تبنى الوطنيون الجزائريون غداة الإستقلال شعار القضاء على التخلف المتراكم خلال 132 سنة من الإحتلال الفرنسي للجزائر,
عبرت الحكومة الجزائرية حديثة الإستقلال عن إرادتها في تحقيق ثورة اشتراكية، واصلاح زراعي وجزأرة الكوادر.
كان الوضع الإقتصادي للجزائريين عشية استرجاع السيادة الوطنية، مأساوي أزمة بطالة حادة ومدن صغيرة تضم فيلات وبناءات حديثة محاطة بحزام كبير من البيوت القصديرية التي كانت تأوي الجزائريين، وزراعة تجارية سيطر عليها المستوطنون موجهة للتصدير مثل الكروم، زراعة معاشية تقليدية ضعيفة يمارسها الجزائريون، وشلل صناعي بسبب التخريب و تركيز الاستعمار على الصناعات الاستخراجية.
في هذا الصدد، عرض أول رئيس للجزائر المستقلة الراحل أحمد بن بلة، في 20 مارس 1963، عبر الاذاعة والتلفزيون المرسوم القاضي بتنظيم إدارة المنشآت الصناعية والمستغلات الزراعية المعتبرة بحكم الشاغرة إثر رحيل الأوروبيين, وفي الأول من أكتوبر من العام نفسه أعلن تأميم آخر ممتلكات المستوطنين الفرنسيين.
وفي القطاع الصناعي والتجاري أخضعت جميع المنشآت الشاغرة لنظام التسيير الذاتي وكذلك بعض المنشآت الأقل أهمية، التي كانت تمتلكها شركات فرنسية، ووضعت بعض المنشآت والممتلكات الجزائرية تحت نظام التسيير الذاتي التعاوني.
بذلت الحكومة الجزائرية الفتية حديثة الإستقلال مجهودات جبارة في جميع القطاعات لبناء إقتصاد ودولة قوية وفقا لما جاء في بيان أول نوفمبر 1954، وقد ركز الرئيس الراحل أحمد بن بلة، على التصنيع والعدالة الإجتماعية.
وقد سار على هذه السياسة بعده الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كانت له بصمة واضحة في محاولة النهوض بالإقتصاد الوطني.
تعتبر سنة 1967 بداية جديدة في تنظيم الإقتصاد الوطني بعد الإستقلال، من خلال إقرار مخططات بحصر الإمكانيات البشرية والمادية، التي تمكن من خلق قدرات عمل جديدة في اجال معينة واستخدام الموارد المتاحة أفضل استخدام، وتحديد مجال زمني معين يلتزم به لتحقيق الإستثمارات المبرمجة، بحسب ما تؤكده بعض المصادر والدراسات في هذا الموضوع.
إعتمدت الدولة الجزائرية خمس مخططات إلى غاية 1989، حيث تميزت المرحلة 1967-1969 التي سميت بالمخطط الثلاثي بالتركيز على الصناعة والأنشطة المرتبطة بالمحروقات بالدرجة الأولى، حيث سمحت بتخصيص 18.2 بالمائة من إجمالي الإستثمارات.
وارتكز المخطط الرباعي الأول 1970-1973، على انشاء صناعات قاعدية تكون بمثابة دعامة لإنشاء صناعات خفيفة فيما بعد، ففي المجال الفلاحي كان الإهتمام بالتصنيع وتطوير المناطق الريفية لإحداث التوازن بينها وبين مناطق المدن.
وقد سعى هذا المخطط لبناء الإشتراكية من خلال هدم جميع العلاقات الإجتماعية والإقتصادية التي خلفها الإستعمار، وذلك بتأميم رأس المال الأجنبي المستغل وتوسيع ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وإشراك العمال في كل النواحي الخاصة بنشاط المؤسسة، وطبقت سياسة التقشف للحد من الإستهلاكات غير الضرورية.
وفي المخطط الرباعي الثاني 1974-1977، اتجهت جهود الدولة في تمويل المشاريع الإقتصادية الضخمة وخاصة الحديد والمحروقات ومواد البناء والميكانيك والكهرباء والإلكترونيك، والإهتمام بالقطاعات غير الإقتصادية نتيجة ارتفاع ارادات المحروقات بسبب تحسين سعر البترول في السوق الدولية.
وفي هذا الصدد، أعطى الرئيس الراحل هواري بومدين، أولوية للصناعة الثقيلة بهدف انتاج سلع انتاجية لمختلف القطاعات بغية تحقيق الإستقلال الإقتصادي على المدى الطويل، وتميزت هذه المرحلة بالتخطيط التوجيهي للإستثمارات والتنظيم التساهمي.
واحتلت الصناعة المرتبة الأولى من حيث الإستثمارات وكان الإتجاه نحو تكثيف ورفع الطاقة الإنتاجية للمؤسسات الإقتصادية عوض توجيهها نحو المشاريع الكبرى في المخطط الخماسي الأول 1980-1984، لكن جل مشاريعه لم تنجز الا في حدود 60 بالمائة بسبب تطبيق مشروع نظام التعليم الأساسي 1980-1981، ما تطلب رصد امكانيات مالية ومادية والتعاون مع خبرات أجنبية في هذا المجال، وإحداث ولايات ودوائر وبلديات جديدة ونفقات مالية مخصصة لمعالجة نتائج زلزال الأصنام بالشلف في 1980.
في حين المخطط الخماسي الثاني 1985-1989، جاء في ظروف صناعية دولية صعبة تمتاز بانخفاض في أسعار المحروقات واستقرار الواردات الى جانب فائض في ميزان المواد والخامات والخضوع الى هيمنة احتكارات المجتمعات الرأسمالية الصناعية والتقسيم الدولي الجديد للعمل، حسب ما تؤكده بعض المصادر.
وتشير بعض الدراسات الإقتصادية إلى أن 98 بالمائة من إيرادات الجزائر بالعملة الصعبة كانت متوقفة على قطاع المحروقات، الذي يتغير على حسب الطلب العالمي على الغاز والنفط وعلى سعر البترول، إضافة الى أن الطاقات الإنتاجية للمصانع الجزائرية ضعيفة الإندماج ولم يتمكن عمالها وإطاراتها ومسيريها من التحكم في تقنياتها.
في حين قطاع البنية الأساسية المتمثل في شبكة النقل والمناطق الصناعية والسكن والتهيئة العمرانية والتربية والصحة والثقافة والنقل، فقد أسند تسييرها الى المصالح المركزية والإدارة المحلية ذات بعد إقليمي ومخططات بلدية للتنمية.
في 1988 بدأت الجزائر في إصلاحات نتيجة للظروف السياسية انذاك ودخول التعددية الحزبية، حيث صودق على مجموعة من القوانين الرامية الى اصلاح مؤسسات الدولة.
الجامعة.. قاطرة تنمية
في 2001 اعتمدت مخططات وبرامج لدعم الإنعاش الإقتصادي، والتي خصص لها 252 مليار دج، واستمرت الدولة إلى غاية الان في إعداد برامج طموحة للنهوض بالإقتصاد الوطني تماشيا مع المستجدات الدولية والوطنية.
وبهدف تأهيل المؤسسات الوطنية وتحقيق انتاج تنافسي يسمح بولوج السوق الخارجية، ركزت المشاريع الجديدة على إشراك الجامعة بإعتبارها قاطرة للنمو الإقتصادي من خلال مشاريع مؤسسات ناشئة تستحدثها مخابر البحث على مستوى الكليات العلمية بالجامعات الجزائرية.