تكيّفت الجزائر مع تحديات توفير المياه الصالحة للشرب للسكان، في ظرف عالمي يتسم بارتفاع كبير لدرجات الحرارة، وشحّ في الموارد المائية، بسبب التغيرات المناخية، وضبطت مبكرا استراتيجية وطنية عززتها ببرامج خاصة تستجيب لمتطلبات كل مرحلة، وكثفت جهودها من أجل تأمين إمدادات السكان بالماء في فصل الصيف، حيث يزداد الاستهلاك بشكل كبير نتيجة ارتفاع درجات الحرارة واستخدام المياه بشكل أكبر في الري والاستحمام والتبريد.
تأمين الإمداد بالماء الشروب على رأس الأولويات.. الحفاظ على الثروة الزرقاء.. مسؤولية الجميع..
وأحرزت الجزائر – بشهادة خبراء – تقدما كبيرا في مجال تحسين إمكانات الوصول إلى المياه، عن طريق استغلال كافة القدرات وإعادة تقييمها من أجل ضمان إمدادات مستدامة، والبحث عن حلول بارعة ومبتكرة تمنح القدرة على إدارة المورد المائي بشكل صحيح، ولكن يقتضي الأمر تقييم احتياجات الموارد المائية في الجزائر بانتظام من أجل ضمان توفير المياه كمّا ونوعا، وفقا للدستور الجزائري وقانون المياه.
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش
جودة خدمات المياه وتلبية حاجيات المواطن.. أولوية قصوى
وضعت الحكومة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الخاص بتزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب، في صدارة أولوياتها، واعتمدت التدخل السريع للتكفل بالانشغالات المسجلة في هذا الإطار، من أجل تحسين جودة خدمات المياه، وتلبية احتياجات السكان بشكل أفضل، وتحقيق التوازن في توزيع الموارد المائية وضمان استدامتها في المستقبل.
ويظهر تدخل الحكومة الاستعجالي بتوجيهات من رئيس الجمهورية، في ولاية تيارت مؤخرا لاحتواء اضطرابات التزود بالمياه، تغييرا في إدارة الأزمات، حيث انتقلت إلى الفاعلية القصوى بإشراك جميع الفاعلين وتجنيد كافة الوسائل الوطنية، وقد وجّه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 2 جوان الماضي، أوامر لوزيري الداخلية والري لوضع برنامج استعجالي واستثنائي خلال 48 ساعة على أقصى تقدير لحلّ مشكلة تذبذب تزويد الساكنة بتيارت بالماء الشروب، مع إشراك المجتمع المدني ومنتخبي الولاية في وضع هذا البرنامج الاستعجالي.
وأسدى الرئيس تعليمات صارمة من أجل تدعيم ورشات مشروع تحويل المياه انطلاقا من منطقة شط الشرقي على مسافة 42 كلم، حيث الأشغال جارية، والانتهاء من المشروع في أجل أقصاه 20 يوما.
كما أعطى رئيس الجمهورية أوامر بإنجاز مشروع تحويل مياه جوفية بمنطقة أجرماية، من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب للجهة الشرقية لولاية تيارت’’، وكذا “إنجاز 8500 متر طولي من الآبار بما فيها التجهيز والربط بالكهرباء على مستوى نفس الولاية” مع “إنجاز 4 آلاف متر طولي لآبار استكشافية عميقة في الرشايقة والرحوية وسيدي بختي ومشرع الصفا، من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب على مستوى البلديات التي تسجّل عجزا في التموين.
وتنفيذا لأوامر رئيس الجمهورية وتعليماته التي تضع خدمة المواطن وتلبية احتياجاته على رأس الأولويات، تنقل وفد وزاري مباشرة إلى ولاية تيارت، ضمّ وزيرا الداخلية والجماعات المحلية والري، وقد طمأن وزير الداخلية يومها بأن وضعية توفير الماء ستتحسن في غضون أسبوعين، بفضل الإجراءات العملية المتخذة، وسيتم القضاء نهائيا على أزمة الماء في المنطقة من خلال تعميق آبار حوض عين دزاريت، وبدء مشروع جلب المياه من الحوض الجوفي أجرماي، مؤكدا أن الرئيس تبون يولي أهمية قصوى لتلبية حاجيات المواطن، وأرسل وفدا لتدعيم جهود السلطات المحلية. ورصدت الدولة الأموال اللازمة لتنفيذ مشاريع استعجالية لفائدة المناطق المعرضة للشحّ المائي عبر ولايات الوطن، وكشف وزير الري طه دربال خلال زيارة ثانية لولاية تيارت هذا الشهر، عن رصد أكثر من 27 مليار دينار لتنفيذ مشاريع استعجالية في كل المناطق المعرضة للشحّ المائي، وتشمل العديد من البلديات والولايات، وهو مبلغ ضخم يترجم الإرادة الحقيقية لرئيس الجمهورية الذي وضع المواطن في أعلى سلم أولوياته.
وأبرز الوزير أنه تمّ مراسلة ولاة الجمهورية بالاتصال بمديري الموارد المائية من أجل الشروع الفوري في تنفيذ المشاريع المقترحة التي تشمل آبارا ومنشآت للتخزين، وأخرى لحشد الموارد المائية على أن لا تتعدى آجال انجازها 4 أشهر، داعيا مسؤولي باقي الولايات إلى الاحتذاء بتجربة ولاية تيارت في إنجاز المشاريع في آجال قصيرة جدا.
برنامج خـاص
مواجهة تحديات توفير المياه النقية والنظيفة للسكان خاصة خلال فصل الصيف، حيث يزداد الاستهلاك بشكل كبير نتيجة لارتفاع درجات الحرارة واستخدام المياه بشكل أكبر في الري والاستحمام والتبريد ولتلبية هذه الاحتياجات، جعل الحكومة تنتقل إلى السرعة القصوى لتنفيذ البرنامج الخاص لتزويد المواطنين بالمياه.
ويتضمن هذا البرنامج العديد من الإجراءات والتدابير لضمان توفير المياه بشكل مستدام وفعّال خلال فترة الصيف، وتشمل هذه الإجراءات، تعزيز وتحسين البنية التحتية للمياه، بحيث يتمّ تحسين وتطوير شبكات توزيع المياه والآبار ومحطات الضخ لضمان توصيل المياه بشكل فعّال وسريع إلى المنازل والمؤسسات، تشجيع استخدام المياه البديلة عن طريق تشجيع السكان على استخدام المياه البديلة، مثل المياه المعالجة، ومياه إعادة التدوير، لضمان الوفرة وتقليل الضغط على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية وتثقيف للمواطنين حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، وكيفية الحفاظ عليها واستخدامها بشكل مستدام، إضافة إلى تقديم خدمة 24/7 ويضمن البرنامج تقديم خدمة مستمرة على مدار الساعة لضمان توفير المياه في أي وقت وتلبية احتياجات السكان بشكل فوري.
كما تمّ فتح المجال للاستثمار في تقنيات الحلول المبتكرة مثل تحلية المياه والطاقة الشمسية لتحسين كفاءة توزيع واستخدام المياه بالبلاد.
وبالرغم من أن الجزائر تعرّضت في السنوات الأخيرة، لضغوط مائية، نظرا لقلة هطول الأمطار بسبب تغير المناخ، إلا أن مواردها المتجددة من المياه تقدر بـ13.2 مليار متر مكعب في السنة، لعدد سكان يبلغ 46.6 مليون نسمة في عام 2024، أي مخصص سنوي قدره 280 مترا مكعبا للفرد في السنة.
وقال الخبير الدولي في المياه أحمد كتاب لـ«الشعب”، إن الجزائر رفعت تحديات كبيرة للتغلب على هذا الضغط، حيث وضعت السلطات العمومية خطة مكثفة للغاية للفترة 2025 ـ 2030، تتضمن سلسلة كاملة من الإجراءات بما في ذلك بناء 11 محطة تحلية مستقبلية، بالإضافة إلى المحطات الـ 14 القائمة، وعلى هذا الأساس سيكون لدى الجزائر بحلول عام 2030، 25 محطة تحلية، بسعة 5.6 مليون متر مكعب/يوم، أو حوالي 2 مليار من المياه المحلاة سنويا، وهي كمية كبيرة جدا، – يقول محدثنا – ويمكن أن تكون أكبر إذا اقتضت الضرورة، بحكم الصرامة التي تتعامل بها السلطات العمومية مع الملف، بتوجيه من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
ويرى كتاب أن تعبئة الموارد المائية غير التقليدية أمر ضروري للمستقبل، وبالتالي يستوجب الأمر معالجة وإعادة استخدام جميع مياه الصرف الصحي (الري، الصناعة، الترفيه، إلخ). ويجب أيضا الاستمرار في تحلية المياه، على أن تكون مكملة للسدود القائمة والمياه الجوفية ومياه الصرف الصحي.
وبناء على ذلك، لا بد من وضع استراتيجية ورؤية جديدة للفترة 2030 ـ 2050 تأخذ في الاعتبار إمكاناتنا وخبرتنا ومواردنا المادية والبشرية، وعلى هذا النحو، فإن أسس المياه، وقانون جديد للمياه، وسلطة تنظيمية، ومجلس وطني للمياه، وإعادة تنظيم عميقة لقطاع المياه، تصبح ضرورة ملحة، بل ضرورة مطلقة.
الإجهـاد المائي
في السياق، أشار كتاب إلى أن بلدان جنوب أوروبا وجنوب البحر الأبيض المتوسط تعاني من حالة الإجهاد المائي، ويتزايد الطلب على المياه في هذه البلدان، وسيتراوح معدل الزيادة بحلول 2025-2050 بين 20 و35 بالمائة في ضوء مؤشرات تغيرات المناخ، الديموغرافيا، التنمية.
وأكد كتاب أن الإجهاد المائي أصبح واقعا ملموسا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، وسيتعقد الوضع في حال لم نفعل شيئا لوقفه، موضحا أن مستقبل العالم يتطلب تنفيذ استراتيجية في إطار الإدارة المتكاملة والمستدامة لموارد المياه السطحية والجوفية، والمياه غير التقليدية.
وللتصدي الإجهاد المائي – يقول كتاب – “هناك العديد من الإجراءات الرئيسية التي يتعين اتخاذها، بما في ذلك تحلية مياه البحر التي قطعت الجزائر شوطا كبيرا في إنتاجها، واستغلال التكنولوجيا، ووضع الثقة في إمكانات الشركات الجزائرية، وإجراء التدريبات والبحوث، وتصنيع بعض المعدات لمحطات تحلية المياه، بالإضافة إلى العمل على القضاء على تسربات مياه الشرب من 50 بالمائة في الوقت الحالي إلى 10 بالمائة عام 2024-2025، مع الحرص على تطبيق تسعيرة عادلة ومنصفة للجميع (مياه الشرب، المياه الزراعية، المياه الصناعية)، ومعالجة المياه الصناعية وإعادة استخدامها (وليس فقط مياه الصرف الصحي)، ومكافحة تراكم الطمي في السدود، حيث نفقد من 30 إلى 40 مليون متر مكعب من المياه كل عام بسبب الطمي.
وذكر كتاب أن الاستراتيجية الجديدة للمياه في الجزائر، تهدف إلى تعزيز تجارب أكثر ربحية، وتعطي زخما جديدا وحياة جديدة للجهود التي تبذلها السلطات العمومية فيما يتعلق بتوفير المياه والإدارة الجيدة الربحية، مؤكدا أن الجزائر تمتلك قدرات حقيقية لتجاوز الأزمة المائية ووضع سياسة فعّالة لـ2030 ـ 2050، خاصة وأن مواردنا البشرية، والمائية في الشمال والجنوب، تتيح لنا بسهولة توفير المياه لجميع المواطنين من حيث الكمية والنوعية إذا قمنا بإدارة رشيدة تأخذ بعين الاعتبار المؤشرات الدولية والواقع الوطني لحل مشكلة المياه.
وذكر محدثنا أن ضمان الأمن المائي يتطلّب إنشاء آليات جديدة في إطار الإدارة المستدامة للموارد المائية من خلال دعوة جميع الكفاءات الجزائرية لضمان الأمن المائي والأمن الغذائي للبلاد.
محطـة تحلية المياه بــ”الرأس الأبيض”.. أربع ولايات بغرب البلاد تترقب المشروع العملاق
دفعت التغيرات المناخية التي أثّرت على معدلات تساقط الأمطار وتراجع منسوب مياه السدود، السلطات العليا للبلاد إلى استحداث موارد مائية غير تقليدية لتوفير حاجيات السكان، على غرار محطات تحلية مياه البحر ومحطات تصفية المياه المستعملة التي يعاد تدويرها واستغلالها في السقي الفلاحي، بعض الصناعات وكذا في الاستعمالات شبه الحضرية.
من ضمن هذه البرامج العملاقة، نذكر – على سبيل المثال لا الحصر – مشروع محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض ببلدية بوسفر التي تعتبر من أهم المشاريع الاستراتيجية التي حظيت بها ولاية وهران، وتدخل ضمن برنامج الأمن المائي وبرنامج إنجاز خمس محطات تحلية مياه البحر في كل من وهران محطة “الرأس الأبيض”، “كاب جنات” ببومرداس، “فوكة 2” تيبازة، “كدية الدراوش” في الطارف و«تيغرمت توجة” بولاية بجاية.
فك الخناق
تسمح محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض فور دخولها حيز الخدمة شهر ديسمبر القادم في فك الخناق على أربع ولايات من الغرب الجزائري، بالإضافة إلى وهران وتزويدها بالمياه الصالحة للشرب وهي معسكر، عين تيموشنت، غليزان وتيارت، وذلك بفضل سعة إنتاجها اليومي القدر بـ 300 ألف متر مكعب يوميا.
كما تسمح أيضا بالحفاظ على مخزون سد قرقار کمخزون استراتيجي، توقيف استغلال بعض والآبار والمناقب والاحتفاظ بها منشآت احتياطية، أو استغلالها في قطاع الفلاحة.
وعلى الصعيد المحلي، ستعزّز محطة تحلية مياه البحر “الرأس الأبيض” الواقعة بعين الكرمة غرب الولاية، إمدادات المياه الصالحة للشرب لولاية وهران، كما ستساهم في وضع حد وبصفة نهائية لكل النقاط السوداء التي يعاني منها مخطط تزويد ساكنة المناطق الغربية للولاية على غرار بلدية بوتليليس، وعين الترك، طفراوي، والقطب العمراني أحمد زبانة، مسرغين، حي بوعمامة، المرسى الكبير وغيرها والتي يعاني سكانها من التذبذب في التزويد بالمياه والانقطاعات المستمرة.
وسيكون لمحطة “الرأس الأبيض” تأثير مباشر على الجزء الشرقي من الولاية الذي يتقاسم موارده مع جزء من الجانب الغربي، بشكل غير مباشر في حال التذبذب والانقطاعات، وسيحصل الجزء الشرقي جراء ذلك بالكامل على حصص محطة تحلية مياه البحر بالمقطع ونظام التحويل مستغانم – أرزيو – وهران (الماو).
تجارب تقنية
من المنتظر أن يسلّم مشروع إنجاز محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض شهر ديسمبر القادم، فيما تبدأ التجارب التقنية الأولى شهر أكتوبر القادم، وفق تصريحات والي وهران خلال خرجته التفقدية الاخيرة للمشروع.
للإشارة فقد حظي هذا الأخير منذ انطلاق الأشغال به بالعديد من زيارات معاينة وزارية اومحلية، كما يوجد في صلب اجتماعات ماراطونية متواصلة، مع التشديد في كل مناسبة على ضرورة تسليمه في الآجال المحددة، أي نهاية السنة التجارية.
وللتذكير، فإنّ كسب رهان دخول محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض حيز الخدمة شهر ديسمبر القادم” وبعد مدة إنجاز محددة بـ 25 شهر فقط، يقع اليوم على عاتق 1.500 عامل وفق برنامج عمل يتواصل 7 أيام في الأسبوع على مدار 24 ساعة يوميا من خلال ثلاث فرق مناوبة، تحت إشراف كفاءات وشركات جزائرية 100 % وهي مجمع سوناطراك، الشركة الجزائرية للطاقة، الشركة الوطنية للهندسة المدنية والبناء، والمؤسسة العمومية للأشغال البترولية الكبرى.
وتتربّع محطة تحلية مياه البحر على مساحة 16 هكتارا قدرة إنتاج 300 ألف متر مكعب يوميا، وقد تمّ بداية أكتوبر 2023 الانطلاق في إنشاء شبكة توزيع بطول 48كلم من الأنابيب وخزانين، حتى يتم توزيع الماء الشروب مباشرة بعد دخولها حيز الخدمة.
وقد تمّ تحديد الموعد النهائي لاستلام شبكة التوزيع بـ 14 شهرا، حين بلغت نسبة الإنجاز بها اليوم أكثر من 60 %، في حين ثم التأكيد على استلام بعض أجزاء المشروع نهاية شهر جوان الجاري.
وتقدّر سعة الخزانين بـ 50 ألف متر مكعب الأول، ويقع بعين تاسا بلدية عين الكرمة 30 ألف متر مكعب، ويقع ببوسفر دائرة عين الترك.
المورد المائي.. عقلانية الاستغلال لا همجية التّبذير
بوطبة: استكمال إنجاز المشاريـع سيحقّـق الاكتفاء الذّاتي للمياه بالجزائر درامشي: محطة سيدي خليفة بأزفـون لها مدى جهوي
يسابق قطاع الري الزمن بتكثيف مجهوداته من أجل ضمان تزويد المناطق والأقطاب الحضرية بالمياه، خاصة تلك التي تعرف شحّا في هذا المورد، وذلك باتخاذ إجراءات استعجالية سيما بالجهة الغربية، مع اعتماد النظرة الاستشرافية للقطاع لمواكبة النمو الديمغرافي، فضلا عن النمو الاقتصادي واحتياجات الري الفلاحي، واعتماد طرق تسيير جديدة متكيّفة وذكية لاستغلال المورد المائي المتوفر بطريقة ناجعة دون تبذير، ومواصلة إنجاز المشاريع المبرمجة التي تدخل ضمن الحلول البديلة القادرة على ضمان استدامة التزود بالماء، وتخفيف الضغط على المصادر التقليدية.
تواجه الجزائر تراجعا في معدلات تساقط الأمطار، ما أثّر بشكل كبير على التموين بالماء الشروب، وتزايد الطلب على توفير مياه السّقي بسبب الجفاف الذي انسحب على بلدان البحر المتوسط التي تعد أكثر البلدان تأثرا بالتغيرات المناخية، لهذا فهي تعمل على تنويع مصادرها، حيث تعتمد على المياه الجوفية بنسبة 55 % من إجمالي المياه المنتجة، فيما انخفضت كميات إنتاج المياه السطحية التي يعد مصدرها السدود والحواجز المائية بسبب تراجع منسوب المياه عبر عدة سدود بالوطن، إذ تقدّر نسبة الاعتماد عليها حاليا بـ 27 %، في حين تأتي المياه المحلاة الناتجة عن محطات تحلية مياه البحر بحجم إجمالي يعادل 852 مليون م3 سنويا، عبر 26 محطة بين كبيرة ومتوسطة، بـ 18 % من إجمالي المياه الصالحة للشرب، والتي يعوّل رفعها الى 60 بالمئة.
الإنتاج لا يتوقّف..
في تصريح سابق للمدير العام للشركة الجزائرية للطاقة، محمد بوطبة، أكّد أن تكملة المخطط الاستعجالي الخاص بتحلية مياه البحر يتضمن إنشاء 11 محطة، منها 5 محطات في طور الإنجاز بسعة 300 ألف م3 يوميا، إلى جانب 6 محطات أخرى يهدف لبلوغ نسبة 60 بالمائة من التغطية والاكتفاء الذاتي في مجال المياه، مشيرا إلى أن الآفاق المستقبلية للشركة تتجسد في بلوغ إجمالي إنتاجها 3.6 مليون م3 يوميا، في حال وصول إجمالي عدد محطات تصفية مياه البحر إلى 19 محطة.
واختارت الشركة مؤسسات جزائرية تتكفل بتأمين التجهيزات المحلية بنسبة 100 بالمائة، منها شركة ناشئة في تجهيزات تصفية مياه البحر، مع تكليف مجموعة من المهندسين والتقنيين لصيانة وتفعيل برنامج المحطات الخمس لتحلية مياه البحر.
وأوضح بوطبة في تصريح لـ “الشعب” على هامش صالون “بوليتاك”، أن الشركة الجزائرية للطاقة اليوم لديها التزام بإنتاج المياه لتزويد المواطنين من خلال عدة مشاريع للتحلية، وهي اليوم تتولى إنجاز مشاريع المحطات المدرجة في اطار المشروع التكميلي الأول الذي تضمن انجاز خمس محطات، وذلك بعد انتهائها من انجاز البرنامج الاستعجالي ودخول المحطات الثلاث حيز الخدمة.
وأضاف بوطبة أن المحطات الخمس التي تتواجد على طول الشريط الساحلي، بكل من وهران الرأس الأبيض، وبتغرامت ببجاية، “كاب جنات”، فوكة 2 محطة، ومحطة كودية الدراوش في الطارف، فاقت نسبة الأشغال فيها 60 %، مع وجود بعض التفاوت فيما بينها، بسبب وجود بعض الإشكاليات التقنية المحض المتعلقة بالتعامل مع الأرضية على غرار بجاية مثلا، حيث تم تخطي عقبات كثيرة فيها.
وينتظر أن تجهّز هذه المحطات مع شهر ديسمبر لتبدأ التجارب التقنية للإنتاج داخل المحطات الخمسة بصفة تدريجية للوقوف على أي خلل أو على طول قنوات الجر، لضمان جاهزيتها للدخول حيز الخدمة، خاصة وأنه يعول عليها أن تنتج 1.5 مليون م3 بطاقة إجمالية أي بمعدل 300 ألف م3 لكل محطة، ما يعني أن الطاقة الإنتاجية الحالية للمحطات المنجزة، بما فيها محطات المشروع الاستعجالي 2.2 مليون م3، وبدخول محطات التحلية الخمسة للبرنامج التكميلي، ستنتج الجزائر3.7 مليون م3.
وأشار المتحدث إلى أنّ الجزائرية للطاقة تتولى إنجاز محطات التحلية التي تمثل وحدات الإنتاج الرئيسية للمياه المحلاة، في حين أن عمليات الإيصال والربط تتم من خلال مشاريع أخرى عبر قنوات الجر، والتي تقع على عاتق الجزائرية للمياه، علما أنّ الامتداد الإقليمي لهذه المشاريع هو150 كلم من الشاطئ نحو الداخل، ومع البرنامج التكميلي الثاني الذي يتضمن إنجاز 6 محطات أخرى، سترتفع الطاقة الإنتاجية للمياه بالجزائر إلى 5.6 مليون م3، ما سيحل إشكالية الماء بالجزائر.
وحسب الرئيس المدير العام للجزائرية للطاقة، فإن عملية الإنجاز يشرف عليها كفاءات وطنية، في حين يتم الاستعانة بالمكاتب الخارجية في مجال التصميم الأساسي والمعاينة، وهو الأمر الذي يمكن كسبه مستقبلا أيضا.
وبخصوص الوكالة الوطنية لتحلية المياه التي تتكفّل بإنجاز سبع محطات، من بينها ولاية تيزي وزو التي تستفيد من محطتين الاولى بطاقة إنتاجية 60 الف م3 يوميا بتامدة أوقمون، والثانية بسيدي خليفة أزفون بقدرة إنتاجية تصل الى 300 ألف م3، أكّد المدير العام للوكالة محمد درامشي لـ “الشعب” أن هذه الأخيرة لها مدى جهوي حيث تمس منها الولايات المجاورة، فيما تستفيد ولايات أخرى على غرار تلمسان، مستغانم، الشلف، سكيكدة وجيجل من محطات ذات طاقة إنتاجية تصل إلى 500 ألف م3 يوميا ستنطلق خلال الشهور القادمة في اطار البرنامج المسطر للفترة الممتدة بين 2024-2030، بهدف الوصول إلى 60 % من الإنتاج الوطني للمياه.
وحسب درامشي، استفادت تيزي وزو من محطتين للتحلية نظرا لتراجع منسوب سدّ تاقصبت الذي كان يزودها بسبب قلة تساقط الأمطار، وقد كان يغطي أغلب القرى ومدن وبلديات الولاية، إلا أن منسوب المياه به انخفض، ما دعا إلى التحرك بسرعة لإنجاز هذه المحطات من أجل تعويض النقص، حيث تتكفّل المحطة الأولى تامدة أوقمون لتغطية شمال الولاية والثانية بسيدي خليفة كما ذكرنا آنفا.
وأوضح المتحدّث أنّ هاتين المحطتين ستدخلان مرحلة الإنجاز خلال الأشهر المقبلة، حيث تم بالنسبة لمحطة تامدة أوقمون اختيار مؤسسة الإنجاز فيما ستنطلق الدراسة هذه الأيام، أما المحطة الثانية فستطلق بخصوصها مناقصة وأحسن عرض منافس سيتم اختياره.
وكان وزير الري قد أكّد أن خيار تحلية مياه البحر يعد أبرز الحلول التي من شأنها تغطية العجز المائي، وتدعيم تموين المواطنين بالماء الشروب، خاصة وأن بلادنا تحوز على شريط ساحلي معتبر، يفوق طوله 1500 كلم، كما أن بلادنا كانت سباقة في تجسيد مسعى انجاز محطات تحلية مياه البحر، مشيرا إلى أنّ محطات تحلية مياه البحر كانت تستعمل سابقا لتدعيم تزويد المواطنين بالماء الشروب وليس التأمين، بالنظر إلى الاعتماد الكبير على المياه التقليدية مقارنة بمياه البحر المحلاة، ولكن اليوم أصبح ضروريا تغيير هذا النمط من الاعتماد، والتركيز على مياه البحر المحلاة كمصدر اساسي للتأمين، وتصبح المياه السطحية هي مصدر تدعيم فقط، ومخزون موجه للفلاحة عند الإمكان.
من جهة أخرى، يجري تفعيل الخطة الوطنية الرامية إلى إعادة استعمال ما يعادل 60 % من المياه المستعملة المصفاة سنويا في المجال الفلاحي والصناعي، في ظل تراجع حشد المياه التقليدية بسبب التغيرات المناخية، ناهيك عن صيانة وتطوير قنوات الجر والتوزيع، مع عصرنة شبكات التوزيع.
حلول مبتكرة
بالموازاة، تعمل المؤسسات المسيرة لمرفق الماء على اعتماد طرق جديدة للتسيير ومتكيّفة مع الوضع الحالي للجزائر فيما يخص الماء، ومنها شركة المياه والتطهير “سيال” التي تقدّم خدماتها لأكثر من مليون و100 ألف منزل وإدارة وشركات في القطاع الصناعي والقطاع الفلاحي والسياحي، حيث توفّر مياه الشرب بشكل مباشر وغير مباشر لما يقارب 5 ملايين نسمة في ولاية الجزائر.
وتعمل “سيال” على الاستفادة من الحلول العلمية المتاحة لترقية خدماتها على غرار الحلول المبتكرة لمياه نقية واقتصاد أخضر ومحلية، منها كلوريد الحديد كخيار محلي وصديق للبيئة، حيث تسهر على تحديث طرق معالجتها للمياه باستبدال كبريتات الألومنيوم بكلوريد الحديد لضمان أعلى مستويات النوعية تماشيا مع معايير الجودة، ما يجعل منه بديلا اقتصاديا بامتياز كونه يسمح بالتخلص من حمض الكبريتيك الذي يستخدم عادة مع كبريتات الألومنيوم، ممّا يقلل من تكاليف الاستيراد ويحقق فائدة مالية واقتصادية.
وفي إطار تحسين التسيير العقلاني للمياه، تعمل “سيال” بنظام المراقبة والتحكم عن بعد لمراقبة المنشآت وضمان عملية توزيع عادل للمياه وفقا للموارد المتاحة، كما تقوم بالبحث عن التسربات المرئية وغير المرئية، من خلال تحديد وإصلاح التسربات بهدف التقليل من التكاليف التشغيلية والرفع من المردودية، وذلك عبر عدة طرق سواء من خلال معاينة ميدانية، الطرق السمعية، تصوير حراري بالأشعة تحت الحمراء، غازات التتبع، تقنية متابعة الموجات الصوتية للماء، تقنية الفحص بالكاميرا، اختبارات ضغط المياه.
وكان آخر حل مبتكر اعتمدته “سيال”، تقنية الكرة الذكية في إطار سياستها الرامية إلى الحد من تسربات المياه، بالتعاون مع مجمع سانسوس الجزائر، حيث تعدّ تجربة ناجحة لتقنية حديثة تسمى “الكرة الذكية” للكشف عن التسربات وتشخيص شبكات المياه والتطهير، من خلال إدخال كرة مزوّدة بجهاز استشعار صوتي فائق الدقة داخل شبكات المياه المختلفة، حيث تعد هذه التجربة الرائدة دليلا على التزام سيال المستمر بترقية الخدمة العمومية للمياه والتطهير، وسعيها للحفاظ على الموارد المائية واستدامتها للأجيال القادمة.
نفس الأمر بالنسبة للجزائرية للمياه، حيث يتدخّل عمالها في كل مرة لإصلاح التسربات، على غرا ر التدخل الأخير بولاية تيارت من خلال الانتهاء من الاشغال الخاصة بإصلاح التسرب الحاصل على مستوى قناة الضخ قطر 500مم التابعة لنظام توسنينة والممون للجهة الشمالية لمدينة تيارت، مع حرص الفرق التقنية للجزائرية للمياه على التدخل بدون توقف لضمان استئناف الضخ بسرعة.