يتعجب بوعلام، وهو من عشاق المدينة العريقة دلس، ولاية بومرداس، من الوضع الذي ٱلت إليه قصبتها التاريخية، ويتساءل عن سبب إهمال أقدم قصبة بالجزائر..
يرى بوعلام، الذي رافق “الشعب أونلاين” في حافلة نقل مسافرين الى دلس، أن “قصبة دلس تاريخ حي يجب على السلطات الوصية ومواطني المنطقة الاعتناء به، نظرا للمؤهلات السياحية التي تحوزها.
“دويرات” شاهدة على عراقة القصبة
في حدود الساعة 12 زوالا، وبعد ساعتي سفر وصلنا محطة الحافلات بمدينة دلس المسماة “قالوطة”.
في جو منعش بنسمات البحر القريب من المحطة، تنقلنا إلى القصبة غير البعيدة عن المحطة، قريبة من حي عين سالم الذي يتوسط القصبة العليا والسفلى.
ولم نلق صعوبات في الوصول إلى القصبة، بعدما ظهرت لافتة توجيه زرقاء اللون، قرب ابتدائية، تقوم بدور دليل سياحي في رمشة عين، ومنها كانت نقطة بداية زيارة هذه المدينة ذات الطابع المعماري الأندلسي الأصيل.
لم تكن جل بنايات القصبة منهارة مثلما ظنّنا من قبل. التقينا مواطنين يسكنون دويرات الحي العتيق، بعضهم رمّم بنايات خاصة، وحوّلها الى معالم، ترمز إلى قيمة القصبة، ودليل يثبت عراقة مدينة ترفض الذوبان في الحياة الحديثة.
وخلال جولتنا بين أزقة القصبة لم نصادف أيّ نفايات، ما يوحي بنظافة عقول أبناء المنطقة، وتمسكهم بـ”هوية” المكان، في كل الأزمان، التي رافقت حشودا بشرية، اتفقت كلها على ضرورة على نظافة الأزقة وتزيينها بالورود والياسمين، الذي يفوح من المنازل، زيادة على العريش الذي يعد نوعا من العنب ينمو في فناء الدويرة..
أطلال تحاكي أصالة الحي..
لدى وصولنا إلى السور المطل على ميناء دلس التجاري، التقينا شبابا ينظفون أقفاص طائر الحسون “المقنين” قرب منبع مائي وسط ساحة تقع تحت بيوت منهارة لم يتبقى فيها سوى جدران مهترئة شاهدة على تاريخ هذه المدينة..
ولأن الدويرات غير المستغلة كثيرة ومتوزعة على القصبة، شدنا الفضول إلى تفقد بعضها بغرض معرفة الطابع العمراني لهذه البيوت الصامدة منذ قرون.
قبل دخول بيت مهجور، نظفنا أشواك وحشائش غطت مدخل البيت، وقابلنا بئر خاص بالعائلة التي كانت تسكن الدويرة، إضافة إلى فناء صغير يتجمع فيه أفراد العائلة، لاسيما النسوة لتبادل أطراف الحديث.
قرب الفناء يوجد المطبخ في حين توجد غرفتين فوق الفناء واحدة من جهة اليسار وأخرى من اليمين يصعد إليهما أفراد العائلة عن طريق درج مبني بعناية فائقة أمام البئر.
هي أطلال تاريخية وبيوت مهجورة ومنهارة لم يتم الاهتمام بها من قبل الجهات الوصية، بعضها أصبح مكب نفايات وبقايا أكل وقارورات مشروبات روحية..
بن صمادح الأندلسي وعلاقته بقصبة دلس..
ومن أجل التعمق في تاريخ قصبة دلس توجهنا مباشرة إلى المركز الثقافي الخاص بالحي في متحف سيدي الحرفي الذي يحوي ٱثارا تاريخية من العهد القرطاجي للمدينة، الإسلامي والعثماني.
وبعدما جبنا المتحف الصغير، دردشنا مع مسؤول الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحلية في دلس، فريد قريمش، الذي قال إن قصبة من بين أهم المعالم التاريخية في ولاية بومرداس والجزائر عامة، وذكر أن الحي تأسس على يد أمير ٱلميريا آنذاك بالاندلس معز الدولة بنو صمداح عام 1068 أو عام 1102 الذي فر من الأندلس إلى بجاية بوصية من أبيه أمام المرابطين.
وتابع قريمش حديثه: “لما وصل مدينة بجاية عاصمة الدولة الحمادية استقبله حافظ الدولة الحمادية في بجاية واعطاه حرية الاختيار، فاتى إلى مدينة دلس وقام ببناء النواة الأولى للقصبة”.
كتلة واحدة.. الاستعمار يغير القصبة..
واسترسل مسؤول الديوان في الحديث عن القصبة، التي كانت كتلة واحدة إلى غاية 1844، حيث عملت قوات الاستعمار الفرنسي على شق الطريق الوطني رقم 24 وقسمت القصبة جزئين قصبة سفلى وقصبة عليا.
وأضاف قائلا: “كل جزء من القصبتين له مميزات خاصة به، حيث توجد معالم دينيه وتاريخية في داخله، أيضا لما نرى الطابع المعماري للقصبة نجده فريد من نوعه لأن القصبة تحوي خليط ومزيج من الطوابع المعمارية نجد الطابع المحلي البربري والطابع الاندلسي والطابع العثماني”.
ويشرح قريمش هذه النقطة: ” كثير من الجزائريين يظنون أن القصبة عثمانية، ولكن ذلك غير صحيح، لأن العثمانيين لما أتوا إلى مدينة دلس 1515- 1516 وجدوا القصبة قائمة بذاتها وقاموا بإضافة طابعهم المعماري في منازل وأرجاء القصبة”.
دار بربروس بين الحقيقة والتاريخ..
ويتداول الناس أن منزلا مهجورا، ذي باب خشبي كبير بعض الشيء عن أبواب الدويرات الأخرى في القصبة، يقال إنه للقائد العثماني المعروف خير الدين بربروس.
لكن فريد قرميش يقول بشأنه: “لما قدما العثمانيون إلى مدينة دلس عام 1515 ميلادي أصبحت دلس أيالة الجزائر تحت قيادة البحار العثماني المعروف خير الدين بربروج الذي أقام في مدينة دلس”.
وتابع : “لا توجد أي فكرة عن المدة التي مكث فيها بالمدينة لكن هناك مقولة متداولة في مدينة دلس منذ القدم أنه يوجد منزل في القصبة السفلى تطل على الميناء يقال منذ القدم أنه منزل خير الدين بربروس”.
وفي حديث عن طبيعة بناء المنزل ذكر أنه مبني خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية، ليضيف: “يوجد تاريخ موثق ومكتوب ويوجد تاريخ متداول فقط، ورغم ذلك لا يمنع انكار المعلومة التي تقول إن خير الدين سكن ذلك المنزل والاقرب للصواب إن خير الدين بربروس سكن في ذلك المكان، لكن في منزل آخر بوني عليه المنزل الحالي وتم هدمه وبني منزل آخر بطريقة أخرى”.
زلزال بومرداس يفقد القصبة بريقها
ومعلوم أن عديد مباني القصبة تضررت عقب زلزال 21 ماي 2003، حيث انهارت مساكن عديدة، لاسيما الأسوار الداخلية والخارجية، وواجهات المباني.
وتحولت القصبة إلى حي شبه مهجور بفعل الزلزال رغم أن السلطات المحلية عملت في وقت لاحق على ترميم ما يجب ترميمه لكي لا يتأثر الجانب الجمالي للحي العتيق.
ويناشد سكان الحي السلطات للنظر بجدية في ترميم ما تبقى من معالم هذا الحي، خاصة وأن القصبة أضحت مزارا سياحيا يقصده الجزائريون من 58 ولاية طيلة أيام السنة.