نظّم مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية وتحليل الخطاب، بالتنسيق مع مديرية المجاهدين لولاية مستغانم، ومخبر البحث التاريخي مصادر وتراجم، الملتقى الوطني الثامن “الذاكرة والتاريخ: نقاش حول جرائم الإبادة وآثار الاستعمار.. تحدّيات التوثيق والتاريخ”. إحياءً للذكرى 179 لمحرقة الفراشيح، وتطرق هذا الملتقى الذي انتظمت فعّالياته، الأحد، إلى فظاعة الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، وما محرقة الفراشيح إلا شاهد من الشواهد العديدة عليها.
احتضنت دار الثقافة ولد عبد الرحمن كاكي بمستغانم، الأحد، الملتقى الوطني الثامن “الذاكرة والتاريخ: نقاش حول جرائم الإبادة وآثار الاستعمار.. تحدّيات التوثيق والتاريخ”، الذي نظّمه مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية وتحليل الخطاب (جامعة مستغانم) بالتنسيق مع مديرية المجاهدين لولاية مستغانم، ومخبر البحث التاريخي مصادر وتراجم، بمناسبة الذكرى 179 لمحرقة الفراشيح.
وفي تصريح خصّ به “الشعب”، قال الدكتور محمد السعيد بعلي، المنسق العلمي للملتقى، إنّ الهدف من الملتقى هو إحياء المناسبة التاريخية وذكرى المحرقة التي شهدتها ببلدية النكمارية دائرة عشعاشة، يوم 18 جوان 1845، وهي من أكبر المجازر وأفظع الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الفرنسي ضدّ الجزائريين.
وأضاف بعلي أنّ هذه “مناسبة تاريخية دأبنا على إحيائها وتخليد ذكراها منذ سنة 2009، تاريخ تنظيم أول يوم دراسي بالمركز الثقافي لبلدية عشعاشة حول ذكرى محرقة الفراشيح، والذي حمل آنذاك عنوان “محرقة الفراشيح: جريمة الحضارة”. كما ذكّر بعلي بالملتقى الوطني السابع الذي نظّم العام الماضي بنفس المناسبة، وجرت فعّالياته بالموقع التاريخي الذي شهد المجزرة، وهي أول مرة يتم فيها تنظيم الملتقى بعين المكان، في مبادرة رمزية لإعادة الاعتبار لذاكرة المكان، وربط المخيال التاريخي بالمخيال الاجتماعي.
وتأتي هذه التظاهرة لتذكّر بالأساليب التدميرية التي انتهجها الاحتلال الاستعماري الفرنسي، والتي تعتبر محرقة الفراشيح إحدى الشواهد عليها، وهي أساليب أظهرت “تناقضا صريحا وغير قابل للتأويل للخطاب الحضاري المزعوم الذي ادّعى المستعمر أنه جاء به إلى الجزائر”، كما أكّده لنا في وقت سابق رئيس مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية وتحليل الخطاب، البروفيسور العربي بوعمامة.
وتشكّل المحارق المقترفة ضدّ أهالي منطقة الظهرة رموزا وشواهد خالدة على همجية الجيش الاستعماري الفرنسي، بقيادة المجرم بيليسي الذي حاصر أكثر من ألف شخص من قبائل الظهرة الهاربين من بطش المستعمر الفرنسي، والمحتمين بمغارة الفراشيح التي لا يتعدى طولها 150 مترا، والتي أقفلت جميع منافذها وأضرمت النار ليموت من بداخلها حرقا وخنقا.
ويأتي هذا ضمن سلسلة من جرائم الحرب، التي كانت مبرمجة ممنهجة، بداية من محرقة العوفية 1832، مرورا بمحرقة الفراشيح 19 جوان 1845، ومحرقة الصبيح في نفس السنة، ومحرقة الأغواط 1852، وغيرها من الجرائم التي اقترفها المستعمر.
وتطرق الملتقى إلى ثلاث محاور، جاء أولها تحت عنوان “ذاكرة الاستعمار والإبادة: دروس من التاريخ”، وثانيها تحت مسمى “ذاكرة الشعوب: الإبادة، الاستعمار، مسارات العدالة”، أما المحور الثالث والأخير فحمل عنوان “جرائم الاستعمار والإبادة: دروس من التاريخ واستشراف المستقبل”.
وخلال الجلسة العلمية الأولى، التي ترأسها أ.د.جمال يحياوي، عضو اللجنة الوطنية للذاكرة، تطرق أ.د.العربي بوعمامة إلى محرقة الفراشيح في الصحافة، مقدّما قراءة تاريخية للموضوع، أما د.محمد السعيد بعلي، فقدّم مداخلة عنوانها “أخبار على سبيل المساءلة للذاكرة حول شهداء محرقة غار الفراشيح”.
من جهته، اقترح د.دحو بن مصطفى الشيخ (جامعة مستغانم) مداخلة بعنوان “محرقة الفراشيح.. مساءلة قانونية لجريمة إبادة منتهجة”، فيما تطرق أ.د. عطاء الله فشار (جامعة الجلفة) إلى مفاهيم ومقاربات للذاكرة والتاريخ. وعالج د.محمد جبور (جامعة وهران 2) دور الإعلام في توثيق محرقة الفراشيح، كما عالج د.لخضر سباعي (جامعة مستغانم) البعد الاستراتيجي للذاكرة والهوية في الربط بين الماضي والمستقبل. أما د.حمو فرعون (جامعة مستغانم) فتحدث عن أهمية أشعار سيدي لخضر بن خلوف في توثيق ذاكرة المقاومة في منطقة الظهرة.
فيما تضمّنت الجلسة العلمية الثانية، التي ترأسها أ.د.العربي بوعمامة، مداخلة للدكتور الصادوق الحاج (جامعة الجزائر 2) عن وحشية الاستعمار الفرنسي والآثار النفسية لمحرقة الفراشيح في ذاكرة الجزائريين.
وتطرق د.فتحي زياني (جامعة وهران 2) إلى الفن ودوره في تخليد ذاكرة الفراشيح، كما تحدث د.لخضر بكاي (جامعة مستغانم) عن الحماية القانونية للمواقع الطبيعية وسبل المحافظة عليها. وجاءت مداخلة د.عديدة الشارف (جامعة مستغانم) حول تاريخ جرائم الإبادة الجماعية في السياسات الفرنسية في الجزائر (محرقة الفراشيح أنموذجاً)، بينما جاءت مداخلة د.فوزية عبو والباحثة ربيحة تليلي (جامعة سعيدة) عن سياسة الاستعمار الفرنسي في الإبادة الجماعية. وعالج د.عبد القادر بلعريبي ود. مخطار بودواية (جامعة مستغانم) دور الثقافة الشعبية في توثيق الذاكرة الوطنية، فيما تطرق د.عبد القادر مشاوي (جامعة مستغانم) إلى محرقة الفراشيح من خلال جريدتي (Le Moniteur Haitien) في هايتي وجريدة (A Murva) الكورسيكية.