سيكون عصب الطاقة الأهم والأضخم إقليميا.. إنه مشروع أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر ونيجيريا..كان يبدو حلما بعيدا غير قابل للتنفيذ، وتحول اليوم إلى حقيقة ماثلة للعيان، وهو يقترب من دخول مرحلة الاستغلال، ليقفز إلى مرحلة الدفع القوي لعجلة التنمية في إفريقيا الثرية بالموارد والطاقات..طاقات تحتاج التحول إلى موارد مالية، بكفاءة عالية في الإنتاج والأداء.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
سيكون لإفريقيا – بقيادة الجزائر – موضع قدم راسخ في سوق الطاقة خلال العقود المقبلة، لأن الغاز مرشّح اأن يكون الخيار المستقبلي الأنسب، وصناعته ستبقى في تصاعد وتطور ونمو كبير، ودون شك فإن أنبوب الغاز “نيغال” سيكون في الموعد ليحسم في مسار توريد الطاقة للقارة الأوروبية..السوق المفتوحة على إمدادات الغاز الإفريقي المستدامة والموثوقة، بفضل خبرة وتجربة الجزائر في مجال تأمين الإنتاج عبر الضخ والتسويق ومواصلة الاستكشاف بنجاح باهر، بفضل قدراتها المحلية، وحرصها على تنويع الاستثمارات.
الجزائر ونيجيريا ستحدثان – بفضل هذا الأنبوب الاستراتيجي – طفرة على عدة أصعدة، انطلاقا من تعزيز تمويل السوق بالمزيد من تدفقات الطاقة، مرورا بفتح آفاق تنموية لعدة بلدان من القارة السمراء، فالجزائر لم تدّخر جهدا، وكانت سباقة في التفكير في هذا المشروع الإفريقي المشترك ليكون ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية وأمنية، كونه يكرس الاستقرار المنشود.
المكاسب كثيرة ومهمة، وستكون طاقوية واقتصادية بالدرجة الأولى، لكنها من جهة أخرى ستعمق بناء الشراكات بين دول القارة الواحدة، وسيكون هذا المشروع مربحا ومنتجا ودافعا قويا لعجلة النمو في البلدان المتطلعة إلى تحقيق كثير من المكاسب عبر تثمين واستغلال ثروة الغاز.
الخبير مراد كواشي: الجزائر أدّت دورا محوريا في تجسيد مشروع “نيغال”
قدّم الخبير الاقتصادي، البروفيسور مراد كواشي، تصورا واضحا ومطمئنا حول الاقتراب من تجسيد المنشآت اللازمة لمشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري “نيغال”، وتناول سلسلة من المعطيات الرئيسية والأبعاد المحورية، وقال إن المشروع سيكون ركيزة تنموية للعديد من الدول الإفريقية، ويرى أنّ دور الجزائر كان رياديا وحاسما، جعل التخطيط سليما والأهداف المسطرة موثوقة.
وقف الخبير مراد كواشي في البداية على البعد الاستراتيجي لمشروع غازي ضخم ومهم، وسلّط الضوء على قيمته المالية وربحيته الوفيرة، مؤكّدا أنّ المشروع وصل إلى مراحل متقدمة من الانجاز والتجسيد على أرض الواقع، على اعتبار أنه تمّ إنجاز ما لا يقل عن 70 بالمائة من البنية التحتية الخاصة، خاصة أن نيجيريا أنجزت نحو 1000 كيلومتر، والجزائر بدورها أنجزت 700 كيلومتر، وما زال أمامها استكمال نسبة متبقية في الصحراء، وبالنسبة إلى النيجر تعطلت نوعا ما عملية الإنجاز بسبب بعض الاضطرابات، ولكنه استدرك قائلا: “مادام إنجاز الشطر النيجيري والجزائري تم بنسبة عالية، أتوقّع أن تساعد كل من الجزائر ونيجيريا في تسريع وتيرة تجسيد الشق المتعلق بالنيجر”، وأضاف: “قد يكون التأخر المسجل في شطر النيجر مرده إلى قلة الموارد المالية”، غير أنه أشار إلى إمكانية اللجوء للاقتراض من بنوك من أجل إتمام هذا المشروع.
خطى واثقة
وفي ضوء المؤشرات المطمئنة، اعتبر كواشي أن المشروع يسير حاليا بخطوات ثابتة، مستشهدا بتصريح وزير الطاقة محمد عرقاب في ختام قمة الغاز المنعقدة بالجزائر مارس الماضي، وعلى خلفية الاتفاق المسجل بين وزراء الطاقة للبلدان الثلاثة على إنهاء المشروع في غضون سنتين أو ثلاث سنوات كأقصى تقدير، في ظرف حساس يسجل زيادة معتبرة في الطلب الأوروبي على الطاقة، وما يصاحبه من اتساع الحاجة الماسة إلى الغاز في الأسواق العالمية.
وفي حديث عن تكلفة وقيمة المشروع الطاقوي التنموي الضخم والاستراتيجي، أوضح البروفيسور كواشي أنها تتراوح من 10 إلى 12 مليار دولار بالنسبة لخط الأنابيب، و3 ملايير دولار لمراكز التجميع، ويرى كواشي أنه بالنظر إلى الإمكانات الكبيرة التي تحوزها الجزائر خاصة شركة سونطراك، بحكم أنها العملاق الطاقوي الإقليمي والعالمي، فإن هذه التكلفة يمكن السيطرة عليها بكل أريحية، والمشروع سيرى النور قريبا.
تمكين الأفارقة من استغلال مواردهم الطّبيعية
وبما أن الجزائر أدّت دورا محوريا وحاسما – يقول كواشي – وكانت تقوم في مختلف المراحل – وما زالت – بدور أساسي سواء في تصميم أو عملية تجسيد المشروع والتنسيق مع مختلف الشركاء، فإن الفضل يرجع إلى أكبر دولة في إفريقيا، بعد تقديمها لهندسة ذكية. وبالموازاة مع ذلك، سعت الجزائر بشكل دؤوب إلى تطوير العمل الإفريقي المشترك وتدعيم التعاون بين الدول الإفريقية، ويندرج هذا الرهان في سعي الجزائر إلى تمكين الدول الإفريقية من استغلال ثرواتها، وكذا عملها الحثيث من أجل تثمين الموارد الطبيعية داخل القارة الإفريقية، وخير دليل على ذلك أنها تمكنت من تحقيق حلم تجسيد هذا المشروع الاستراتيجي، وتحويله من فكرة مدهشة على الورق، إلى مورد طاقوي ومورد مالي تستفيد منه العديد من الدول في العالم، بداية من الدول المنتجة والمحتضنة للأنبوب إلى الدول المستهلكة.
واغتنم الخبير كواشي الفرصة ليتحدّث عن عدم ادخار الجزائر لأي جهد من أجل تنمية ورفاهية الشعوب الإفريقية، إذ رافعت من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، وهذا من خلال الدعوة إلى تمكين الأفارقة من استغلال مواردهم الطبيعية، والشراكات الرابحة بين الدول الإفريقية، والتي تعود بالنفع على الشعوب والدول الإفريقية. وبدا الخبير مقتنعا أنّ هذا المشروع لا يعتبر الأول، بل هناك عديد المشاريع يعود الفضل في إنجازها وتقديمها للجزائر، وذكر كواشي منها مشروع طريق الوحدة الإفريقية، إلى جانب مشروع الألياف البصرية وطرق كثيرة نحو إفريقيا، وكل ذلك – أوضح الخبير – يدخل في إطار إستراتجية الدولة الجزائرية في تدعيم التعاون بين الدول الإفريقية والتنمية الاقتصادية داخل القارة السمراء.
وفي وقت ينتظر من هذا المشروع أن يقدّم قيمة مضافة، وتغييرا كبيرا في البنى التحتية والإنشاءات، يعتقد الخبير كواشي أن المشروع يحمل أبعادا تنموية للعديد من الدول الإفريقية خاصة الثلاثي المتمثل في الجزائر ونيجيريا والنيجر، وقال بيقين إنّ المرتقب أن يعطي المشروع مردودية واعدة، لأنّه مصنف من أكبر المشاريع داخل القارة، وسيفتح بوابات للنيجر التي ليس لديها منفذ للبحر، بهدف تصدير احتياطاتها الغازية، وتوقع الخبير أن يوطد المشروع العلاقات ويعمق رهان التعاون جنوب – جنوب، وكذلك بين مختلف الدول الإفريقية.
ولا يستثنى من نتائج هذا المشروع الإيجابية – حسب تقدير كواشي – دعم المكانة الطاقوية للجزائر، خاصة بعد أن تعاظمت في السنوات الأخيرة، وفوق ذلك سيزيد من رفعة مكانة الجزائر المرموقة كأهم مورد للغاز في منطقة البحر المتوسط، وتعزيز ثقلها الجيواستراتجي باعتبارها بوابة لإفريقيا عبر اتجاهين من إفريقيا للأسواق الأوروبية والعكس.
عميد كلية المحروقات والكيمياء بوجمعة حمادة: ”نيغال”.. تجسيد واقعي لتوافق إقليمي وتحالف طاقوي
بعد إبرام معاهدة “نيباد” التي جمعت الدول الإفريقية، واتفاقية منطقة التبادل الحر “زليكاف” التي دخلت حيز التنفيذ أول جويلية 2022، ومشروع الطريق السيار العابر للصحراء، يأتي مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء ليدعم شبكة أنابيب الغاز التي تمتلكها شركة سوناطراك، كمؤشر مهم لتعزيز فرص استقطاب إفريقيا لكبرى الاقتصادات العالمية التي باتت بحاجة إلى مصادر طاقوية وشراكات مستدامة مع بلدان إفريقية ذات وتيرة نمو قوية، ضالة تستجيب لها المعطيات الطبيعية والاقتصادية الإفريقية خلال الثلاثين سنة القادمة.
يعد المشروع، إضافة إلى كونه رابطا استثماريا قويا ذي بعد إقليمي يجمع الشركاء الثلاث، معبرا طاقويا يربط المورد الإفريقي بالمستورد الأوروبي، في ظل محدودية الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي، وتزايد الطلب عليه، تزامنا وعودة الاقتصاد العالمي إلى النشاط بعد جائحة كورونا، وموجة التسابق نحو التصنيع التي تشهدها دول العالم.
في السياق، وصف عميد كلية المحروقات والكيمياء ببومرداس، الدكتور حمادة بوجمعة، أنبوب الغاز العابر للصحراء، نيجيريا-النيجر-الجزائر، بأنه يربط الدول الثلاث بطول إجمالي قدّر بـ 4128 كلم، 1037 كل منها داخل الأراضي النيجيرية و841 كلم في النيجر و2310 كلم في الجزائر، وقال إنه المشروع الجديد القديم الذي تحول بفضل الجهود الدبلوماسية للدول الإفريقية الثلاثة وقناعتها بحتمية التعاون جنوب-جنوب من أجل استغلال فرصة الحاجة الأوروبية القوية للخامات الإفريقية، بما فيها الطاقوية، وقد بلغ المشروع مرحلة جد متقدمة من التجسيد، لم يتبق سوى 1850 كلم مقسمة إلى 750 كلم متبقية بنيجيريا، 100 كلم بالنيجر و980 كلم بالنسبة إلى الجزائر، حيث سيتم ربطه في محطته الأخيرة في حاسي الرمل، بشبكة أنابيب الغاز المتفرعة نحو القارة الأوربية تحديدا نحو إيطاليا وإسبانيا.
رابط اقتصادي بيني
وقدّم الدكتور بوجمعة كرونولوجيا مختلف محطات المشروع، حيث تم بداية الإعلان في 18 فيفري 2022، عن الموافقة على خريطة طريق لأنبوب الغاز الجزائري النيجيري من قبل ممثلي الدول الثلاثة التي سيمر عبرها الأنبوب ليتدفق الغاز إلى أوروبا، تحديدا من مدينة واري في جنوب نيجيريا عبر النيجر إلى مركز توزيع الغاز بمنطقة حاسي الرمل في الجزائر، ليتم توقيع في جويلية 2022، على مذكرة تفاهم بين الجزائر، نيجيريا والنيجر لإنجاز دراسة الجدوى وتعميق الدراسات لإنجاز مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري.
وبالنسبة للنجاعة الاقتصادية لمشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي بلغت تكلفته الإجمالية 13 مليار دولار، مقسمة بين نيجيريا بـ5 ملايير دولار، الجزائر بـ5 مليار دولار، في حين تتكفل النيجر بـ3 مليار دولار، يرى الدكتور بوجمعة أنه، إضافة إلى دوره في تقوية الروابط الاقتصادية البينية الإفريقية، وتدعيم البعد الإفريقي، والأمن الطاقوي على مستوى القارة السمراء، ستستفيد الجزائر بما قيمته 5 % من حجم الكمية المتدفقة عبر الأنبوب، الذي يبلغ حجمه الطاقوي 30 مليار متر مكعب/السنة، أي ما يعادل مليار و500 مليون متر مكعب، سواء من طرف نيجيريا أو النيجر، كمقابل لاستغلالهما للجزء المار عبر الأراضي الجزائرية.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بالأبعاد التنموية للمشروع – يقول المتحدث – هو فرصة يجب استغلالهاجيدا – خاصة بالنسبة للنيجر التي تعاني نقصا تنمويا – من أجل تنمية الاقتصاد وتعميم استعمالات الطاقة في المجالات الزراعية والصناعية، وفك العزلة الطاقوية عن المدن. أما بالنسبة للطرف الأوروبي، فهو يعتبر المشروع فرصة إستراتيجية لتحقيق أمنه الطاقوي، حيث أن دخول هذا المشروع حيز الاستغلال الفعلي، سيسمح له بتنويع مصادره من الموردين الطاقويين، إلى جانب كل من روسيا وأمريكا.
ثقل جيو-استراتيجي
أما الشق الجيو-استراتيجي للجزائر، فقد أكد الدكتور بوجمعة أن دخول المشروع حيز الاستغلال الفعلي، سيكون فرصة لتعزيز مكانة الجزائر الطاقوية، لتحافظ بذلك على مرتبتها الرابعة عالميا والأولى إفريقيا، على مستوى سوق الغاز العالمية، مؤكدا أن الوزن الطاقوي للجزائري، كان وسيظل دائما ضمانا لسيادتها الطاقوية، وحرية قراراتها الإستراتيجية في ظل التهافت الكبير للطلب الأوروبي على الغاز الإفريقي، بهدف تنويع الامدادات الغازية بعد الشح الطاقوي الذي تمخّض عن الحرب الروسية الأوكرانية.
وبالعودة إلى الحديث عن أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي بلغت نسبة تقدم الأشغال به 70 %، أشار محدثنا إلى الإمكانات القاعدية الكبرى التي تتوفر عليها الجزائر، وفائض أنابيب الغاز المكونة لشبكتها الطاقوية القاعدية، حيث أنّ مرور الغاز النيجيري عبر منشآتها سيمكنها من تحقيق نجاعة اقتصادية كبرى ستجنيها من وراء حصتها مقابل استغلال أنابيبها. كما ستستفيد أوروبا – بالمقابل – من تقليص تكلفة استيراد الغاز الطبيعي، خاصة وأن نقل الغاز نحو أوربا عبر ناقلات الغاز، التي تمتلك الجزائر منها حاليا 8 ناقلات، حسب ما أفاد به المتحدث، يتعرض أحيانا إلى بعض العراقيل التقنية إضافة إلى كون تكلفة الناقلة الواحدة تعادل 60 ألف دولار/يوميا بالنسبة للطرف الأوروبي، ما يجعل أنبوب الغاز، أحد الحلول الناجعة بالنسبة للطرفين، المورد الإفريقي والمستورد الأوروبي.
وعرج عميد كلية المحروقات والكيمياء ببومرداس، على واردات أوروبا من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، إلى بعض الإحصائيات التي تفيد أن هذه الأخيرة قد ارتفعت بنسبة 3 % خلال أول 4 أشهر من العام الجاري، ما يجعلها تراوح حدود 53 مليار متر مكعب، خلال نفس الفترة. ورغم ذلك، تظل واردات الغاز الأوروبية عبر الأنابيب، أقل من متوسطها خلال نفس المدة من السنوات الثلاثة الماضية، لتعود للارتفاع خلال مارس الماضي لأعلى مستوى شهري منذ ديسمبر 2022، بنسبة 4 %. شهدت خلالها إمدادات الجزائر من الغاز الطبيعي نحو أوروبا – وفق المتحدث – زيادة ملحوظة طوال عام 2024، استحوذت إيطاليا وحدها على 73 % منها.
الخبير مهماه بوزيان: الغاز العابر للصّحراء يحرّك عجلة النّمو بإفريقيا
أبرز الخبير في مجال الطاقة، مهماه بوزيان، أن خط أنابيب الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء، والمعروف اختصارا بـ«نيغال أو (TSGP)”، يُعدّ من المشاريع الإستراتيجية في إفريقيا، فهو يحظى بالدعم السياسي للإتحاد الإفريقي، باعتباره مشروعا للمبادرة الرئاسية لريادة البنية التحتية الإفريقية (PICI)، ومبرمج في إطار برنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا (PIDA) المعتمد من قبل رؤساء دول وحكومات الإتحاد الإفريقي.
أكّد البروفيسور بوزيان أنّ هذا المشروع الاستراتيجي سيعزز من قدرات الجزائر في ممارسة دبلوماسية الأنابيب والغاز الطبيعي المسال بكل اقتدار، فلطالما عرف تاريخ الغاز والنفط في شمال إفريقيا والشرق الأوسط خطوط الأنابيب العابرة البحر الأبيض المتوسط كمحركات حقيقية للتقارب الدبلوماسي.
يأتي هذا في وقت أعلنت نيجيريا، على لسان الرئيس المدير العام للشركة البترولية الوطنية ميلي كياري، عن قرب استلام أحد أهم أجزاء أنبوب الغاز العابر للصحراء “نيغال”، والمتعلق بشطر “أجاكوتا وكادونا وكانو” أو ما يعرف تحت التسمية المختصرة “أي.كا.كا (AKK)”، في الثلاثي الأول من السنة القادمة 2025، والذي اكتملت أشغاله بنسبة (90 %)، هذا الشطر ممتد على طول 614 كلم ويصل إلى الحدود بين نيجيريا والنيجر، بسعة تدفق أولية تُقدر بـ 56 مليون متر مكعب يوميا من الغاز الطبيعي (تدفق 20 مليار متر مكعب في السنة)، والذي قدّرت كلفة إنجازه بـ 2.8 مليار دولار، حسب الخبير الطاقوي مهماه.
تعزيز فرص النّمو الاقتصادي
بالمقابل، أشار بوزيان مهماه إلى أنّ “مشروع “نيغال (TSGP)” سيستفيد من البنى التحتية للغاز الطبيعي الموجودة فعليا بالجزائر، والتي تسهل وصول الغاز إلى جنوب أوروبا، كما أنه سيغترف من الفرص المتاحة للجزائر في مجال تسويق الغاز وإسالته وتحويله في منشآت البتروكيماويات، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للمنشآت الجزائرية بالقرب من أسواق الغاز”.
كما سيمكّن هذا المشروع ـ يقول محدّثنا ـ من تعزيز فرص النمو الاقتصادي في المنطقة والمساعدة في مكافحة عوز الطاقة، ودمج اقتصادات المنطقة بما يتماشى مع أهداف الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا، وتعزيز النمو والتخفيف من حدّة الفقر في جزء هام من منطقة الساحل الإفريقي من خلال الانفتاح والتبادل وبناء تكامل الاقتصادات وتعزيز التعاون الإقليمي، وفي أبسط صور ذلك، سيمكن من تعزيز إمدادات الغاز المنزلي في كل المناطق التي سيمر بها، وسيبعث التنمية في هذه المناطق من خلال إمدادات الغاز المستدامة والموثوقة.
وسيساهم مشروع خط أنابيب الغاز الجزائري-النيجيري “نيغال (TSGP)” – يواصل محدثنا – في التخلص من حرق الغاز الطبيعي في نيجيريا، هذا الغاز المحترق الذي يمثل حاليا خسارة في الطاقة تعادل (220 ألف برميل يوميًا) مع ما يصاحب ذلك من انبعاثات وعواقب وخيمة على البيئة، وبالتالي، سيكون تصريف هذا الغاز في خطوط الأنابيب ربحا صافيا حيث ستتزود به مناطق شمال نيجيريا والنيجر وجنوب الجزائر، وكذلك بوركينا فاسو وجنوب مالي. وفق تحليلات المختص الطاقوي.
تحالف اقتصادي قوي في الأفق
وعن أهمية التحالف الطاقوي بين (الجزائر، نيجيريا والنيجر)، حول مشروع أنبوب الغاز “نيغال”، يرى البروفيسور مهماه أنه سيمكن من بروز تحالف اقتصادي قوي حول الغاز الطبيعي لتجمع سكاني سيمثل، بعد 40 سنة من اليوم، ثالث كتلة سكانية في العالم، بعد كل من الهند والصين، بـ 600 مليون نسمة، حيث سيقفز تعداد سكان النيجر من (27 مليون نسمة الآن) إلى سقف قرابة 100 مليون نسمة، كما سيتخطى سكان الجزائر تعداد 65 مليون نسمة، بما يستوجب التمكين للتنمية في النيجر خصوصا، ومع توافر مورد الغاز عبر امتداد دولة النيجر من الجنوب إلى الشمال، يمكن تحقيق التمكين التنموي، وهو هدف جوهري سيساعد السكان على تحقيق رغباتهم في الاستقرار ويمنع من حدوث تسونامي هجرات السكان من منطقة الساحل وما وراءه زحفا نحو الشمال.
تجسيد التّكامل الإفريقي
في هذا الإطار، عاد مهماه إلى الحديث بالتفصيل عن “مشروع خط أنابيب الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء”، وقال إنّه مدون في الصفحات 17 و18 و19 من وثيقة “الـ 16 مشروعا للبنية التحتية من أجل التكامل الإفريقي” التي أصدرتها في سنة 2016 وكالة “نيباد” بالتعاون مع الأمم المتحدة، كرابع مشروع مُهَيْكَل ومُهيْكِل من بين المشاريع 16 الكبرى للإتحاد الإفريقي، حيث جاء وصف هذا المشروع في الصفحة الثالثة من الوثيقة، تحت بند تمكين إفريقيا طاقويا، بأنه يُعد من بين مشاريع البنى التحتية الواقعية وإدارة الدعم الفعلي والعملي الستة عشر”.
وجاء في الوثيقة – يواصل مهماه – “هناك مشروعان للطاقة الكهرومائية في شرق وغرب إفريقيا، ومشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر في مرحلة متقدمة من اكتمال التمويل المالي، وكل ذلك سيمكّن إفريقيا من زيادة الوصول إلى الطاقة”.
وأبرز الخبير أنّ “القارة تحتاج إلى التركيز على تطوير مشاريع الطاقة القابلة للحياة، والتي يمكن أن تجتذب الأموال الكافية لتكون ناجحة، ولها تأثير كبير وطويل الأجل على قطاع الطاقة الإفريقي، ولأنّ المفتاح لإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا هو تحديد الفرص المتاحة لمشاريع البنية التحتية بأسعار معقولة، والتي يمكنها الاستفادة من موارد الطاقة الوطنية والإقليمية على النحو الذي يعود بالنفع على القارة”.
وفي بند “تشبيك البنى التحتية لإفريقيا”، ذكّر مهماه بأنه ضمن المشاريع الرئيسية الثلاث المُدرجة في إطار المبادرة الرئاسية لدعم البنى التحتية للشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (PICI)، نجد مشروع “خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر”، حيث يمتد على طول 4188 كيلومتر، يبدأ من محطة كوا إيبوم المتواجدة بـ “كالابار” وهي عاصمة ولاية كروس ريفر ليمتد على مسافة 1037 كلم في نيجيريا، ليمر عبر النيجر على طول 841 كلم، وصولا إلى حاسي الرمل في الجزائر عبر الشطر الجزائري الذي يبلغ طوله 2310 كلم بالجزائر.
وأشار محدثنا إلى أن هذا المشروع الذي تتراوح كلفة إنجازه الإجمالية بين 10 و12 مليار دولار لخط الأنابيب، وثلاثة مليارات لمراكز التجميع، والذي سيسمح بتدفق للغاز عبره بسعة تتراوح بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب، سجّل في الوقت الحالي تقدما معتبرا، فقد أُنجِز منه قرابة 61 %.
الجزائر ..مفتاح “خطّة ماتي”
من جهة أخرى، ركّز المختص الطاقوي على تصريحات روما بشأن الجزائر في هذا المجال، عندما عبّرت علنا بأن الجزائر تعد المفتاح والبوابة الأساسية لتنفيذ “خطة ماتي” لتطوير التعاون بين إيطاليا وإفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، علما أن الجزائر تعد الشريك التجاري الأول لإيطاليا في القارة الإفريقية، و«الشريك الأساسي والأكثر استقرارا والأكثر إستراتيجية”.
وأضاف: “بالتعاون الوثيق مع الجزائر، بإمكان إيطاليا أن تصبح “مركزًا للطاقة لأوروبا”، وهو ما عبّرت عنه رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني، وأنه في مواجهة أزمة الطاقة الكبيرة التي تمر بها أوروبا على وجه الخصوص، يمكن للجزائر أن تصبح رائدة في الإنتاج، إفريقيّا بالتأكيد، ولم لا عالميا؟! وإيطاليا هي حتماً البوابة إلى نمو وتدفق هذه الطاقة وإلى إمداد أوروبا بها، وكان هذا تصريحا تاريخيا لرئيسة وزراء إيطاليا خلال مؤتمر صحفي مشترك عقدته مع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، جانفي 2023.
وخلال تلك المناسبة، كان الرئيس عبد المجيد تبون، قد تحدّث عن التوقيع على اتفاق لدراسة وإنشاء خط أنابيب جديد للغاز “سينقل الغاز والهيدروجين والأمونيا وحتى الكهرباء”، وأنّ هذا المشروع “سيجعل من إيطاليا مركزا للطاقة في أوروبا”.
المشروع القاري الضّخم.. في أرقام
أكّد مهماه أنّ “الجزائر أنجزت الجزء العابر لأراضيها حتى منطقة أهنات، ويتبقّى منه أقل من 700 كلم، وهي المسافة التي تفصل الجزء المنجز عن حدود النيجر، أما باقي المشروع فيتبقى منه 100 كلم في نيجيريا، بالإضافة إلى 841 كلم التي تمثّل الشريط العابر لدولة النيجر، ومع استكمال هذا الجزء الإجمالي المتبقي والبالغ طوله 1641 كلم سيكتمل المشروع ككل، ويندمج مع شبكة الغاز الجزائرية القائمة والتي يبلغ طول جزئها الجزائري المندمج مع الشبكة الإيطالية وصولا إلى الحدود السلوفينية 2491 كلم بدءاً من حقل حاسي الرمل الجزائري”.
ومن هذا المنطلق، أوضح الخبير أنّ “خط أنابيب الغاز المترابطة على طول 6680 كلم، تجعل منه ثاني أطول خطوط الأنابيب في العالم بعد خط أنابيب الغاز “الصين-آسيا الوسطى (WEPP)”، الذي سيبلغ طوله الإجمالي 8704 كلم عند اكتماله، ليأتي بعدهما خط أنابيب توزيع الغاز “يمال-أوروپا” الذي يمر عبر روسيا، بلاروس، پولندا، وألمانيا ويصل طوله 4107 كلم. كما أن اندماج خط أنابيب “نيغال” الجزائري النيجيري مع “خط أنابيب غاز تاورن: إيطاليا-النمسا-ألمانيا” سيجعل امتداد طوله يصل 6970 كلم، وحين الاندماج في سنة 2026 مع “خط أنابيب الغاز الطبيعي للربط البيني بين إيطاليا–سلوفينيا–المجر” سيصيح طوله 7066 كلم”. بالمقابل، قال الخبير إن الشطر الخاص بالنيجر يحظى بدعم واستعداد تام من الجزائر لمرافقة تجسيده.
مركز التّنمية بالساحل
وبخصوص شطر “أجاكوتا وكادونا وكانو”، قال مهماه إنه “يمثل مشروعا رئيسيا في نيجيريا، وتمت المراهنة عليه كثيرا، باعتباره نقطة ارتكاز للتنمية في شمال نيجيريا وخطوة مهمة لإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية الهائلة فيها، حيث سيقوم بنقل الغاز عبر عدة ولايات ومراكز حضرية في شمال نيجيريا، الأمر الذي سيوفر الطاقة التي تشتد الحاجة إليها في المنازل والشركات وللصناعات، وسيكون متاحًا أيضًا لتمكين النقل وخفض تكلفته.
وأشار محدثنا – في السياق – إلى أن نيجيريا تعتبر “استمرار وتسريع إنجاز هذا المشروع”، كأكبر مشروع خط أنابيب غاز محلي في البلاد حتى الآن، وبأنه التزام رئاسي بالتصنيع والازدهار الاقتصادي في شمال نيجيريا، كما يجري وصف المشروع بأنه عنصر حاسم في أجندة التصنيع والازدهار الاقتصادي في نيجيريا في عهد الرئيس النيجيري الحالي، ويُنظر إليه كمشروع له القدرة على تعزيز سلسلة القيمة الزراعية بشكل كبير، ولأهميته أيضا لتشغيل المشاريع الحيوية للبنية التحتية في دلتا النيجر.