رصدت رسالة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى الـ62 لاستقلال الجزائر، مجموعة من الانتصارات في الداخل والخارج، أبرزها استرجاع الأمل واستعادة المكانة الدولية المرموقة ونصرة القضية الفلسطينية، وأكدت أن الانتصار “الأوفر” سيتحقق في مراحل قادمة.
جدّد الرئيس تبون، تمسكه بالماضي المجيد والمخلد بدماء الشهداء، كمرتكز في بناء الجزائر الجديدة والتطلع إلى مستقبل يليق بالتضحيات الجسام ويعزز السيادة الوطنية في مختلف المجالات.
وفي رسالته للأمة، بمناسبة 05 جويلية، أبرز عديد الانتصارات التي حققتها البلاد في أربع سنوات وغيرت من بوصلة التوجه، برفع السقف عاليا على جميع الأصعدة، ما جعلها تمر إلى «النفس الثاني» من مرحلة التنمية الشاملة.
وجاء في الرسالة: «لم يكن خافيا أن المرحلة التي قطعناها كانت محفوفة بالتحديات سواء ما تعلق بمعالجة الملفات الداخلية أو وضعية المقام الذي يليق بصورة الجزائر في الخارج، ولكن صدق النوايا وعزيمة الرجال واستشعار شرف المهمة، كان دوما يبشر بالانتصار رغم حدة العوائق».
ومن التحديات الماثلة آنذاك في أواخر 2019، هي تلك الهشاشة التي أصابت معظم مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الدائمة، نظير الأضرار التي لحقت بعلاقاتها بالمواطن، بعد تفشي ممارسات شنيعة «كادت أن تعصف بالبلاد ويذهب ريحها»، مثلما قال رئيس الجمهورية في عديد المناسبات.
وتصدّر التحدي الاقتصادي، قائمة الصعاب التي واجهتها الجزائر، في ظل استمرار تدني أسعار النفط وانخفاض احتياطي الصرف الأجنبي إلى حدود 40 مليار وتجميد الآلاف من المشاريع التنموية في مختلف ولايات الوطن، وتعليق آليات استحداث الوظائف قبل أن تأتي جائحة كورونا لتخلق وضعا معقدا واستثنائيا.
وعلى الصعيد الخارجي، ظلت الجزائر مكتفية بتسجيل مواقفها المبدئية، وابتعدت لمسافات عن دبلوماسيتها التقليدية القائمة على التفاعل والتأثير مع القضايا والملفات التي تهمها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويضيف رئيس الجمهورية في رسالته قائلا: «نعم، لقد انتصرت الجزائر، انتصرت وهي تسترد إلى حضن أبنائها وشرف اسمها وهرم مقامها، انتصرت الجزائر في إعادة الثقة بغد أفضل، انتصرت في إعادة تماسك اللحمة الوطنية، انتصرت في إحياء الأمل، انتصرت في الإنعاش الاقتصادي».
النقيض قبل تحقيق هذه الانتصارات، كان ماثلا في تفشي اليأس وسيطرة الأشخاص على مقدرات البلاد والشرخ الخطير الذي ضرب العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وكلها عوامل أدّت إلى «الحراك المبارك الأصيل».
وفي هذا السياق، يؤكد الرئيس تبون أن تقويم مسار الدولة بدأ بإعادة البلاد إلى حضن أبنائها أي «جزائر الجميع» التي تتخذ فيها القرارات وترسم السياسات، وفق ما يخدم المصلحة الوطنية العليا ولا شيء غير ذلك.
وقد أعاد رئيس الجمهورية، من خلال المشاريع الكبرى، إلى إعادة تدوير التفكير نحو الثقة في القدرات والمقوّمات الوطنية، وفي امتلاك البلاد لأدوات الريادة القارية والمتوسطية فعليا، وليس خطابا أو شعارا، وما التدافع نحو المتابعة الحثيثة والدقيقة لقرارات مجلس الوزراء وعمل الحكومة من قبل الجزائريين عبر فعاليات المجتمع المدني أو عبر مختلف وسائط إلا دليل على الرغبة الجامحة في المرور بالبلاد نحو واقع مغاير تماما، تطور فيه البنى التحتية والمرافق العمومية، ويتغير الوجه الحضري للمدن، ويتم التخلص نهائيا من مظاهر التخلف في كل ربوع الوطن.
وكان واضحا أن الفترة التي اجتازتها الجزائر سنة 2019، بدخول أنصار ما يعرف بالفترة الانتقالية على الخط، ومحاولتهم فرض أجندات مشبوهة، هيأت الأرضية أمام حرب الجيل الخامس على الجزائر، والتي شنّت عبر وسائط التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني.
لقد كانت المحاولات التخريبية واضحة للعيان، واطلع عليها الجزائريون وتأكدوا من الخطط التي استهدفت ضرب الوحدة الوطنية وإذكاء الفتنة والتحريض على مقوّمات الدولة، لكنها فشلت جميعها، وتوّحد الشعب الجزائري في مواجهة تلك القوى الشريرة.
وفيما يتعلق بالإنعاش الاقتصادي، فقد كان أوّل ورشة اقتصادية يطلقها رئيس الجمهورية، بعد نصف سنة من انتخابه، وأعلن يومها عن وضع هدف بلوغ 5 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في السنة الموالية كهدف مرحلي أوّلي، يضع حجر الأساس للخروج من الاقتصاد القائم حصرا على المحروقات.
ونجحت الجزائر في هذا الرهان، وباتت تحتل المرتبة الثانية في إفريقيا كأقوى اقتصاد وفق تقارير البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ووضعت على السكة مشاريع هيكلية كبرى بملايير الدولارات في قطاعي المناجم والنقل بالسكة الحديدية، ورفعت من مستوى الاستكشافات النفطية والغازية.
معركة خاصّة
ومما جاء في رسالة رئيس الجمهورية أن «الجزائر انتصرت في النهوض بالطبقات الهشة واكتساب ثقة الشابات والشبان، انتصرت في رسم الصورة التي تليق بالجزائر على المستويين الإقليمي والدولي، انتصرت بصوتها المرفوع ومكانتها المحفوظة في المحافل الدولية، انتصرت وهي تهز ضمير العالم في قضية الراهن الإنساني مأساة فلسطين الشقيقة.»
أما الطبقة الهشة، فقد جعل الرئيس تبون من تحسين واقعها معركة خاصة، إن لم تكن معركة شخصية، استهلها بمناطق الظل، والضرب بيد من حديد للمضاربين المغامرين بقوت الجزائريين، ليقوم باتخاذ إجراءات اجتماعية ومالية هامة، بإلغاء الضرائب عن الرواتب الضعيفة (أقل من 30.000 دج)، وإقرار 4 زيادات في الأجور ورفع منح ومعاشات التقاعد، وإدماج قرابة نصف مليون من أصحاب عقود ما قبل التشغيل.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، أعادت الجزائر رسم محددات هذه السياسة وفق ما يخدم المصالح الوطنية مع الثبات على مبادئ احترام الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذا رفض التدخل الأجنبي في الأزمات.
ومع استعادة مكانتها الدولية المرموقة، كفاعل في المنطقة المتوسطة وإفريقيا، تصدرت الجزائر الجهود الدولية المدافعة عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ضد العدوان الصهيوني الوحشي.
ومنذ شغلها لولايتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي مطلع جانفي الماضي، علا صوت الدبلوماسية الجزائرية، فتمكنت من حشد الدعم الدولي لفلسطين ومدينة غزة، وعبأت أحرار العالم لمتابعة الكيان الصهيوني بجرائم الإبادة وجرائم الحرب، وأدانت المحاكم الدولية قادة هذا الكيان المارق.
وتواصل الجزائر جهودها في مختلف المنابر والأطر الدولية للدفاع عن القضايا العادلة واسماع صوت إفريقيا والعالمين العربي والإسلامي. ومع استمرار وتيرة الإصلاح الشامل والعميق فإن نتائج العمل المنجز حاليا ستظهر لتحقق مزيدا من الانتصارات على المدى القريب.