة لتنمية القدرات العقلية للطفل.
كيف نكتب للطفل؟
تعد كتابة الأدب للأطفال تحديا فريدا ومجزيا، يتطلّب فهما عميقا لنمو الطفل والقدرات المعرفية وفهم اللغة. ومن أجل إشراك القراء الشباب بشكل فعّال وإنشاء أدب ترفيهي وتعليمي، هناك العديد من التقنيات الأساسية التي يمكن استخدامها. وتشمل هذه التقنيات استخدام اللغة المناسبة للعمر، وإنشاء شخصيات مرتبطة بها، ودمج الفكاهة والخيال، ومعالجة المواضيع المهمة بطريقة في متناول العقول الشابة.
يجب أن يكون أدب الأطفال جذابا وخياليا ومثيرا للتفكير من أجل جذب انتباه القراء الصغار. ومن أجل كتابة الأدب للأطفال، يجب على المؤلفين أن يفكروا بعناية في الفئة العمرية التي يستهدفونها، والمواضيع التي يرغبون في استكشافها، واللغة والشكل الذي سيكون في متناول قرائهم.
وهكذا، فإن أحد الاعتبارات الرئيسية عند كتابة الأدب للأطفال الفئة العمرية للجمهور المستهدف. ينقسم أدب الأطفال عادة إلى فئات عمرية مثل الكتب المصورة لمرحلة ما قبل المدرسة، والقراء الأوائل لأطفال المدارس الابتدائية، وأدب الشباب للقراء الأكبر سنا. من المهم أن يصمم المؤلفون كتاباتهم لتناسب الفئة العمرية المحددة التي يستهدفونها، للتأكد من أن اللغة والمحتوى والمواضيع مناسبة وجذابة للقارئ.
كما يجب استخدام اللغة المناسبة للعمر، بمعنى استخدام المفردات وتركيبات الجمل التي تناسب عمر ومستوى القراءة للجمهور المستهدف. على سبيل المثال، ستحتوي الكتب المصورة لمرحلة ما قبل المدرسة على لغة بسيطة ومتكرّرة، ورسوم توضيحية نابضة بالحياة لجذب انتباه الأطفال، في حين أن كتب الفصول للأطفال الأكبر سنا ستحتوي على جمل ومفردات ومواضيع أكثر تعقيدا.
وحينما نتحدث عن استخدام التنسيقات الجذابة والتفاعلية، التي قد تعزز تجربة القراءة لدى الأطفال، فإننا نعني دمج الرسوم التوضيحية والعناصر التفاعلية ومكونات الوسائط المتعددة، حيث يمكن للكاتب إنشاء تجربة متعددة الحواس تجذب انتباه القراء الصغار ومخيلتهم.
وهناك أسلوب رئيسي آخر وهو إنشاء شخصيات يمكن للأطفال التواصل معها، حيث يجب أن تكون الشخصيات متنوعة ومتعددة الأبعاد، وتعكس تجارب ومشاعر القراء الشباب، ومن خلال خلق شخصيات يمكن للأطفال أن يروا أنفسهم فيها، يمكن للكاتب مساعدة القراء على تطوير التعاطف والذكاء العاطفي.
من يكتب للطفل؟
من أجل الإجابة على هذا السؤال، وجب النظر في الصفات والمهارات المختلفة الضرورية في أدب الطفل، وإن كان يبدو أن أي شخص يمكنه الكتابة للأطفال، فالحقيقة أن ذلك يتطلّب مجموعة فريدة من المواهب والقدرات.
من أهم صفات الكاتب للأطفال الفهم العميق لنمو الطفل وعلم النفس الخاص به، فمن الضروري أن يكون لدى الكتّاب معرفة شاملة بمراحل النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي للأطفال من أجل إنشاء محتوى مناسب لعمرهم يكون جذابا وهادفا.
كما يجب أن يتمتّع مؤلف أدب الطفل بمستوى عالٍ من الإبداع والخيال، فالأطفال يتمتعون بخيال لا حدود له، ويتعطشون للمغامرة والإثارة، لذلك يجب أن يكون الكتّاب قادرين على خلق عوالم وشخصيات تتسم بالخيال والتفاعل، ولا تكون القصص مسلية فحسب، بل مثيرة للتفكير وذات معنى. كما يشترط في الكاتب الفهم القوي للغة وتقنيات السرد، إذ يجب استخدام لغة واضحة وموجزة وجذابة، أما الشخصيات فتكون قوية، والحبكات مقنعة.
ومن أهم الصفات امتلاك الكاتب حبا عميقا للأطفال واحتراما لهم ولتجاربهم، فالأطفال قراء شديدو الإدراك والحساسية، ويمكنهم بسهولة اكتشاف عدم الإخلاص أو التنازل في الكتابة.
صفة أخرى هي الرغبة في معالجة المواضيع الصعبة وعالية التحدي، فأدب الطفل يتمتع بالقدرة على تشكيل العقول الشابة والتأثير عليها، لذلك يجب أن يكون الكاتب على استعداد لمعالجة المواضيع الصعبة مثل الخسارة والحزن والتحيز والظلم بطريقة حساسة، ومناسبة للعمر، وصادقة ومحترمة، مع تزويد الأطفال بالأمل والإلهام والشعور بالتمكين.
وعلى الكاتب أن يتمتّع أيضا بروح الدعابة والمرح، فالطفل ينجذب بشكل طبيعي إلى القصص المضحكة والغريبة والخفيفة، ويمكن للنكتة أو الشخصية المضحكة في مكانها المناسب أن تقطع شوطا طويلا في جذب انتباه الأطفال وجذبهم إلى عالم القصة.
ومما يجب على الكاتب امتلاكه، الرغبة في الاستماع إلى القراء الصغار والتعلم منهم، فالأطفال مدركون وبصيرون بشكل لا يصدق، ويمكنهم تقديم تعليقات ورؤى قيمة حول عملية الكتابة. يجب أن يكون الكتاب منفتحين على ردود الفعل وعلى استعداد للاستماع إلى أفكار واقتراحات قرائهم.
في الختام، تعد الكتابة للأطفال مسعى صعبا ومجزيا، يتطلّب مجموعة فريدة من المواهب والقدرات، ما يجعل منها أمرا غير متاح للجميع.
البروفيسور محمد العيد جلولي: أغلب من يكتبون للأطفال لا يملكون أدوات الكتابة
تحتفل الجزائر والعالم هذا السبت 01 جوان بيومها العالمي للطفولة في ظلّ وفاء الجزائر بالتزاماتها الدولية بترقية حقوق الطفل والاهتمام بثقافتهم وأدبهم، وبهذه المناسبة نريد أن نتحدّث عن جانب مهم من حقوقهم وهو الجانب الثقافي الأدبي، ولعلّ السؤال الذي يُطرح اليوم، ما هو واقع أدب الأطفال وثقافتهم في الجزائر؟، يقول البروفيسور محمد العيد جلولي المختص في أدب الطفل.
يرى البروفيسور محمد العيد جلولي أن الاستقراء السريع لواقع أدب الأطفال يبين بسهولة أن ما يقدم إلى الأطفال من أدب، سواء أكان شعراً أم قصصاً أم مسرحيات، ما زال لم يصل إلى المستوى الذي وصله في بلدان عربية وأجنبية أخرى، فمعظم الذين يكتبون للأطفال لا يملكون ثقافة لغوية وأدبية وتربوية ونفسية تؤهلهم للكتابة لهذه الشريحة، اعتقادا منهم أن الكتابة للأطفال في غاية السهولة من حيث الشكل، وفي منتهى السذاجة من ناحية الموضوعات، في الوقت الذي يتجه كتّاب كبار – شعراء وروائيين – في بلدان عربية وغربية إلى هذا الأدب لاقتناعهم بأهميته المثالية لنشأة الطفل، ومتعة الكتابة فيه.
البروفيسور جلولي في حديث مع «الشعب»، قال: «هنا نستثني فئة من الأدباء الجزائريين نجحوا في الكتابة للأطفال، هذا من جهة الإبداع، أما من جهة النقد فهناك فئة من الأكاديميين ممن اختاروا في مذكراتهم ورسائلهم وأطروحاتهم أدب الأطفال كميدان لممارسة النقد، وكانت مدوناتهم ما أبدع في هذا المجال، خصوصا في الجامعات التي فتحت ولسنوات مسابقات الدكتوراه في حقل أدب الأطفال كجامعة تيزي وزو».
ولهذا فنحن اليوم في حاجة لمراكز توثيق أدب الأطفال على المستوى الوطني، وإنشاء مراصد للتتبع ورصد ما يكتب في هذا المجال، حتى نستطيع أن نقيّم ونقوم ونثمّن ما يكتب في أدب الأطفال في الجزائر كما أضاف محدثنا.
واعتبر أيضا أن هناك محاولات لا تنكر، ومساهمات لا تجحد قامت بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وأيضا وزارة الثقافة والفنون، أما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فقد تركت الحرية للباحثين وللجامعات من فتح مشاريع بحث في مجال أدب الأطفال، مؤكدا «أنا شخصيا أشرفت على وحدتين في هذا المجال الأولى موسومة بـ(النص الأدبي للأطفال في الجزائر: جمع وتصنيف ودراسة) والثانية موسومة بـ(أدب الأطفال المغاربي: جمع وتصنيف ودراسة)، وكان من ثمرات هذه الوحدات تأليف كتب وبحوث، ثم إن وزارة التعليم برمجت أدب الأطفال كمقياس يدرس لطلبة السنة الثالثة تخصص (دراسات أدبية) ونتمنى أن يكون مبرمجا في كل التخصصات بأقسام الأدب واللغات، لما لهذا الأدب من أهمية ستعود على الدارسين مستقبلا كأولياء ولهم أطفال».
أما وزارة الثقافة والفنون في الجزائر فذكر أن لها مساهمات معتبرة في مجال ثقافة الأطفال عموما، وباستقراء سريع للبرامج الأسبوعية والشهرية والسنوية التي تضعها الوزارة خصيصا للأطفال، سنندهش بهذا الكم الهائل من البرامج المكرسة للأطفال، ولعلّ العيب الوحيد ـ حسبه ـ أن هذه البرامج لا تسند للمتخصصين في حقل الطفولة بل في الغالب تسند لغيرهم ويقوم بها هواة، كما يجب أن نثمن جائزة (أشبال الثقافة) وهي جائزة سنوية تأسست في 2023، لتشجيع المبدعين الناشئين وتحفيزهم على المواصلة في مجالات الإبداع من نواح متعدّدة أدبية وثقافية وفنية، كما تسعى هذه الجائزة إلى تشكيل إضافة في المشهد الثقافي والإبداعي الجزائري ومرافقة الناشئة من الموهوبين في الفئات الفنية والتشكيلية والأدبية، ونحن من الدول القلائل التي لا تملك جوائز ومسابقات ومجلات وقنوات متخصصة للأطفال، وقد حان الوقت لتدارك هذا النقص وملء هذا الفراغ.
في سياق متصل، أشار إلى أن وزارة الثقافة والفنون تعتزم تنظيم معرض وطني لكتاب الطفل في أواخر شهر جوان من هذه السنة، وسيكون هذا المعرض إضافة نوعية في هذا المجال والذي يتمنى المختصون في المجال أن يتطوّر إلى معرض دولي لكتاب الطفل، كما هو الحال في كثير من بلدان العالم، بل وفي بعض الدول العربية معارض كثيرة لكتب الأطفال تقام كل سنة.
وذكر محدثنا أن وزارة التضامن الوطني والأسرة باعتبارها الجهة المكلفة باتباع ملف حماية الطفولة، تتجّه إلى الاهتمام بهذه الشريحة، غير أن الاهتمام بالجانب الثقافي لا يزال غائبا، كما أن المفوضة الوطنية لحماية الطفولة تسعى إلى استحداث آليات جديدة لترقية الطفولة وإعداد منظومة قانونية تساير التشريعات الدولية في هذا المجال، حيث تولي الجزائر أهمية بالغة لحقوق الطفل المجسدة والمحمية بقوة الدستور وتعمل على ترقيتها.
وأكد «في الحقيقة أن الاهتمام بثقافة الأطفال وأدبهم مسؤولية الجميع، لهذا ندعو كل أفراد المجتمع ومؤسساته، ونحن نحتفل باليوم العالمي للطفل أن يكون ملف الأطفال على رأس جدول الأعمال، فقد حان الوقت لوضعِ الأطفال أوّلاً».
مضيفا «وباعتباري الأمين العام للمنظمة الجزائرية لرعاية الطفل والأسرة، وهي جمعية وطنية، فإننا في المنظمة نمتلك رؤية متقدمة لموضوع الأطفال، وقد سطرنا برامج للمستقبل نتمنى أن تكون وزارة التضامن ووزارة الثقافة من الداعمين لبرامجنا خدمة لأطفالنا في جزائر جديدة، تشهد تقدما واضحا في كل المجالات لا ينكره إلا جاحد».
الروائي عز الدين جلاوجي: الكتابة للطفل تحتاج إلى إلمام شامل بعوالمه
يؤكد الكاتب والروائي عز الدين جلاوجي أن واقع أدب الطفل في الجزائر لا يزال متأخرا جدا، عن نظيره في الوطن العربي وفي العالم ككل أيضا، مبرزا أن الساحة الأدبية بالجزائر لم ترق إلى حدّ الآن لأن تفرز أدباء كبار يختصون في الكتابة للطفل، سواء تعلق الأمر بكتابة الشعر للأطفال أو النثر الذي نعني به المسرح والقصة وغيرها من الأصناف، كما أنه إلى غاية الآن لم تتشكل عندنا في الجزائر دور نشر كبرى متخصصة في نشر ما يبدع وما يقدّم للطفل، أضف إليها عدم امتلاكنا مؤسسات كبرى، تعنى أو تهتم بهذا المجال الإبداعي المهم والحساس لاقترانه بفئة الأطفال، هذه العوامل كلها فتحت الأبواب ودفعة لكل من هبّ ودبّ ليكتب للطفل شعرا أو نثرا.
يقول الروائي عز الدين جلاوجي: «من خلال ما نراه من اهتمام متزايد خلال السنوات الأخيرة بأدب الطفل، وما نشاهده من جهود تلوح في الأفق بين الفينة والأخرى، من شأنها أن تقدم إضافة لأدب الطفل، ولعلّ هذه الجهود ستحتاج إلى زمن قادم وزمن محدّد حتى تستطيع أن تنضج وتقدم لنا أقطاب مهمة في الكتابة، خاصة على مستوى الأدباء الذين يتخصصون في هذا المجال، وإن كان ذلك على مستوى دور النشر والمؤسسات الثقافية، لأننا حينما نتحدث عن أدب الطفل يجب أن نتحدث عن ثقافة الطفل بصورة عامة والأدب هو جزء من هذه الثقافة».
وأشار جلاوجي في حديثه مع «الشعب» إلى كتاباته المقدمة للأطفال التي تتجاوز 40 عملا ومسرحية طبعتها وزارة الثقافة والفنون بعنوان «أربعون مسرحية للأطفال»، وكذلك سبعة قصص للأطفال على غرار «طارق ولصوص الآثار» وغيرها، مستشهدا في ذات السياق بالجهود الكبيرة في نقد أدب الطفل شعرا وقصة، مؤكدا في الختام بأن الكتابة للطفل هي عملية صعبة تحتاج إلى الإلمام بعالم الطفولة على مستوى علم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلى مستوى اللغة، من خلال اختيار عبارات تتماشى مع فهم الطفل، ما يحتّم علينا ـ يقول ـ أن ندرس هذا العالم دراسة دقيقة وعميقة حتى نستطيع أن نكتب له، ولذلك نجد الكثير ممن يكتبون للطفل يأتون من خارج الطفولة، أي يكتبون بعيون الكبار.
الكاتب والناقد ناصر معماش: هكذا نقي أولادنا خطر التيه الثقافي
يرى الكاتب والمهتم بأدب الطفل الأستاذ ناصر معماش أن مسيرة التحولات التي شهدتها ثقافة الطفل الجزائري منذ مرحلة ما بعد الثمانينيات من القرن الماضي إلى غاية اليوم، هي المعنية بالنقد والتأمل والحسرة والأسف على ما كان يحدث من خيبات بسبب مشاريع لم تكن يوما ما جادة ولا هادفة ولا لها نظرة استشرافية، كحال ما تناقشه وتسطّره الأمم التي هي اليوم تتحكّم في البرامج الكتابية والمرئية والمسموعة عبر وسائل تواصلية مختلفة، وقال «لا يسعنا المقام البكاء على المنظومة الثقافية السابقة، وأقول منظومة لأستثني المجهودات المبذولة من طرف أشخاص يُعدّون على عدد ولاياتنا، وجمعيات ثقافية ظلت تحلم وتحاول أن تؤسس لمشروع حضاري»..
يقول الكاتب ناصر معماش إنه بالمختصر الموجع لم نؤسس كدولة مؤسساتية لثقافة توجّه للطفل الجزائري وتمنحه رخصة قيادة المجتمع بعد اكتمال نضج وعيه الاجتماعي، ولأن ثقافة الطفل أشمل من أنشودة وقصة ومسرحية، فهي نظام إبداعي وسلوك حضاري ومنهاج تربوي وأخلاقي فقد آن الوقت لنعيد ترتيب الموازين ونفتح مجال الحوار الجاد البنّاء لنقي أولادنا من خطر التيه الثقافي، خاصة في ضوء تعدّد وسائل التلقي وسهولة الوصول إليها.
ويتحدث الأستاذ ناصر معماش لـ»الشعب» عن ما يمكن تقديمه لأدب الطفل ومن هي الفئة التي تتولى مهمة الكتابة له، يقول «أرى أن البلد غني بالأدباء، لكنه فقير في توفير الإمكانيات الضرورية لنشر هذه التجارب الرائدة، وأقصد من تملّكتهم روح الكتابة بصدق ووعي.
وأضاف معماش، بأن التطوّر الذي حصل في بنية النص الجزائري الموجه للطفل كفيل بحماية أطفالنا وترشيد أخلاقهم المعرفية والثقافية لو وجدت هذه الأعمال (طبعا بعد انتقاء أحسنها وأقومها) رعاية سامية، بعيدا عن المصالح الضيقة، ولنترك المجال لأهل الدار ليؤثثوا هذه التجارب، على حدّ قوله بكل ما يساعد على نشرها في أوسع نطاق وعبر الوسائل المتاحة، وهذا عمل مؤسسات تدعمها الدولة بكل ما أوتيت من حكمة ومال، لذلك تعجبت أول ما تعجبت من هذا الخلل الذي هيمن على منظومة مخططاتنا لتطوير الطفل ثقافيا وعلميا واجتماعيا.
كما اعتبر المتحدث، بأن المادة الأدبية موجودة الآن وبكثرة وجودة، والمهتمون بأدب الطفل وثقافته لهم باع طويل وتجربة عميقة في هذا المجال ثقافيا وأكاديميا، تبقى فقط النية الحسنة في إصلاح ما أفسده الدهر «ورغم ذلك نحاول أن نوجد طريقة مثلى لإعادة الروح لهذا الأدب الذي لم يعد أدب هامش، بل هو مركزي عند الشعوب التي تحترم سلّم بناء الحضارات».
الناقد عبد الحميد هيمة: لا بديل عن صناعة ثقافة أطفال نابعة من أصالتنا وواقعنا
يؤكد الناقد عبد الحميد هيمة في تصريحه لـ»الشعب» أن أدب الأطفال يتطلب شكلاً فنيًا خاصًا يتلاءم مع المستوى الثقافي للطفل، كما يتطلّب عدم الخروج عن إطار القيم التربوية والاجتماعية والوطنية والدينية، وأن يحرص على غرس قيم الأمة ومبادئها الأصيلة، وبذلك نعد رجالاً أفذاذًا قادرين على العمل والعطاء وخدمة الوطن.
أشار عبد الحميد هيمة إلى أنه يجب على الكتاب الذين يشتغلون في هذا الحقل أن يدركوا أن الطفولة ليست موضوعًا واحدًا، إنّما كلّ مرحلة من مراحل الطفولة لديها قلق واحتياجات خاصّة بها.
وقال: «ما نلحظه أن للكبار كتابات خاصة موجّهة إليهم، ولكن ما ينقصنا هو الأدب الموجّه للأطفال واليافعين، فما زال اهتمام بهذه الفئة قليل عندنا في الجزائر، على الرغم من العدد الكبير ممن يكتبون لهذه الفئة، إلا أن هذه الكتابات يشوبها الكثير من النقص والتعثر، وعدم وضوح الرؤية».
وأضاف «مع عدم إنكارنا لما قدمه الكتاب الجزائريون في هذا المجال، وللجهود التي بذلت وتبذل في مجال الكتابة للطفل في الجزائر، إلا أن هذه الجهود تبقى قليلة ولا تسدّ الحاجيات الكبيرة لفئة الأطفال باختلاف مراحلهم العمرية، لهذا فإننا ندق ناقوس الخطر، وندعو للاهتمام بهذا الأدب لتغطية الفراغ المسجل في هذه الساحة، وذلك بإعداد مجلات خاصة بالطفل، أو على الأقل تخصيص صفحات أسبوعية في الجرائد خاصة بالأطفال، كما يجب أن نهتم بتأسيس المكتبات العمومية الجوارية، في مختلف البلديات والأحياء، وفي المدارس والمؤسسات التعليمية، لتشجيع القراءة لدى أبنائنا»..
وأردف حديثه، «في هذا الإطار يجب التفكير في استغلال وسائل الإعلام السمعية البصرية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعدّ اليوم من أهم الوسائل التربوية، دعم كتابة ونشـر البحوث في أدب الطفل واليافع، تخصيص منح بحثية تختص بأدب الأطفال واليافعين غايتها تسهيل عمل الباحث، وتمكينه من أدواته؛ لإنتاج أبحاث تتصّف بالجودة والمنفعة، والقدرة على قراءة النتاج الأدبي الموجه للطفل، ومن ثمّ تقييمه، والعمل على تطويره، مستجيبة بذلك لأهداف الهيئة التي تهتم بتطوير أدب الأطفال واليافعين، وتحسين جودة المحتوى المقدم للأجيال الصاعدة، وتعزّز من تأثير الأدب على تكوين شخصيتهم وتطوير مهاراتهم، وبالمستقبل الذي سيصنعه قارئ اليوم من أطفال الوطن، وبالمكتبة العربية التي تعكس ثقافة وحضارة المتحدثين بها».
كما شدّد هيمة على أنه آن الأوان لكي نفكر في خلق ثقافة خاصة بالأطفال نابعة من أصالتنا وواقعنا الاجتماعي والثقافي من أجل تقوية الصلات والروابط بين الطفل وأمته، خاصة في ظلّ العولمة التي تسعى إلى القضاء على الخصوصيات الثقافية، مضيفا أنه يجب تشجيع الكتاب للكتابة للطفل، لكي نعيد للكتاب مكانته في العملية التربوية، لأننا نلحظ أن علاقة أبنائنا بالكتاب أصبح يشوبها الكثير من الاضطراب، بل والعزوف عن الكتاب وأحيانا معاداته.
وجدّد عبد الحميد هيمة نداءه للوزارة الوصية، إلى تأسيس مجلس أعلى لأدب وثقافة الطفل، أو مرصد وطني لآدب الطفل واليافعين، يضطلع بمهمة التنظيم والرقابة والاستشراف، ووضع الاستراتيجيات ورسم الخطط في مجال الكتابة للطفل، قائلا: «نثمّن الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة لترقية أدب الطفل والشباب، وندعوها إلى إعادة إحياء مشروع المسابقة الوطنية لأدب الطفل، وكذا الاهتمام بالمجلات الموجهة للأطفال والفتيان، وكذا تشجيع الأعمال الإبداعية، والدراسات والأبحاث الأكاديمية المتعلقة بهذا الموضوع الحساس الذي يرتبط بمستقل الأمة.»
الكاتبة جميلة ميهوبي: ليس كل ما يُكتب للأطفال يستحق القراءة
تؤكد الكاتبة جميلة ميهوبي بأن أدب الطفل في الجزائر يواجه تحديات عدة كالتكنولوجيا ومن أهم أشكالها وأشهرها “ألعاب الفيديو” التي يقبل عليها الأطفال، حيث يطوفون بكل براءة عبر جولات جذابة في عالم افتراضي يفصلهم لا إراديا عن عالمهم الحقيقي.
في تصريح لـ«الشعب”، تقول جميلة ميهوبي: “يعيش الناشر والولي على حدّ سواء، منافسة شرسة مع ما يردنا من الغرب، فما نزال نمشي بعقلية المغلوب، نولع بتقليد الغالب”.
وأكدت محدثتنا على ضرورة مخاطبة الطفل بلغته التي يفهمها، لغة بسيطة ذات جمل قصيرة، بحيث يجب أن نتقمّص شخصية الطفل حين نكتب له كي نشاركه أحلامه وأفراحه وآماله.
ولفتت بأن من يكتب للطفل هو فقط من يستطيع استحضار الصغير الذي بداخله، مع المحافظة على الشخصية الوطنية بقيمها وأعرافها وعاداتها وتقاليدها، وأن يسعى لتكوين نفسه وتطوير مهاراته في الكتابة ليقدّم الأفضل.
من جهة أخرى تؤكد المتحدثة على تأثر الطفل الجزائري بالمنتج الغربي من أفلام كرتونية ومسلسلات وألعاب فيديو تتنصل في أغلبها عن عقيدتنا السمحة، ولا تراعي أخلاق مجتمعنا السامية، كما أنها تدعو في أغلبها إلى العنف.
وأشارت في الأخير إلى أن أدب الطفل في الجزائر موجود لكنه ينتظر الأخذ بيده مثله مثل مؤلفيه، على عكس الدول العربية والغربية التي ترصد أحسن الجوائز تشجيعا لأدب الطفل، لأنها تعي أهميته، فنحن نكتب لأطفال اليوم رجال الغد، وختمت بقولها “نرجو من الجهات الوصية الاهتمام بكاتب الطفل وإنشاء ورشات تكوينية حتى يتحسن أداء الكاتب والرسام على حدّ سواء، فلا يمكننا الحديث عن أدب الطفل دون التطرّق إلى عالم هذه الفئة العمرية، وما يوافقها من أسس ومعطيات تخدم شخصيتها واتزانها، بحيث تعمل على حمايتها وتحصينها من التغريب الثقافي الطاغي في عالمنا وبأشكال مختلفة”.