احتضت كلية الآداب واللغات، بقسم اللغة بجامعة البليدة 2 لونيسي علي، فعاليات الملتقى الوطني الموسوم بـ«التجريب في النص الأدبي الجزائري المعاصر”، شارك فيه ثلة من الأستاذة والباحثين.
يسعى هذا الملتقى – حسب القائمين عليه – إلى البحث في قضية التجريب في الأدب الجزائري المعاصر، من خلال معالجة عدة إشكاليات تتمثل في التجريب وعلاقته بالأدب، ومدى انفتاح النص الأدبي الجزائري على التجريب الفني، إلى جانب تقنيات التجريب في الأدب الجزائري رواية وقصة وشعرا.
وتهدف هذه التظاهرة العلمية، إلى إبراز مواطن “التجريب في الأدب الجزائري”، والتميز بينه وبين النص الأدبي الكلاسيكي، والتعريف بالأسماء الجزائرية الأدبية التي طوّرت من بنية النص الأدبي.
تناول الملتقى العديد من المحاور أبرزها تحديد مفاهيمي للتجريب والتجريب الأدبي، والأدب الجزائري بين التأصيل والتجريب، وكذا تقنيات التجريب في الرواية الجزائرية المعاصرة، وتقنيات التجريب في القصة الجزائرية المعاصرة، بالإضافة إلى محور حول عناصر التجريب في الشعر الجزائري المعاصر.
حيث أشار الدكتور فاتح علاق في مداخلته المعنونة بـ«أشكال التجريب وإبعاده الدلالية في الشعر الجزائري المعاصر”، إلى أن التجريب في الشعر الجزائري المعاصر يمس مستويات الخطاب الشعري جميعا، وقال إن التجريب يشمل جملة من التناوبات بين البحور في النص الشعري الواحد، وخاصة تلك البحور المتجانسة أو المتقاربة.
وأوضح علاق، أن الاهتمام بالتجريب في الشعر الجزائري المعاصر بدأ في مرحلة التسعينيات، أي مع مرحلة الأزمة التي عاشتها الجزائر.
ولفت الشاعر في السياق ذاته، إلى أن الرواد الذين كتبوا في مرحة السبعينيات قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية، كان التجريب عندهم في الحقيقة في بداياته، كما ذكر المتحدث، أن شعراء الثمانينيات حاولوا أن يعودوا إلى النص وإلى الذات، لأن ذلك عنصر أساسي في بناء النص جماليا وفنيا، ومن ثمّ استطاع بعض هؤلاء الشعراء أن يجربوا جملة من التقنيات الفنية في هذا المجال.
وأكد فاتح علاق، أن فترة التسعينات كانت مرحلة مهمة جدا، لأنه تمّ التركيز على القصيدة من حيث أنها بناء ومن حيث أنها نظام، مستشهدا بما لاحظه في بعض التجارب التي نشرت في تلك الفترة مثل تجربة الشاعر محمد قرصاص، وعبد القادر رابحي، وبعض النصوص التي كتبها عبد الله العشي.
وقال إن هذا التجريب، كان يمسّ الجانب الايقاعي كما أنه كان يمسّ التلاحم بين الأجناس، “فالشعر كثيرا ما يستفيد من القصة القصيرة ولكنه يتصرّف في صناعة أو بناء سرد شعري له مواصفاته الخاصة، التي تقوم على الإيقاع والكثافة والحذف والاختزال، ومن ثمّة فهو عندما يستعمل الشخصية لا يستعملها بطريقة القصة القصيرة وإنما بطريقة رمزية يضيف المتحدث-”
كما أشار الشاعر فاتح علاق، إلى أن ما لاحظه أيضا هو التعدّد الصوتي فكثيرا ما نجد في النص الواحد، تعدد للأصوات يرافقه تغير على مستوى الإيقاع.
من جهته تحدث الدكتور رشيد كراد عن مسألة التجريب والأجناس، وأكد أن الأجناس الأدبية تستمر في علاقة دياليكتيكية مع الواقع في مرحلته التاريخية، منطلقا من مقولة أن الأدب بشكل عام هو استجابة جمالية لواقع تاريخي اجتماعي محدد، بمعنى أن كل مرحلة تاريخية من عمر المجتمعات تفرز سلما من القيم وتتميز بمجموعة من الخصائص. وما الأدب بحسب الاستاذ كراد – إلا استجابة جمالية وهذه الأخيرة تكون عن طريق اللغة، لذلك الواقع في مرحلته التاريخية، ولهذا فإن الجنس يستمر.
وذكر كراد، أن هناك مجموعة من العواملة الأساسية أو الممكنات التي تقف وراء التجريب لدى كل كاتب، فكل كاتب ـ بحسبه – يحمل رؤية للعالم، وكل كاتب يمتلك هوية ثقافية، كما أن لكل كاتب رؤية استشرافية للمستقبل، لكن كل كاتب لا يعيش في حالة توافقية مع الواقع وإنما يعيش في حالة صدامية مع الواقع، وهذه الحالة الصدامية هي التي تجعل من رؤيته تتطوّر وتكتسب تجربة وعمقا مع الزمن، “وبالتالي فإن الكتابة لا يمكن أن تبقى على خطية واحدة مستمرة مادام أن رؤيته تتطور في علاقة دياليكتيكية مع ذلك الواقع”، يقول رشيد كراد.
وفي حديثها عن الرواية العجائبية، أبرزت الدكتورة رجاء منصور في مداخلتها الموسومة بـ«الفانتاستيك مقاربة عتبات التجربة من خلال الإتيان بالعجيب”، أن ظهور هذا النوع من الرواية راجع إلى أمرين، هما أن الرواية أصبحت تميل نوعا ما إلى الكلاسيكية المباشرة أي استخدام السطحية والاغراق في ما يسمى بالواقعية النقدية، أدى إلى هروب القراء رويدا رويدا من فن الرواية، مستشهدة بقول ميشيل زيرافا أن “انفصال الرواية عن الأسطورة قد أضر بها كثيرا”.
وأوضحت ذات المتحدثة في السياق ذاته، أنه عندما كان فن القصص مرتبط بفن الأسطورة الذي هو أول باب من أبواب العجائبية في الساحة الأدبية، كان للرواية جمالية جذب القراء، مشيرة إلى أن ميشيل زيرافا قدم مثالا على ذلك ببعض الأعمال الخالدة لأنه – حسب اعتقاده – ما خلد هذه الروايات هو لجوئها إلى الفانتاستيك واستعمال العجيب والغريب، وأشهر مثال على ذلك ما أسماه بالملحمة أو الاوديسة أو الاليادة، تقول رجاء بن منصور.
والسبب الثاني – تضيف المتحدثة- الظروف المحيطة بالكتاب والقراء، ففي المرحلة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، حين كان الواقع مليئا بالحروب والدمار والجهل والموت، اتجه القراء والكتاب إلى البحث عن عوالم ليست كالعالم الذي يعيشون فيه، بمعنى أن القارئ أصبح يصبو لشيء يجعله يهرب وينفصل عن ذلك الدمار الذي كان يعيش فيه، فبدأ الكتاب يكتبون روايات تصور عوالم ليست كالعوالم، ويحاولون ذلك الإنسان المهمش إلى عوالم أخرى لا يوجد فيها قتل ولا دمار”.
بدورها لفتت جميلة قوجيل في مداخلتها “الرواية الجزائرية اليوم دواعي التجريب وضوابطه” إلى أن الرواية تواكب التطورات الكبرى السياسية والاجتماعية، باعتبارها جنسا يقوم على الانفتاح، لذلك وجد الروائي الجزائري نفسه أمام ضرورة البحث عن آليات جديدة وطرق مستحدثة، قائلة إن “رهان التجديد مهم لمواكبة الرواية العالمية والأحداث الكبرى”.
وتساءلت الدكتورة، الآن بعد طوفان الأقصى والعالم يطلق هاشتاق “أطفال شمال غزة يموتون جوعا”، ومع هذه الإبادة بكل الطرق والوسائل للشعب الفلسطيني.. ما الذي ستقدمه الرواية للقارئ؟.. وما رهانات هذا الكاتب لكي ينقل هذا الكم الكبير من الوجع.. هل الكتابة كافية لنقله؟.