تطرق باحثون في ندوة تاريخية بعنوان “ملحمة شعب صنع تاريخ أمة”، نظمت اليوم الثلاثاء، بالمجلس الإسلامي الأعلى، الى رمزية الذكرى ال62 لإسترجاع السيادة الوطنية، وأكدوا على المرجعية الدينية للجزائريين، التي قادتهم للجهاد وتحرير بلادهم من الإستعمار.
أبرز المجاهد والوزير الأسبق ورئيس المجلس الاسلامي الأعلى، أبو عبد الله غلام الله، صدق جهاد الجزائريين في نضالهم ضد الإستعمار الفرنسي، مرتكزين على عقيدتهم الإسلامية وإيمانهم بأن النصر من عند الله.
وقال رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، “أن ذكرى استرجاع السيادة الوطنية ينبغي ان تبقى صفحة منيرة وقوة مضيئة في جهادها وإيمانها وإخلاصها ووحدتها في قلوب الجزائريين، والجيل الحالي من الشباب ومن سيخلقهم فيما بعد”.
وأعطى غلام الله، مثالا بالشيخ السنوسي، أحد أعلام الجزائر ، الذي وحد الجزائريين وكتبه تدرس في مختلف الدول العربية والاسلامية.
وأشار رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، الى مستشرقين عبر الجامعات الغربية، الذين تعاهدوا على تشويه الإسلام ببث أفكار مسمومة لا تمت بصلة لديننا الحنيف، ويسعون لتشويه ديننا.
وأكد غلام الله، ان أغلبية الجزائريين متمسكين بعقيدتهم ومذاهبهم المالكية والحنفية والإباضية ويتعايشون في أخوة وسلام يتبعون سنة رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم.
ا
لسيادة الرقمية أكبر تحدي
من جهته، قال مدير المتحف الوطني للمجاهد، البروفيسور إلياس نايت قاسي، ان إحياء ذكرى استرجاع السيادة الوطنية هو تجديد العهد مع الذين ضحوا عبر فجر التاريخ”.
وأضاف: ” الجزائري عبر التاريخ كان متحضرا ومسالما وصانعا للحضارة ومتفتحا على مختلف الثقافات والحضارات، لكن في 1830 أخذنا على حين غرة واستعمرنا “.
وأشار مدير المتحف الوطني للمجاهد، الى ان ذكرى الإستقلال تجعلنا نستخلص الدروس من رجال ونساء، ضحوا من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
وقال أيضا ان الجزائر دولة تقود ولا تقاد، منبها الى خطر حروب الذاكرة في عالم الرقمنة، وفي هذا الصدد أبرز أهمية السيادة الرقمية في الحفاظ على ذاكرة الأمة وإيصال قيم الثورة التحريرية لهذا الجيل، وقال ان التحدي الأكبر هو السيادة الرقمية.
واشار المتحدث الى من يدعو الى القطيعة مع جيل نوفمبر ويراهن على غيابه، لكن -يقول- هيهات ففي كل بيت جزائري هناك العربي بن مهيدي، مصطغى بن بولعيد، محمد يلوزداد، كريم بلقاسم، زيغود يوسف، وغيرهم.
النصر صنعه رجال آمنوا بالجزائرق
وقدم الدكتور علال بيتور، عضو المجلس العلمي للمركز الوطني للدراسات والبحث في المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة اول نوفمبر 1954، في مداخلته قراءة في الدلالات الرمزية للخامس من جويلية 1962، قائلا “أن النصر صنعه رجال آمنوا بالجزائر من لا شئ، لأن الإستعمار الفرنسي البغيض أسقط الجزائر التي كانت رائدة في البحر المتوسط، تدفع لها السفن الأوروبية الإتاوات كي يسمح لها بالمرور بسواحلها، وأسقطت المقاومات الشعبية ودمرت المنظومة التربوية والثقافية والفكرية وكل المؤسسات من زوايا وكتاتيب، وحولت المساجد الى اصطبلات وثكنات عسكرية، لمحو الهوية والإنتماء العربي الإسلامي للجزائريين.”.
وأضاف المؤرخ: ” بقي ان الإيمان في نفوس الجزائريين وعقيدتهم التوحيدية والثبات وتحمل المسؤولية بصدق الجزائريين هو الذي أعاد بناء المقاومة السياسية الجزائرية”.
في هذا الصدد، اعطى الدكتور بيتور، مثالا بالأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، الذي غادر المدرسة العسكرية الفرنسية وأسس جمعية الأخوة الجزائرية، لدعوة الجزائريين لمقاومة الاحتلال الفرنسي، وراسل الرئيس الأمريكي انذاك يطلب حقوق الجزائريين، حيث إلتف حوله شباب أصبحوا يطالبون باستقلال الجزائر على رأسهم أب الحركة الوطنية مصالي الحاج، وتطور نضالهم الى غاية تأسيس المنظمة الخاصة وتفجير ثورة نوفمبر التي توجت باسترجاع السيادة الوطنية.
وأبرز المحاضر، دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلى رأسهم العلامة الشبخ عبد الحميد بن باديس، في إعادة بناء المشروع الوحدوي الثقافي وتصفية العقيدة الإسلامية من البدع والخرافات التي زرعتها بعض الطرق الصوفية المنحرفة عن تعاليم الإسلام.
وأشار الدكتور بيتور، الى ” أنه لكل زمن رجال زمن التحرير كان له رجال والبناء له رجال”.
وأكد أن الجزائريون يملكون كل المقومات وعلى رأسها ذاكرة موحدة سليمة لإجراء الوثبة الثانية وهي بناء دولة قوية جديدة، في السنوات القليلة القادمة ستكون الجزائر قوية اقتصاديا وسياسيا وعلميا”، أضاف المحاضر.
ميزاب: نحن دولة تنهل من رصيدها الثوري
وتطرق الدكتور أحمد ميزاب، خبير في الشؤون الإستيراتيجية، في مداخلة بعنوان ” الحفاظ على ذاكرة الجزائر من أولويات عمليات البناء الوطني”، الى البعد الإستيراتيجي في عملية البناء الوطني، وقال “62 سنة بعد الإستقلال تاريخنا يضرب في عمق التاريخ والشواهد موجودة في كل ركن من بلادنا، ورغم مخططات التدمير لمسح حضارتنا، إلا ان الجزائريون رفعوا التحدي بعد استرجاع السيادة الوطنية وخاضوا معركة لا تقل أهمية عن معركة التحرير وحملوا رسالة الشهداء، حيث كان التحدي أكبر في بناء الإقتصاد والتعليم ومنظومة صحية.”
وأبرز: “علينا ان نقف أمام هذه المحطات بتمعن لعظمة هذا البلد، الذي لم يتوقف على إنجاب الرجال وصناعة التاريخ، بل في كل المحطات مستمر في تحقيق ذلك، وما أشبه الأمس باليوم من حيث التضحية والعطاء”.
وأضاف الخبير في الشؤون الخارجية: ” أثبتنا أننا أمة تنهل من رصيدها وترسم من خلال هذا الرصيد ملامح الدولة لاننا لسنا أمة جاحدة أو تتناسى وإنما أمة تعود الى رصيدها لتستطيع التقدم بكل قوة وعزم”.
وقال: “ما زلنا نواجه كل المخططات بروح نوفمبر وبروح الشهداء، و ان المعركة معركة الأجيال، ما عجز عنه المستدمر في الماضي ما يزال يسعى لتحقيقه من خلال استعمار العقول، وتشويه رموزنا ومحاولة ضرب سلامتنا الترابية واقتصادنا واذكاء نار الفتن من خلال الظاهرة الإرهابية، فكان صوت موحد من خلال تاريخنا وأمجادنا خط أحمر”.
وأشاد الدكتور ميزاب، بالعودة القوية لدبلوماسيتنا، التي نجحت في الوساطة وتسوية العديد من الصراعات والقضايا.
وقال : ا.طستقرارنا كان صمام أمان لجوارنا، خطونا خطوات لا ينكرها جاحد منذ الإستقلال، سنظل قلعة للأحرار وقبلة للثوار المناصرين للحق”.
وأكد اننا نمتلك مقومات النهوض والريادة، وقوتنا في وحدتنا وأنه يجب ان نتحد للسير قدما”،
وبهذه المناسبة كرم الأساتذة المحاضرون ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى بوعبد الله غلام الله.