يتزامن احتفال الجزائر بذكرى استرجاع السيادة الوطنية الثانية والستين، وعودة وهج دبلوماسيتها، إذ بقيت الجزائر وفية لمبادئ سياستها الخارجية، التي دونها بيان أول نوفمبر، وهي تصدح في المنابر الدولية بصوت الحق نصرة للقضية الأم القضية الفلسطينية، وباقي القضايا العادلة التي مازالت لم تأخذ حقها في الحرية والاستقلال. كما عزّزت الجزائر الإجماع الدولي في المنظمة الأممية خاصة من الدول الصديقة من مجموعة عدم الانحياز، التي كانت تصطف خلف المواقف الجزائرية في الدفاع عن القضايا المشتركة أيام الحرب الباردة.
تعيش الدبلوماسية الجزائرية خلال السنوات الخمس الأخيرة سطوعا دبلوماسيا من جديد، رافقه استقرار داخلي وإصلاحات عميقة تضمنها الدستور الجديد للعام 2020، بما يضمن حقوق المواطن أمام مؤسسات الدولة والتي ستتدعم أكثر في قادم السنوات، وبالتالي استرجاع الثقة داخليا، وهو ما يكسب مواقف الجزائر خارجيا سندا وصلابة إضافية.
قرارات سيادية
وإضافة إلى كونها دبلوماسية خطية واضحة المواقف ولا تحيد عن مبادئها، في مساندة القضايا العادلة ونصرة المظلوم ودعم حق تقرير المصير، فإن الجزائر من الدول القليلة جدا التي تتمتع باستقلالية مالية وليست لديها ديون خارجية، وهي بذلك سيدة في قراراتها ومواقفها، لا تخضع لابتزازات، أو ضغوطات ولا لإملاءات أية مؤسسة دولية، وترفع صوتها عاليا دفاعا عن قناعاتها التي لم تحد عنها مذ نالت استقلالها، وبرهنت على ذلك عندما وقفت ضد الفيتو الأمريكي فيما تعلق بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وتمكنت بإصرارها من تمرير مشروعها عندما أعرضت أمريكا عن استعمال حق النقض.
ثقة أممية
وعلى الصعيد العملي انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثر من ثلثي الأعضاء الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي، لمدة عامين بداية من الأول من جانفي 2024 حيث حصلت على دعم 96 بالمائة من مجموع المصوتين البالغ عددهم 193 دولة.
ولم يأت هذا الانتخاب من فراغ، ولكن ثقة من الدول المصوتة في وضوح الجزائر وحسن نواياها في خدمة القضايا العادلة ونصرة الحق، وهو ما دأبت عليه منذ السنوات الأولى لاستقلالها.
القضية الفلسطينية
وتعهدت الجزائر بمناسبة انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي «بإسماع صوت الدول العربية والإفريقية والدفاع عن المصالح الإستراتيجية المشتركة في مختلف القضايا التي تندرج ضمن اختصاصات مجلس الأمن وعزمها الثابت والهادف على الدفاع عن القضايا العادلة لفضاءات انتمائها وإلى ترقية جميع تطلعاتها وآمالها داخل مجلس الأمن».
وتجسيدا لتعهدها ذاك، وبمجرد توليها العضوية غير الدائمة، لم تتوان الجزائر في رفع صوت القضية الفلسطينية عاليا، ليس فقط لأنها قضية مركزية بالنسبة للجزائر، ولكن لأنها أيضا انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتشجيع على التمرد والفوضى وعدم تطبيق القانون على كيان مارق صار يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، ويضرب الضمير الإنساني في العمق.
إجماع دولي
وتوّج النشاط الدبلوماسي للجزائر على مستوى مجلس الأمن الدولي، بالتفاف 143 بلد حول مشروع قراٍر طرحته الجزائر على مستواه، لمنح فلسطين العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة.
وأما إقليميا فقد عملت الجزائر على أسماع صوت الدول الغربية من خلال الجامعة العربية والتمسك بمواقفها في توطيد العلاقات البينية العربية وتخفيف حدة العلاقات بين الدول الشقيقة، ونصرة القضية الصحراوية ضد الاحتلال المغربي الذي يمعن قهر الشعب الصحراوي، ومطالبتها الدائمة بتطبيق الشرعية الدولية من أجل تصفية آخر بؤرة استعمار في القارة الأفريقية وأقدمها.
دبلوماسية فعّالة
الى جانب تفعيل الدبلوماسية البرلمانية، من خلال ترؤس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، حيث شهدت رئاسة الجزائر لهذا الاتحاد نشاطا مكثفا توّج بعقد اجتماع للجنة التنفيذية مع اللجنة الاقتصادية للاتحاد واستضافة المؤتمر الـ 36 للاتحاد البرلماني العربي بمشاركة قياسية بلغت 19 برلمانا عربيا من مجموع 20 برلمانا. ناهيك عن مشاركات الوفود البرلمانية الجزائرية، وإنزال برلماني لوفود هامة من إفريقيا وآسيا وأمريكا، وهو ما يعكس الأهمية التي أضحت تحتلها الجزائر في مختلف الفضاءات.
دبلوماسية الجزائر ليست دبلوماسية مواقف آنية ولا دبلوماسية مصالح على حساب آلام الغير، بل دبلوماسية مبادئ راسخة، مبادئ تتناغم وقيم السلم والأمن العالمية.