تعتبر السياحة الصحراوية في الجزائر من بين القطاعات الداعمة للتنمية المحلية، الى جانب الفلاحة، الأشغال العمومية والمناجم، والتي تتكامل فيما بينها لتحقّق تنوعاً اقتصادياً لولايات الجنوب.
ملف: علي عويش وسفيان حشيفة ومحمد الصالح بن حود وإيمان كافي
السياحة الصحراوية.. مؤهلات لا مثيل لها
أولت الجزائر أهمية بالغة للسياحة الصحراوية، من خلال إنشاء مجموعة من الدواوين والمؤسسات المكلّفة بالإشراف على حماية، ترقية وتثمين المناطق السياحية كوسيلة للنهوض بالقطاع السياحي في الجنوب.
وتتوفّر ولايات الجنوب على مؤهلات سياحية هائلة، تمكّنها من أن تتحوّل الى قاطرة الجزائر نحو نهضة سياحية حقيقية، غير أن الإقبال المحتشم للخواص على الاستثمار السياحي وغلاء تذاكر الطيران نحو الولايات الصحراوية، وانعدام خطوط طيران جنوب–جنوب هي عوامل تقف حائلاً دون تحقيق الأهداف المنشودة، ناهيك عن قلة الإشهار والتسويق عبر وسائل الإعلام المختلفة للمنتوجات السياحية الصحراوية.
تُجمِع كبريات المواقع السياحية العالمية على أن الصحراء الجزائرية تُعدُّ من بين أفضل الوجهات السياحية المفضّلة لدى محبي التخييم ورحلات السفاري، نظراً لطبيعتها العذراء وبقاء الكثير من المواقع السياحية على حالتها الطبيعية منذ آلاف السنين دون أن تطالها يد التخريب والنهب.
هذه المؤهلات، ستمكّن الجزائر من اختراق السوق العالمية للسياحة بقدرة تنافسية عالية إذا ما تم استغلالها بالشكل الجيد وتسويقها بطريقة احترافية.
يُعدُّ الجنوب الشرقي للجزائر وجهة مفضّلة لمعظم السياّح الوافدين الى بلادنا، لما تتوفّر عليه من مقوّمات سياحية هائلة الى جانب تاغيت، تيميمون وبني عباس في الجنوب الغربي.
غير أن الفنادق ومراكز الإيواء في ولايات الجنوب رغم كونها مؤشراً لنجاح الفعل السياحي، لا تزال غير قادرة على التماشي مع سياسات الدولة الرامية الى النهوض بالسياحة الصحراوية، حيث أن أعدادها لا تزال قليلة مقارنةً بولايات الشمال.
وقد خَطَت السلطات العليا خطوات جبّارة للقضاء على هذا المشكل، من خلال تشجيع الاستثمار الخاص في قطاع السياحة وإقرار جملة من التسهيلات الرامية الى إنشاء فنادق ومركّبات سياحية بولايات الجنوب، الى جانب ذلك، شرعت السلطات المحلية في العديد من الولايات في إعادة الاعتبار للفنادق العمومية لتصبح متطابقة مع رغبات السائح الأجنبي والرفع من قدرات الإيواء وإدخال تعديلات على طرق الحجز الفندقي.
وتسجّل الولايات الصحراوية توافداً متزايداً للسيّاح سواء المحليين أو الأجانب، غير أن أعدادهم لا تزال ضئيلة بالنظر الى تطلّعات السلطات المختصة، ويَرجع ضعف الإقبال الى عدة عوامل من بينها قلة مرافق الإيواء وعدم تماشيها مع رغبات السيّاح، الى جانب ضعف وسائل النقل الحضري في بعض الولايات ولجوء الوكالات السياحية الى الخواص من أجل تنظيم رحلات سفاري في الصحراء أو زيارة المعالم السياحية.
زيادة على ذلك، يبرز ارتفاع تذاكر الطيران من العاصمة الى ولايات الجنوب كأحد أهم المعوّقات التي تحيل دون توافد السيّاح الى الصحراء الجزائرية في ظل غياب خطوط طيران جنوب جنوب، ما يدفع بالسائح الى العودة الى العاصمة في كل مرة من أجل الانتقال الى ولاية صحراوية أخرى، وعدم ترقية الكثير من مطارات الجنوب الى مطارات دولية.
لا يزال ضعف الترويج السياحي لولايات الجنوب وعدم مقدرته على إبراز الصورة الحقيقية للمؤهلات السياحية في الصحراء الجزائرية، الى جانب الاستمرار في نشر الصورة النمطية للجنوب في وسائل الإعلام والمقرّرات المدرسية على أنه مناطق قاحلة لا تصلح فيها الحياة، هي تصرّفات تؤثر على نظرة الأجنبي للصحراء الجزائرية وتدفعه الى البحث عن بدائل أخرى، كما أنها تشكّل عقبات تعترض النهوض بالسياحة الصحراوية ببلادنا، وتقوّض في الوقت ذاته مجهودات الدولة في هذا المجال.
صُحف دولية تصنّف الصحراء الجزائرية من أفضل الوجهات السياحية
تتألّق السياحة الصحراوية الجزائرية على الساحة العالمية كواحدة من أبرز الوجهات الجاذبة والمثيرة للاهتمام، حيث تبوأت مراتب جدّ متقدمة في تصنيفات المراكز والصحف الدولية بجعلها أحد أفضل وجهات السفر والسياحة والترحال في العالم.
=تتميّز الصّحراء الجزائرية بتنوّعها الطبيعي والأيكولوجي الزّاخر بعناصر الثقافة ودعائم التراث الإنساني الضّارب في أطناب التاريخ البشري، ويتجسد فيها مزيجٌ بهيٌ من الحضارات القديمة والحديثة التي توارثت الكثبان والجبال والمروج والسفوح، وتركت آثارا وقصورا وواحات غنّاء مفعمة بالجمال وزخرف الحياة مختلف الألوان بحسب الحقب والأزمان.
وقد صنّف تقرير سنوي لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، حول أفضل 52 وجهة سياحية لزيارتها سنة 2023م في العالم، الجزائر ضمن أفضل الوجهات الدولية، نالت من خلاله صحراء «طاسيلي ناجر» الجزائرية المركز السابع والعشرين دولياً في الترتيب، في حين احتلت المرتبة الثالثة إفريقياً، والأولى على المستوى العربي.
وذكرت الصحيفة لجمهورها العريض في العالم، أن صحراء الطاسيلي عبارة عن سلسلة جبال قابعة وسط صحاري الجنوب الشرقي لجمهورية الجزائر، وتزخر بعض كهوفها الصخرية بتشكيلات لرسومات ما قبل التاريخ البشري، في صور مميزة لمعالم السياحة الجزائرية التي تشتمل على جوانب تاريخية حضارية أصيلة ضمن مكنوناتها الطبيعية فائقة الجمال والتصوّر.
وبغرض إنعاش قطاع السياحة عموما والصحراوية منها خصوصا، أقرّ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في الأعوام الفائتة، الكثير من الإجراءات التحفيزية الإدارية والإستثمارية، كان لها الأثر الإيجابي البالغ على صيرورة نمو القطاع، وولوج عالم التنافسية مع الدول العربية والمتوسطية.
واحتوت تلك التدابير الرّسميّة على إطلاق تأشيرة جديدة خاصة بالأجانب في ما اصطلح على تسميته «تأشيرة التسوية»، بدلا عن إجراءات التأشيرات العادية، بغرض تمكين السياح القادمين من خارج البلاد من القيام برحلات سياحية جوية مباشرة إلى ولايات الجنوب الكبير، عن طريق وكالات سياحية وطنية معتمدة لدى المصالح العمومية.
كما جرى فتح خطوط جوية جديدة بين الخارج وجنوب الجزائر، مع تعزيز المسارات الداخلية والجنوبية، حيث تمّ ربط ولاية جانت بالعاصمة الفرنسية باريس ضمن رحلة مبرمجة كل يوم سبت انطلاقا من مطار شارل ديغول، فضلا عن فتح خطوط داخلية مع ولايات الجنوب الكبير، في خطوات عملية ترمي إلى ترقية السياحة الصحراوية وإنعاش قطاع السياحة الجزائري عموماً.
إلى ذلك، شهدت الولايات الجنوبية وهي تُودِّع موسم السياحة الصحراوية هذا العام، إقبالا واسعاً للسياح والزوار من داخل البلاد وخارجها، تمكنوا خلالها من استكشاف مواقع سياحية أثرية فريدة في صحاري الجزائر العميقة، واستمتعوا بمناظر طبيعية وبيئية وديعة وخلّابة قلّ نظيرها ومَثيلها في العالم.
وتقاطر السياح الأجانب القادمين من أوروبا وأمريكا ربيع العام 2024م، بشكلٍ مُلفتٍ، على ولايات وادي سوف وتيميمون وجانت وإليزي وتامنغست، حيث لوحظ، توافدا متعاظما على مدينة القباب وأسواقها الحضارية العتيقة، وصحاري جبال طاسيلي ناجر، وسلسلة الهقار الصخرية الجبلية، وغيرها من الوجهات الصحراوية الأكثر رواجا وإقبالا في الجزائر.
علاوة على ذلك، يتواجد في ربوع الجزائر القارة صحاري أخرى لا تقلّ جمالاً وحسناً عن ما سلف ذكره، ونتحدث هنا عن صحراء جنوبها الغربي التي تتمتع بوجهات سياحية عذراء وجذابة جدا على غرار منطقة «تاغيت» الواقعة على بعد 97 كلم جنوب بشار، ومنطقة الساورة التي يشمل نطاقها البيئي الصحراوي عددا من الولايات مثل تندوف وبني عباس وأدرار وبشار.
تمنغست.. طبيعة ساحرة ومواقع ضاربة في عُمق التاريخ
«صحراء الهقار، تعاش ولا تحكى»، مقولة تختزل سحر وجمال منطقة سياحية بامتياز، وتؤكد على ضرورة اكتشاف وزيارة رقعة جغرافية بأقصى جنوب الوطن لما تحتضنه بداخلها من مناظر تفتن الزائر من قوة جمالها وروعتها.موقعها الإستراتيجي بتواجدها ضمن إحدى أكبر الحظائر الثقافية بالوطن، لاحتوائها على مواقع أثرية تعود إلى عقود قديمة شاهدة على أولى التظاهرات الإنسانية، بوجود العشرات من النقوش والرسومات الصخرية، تزينها مواقع طبيعية تبرز التنوع البيولوجي الذي تتمتع به المنطقة، مما أهّلها لتكون من أحسن وأفضل الوجهات السياحية المحبذة للسياح الأجانب قبل المحليين.
أحصت ولاية تمنغست خلال 2023 بحسب الأرقام المعلن عنها ضمن البيان السنوي لنشاطات الولاية، أرقام معتبرة حاولت من خلالها الوكالات السياحية الـ 96 المعتمدة بالولاية، رفقة 17 مؤسسة فندقية على تقديم الخدمات السياحية لـ 2199 سائح أجنبي من مختلف الجنسيات، وقرابة 13 ألف سائح من مختلف ولايات الوطن، استمتعوا عبر رحلات سياحية منظمة وبأسعار وخدمات مدروسة، اكتشفوا من خلالها ما تزخر به العديد من المناطق الخلابة والرائدة فيما يعرف بالسياحة الصحراوية.
«الأسكـرام» وسحر أفضل غروب وشروق الشمس
ما إن تطأ قدم أي زائر لعاصمة الأهقار، إلا ويلفت إنتباهه في جميع الإتجاهات مجموعة السلاسل الجبلية المتنوعة في الشكل والمبنى، ما ميزها عن غيرها من المناطق، وأهلها لتحتضن بين قممها الشامخة أعلى قمة في الوطن «طاهات» بارتفاع يتجاوز 3000 متر عن سطح البحر ضمن سلسلة جبال الأطاكور.
سلسلة زادت من شهرتها، تواجد ما يعرف بمنطقة أو مسلك أفضل شروق وغروب في المعمورة إنها «الأسكرام»، -المشتقة من الفعل «إيسكرم» والتي تعني بلغة الإيموهاغ شخص يعاني من برد قارص-، جمالها وسحرها جعل وكلاء السياحة ومتعامليها بالولاية يغازلون السواح والمهتمين بالسياحة بتقديم عروض تنافسية لزيارتها.
أهمية بدأت تظهر معالمها مع بداية القرن الماضي إبان حقبة الاحتلال الفرنسي، عندما بنى الراهب الفرنسي «شارل دو فوكو» حصنه بها، ليصبح بعد ذلك مزار للعديد من السواح الأوروبيين إلى غاية يومنا هذا.
إكتشافها ورؤيتها يتطلب سيارات رباعية الدفع، لقطع مسافة 80 كلم عن عاصمة الأهقار، في طريق تمتزج فيها المغامرة والإستمتاع بمحطات سياحية تنبئك منذ البداية بجمال وروعة الوجهة الرئيسية.
فعلى بعد 15 كلم من عاصمة الأهقار بإتجاهها، يستوقفك منبع «تاهبورت» الغازي، الذي ينبع بإنتظام من سفح جبل «أدرار نهقار» ليستذكر كل من يشرب منه مياه «موزاية» الغازية، ويقابلك على بعد أمتار جبل «إيهغن» أو البطاقة التعريفية للمنطقة، والمعروف عند العديد من الناس بجبل الهقار.
لتتواصل الرحلة من خلال طريق غير معبد، وبمرتفعات ومنحدرات تتخللها مشاهد في منتهى الجمال والروعة، مما يشد نظرك لأشكال جبلية مختلفة كجبل «أضوضا» التي تعني بلغة الإيموهاغ «الأصبع» لشكله الذي يشبه أصبع اليد، وكذا جبل «أهار» الذي يشبه شكله الأسد، في منظر تتجلى لك فيه قدرة الله عز وجل في رسمه للكون.
بعد تمتعك بهذه المناظر والمشاهد تستقبلك «الأسكرام» على إرتفاع يتجاوز 2000 متر عن سطح البحر، مكان يمكنك من مشاهدة مختلف الجبال، وأهمها سلسلة جبار «الأطاكور» المتضمنة لـ «طاهات» و»إيلامان» وغيرها.
رقعة مرتفعة تكاد تلامس فيها بيديك السحاب والغيوم، تكتشف فيها «دير» ومكتبة الراهب الفرنسي «شارل دوفوكو»، وتستمتع فيها برؤية غروب وشروق الشمس تختلف عما تشاهده في أي مكان من المعمورة.
غير بعيد عن هذا المسلك، يمكن للزائر أن يستمتع بعروض سياحية لزيارة العديد من المناطق الرطبة كشلالات «تمكرست» 60 كلم عن عاصمة الأهقار و»تانجت» 80 كلم، وصولا إلى مناطق رطبة غير بعيدة عنها ذات تصنيف عالمي.
«أفلال» و»إسقراسن» الطبيعة الخلاّبة بين الجبال
بين شعاب ومنحدرات إقليم سلسلة جبال «الأطاكور» الشامخة، تتوسطها رقعة مزينة بكل ألوان ومقومات الطبيعة الخلابة، قطعة تشع بالطمأنينة والسكينة وتنبض بالحياة، تفاجأ وتبهر زوار الجهة الشمالية الشرقية من عاصمة الأهقار.
منابع مائية طبيعية عذبة يجري مائها بين صخور أحد أشهر قمم السلاسل الجبلية بالوطن، خضرة ومنظر لا يمكن أن يتخيلها أو حتى يخطر على بال بشر بتواجدها بذلك المكان المحفوف بالمغامرة والمخاطر.
مناطق رطبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تختزل في وسطها التنوع البيولوجي بكل معانيه، أماكن يحبذ السياح زيارتها وهم في طريقهم لمختلف المناطق السياحية.
«أفلال» محمية طبيعية رطبة على بعد 60 كلم عن عاصمة الأهقار بإتجاه «أسكرام»، مصنفة سنة 2003 ضمن إتفاقية «رمسار» الدولية التي تعمل على الحفاظ والإستخدام المستدام للمناطق الرطبة.
وعلى بعد قرابة 300 كلم في الجهة الشرقية من عاصمة الأهقار، تتواجد المحمية الطبيعية «إسقراسن» مصنفة هي الأخرى سنة 2001 ضمن نفس الإتفاقية.
إسمها المشتق من كلمة «أغريس» بالإيموهاغ، التي تعني منطقة شديدة البرودة بحسب ما صرح به المدير الفرعي للحظيرة الثقافية الأهقار علالي إدريس «للشعب» في وقت سابق.
الزائر لمحمية «إسقراسن» على غرار «أفلال» ينبهر بتلك المرتفعات والجبال والصخور العملاقة والطرق الوعرة الجبلية، حتى يخيل له أن لا وجود لحياة أو طبيعة خضراء بين تلك الحجار الصماء.
فالوجهة لها على طريقين أحلاهما مر يستهويان عشاق المغامرة، كيف لا وهي تقع على مرتفع يفوق 1780 متر عن سطح البحر، وبالقرب من أعلى القمم الجبلية بالجزائر.
مرورك بقرية «هيرافوك» بإتجاهها يجعل هضبة «سيبري» وعشبها «أرماس رماس» يستقبلانك، ليرحب بك أحد المنعرجات الخطيرة والمرتفعة، المسمى «بجيوي « نسبة إلى أحد المواطنين الذي كانت سيارته «طويوطا» ضحية المنعرج لتبقى شاهدة إلى حد الأن على خطورة الوصول لها، إلى أن ترحب بك وتحتضنك مناظر الحياة ونبضها.
إنها «أقيف ملن» أو «التلة البيضاء»، التي تعد بوابة المحمية «إسقراسن» بمائها وخريره وأعشابها ونخيلها، وغير بعيد عنها «إيمغرا» التي تضم العديد من القلتات المائية الكبيرة والتي تبقى مجهولة للعديد حتى من زار «إسقراسن» بالرغم من كونها من الأماكن المشكلة للمحمية.
«الطاسيلي هقـار» إبداع الخالق في كونه
تعتبر «طاسيلي هقار» وما تتضمنه من مناطق سياحية مبهرة على غرار «تيبليس، يوف أغلال، أقلمام صميد، تينكشكير، تيهتان» وغيرها، وجهة لا يمكن للسائح أن يتجاهل إكتشافها، أين تمتزج الرمال الذهبية الصافية مع الصخور التي تفننت في نحتها العوامل الطبيعية، لتشكل بذلك مشاهد يعجز اللسان أو حتى الفكر عن تصورها مما يدعوك إلى التدبر في قدرة وإبداع المولى عز وجل في خلقه.
فتستقبلك صخور على شكل حيوانات كـ (المعز، القنفذ، الفيل) وأشكال هندسية وغيرها، يضاف لها العديد من النقوش الصخرية القديمة، مما أهلها لتكون من أهم وأكثر المسالك طلبا من السواح خاصة الأجانب.
رقعة جغرافية تمتزج فيها العديد من المناظر الفاتنة لزائرها، يزيد من جمالها التخييم بين كثبانها الرملية، وإطلالة نجوم سمائها في لياليها الهادئة الساحرة، ما جعل عشاق التصوير الليلي للمجرات والفلك زيارتها بإستمرار.
دار الصناعة التقليدية و«صورو المعلمين» لتوثيق الزيارة
ولأن السياحة لا بد لها من شقيقتها الصناعة التقليدية، فإن الزائر لتمنغست ومناطقها السياحية والإستمتاع بمناظرها، يختتم رحلته بأخذ تذكار أو هدية لمن يحب، يوثق من خلالها ويسجل في ذكرياته تلك الرحلة، بزيارة فضاء مفتوح للعديد من محلات الحرفيين بدار الصناعة التقليدية بوسط المدينة، أو حتى زيارة الحي الشعبي «صورو المعلمين» والوقوف على صناعة الحرف والعديد من الصناعة التقليدية، في مختلف الورشات الحامية لعرين الحرفة التقليدية المحلية الأصيلة، ما يجعل الزائر يعيش على المباشر كيف يتم تصنيع مختلف الحلي التقليدية التي تشتهر بها المنطقة ويشتري ما يشاء.
كما يمكن لعشاق النحت على الأحجار الكريمة زيارة المدرسة النموذجية لها، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة إحدى الوجهات المحبذة للمتعاملين السياح لتعريف الزوار بما تكتنزه المنطقة من أحجار كريمة وشبه كريمة.
تحقيق المخططات التوجيهية لتنمية السياحة الصحراوية
يؤكد البروفيسور سيف الدين تلي مدير مخبر رهانات الاستثمار والتنمية المستدامة في المناطق الحدودية بتمنغست، في حديثه لـ «الشعب» أن الحكومة الجزائرية سعت إلى جعل المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية المرجع الرئيسي للسياسة السياحية بالجزائر في آفاق 2025، وراهنت على استقبال 3 ملايين سائح في آفاق 2015 كما راهنت على استحداث 400.000 منصب شغل مباشر وغير مباشر.
ليصل العدد إلى الضعف بحلول سنة 2025، إلا أن نتائج المرحلة الأولى من هذا المخطط كانت بعيدة عما هو مخطط، والأرقام المحققة حاليا بعيدة عن الأرقام المسطرة، مما يجعل من عملية التقييم والتقويم أمرا حتميا، من خلال اعتماد مخططات استثمار تتصف بالشمول والتفصيل تعمل على تقديم قائمة بالفرص الاستثمارية الواعدة موزعة قطاعيا وجغرافيا، وتحليل وعرض بيئة الأعمال وإبراز مقومات ومحفزات الاستثمار والميزة النسبية في كل منطقة، وتوفير كافة البيانات والمعلومات اللازمة للمستثمر المحلي والأجنبي.
فالسياحة المحلية يضيف المتحدث، من القطاعات المهمة في الجزائر لما تملكه هذه الأخيرة من ثروات طبيعية، وموقع جغرافي استراتيجي، ومقوّمات سياحية ضخمة تؤهلها بأن تكون وجهة سياحية مستقطبة للسياح من كل أنحاء العالم، ومساهمة فعّالة في زيادة الدخل القومي بفضل الارتفاع المستمر لإيراداتها المتولدة عنها، واستحداث مناصب عمل لدى شريحة واسعة من المهمشين، من خلال وضع المخطط التوجيهي للتنمية السياحية آفاق 2030 (SDAT) مرجعا لسياسة جديد تبنتها الدولة الجزائرية ويعد جزءا من المخطط الوطني لتهيئة الإقليم في آفاق 2030(SNAT)
فهو المرآة التي تعكس لنا مبتغي الدولة فيما يخص التنمية المستدامة وذلك من أجل تحقيق توازن ثلاثي يشمل الرقي الاجتماعي والفعالية الاقتصادية والاستدامة البيئية.
فالسياحة الصحراوية، يقول المتحدث تمتلك مقوّمات هائلة خاصة في المناطق الصحراوية كالأهقار، من حيث المساحة الشاسعة والحضائر الموجودة بها، وكذا التراث والصناعات التقليدية والحرفية التي تزخر بها، وللعمل على تهيئة السياحة الصحراوية وتنميتها بشكل مستدام تم وضع استراتيجيات طويلة الأجل كإنجاز مختلف الهياكل الضرورية لذلك من فنادق وقرى سياحية، إنشاء مؤسسات مسؤولة عن تنمية السياحة الصحراوية، ولكن توجد بعض العراقيل التي تحول دون تحقيق هذه البرامج كتردد القطاع الخاص في الاستثمار، وتعقيدات التسيير الإداري والمشاكل التمويلية التي تواجه تنفيذ المشاريع المختلفة، مما يفرض على الدولة معالجة هذه العراقيل بشكل فعال وتوفير كل السبل الضرورية لتنفيذ هذه البرامج على أكمل وجه.
خاصة وأن الدولة الجزائرية أعلنت عن اعتماد إستراتيجية وطنية لدعم السياحة الصحراوية وفق مقاربة أكثر مهنية لجهة قطاع الفنادق، تتناسب مع طبيعة وخصوصيات المناطق الصحراوية، والشروع في إعادة الاعتبار للبنى التحتية السياحية في الولايات الجنوبية، والتي تضررت خلال الأزمة الأمنية بفعل تراجع عدد السياح الأجانب وعدم اهتمام الدولة بصيانة الفنادق. ومع ذلك لا يزال نصيب السياحة الصحراوية بعيد عن مستوى نظيراتها في الشمال والشرق والوسط من حيث الكم وهذا رغم أن شساعة الصحراء الجزائرية يجعل كل قطب من أقطابها ينفرد بمقومات جذب سياحية خاصة بها، فالتنوّع في المنتجات السياحية الصحراوية عامل تنافسي تمتاز به الجزائر دون أن ننسى الطابع الساحر والممزوج بأصالة التقاليد والثقافات لهذه المناطق.
ليخلص الدكتور سيف الدين تلي، بأن السياحة الصحراوية ليست مهمة أحادية الجانب بمعنى أنها مهمة وزارة السياحة فقط، وإنما مهمة وطنية لمجموعة الوزارات والمؤسسات التي تشكل حلقات متكاملة تعمل جميعا في إطار تنمية السياحة الصحراوية وتسويقها لزيادة استثماراتها للوصول بها إلى قطاع يلعب دور فعال في جلب الثروة والعملة الصعبة للوطن خارج قطاع المحروقات.
كما تشهد السياحة الصحراوية في الجزائر، يقول سيف الدين تلي في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا لا سيما بعد تحسن الوضع الأمني الداخلي إلا ان هذه النتائج المحققة تبقى بعيدة كل البعد عن التطلعات، حيث هناك عوامل تؤول دون تحقيق هذا القطاع للقفزة النوعية المرجوة على غرار نقص الاستثمارات والهياكل.
البروفيسور حكيم بن جروة: الجنوب الكبير.. ركيزة هامّة لتطوير القطاع السياحي
يعتبر البروفيسور حكيم بن جروة أن للسياحة في الجزائر مفارقات كبيرة، بحيث يعود ذلك للإمكانيات والمناظر الطبيعية الجميلة والخلابة والمتنوّعة على حد سواء، لاسيما وأنها تحتوي على العديد من الفرص الاستثمارية السياحية المتاحة على جميع الأصعدة وعلى جميع الأنواع والأنماط المختلفة للسياحة.
لعلّ من أبرز فرص التطوّر في هذا القطاع الحساس والمهم والذي تحرص الجزائر على الاهتمام به، هو اللّجوء إلى استغلال المقوّمات والقدرات والإمكانيات السياحية ذات الطابع الصحراوي، فالسياحة الصحراوية على العموم تعتبر الملاذ الحقيقي للجزائر المساعد على ترقية وتطوير النشاط والقطاع السياحي كما ذكر البروفيسور بن جروة.
وأكد المتحدث أن «السياحة الصحراوية تعتبر بوابة ومستقبل صناعة السياحة لأي منطقة أو دولة تريد الرقي بمقوماتها وإمكانياتها الصحراوية، وذلك لما تحتويه الصحراء من كنوز جيولوجية وتكوينات جغرافية وحفريات تسجل حياة البشر عبر الأزمان فهي مرآة عاكسة لصورة الحياة فيها، إضافة إلى أن الصحراء عامة لها جاذبية مميزة وخاصة، لاسيما عند الفئات المحبة لمثل هذا النوع من السياحة».
كما قال البروفيسور حكيم بن جروة أنه وقبل الحديث عن واقع السياحة الصحراوية وما حققته من إنجازات، وجب أولا الإشارة إلى أن السياحة الصحراوية تشير إلى كل إقامة سياحية تتم في محيط صحراوي يقوم على استغلال واستخدام مختلف القدرات الطبيعية التاريخية والثقافية، مرفقة بأنشطة تساعد في تحقيق نوع من الترفيه والتسلية والاستكشاف، على أن تشمل مختلف النشاطات الخاصة بزيارة الواحات والأماكن التاريخية والأثرية والثقافية في ذات المنطقة الصحراوية.
وأشار في السياق «وبالحديث عن السياحة الصحراوية بالجزائر وجب التذكير بأن صحراء الجزائر تعد ثاني أكبر صحراء في العالم، وذلك لشاسعتها فهي تحتل ما نسبته 75% من مساحة الجزائر، حيث تقارب مساحتها 2 مليون متر مربع وتحتوي على تراث طبيعي وثقافي وتاريخي غني ومتنوع.
وهي جوهر المنتوج السياحي الجزائري، وهي تتربع على مجموعة من الأقطاب تقع في كل من الجنوب الشرقي والجنوب الغربي والجنوب الكبير، وهي تتميز بتوفر مجموعة من الإمكانيات والمقومات التي تجعل منها وجهة ومقصدا سياحيا بامتياز، سواء من داخل أو خارج القطر الوطني وهذا لما تحتويه من جمال طبيعي خلاب وأسرار تحاكي حياة البشر عبر عصور التاريخ».
وأضاف هنا بأن المناطق الصحراوية في الجزائر تحتوي على 05 حظائر ثقافية مصنفة، وهي حظيرة الطاسيلي في ولاية إيليزي، الهقار في ولاية تمنراست، وادي ميزاب في ولاية غرداية والحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي في حظيرة توات، قورارة، تيديكلت، فمن المقومات الطبيعية التي تتميز بها الأقطاب السياحية الصحراوية هو سيادة مناخ موحد من النوع القاري الصحراوي الذي يتميز بالبرودة شتاءً والحرارة صيفا، مع قلة الأمطار والرياح والعواصف الموسمية، بينما الموقع فهو يتربع بحسب كل قطب سياحي صحراوي بموقع يميزه عن غيره، إلا أن غالب ما يميزه هو وجود مناطق جيولوجية كالعرق، الهضبة والكثبان الرملية والأراضي الحجرية والأودية كوادي ريغ ووادي ميزاب وواد ميه، إضافة للآبار والفقارات والسدود .. إلخ.
ومن المقوّمات الثقافية هناك العديد من العادات والتقاليد متجسدة في مختلف الحرف والصناعات التقليدية من نسيج للزرابي والملابس التقليدية الأكلات التقليدية والأعياد والمهرجانات المحلية كعيد التمور، الفانتازيا، الوعدات، عيد تافيست … إلخ.
وعن المقوّمات الأثرية والتاريخية فهي تتميز بتواجد تراث تاريخي روماني عربي وإسلامي كما ذكر، إضافة للعديد من القصور العتيقة كقصر بوقاريس، موغول … إلخ، وأيضا النقوش الصخرية والمصنفة عالميا من طرف منظمة اليونسكو عام 1981م.
وبالنسبة لأهمية السياحة الصحراوية، فهي تستمد أهميتها من أهمية السياحة بصورة عامة بحسبه، وذلك كونها تعد قطاعا يؤثر في التنمية الاقتصادية، عبر الحرص على التقليص من نسبة البطالة من خلال تشغيل اليد العاملة في خدمات الإيواء والإطعام والنقل والأمن والدليل السياحي المدرب، مما يسهم في زيادة الدخل الوطني الإجمالي، إضافة إلى أنها تسهم في جذب السائح بشقّيه المحلي والأجنبي، وذلك نظير ما تحتويه الصحراء عموما من جمال وكنوز جيولوجية، وعليه فهي بمثابة العامل المهم والحاسم في نمو الاقتصاد نتيجة توفير فرص العمل، والحصول على النقد الأجنبي المساهم في توفير النقد المحلي للخزينة العمومية، والمساهم في الإنفاق على عدة مجالات ذات النفع العام، ناهيك عن انعكاسها على المجتمع، سواء جغرافيا أو ديموغرافيا عبر سلوكيات وعلاقات المجتمع مع بعضهم البعض لاسيما الثقافية منها.
وكشف محدثنا أن جل المناطق السياحية الصحراوية تحقق إقبالا كبيرا من حيث عدد الوافدين لها، سواء محليين أو دوليين، وهي سياحة نشطة على مدار السنة وعبر جميع الفصول، إلا أن ذروتها تكون في نهاية السنة، أين يزيد الإقبال على السياحة الصحراوية، لاسيما في منطقة الطاسيلي والأسكرام أين يوجد أفضل وأروع غروب للشمس.
وبالتطرق إلى أهمية تعزيز إمكانيات السياحة الصحراوية، اعتبر البروفيسور حكيم بن جروة أن ذلك لا يأتي إلا بتضافر جهود الجميع من هيئات وصية وأهل المنطقة والمجتمع ككل، ولن يتم إلا بحسن استغلال وسائل وأدوات الترويج السياحي، عبر استخدام الإعلانات والملصقات والبرامج التعريفية بكل منطقة سياحية، إضافة إلى استخدام الأدوات والوسائل الحديثة المتماشية مع الوقت الحالي، كاستخدام الوسائط الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي واللجوء إلى ما يعرف بالتسويق للمحتوى وتقنياته الحديثة المساهمة في التعريف أكثر بالوجهات والمقاصد السياحية الصحراوية وغيرها من الأدوات الحديثة.