رحّب عديد الشباب بقرار إعفاء المولودين قبل تاريخ الأول جانفي 1995 ولم يتمّ تجنيدهم لالتزامات الخدمة الوطنية، فطبقا لأحكام المرسوم الرئاسي رقم 24-184 المؤرخ في 11 جوان 2024، والمتضمن إعفاء المواطنين الخاضعين لالتزامات الخدمة الوطنية، المقرّرة من طرف السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، أعلمت وزارة الدفاع الوطني المواطنين المعنيين والذين لم يتمّ تجنيدهم بعد، بأنهم مدعوون للتقدم إلى هيئات الخدمة الوطنية التي يتبعونها لتسوية وضعيتهم.
وصف بعض المعنيين القرار بأنه “تأشيرة لعالم الشغل”، بعد عدم التحاقهم بـواجب الخدمة الوطنية بعد بلوغ السن القانونية، لأسباب مختلفة، في معظمها ظروف قاهرة واجتماعية ودراسية وعائلية وأحيانا طبية، فرضت عليهم برأيهم التأجيل والتخلف الاضطراري عن أداء الواجب الوطني، ولكنها تمثل وضعية غير قانونية، لا يمكن التآلف معها، لهذا، جاء قرار الإعفاء في إطار التسوية الإدارية التي سعدوا بها مثلما كانوا سيسعدون كثيرا بأداء واجبهم الوطني.
قرار الإعفاء الذي وقع مرسومه رئيس الجمهورية وأعلنته وزارة الدفاع الوطني، كان له وقعه في نفوس بعض المعنيين الذين عبروا لـ«الشعب” في هذا الاستطلاع عن سعادتهم بهذه العناية جراء مختلف الظروف التي أحاطت بهم، وإعفائهم من وضعية “التعليق” التي كانوا يعيشونها في يومياتهم، بين تأنيب ضمير يرفض التخلي عن أداء الواجب الوطني، وواقع صعب يفرض الالتزام بالواجب الاجتماعي.
عـودة إلى الحياة..
بعد سنوات من الانتظار بسبب تراكم سنوات عدم أداء الخدمة الوطنية، وجد محمد.س نفسه، منذ صدور القرار غير مضطر للبقاء على الهامش، وقال: “لم أكن اعتقد أنني سأتخلص من وضعية إدارية أوجدتها لنفسي دون قصد، وتسببت لنفسي تعطيل كثير من الخطوات كنت أتمنى أن أقدم عليها، فبعد خروجي من الثانوية، أردت الالتحاق بسلك الأمن الوطني، لكن عدم حصولي على بطاقة الخدمة الوطنية، وقف حاجزا أمام تحقيق حلمي، ثم توجهت إلى معهد خاص لتكوين أعوان الأمن، وبالفعل ولمدة سنتين حصلت على شهادة تؤهلني للعمل في هذا المجال، لكنني ومنذ خمس سنوات أقبع في مكاني بسبب تأجيلي للخدمة الوطنية، ما اضطرني إلى النشاط في التجارة الموازية حتى أكسب رزق يومي، وهو الحل الذي اعتبره مؤقتا وغير نظامي، لكنه المتوفر الوحيد لسنوات طويلة”. واستطرد محمد قائلا: “لن أزايد عليكم إن أخبرتكم بأن من أهداف الخدمة الوطنية، تكوين شباب مستعد للدفاع عن الوطن”.
«بالرغم من كل التسهيلات والتعديلات التي أدخلت على قانون الخدمة الوطنية، إلا أنني لم أستطع أداءها، لذلك جاء قرار الإعفاء دافعا لمستقبلي ككل”، هكذا عبر رياض.ب (32 سنة) عن ترحيبه بالقرار الذي سيمنحه التخلص من الشعور المتواصل بأنه في وضعية غير قانونية بسبب تأخره عن واجب الخدمة الوطنية، وقال في السياق: “في البداية، كنت أؤجل الخدمة الوطنية بسبب الدراسة، لكني وبعد تخرجي، أصبح التسجيل لأداء الواجب الوطني واجبا عليّ، لكنني تماطلت في ذلك، ما جعلني أعمل في مؤسستي الخاصة، لكن رغم ذلك وجدت نفسي أمام عائق أخلاقي وإداري بسبب عدم أدائي التزامات “لارمي”.
وعن قرار الإعفاء، أكد رياض أنه انتقل به إلى مرحلة جديدة في حياته، وكشف أن أول ما سيقوم به بعد حصوله على الإعفاء تحقيق حلمه في بناء مشروعه الخاص”.
مرحلة جديدة ..
« ظلت والدتي تحث أخي على أداء الواجب الوطني، ولكنه ظلّ يؤجل، إلى درجة أن والدتي هدّدته باستدعاء الدرك الوطني لأخذه إلى الثكنة، لهذا، فإن قرار الإعفاء الذي أصدره رئيس الجمهورية، سيسمح بتهدئة أمي قبل أخي الذي سيعود إلى منزل العائلة الذي غادره حتى لا يتعرض إلى انتقادات والدتي.. سيعود إلى العيش بصفة طبيعية بعيدا عن توتر علاقته بوالدتي”..
هكذا عبرت مروة عن سعادتها بقرار التسوية الذي جاء في وقته ـ كما تقول – وشرحت قائلة: “عندما حاول أخي التأجيل المتكرر لأداء الخدمة الوطنية، استدعت والدتي الدرك الوطني لأخذه إلى الثكنة مباشرة لأداء واجب الخدمة الوطنية، فكانت هذه التجربة سببا في عدم استقرار أخي الثاني خوفا من والدتي؛ لأنها ترى في الخدمة الوطنية واجبا لا مناص من أدائه، بل تصف “لارمي” بأنه “مصنع الرجال”.. جديتها وصرامتها جعلت أخي الأصغر المتهرب من الخدمة الوطنية يفضل الابتعاد عنها على البقاء معها، بالرغم من أن أخي الأكبر شجعه على الالتحاق بصفوف الجيش الوطني الشعبي، مدرسة الأبطال ومنبع الأشاوس”.
واستطردت مروة قائلة، إن قريبا لها فضل أداء واجب الخدمة الوطنية بالرغم من استقرار عائلته في هولندا، فهو لم يكن يريد أداءها تحت أي راية غير الراية الجزائرية.. لكن، رغم وطنية أخي وحبه للجزائر، فقد هزمته صفة “المازوزي” ـ على حد قولها ـ وظلّ يؤجل الواجب إلى إشعار آخر.جمال جيلالي (50 سنة) تحدث إلى “الشعب” عن الخدمة الوطنية التي كانت رمزا لاكتمال نضوج الشاب ورجولته، مستغربا في الوقت نفسه تأجيل بعض الشباب لأداء الخدمة الوطنية بالرغم من تعلقهم بها خدمة للوطن وأرض الشهداء، وقال المتحدث لـ«الشعب”: “إن منح قرار الإعفاء الصادر أخيرا في حق المولودين قبل جانفي 1995 فرصة جديدة لهؤلاء الشباب، على اعتبار أنهم كانوا في حالة لااستقرار إداريا ومهنيا، بالأخص فيما يتعلق بالتوظيف، وابني واحد منهم، فقد كان دائم التحجّج بعدم قدرته على تحمل الصرامة والانضباط بعدما تربى على الاستسهال والاتكال وسط العائلة”.
وأضاف جمال: “أنا من الرجال الذين وُفِقوا في أداء الخدمة الوطنية منذ عقود من الزمن، أتذكر إن المدة كانت أطول، وتزامنت مع العشرية السوداء، وكل ما عَرَفته من مأساة وطنية، لكن والدي أصر علي وقال إنه واجب وطني ولا يمكنني التنصل منه مهما كانت الظروف والنتائج، وبالفعل أديت واجبي العسكري في الصحراء الجزائرية بعين صالح تحديدا، واستطعت جعل والدي يفخر بي كثيرا، لكن على عكسنا، أصبح بعض شباب اليوم بالرغم من الإجراءات الجديدة والامتيازات، فابنه حاصل على شهادة عليا، إلا أنه يعمل بأجر زهيد في إحدى المؤسسات الخاصة بسبب تأجيله لواجب الخدمة الوطنية، لذلك سيفتح العفو له أبواب جديدة في حياته لتكون أكثر استقرارا؛ لأنه يستطيع الحصول على وظيفة تليق بمستواه التعليمي”.
أما مصطفى نواري (48 سنة)، فصرّح أن “الدلال الزائد أنتج شباب اتكاليا، رغم أن الخدمة الوطنية تجربة مهمة في حياة أي شاب، لأنها تمنحنه الفرصة للتعرف على مختلف ولايات الوطن، وتعزّز شعور الانتماء إلى الوطن، وترسخ مسؤولية الفرد مهما كانت مكانته أو وظيفته أو مستواه التعليمي أو الاجتماعي، على أمن الوطن واستقراره، لذلك يجب على الأولياء أن ينتبهوا إلى تربية جيل متشبع بالانتماء والولاء لوطن يسحق كل التقدير والتبجيل والتضحية”.
مصنع الرجال
تُقر الجزائر بإجبارية الخدمة الوطنية للمواطنين البالغين 19 سنة لتعزيز الوعي وتحسين الحس الأمني لأفراد المجتمع، وكذا ترسيخ “مفهوم مسؤولية الأمن من مسؤولية الجميع”، “ويجبر قانون الخدمة الوطنية المواطنين الجزائريين البالغين من العمر 19 عاما على التجنيد.ويتطرّق القانون المتعلق بالخدمة الوطنية في مضمونه إلى نقطة بالغة الأهمية أين وجب الوقوف عليها وهي “العصيان”، تستدعي هذه الوضعية الوقوف أمام المحاكم العسكرية طبقا لقانون العدالة العسكرية. حيث يعتبر المواطن عاص، إذا لم يلتحق بوحدة تجنيده بعد تلقي أمر الاستدعاء مصحوبا بأمر الحضور خارج الحالة القاهرة، وإذا بلغ سن 25 سنة كاملة ولم يستوف إجبارية الإحصاء أو الانتقاء الطبي، خارج الحالة القاهرة.
وحسب موقع وزارة الدفاع الوطني، “يمكن تقديم طلب إعفاء من التزامات الخدمة الوطنية لأحد الأسباب التالية: السبب الطبي أو السبب الاجتماعي وفي كل الحالات ينبغي أن يشتمل الملف، بالإضافة إلى الوثائق المحددة للهوية والإقامة والصور الشمسية النظامية، على الشهادات والتقارير الطبية التي تثبت المرض أو العجز (مسلمة من القطاع الحكومي) أو الوثائق التي تثبت الحالة الاجتماعية لصاحب الطلب (وفاة الوالدين- الابن الوحيد ـ إلخ)، إلى جانب طلبات التأجيل أو تمديد التأجيل”.
يجب أن يعي الشباب أن الخدمة الوطنية واجب وطني، خاصة وأن العالم يعيش حالة من الصراعات لن تكون الجزائر بمنأى عنها، حيث كتبت افتتاحية مجلة الجيش لشهر أفريل أن الخدمة الوطنية “كانت بأهدافها السامية ولا تزال منذ تأسيسها، مدرسة لصنع الرجال، إذ سمحت للملايين من شباب الجزائر من أجيال الاستقلال بالمشاركة في مسيرة البلاد وإعدادهم باستمرار للمساهمة في الدفاع عن حياضها متى اقتضت الضرورة ذلك”.
و«راهنت الجزائر على شبابها حينما سنّ قانون الخدمة الوطنية قبل 55 سنة خلت، مثلما راهنت عليه في فترة عصيبة من تاريخها لطرد المستعمر من البلاد، ولم يراودها أدني شك ولو للحظة في قدرة شبابنا على مواجهة تحديات كبرى كان رفعها نظريا من قبيل المستحيل بالنظر إلى الإرث الثقيل الذي خلفه احتلال غاشم عاث في بلادنا فسادا لأكثر من 130 سنة”.