تجارب رائعة لنساء وشابات صينيات رفعن سقف الطموح، وبشجاعة كبيرة انطلقن لتحقيق أحلامهن، ورغم أن الطريق طويل، والوصول إلى الجزائر دفعهن لقطع رحلة بعيدة عن أسرهن وبلدهن، إلا أن حب العمل وهاجس النجاح كان دافعا قويا للمغامرة الجميلة، فاندمجن في مجتمع جديد واكتشفن سحر الجزائر بعادات وتقاليد جديدة وآسرة، وتذوقن طعم متعة وفرحة المساهمة في إنجاز مشاريع حيوية، وتواصلن بإصرار شقّ تحديات بناء المشاريع على طول “الحزام والطريق” بهمة ونشاط.
فضيلة بودريش
البداية مع تشانغ ين لين، وتعمل في قسم إمدادات المياه والصرف الصحي في فرع الميكانيكي والكهربائي لشركة (CSCEC الجزائر). وبمجرد انضمامها إلى الشركة، توجهت للعمل في مشروع جامع الجزائر، ثالث أكبر مسجد في العالم. خلال السنوات السبع التي قضتها بالجزائر، شهدت بأم عينيها عملية إنشاء هذا الصرح. وقالت في هذا الصدد: “تساوي مدة العمل التي قضيتها في هذا المشروع سنوات دراستي الثانوية والجامعية في بلدي الصين”. كما لخصت تشانغ ين لين بهدوء تجربة الصمود والاحتراق التي سمحت لها بالنمو السريع.
بلد آمن ومليء بفرص العمل والاستثمار نعيش متعة الطبيعة وفرحة إنجاز المشاريع
علما أنه عندما وصلت تشانغ ين لين لأول مرة إلى موقع بناء مشروع جامع الجزائر في عام 2012، كانت القبة الدائرية لا تزال في مرحلة البناء المدني وحفر التأسيسات. واعترفت في هذا المقام: “في البداية، كنت مسؤولة عن تصميم الدفع المسبق لقاعة الصلاة، كنت مسؤولة عن تصميم وتنسيق إمدادات المياه والصرف الصحي للمبنى بأكمله في المرحلة اللاحقة”.
سبع سنوات من الخبرة إذن، سمحت لتشانغ ين لين، أن تنمو من “عاملة صغيرة” إلى مديرة مستقلة ولم تخف بقولها: “هذا الجامع هو أول مشروع أشارك في بنائه في حياتي، وعلى الرغم من صعوبته، إلا أنه يستحق الكثير من العناء”، استخدمت تشانغ ين لين “روحها العنيدة” لتصبح مهندسة في نفس دفعة التخرج والمشاركة في بناء مشروع الجامع الضخم والتحفة المعمارية الخالدة.
يذكر أنه تبلغ مساحة جامع الجزائر بعد تشييده 400 ألف متر مربع، ويطلّ على المحور المركزي للعاصمة الجزائر، وهو أطول وأكبر مجمع معماري في أفريقيا، يتسع لـ 36 ألف مصل، وترى بانبهار أنه عندما تشرق شمس الصباح يظهر مشهد جميل مكون من 12 مبنى، يضم مآذن وقاعة للصلاة ومعهدا إسلاميا ومكتبة ومركزا ثقافيا وغيره من المنشآت. وكلما رأت تشانغ ين لين التحفة المعمارية أو الجامع هادئا مهيبا تحت ضوء الشمس في الصباح الباكر، تشعر بمزيج من المشاعر الرائعة في داخلها. بينما لن تنسى تشانغ ين لين أبدا السنوات التي قضتها في بناء جامع الجزائر.
الاحترام والصدق مع الآخر
وبالموازاة مع ذلك تعتبر وانغ شوي يان تجربة المشاركة في بناء مشروع الطريق السريع الذي يبلغ طوله 48 كيلومترا، الرابط بين ولاية تيبازة والعاصمة الجزائر ككنز ثمين.
من جهتها تتولى وانغ شوي يان بشكل رئيسي مسؤولية الترجمة الفورية للاجتماعات والمحادثات المختلفة، والترجمة التحريرية للوثائق المهمة، بصفتها مترجمةً رئيسية للمشروع. بالإضافة إلى ذلك، فهي مسؤولة أيضا عن الاتصال الخارجي مع الشريك الجزائري وبالتحديد الجهات المختصة المحلية، وخاصة الحفاظ على العلاقات وتنسيقها مع جميع الأطراف. وقالت وانغ شوي يان، إن أهم شيء في تطوير العلاقات الخارجية يتمثل في إظهار الاحترام والصدق الكافيين للطرف الآخر.
وتحدثت قائلة: “ينبغي أن تكون الترجمة في عملية التواصل محترمة بالقدر الكافي للطرف الآخر. إضافة إلى ذلك، في حالة تنظيم حفلات زفاف أو جنائز لأحد أفراد الشركاء الجزائريين، فإنه يتوجب احترام العادات المحلية الجزائرية، وإرسال التهاني أو العزاء عن طريق الاتصال عبر الهاتف أو إرسال الرسائل النصية” وقالت وانغ شوي يان كذلك، أنه وفي بعض الأحيان، عند مقابلتها لأشخاص يطلبون المساعدة الطبية من الفريق الطبي الصيني، فإنها تبادر على الفور بالتواصل معهم، بل وقد تمضي معهم نصف اليوم تقريبا لمساعدتهم على التواصل مع الأطباء الصينيين.
وأكدت وانغ، أن الطريق مبني بشكل جيد للغاية وترى أن السلطات المحلية للولاية وممثلين وزارة الأشغال العمومية راضون جدا عن إنجازهم للمشروع، وقالت وانغ شوي يان، إن بناء الطريق السريع الذي يبلغ طوله 48 كيلومترا، يهدف إلى حل مشكلة الازدحام بين العاصمة الجزائر وولاية تيبازة السياحية المهمة، وفكت خناق الازدحام، وعقب فتح هذا الطريق السريع، تمّ اختصار مدة الرحلة التي كانت تستغرق ساعتين إلى 40 دقيقة، مما سهل بشكل كبير تنقل سكان هذه المدينة.
وما لا يمكن لوانغ شوي يان نسيانه أبدا، مشهد الطريق السريع المفتوح أمام حركة المرور. وأفادت أنه كان هناك الكثير من السكان المحليين الذين شاهدوا الحدث، وقالت بحماس في شهادتها: “يمكنك أن تدرك فرحة السكان وهم يرتدون الملابس التقليدية ويحتفون بركوب الخيول، وكان هناك أيضا احتفالا بإطلاق النار في الهواء”. في ذلك الوقت، وقفت وانغ شوي يان وسط الحشد، وشاهدت بأم عينيها مراسم قص الشريط عند طرف الجسر ثم دخلت السيارات العامة على الفور إلى الطريق، وكانت السيارات ذات الألوان الزاهية مثل أسراب السمك تسبح، وكان المشهد مهيبا، وروت فرحة إنجاز المشروع وتقاسمت ذلك مع الجزائريين في ولاية تيبازة، في أجواء رائعة لا تتكرر.
العمل واعـد وآمن
إنها واحدة من مديرات الأقسام القلائل في الشركة، لي جينغ، تعمل نائبة مدير قسم إدارة الموارد البشرية، بنشاط على تعزيز توظيف النساء الجزائريات في تطوير الأعمال الدولية لشركة CSCEC حيث يبلغ عدد عامليها نحو 17721 عاملا بالإضافة إلى الإداريين، من بينهم 350 موظفة. وفي عام 2015، بدأت الشركة في تطوير استراتيجية التوسيع، وقامت بتوظيف العديد من النساء الجزائريات للمشاركة في تطوير الشركة وإدارتها”،
وفي طريقة لاستقطاب عاملات جزائريات لتعزيز فريق العمل في شركة CSCEC أقنعتهن أن العمل معهم واعد وآمن. وتشهد بأنهن تطورن بعد ذلك بشكل أفضل وزادت ثقتهن في شركة CSCEC ، بل ودعمت أفكارهن في الدراسة في الخارج والاستمرار في التطور بشكل مستقل.
ذكريات رائعة
أما باي لو البالغة من العمر 27 عاما، هي مهندسة متعاقدة مع شركة CSCEC في مشروع تجديد فندق شيراتون في وهران، ثاني أكبر مدينة جزائرية، وكانت مسؤولة عن الأعمال التجارية التعاقدية أثناء عملية تنفيذ المشروع. وبمجرد تخرجها من الجامعة، انضمت باي لو إلى شركة (CSCEC الجزائر). على الرغم من كونها الأصغر في الفريق، فقد أمضت بالفعل 5 سنوات كاملة في الشركة.
وعن تجربتها المختلفة التي تعتز بها قالت: “هذه الوظيفة منحت لي تجربة الاستمتاع بعادات وتقاليد جميلة وأصيلة لأكبر بلد في إفريقيا وفوق ذلك وفرت أيضا تدريبا حول اللغة الفرنسية لمدة ثلاثة أشهر. وأشارت بأنها كانت متحمسة للغاية للسفر إلى الجزائر، علما أنه مسقط رأس باي لو، يقع في بلدة دانتشاي في ولاية تشياندونغنان.
بينما حلقت تشانغ ين لين، من دون تردد إلى الجزائر، وهي تحمل فكرة أنه “يجب على الشباب المغامرة بشجاعة”. وكان يوم 24 سبتمبر 2012، اليوم الذي انضمت فيه إلى الشركة، ولا تزال تشانغ ين لين تتذكره بحماس. وهي الآن في الثلاثينيات من عمرها، ولا تزال تتذكر الدافع لمجيئها إلى الجزائر الواقعة في القارة الإفريقية، وقالت من دون تردد “المناخ هنا يشبه المناخ في مسقط رأسي في مدينة تنغتشونغ بمقاطعة يوننان، وهو ما يمكن أن يخفف من حنيني إلى موطني”.
ولم تخف في البداية أن الجزائريين يتواصلون بشكل رئيسي باللغتين الفرنسية والعربية، فقد كان حاجز اللغة يمثل تحديا مشتركا تجاه باي لو وتشانغ ين لين عند وصولهما.
وأوضحت تشانغ ين لين قائلة: “أثناء شراء اللوازم في البداية، كنت في كثير من الأحيان أعرض السعر على الآلة الحاسبة أو أستخدم هاتفي المحمول للبحث عن الكلمات المفتاحية، بينما أتحدث وأقوم بالإيماءات”. في ذلك الوقت أصبحت ذكريات رائعة تعتز بها ولا تقدر بثمن لتشانغ ين لين منذ فترة طويلة.
فرص العمل مغرية جدا
أما باي لو، فهي واصلت دراسة اللغة الفرنسية بنفسها في وقت فراغ العمل بعد تلقيها ثلاثة أشهر من التدريب من طرف الشركة. وقد أسفر العمل الجاد عن ثماره، وهي الآن تتمتع بتفاعلات يومية ممتعة للغاية مع زملائها المحليين.
في المقابل، فإن لي جينغ ووانغ شوي يان، وهما تتمتعان بخبرة أكثر، تشعران براحة أكبر في مجال اللغة. وكانت لي جينغ تدرس في فرنسا لمدة 9 سنوات تقريبا، ابتداء من الصف الثالث في مرحلة الليسانس حتى مرحلة الدكتوراه. وكانت وانغ شوي يان تعمل بالفعل كمترجمة متقدمة للغة الفرنسية، وما تحتاجان إلى التكيف معه هو العادات المحلية الأصيلة والعريقة الجذابة.
وقضت وانغ شوي يان البالغة من العمر 54 عاما ما يقرب من 15 عاما في منصبها، بصفتها مترجمة فرنسية رفيعة المستوى في شركة CSCEC فقد شاركت في العديد من مشاريع الشركة، وكانت مسؤولة عن استقبال أصحاب العمل والمشرفين، كما أنها كانت مسؤولة أيضا عن الاتصال الخارجي وترجمة الاجتماعات والوثائق، وعملت كمترجمة رئيسية في أهم الأنشطة الخارجية للشركة.
وقالت: “لقد انضممت إلى الشركة عندما كان عمري 39 عاما، وكنت قد انتهيت للتو من العمل في مكتب معتمد تابع لشركة فرنسية في الصين. وكانت فرصة العمل في الخارج مغرية جدا بالنسبة لي، وأردت مغادرة بكين عندما كنت صغيرة لأحصل على المزيد من المغامرات “.
لقد أدت الخبرة الخارجية إلى تحسين قدرة باي لو على العمل بسرعة. وذكرت قائلة: “في السنوات الأربع الماضية، مرت المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعامل معها فريقنا بمراحل مختلفة من الممارسات المتعلقة بالأعمال التعاقدية. وقد تمّ التعامل مع العديد من حالات الطوارئ بشكل صحيح، ما سمح لي بالنمو في جميع الاتجاهات” وفي الوقت الحاضر، تكون باي لو على وشك تولي منصب جديد ومهمة جديدة. وكشفت عن حلمها قائلة: “أتمنى أن أتولى منصبا هاما في قسم العقود في مشروع أكبر حتى أتمكن من تعلم أشياء جديدة.” واليوم تتطلع من صميم قلبها إلى مستقبل مشرق.
هذا ما نكتـشفه.. بعيدا عن الوطن
في قصة مثيرة روتها لي جينغ، التي تشعر بتغيرات سريعة تحدث في وطنها الصين في كل مرة تعود فيها إليه.
وعلى خلفية أنها ذات مرة، بعد أن استقلت رحلة العودة إلى الصين، وغادرت المطار وأرادت ركوب سيارة أجرة إلى منزلها، وأخبرت سائق السيارة بعنوانها، لكن السائق لم يتمكن من العثور على منزلها. وبعد ذلك اتصلت بوالديها وعلمت أن المكان الأصلي لمنزلها قد أعيد تخطيطه وبنائه.
وقفت لي جينغ أمام باب منزلها المتجدد، ففتحت فمها من الذهول وقالت: “لم أعد إلى المنزل منذ أكثر من عام بقليل، وتم تجديد جميع الجدران الخارجية للمنزل، لا يمكن للمرء أن يدرك حقا التغييرات التنموية في الوطن إلا من خلال العيش في الخارج لفترة طويلة، يمكننا أيضا أن نشعر بالاحترام الذي نلقاه أثناء عملنا خارج البلاد بسبب وجود وطن متطور باستمرار ورائنا”.
ومن بين مظاهر وصور الروابط القوية التي تربط الجزائريين والصينين، كان بعض الجزائريين المسنين يمسكون بيد لي جينغ ويقولون: “من بين الدول التي نثق فيها بالعالم هي الصين”. وهذا ما جعل لي جينغ تشعر بالفخر.
وتحدثت تشانغ ين لين المراسلة، أن الشركات “التابعة للحكومة الصينية” مثل شركة CSCEC الرائدة في مجال الهندسة والبناءات الكبرى أنها دائماً تمثل صورة الصين في الخارج، وكثيرا ما تنظم العمليات التضامنية لأنه عندما وقع حريق في منشأة محلية، شاركت في أنشطة التبرع الخاصة بها برعاية الشركة، وكما نظمت الزيارات إلى ديار الأيتام وديار المسنين. وتحرص على إقامة لقاءات للتبادل الثقافي مع الجزائريين.
وقالت تشانغ ين لين في هذا الإطار، “إن تبادل التحية بطريقة تقبيل الخد خاص بالسكان الجزائريين، وعملية تبادل التحية ثابتة في كل مرة. نحن الصينيين قد لا نفهم ذلك في البداية، ولكن من خلال التبادلات، أصبح لدى الجميع فهم واحترام أفضل للعادات الثقافية بين البلدين. فقط التفاهم والتسامح يمكن أن يساعدنا على العمل بشكل أكثر كفاءة في المستقبل”. وقالت إنها تتمنى أن تتمكن الشركة الرائدة في الظفر بمشاريع في مجال الطاقة الجديدة، حتى يتمكن الجميع من التحرك نحو التطوير الجديد إلى مستوى أعلى.
وأكدت مستطردة: “سأتقاعد بعد عام ونصف آخر من العمل. أتمنى أن أقوم بعمل أفضل في منصب جديد”. وكانت وانغ شوي يان متحمسة وغارقة كعادتها بحب في العمل. وذكرت أن الانتقال إلى قسم تقدير السوق عبارة عن بداية جديدة. ووعدت بأنها ستظل صامدة إلى غاية النهاية، بل وتساهم في مسألة الإنشاءات الصينية والجزائرية، ولن تترك أي ندم في مسيرتها المهنية!.