يؤكّد العديد من الكتّاب والمخرجين وذوو الاختصاص على أهمية الاقتباس من النصوص الروائية، وتحويله إلى أعمال سينمائية، خاصة مع الدور الذي تلعبه ثنائية (الرواية-السينما) في النهوض بقطاع الفن السابع، وتقديم أعمال فنية سينمائية ترقى إلى مستويات عليا، مستندين في ذلك على تجارب عديدة على المستوى الوطني والأجنبي معا، حيث عرفت تجارب تحويل النصوص الروائية إلى أعمال سينمائية نجاحا كبيرا، فبدايات السينما في العالم – حسب المتعارف عليه – كانت قائمة على النص الروائي، ونجحت الأفلام المقتبسة عن الأعمال الأدبية في الوصول إلى العالمية، وانتهج بعض المخرجين الجزائريين – في وقت معين – الاقتباس من الرواية إلى الشاشة، ليقدّموا للسينما الجزائرية أفلاما عالمية ما تزال إلى يومنا هذا تستقطب نسبة مشاهدة عالية.
ملف: أسامة إفراح وإيمان كافي ومحمد الصالح بن حود وفاطمة الوحش
ظاهرة تحويل الرواية إلى عمل سينمائي بالجزائر خصوصا، عرفت تراجعا كبيرا، بل اندثرت تماما، ولم يعد المخرج أو المنتج أو كاتب السيناريو يهتم بالأعمال الروائية، ما حملنا على طرح التساؤل على أهل الاختصاص..لماذا لا تعتمد السينما الجزائرية اليوم على الرواية؟ رغم الإجماع على أهمية الرواية في كتابة سيناريوهات وإنتاج أعمال سينمائية ناجحة وذات بعد عالمي.
الرّواية.. خزّان السّينما الذي لا ينضب
تعتبر أفلمة الروايات عملية معقدة تتطلّب دراسة متأنية واهتمامًا بالتفاصيل لضمان نجاحها، وهناك عدد من الشروط الأساسية لضمان نجاح الاقتباس، منها البقاء على صلة بالمادة المصدرية، وفهم موضوعات ونبرة العمل الأصلي، واتخاذ خيارات إبداعية تعزّز القصة بدلاً من الانتقاص منها. ورغم هذه الصعوبات، بقيت النصوص الروائية خزّانا للأعمال السينمائية، وترافق الاثنان على درب النجاح، بحيث توفر الرواية مادة دسمة للسينما، وتوفر السينما رواجا أكبر للرواية.
لطالما كانت أفلمة الروايات ممارسة شائعة في الصناعة السينماتوغرافية منذ بدايات هذه الأخيرة. وفي حين تظل بعض الاقتباسات وفيّة للمادة المصدرية الأصلية، فإنّ البعض الآخر يأخذ حريته الإبداعية لتناسب النصوص بشكل أفضل الأداة التعبيرية السينمائية، والأمثلة عن ذلك لا تعدّ ولا تحصى عبر العالم.
الرّواية في السينما العالمية
تقول د – خديجة بومسلوك (جامعة وهران 1) إنّ السينمائيين وجدوا، منذ بواكير السينما في فترتها الصامتة، الحل في أفلمة الروايات، التي أعطت دفعة فنية قوية للسرد السينمائي كي يتشكّل ويكتسب خصائصه في مرحلة اللانطق.
وتستشهد الباحثة بفيلم “كوخ العم توم” للمخرج إدوين بورتر (1903) كشاهد على بدايات أفلمة الرواية، وعن الرواية التي اقتبس منها الفيلم تقول: “في عام 1863 التقى الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن في واشنطن بالروائية هارييت بتشر ستو فحياها قائلا (إنك المرأة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة). وفي هذا الكلام كثير من الصحة، انطلاقا من أن روايتها “كوخ العم توم” عملت على توحيد شعور الأمريكيين خصوصا الشماليين ضد العبودية، فموضوع هذه الرواية يحكي قصة “عبد” أسود مسن (العم توم) لم يفر أبدا من عبوديته رغم توقه للتحرر، بل يستقبل الموت في صبر وجلد على يد المتوحّش سيمون ليغري”.
وهكذا ظهرت أولى الروايات المؤفلمة مثل “كوخ العم توم”، حيث تم نقل فكرة الرواية مختصرة نظرا لقصر زمن العرض السينمائي، الذي لم يكن يتعدى آنذاك عشرين دقيقة.
وواصل الفيلم تطوره مواكبة مع النهل من فن الرواية، وخصوصا في مرحلة السينما الناطقة التي سمحت لمساحات أوسع من الحكي والسرد الروائيين أن يتحولا إلى لغة منطوقة ضمن لغة الفيلم البصرية، بفضل كتاب سيناريو مختصين في تقديم سيناريوهات روائية للأفلمة. ووسط هذا التطور السينمائي المرتبط بعالم الرواية منذ ظهور الفيلم، أخذت السينما الأمريكية النصيب الأوفر من تجارب أفلمة الرواية، ذلك أن حكاية تاريخ السينما العالمية تكاد تكون انعكاسا لتاريخ السينما الأمريكية منذ عام 1914، وهو تاريخ الهيمنة والسيطرة الأمريكية على صناعة الفيلم وعالم الفن السابع.
وتقول الباحثة إنّ افتقاد روح التناول الأدبي أثناء البدايات كان سببه فقر الوسائل السينمائية، وتغير ذلك مع مرحلة العصر الذهبي للأستوديو خلال عصر السينما الناطقة، حيث وشح فيلم “ذهب مع الريح” الرواية المؤفلمة بأضخم وأروع فيلم في تاريخ السينما الأمريكية. وكانت تجربة كوبولا بفيلمه “دراكولا” مع نهاية القرن العشرين تشكّل قمة النضج السينمائي، إذ تحالفت الوسائل السينمائية مع الرؤية الروائية الثاقبة والذوق الأدبي الرفيع من أجل تقديم فيلم حافظ بأمانة على حرفية وروح الرواية مع تيمة فيلمية مغايرة تماما، تؤكد د – بومسلوك.
ولعل من الصعب جدا، بل من المستحيل، أن نذكر في هذه السانحة جلّ النصوص الروائية التي تمّت أفلمتها. ومن الأمثلة الأشهر بين قائمة طويلة جدا من الروايات المقتبسة للسينما، نذكر “دون كيخوتي دي لا مانتشا” لسيرفانتيس (1605)، و«الغريب” لألبير كامو (1942)، و«ذهب مع الريح” لمارغريت ميتشل (1936)، “جريمة في قطار الشرق السريع” لأغاثا كريستي (1934)، “الإخوة كارامازوف” لفيودور دوستويفسكي (1880)، “آخر الموهيكان” لجايمس فينيمور كوبر (1826)، و«جزيرة الكنز” لروبرت لويس ستيفنسون (1883)، “البؤساء” لفيكتور هوغو (1862)، “كوكب القردة” لبيار بول (1963)، “صورة دوريان غراي” لأوسكار وايلد (1890)، “الفرسان الثلاثة” لألكسندر دوما (1844)، “رحلة إلى مركز الأرض” لجول فارن (1864).
إلى جانب روايات معاصرة مثل “العمى” للكاتب النوبلي جوزي ساراماغو، “شفرة دافنشي” لدان براون، “الميل الأخضر” و«شاينينغ” لستيفن كينغ، “فورست غامب” لوينستون غروم، كما نذكر من سلاسل الأفلام الأكثر نجاحا مؤخرا، والمقتبسة من روايات أيضا، “سيد الخواتم” و«بيلبو الهوبيت” لجي آر تولكين، و«مباريات الجوع” للكاتبة سوزان كولنز، ولعل الأشهر والأكثر رواجا تبقى سلسلة “هاري بوتر” لمؤلفتها جوان كاثلين رولينغ.
الرّواية في السّينما العربية
تعتبر الباحثة مونة بن الشيخ أن الحديث عن الاقتباس من الأدب في العالم العربي يلزمنا بأن نبدأ بالسينما المصرية، أين بدأت علاقة السينما والأدب وخاصة الرواية في وقت مبكر، وكان أول فيلم عربي مصري مقتبس عن رواية محمد حسين هيكل، وأخرجه محمد كريم، وكان من النوع الصامت، وأعقب ذلك العديد من الأفلام مثل “حياة الظلام” لمحمود كامل، و«أيام شبابي” لصالح عودت. وفي 1960 أخرج صلاح أبو يوسف رواية “بداية ونهاية” لنجيب محفوظ أين بدأ المسار السينمائي لروايات نجيب محفوظ، على غرار “قصر الشوق” (1967) المأخوذ عن الجزء الثاني من ثلاثية محفوظ. كما اقتبست أعمال كثيرة لإسماعيل ولي الدين، وإحسان عبد القدوس وغيرهما.
وفي كتابهما “الاقتباس: من الأدب إلى السينما”، يقول كل من سلمى مبارك ووليد الخشاب إنّ من المؤكد أن اقتباس الأدب قد لعب دورًا لا يقل أهمية في توسيع قاعدة الصناعة السينماتوغرافية في مصر، مع إنتاج ما يقرب من 360 فيلمًا مستمدة من الأدب العربي والغربي ما بين عامي 1930 و2019.
وفي فلسطين، يمكن أن نسلّط الضوء على نصوص غسان كنفاني، حيث أنتجت أربعة أفلام روائية عن ثلاث روايات له، هي: رواية “رجال في الشمس” واقتبس منها فيلم (المخدوعون)، ورواية “ما تبقى لكم” واقتبس منها فيلم (السكين)، ورواية “عائد إلى حيفا” واقتبس منها فيلمان، السوري (عائد إلى حيفا)، والإيراني (المتبقي). كما يمكن أن نذكر الفيلم الروائي القصير “وصية أم سعد” (1976)، للمخرج العراقي حسن العبيدي، والمأخوذ عن رواية “أم سعد” لكنفاني.
وفي سوريا، يعتبر حنا مينه الكاتب الأكثر حظا في اقتباس رواياته، مثل رواية “الشراع والعاصفة”، ورواية “الشمس في يوم غائم” من إخراج محمد شاهين، ورواية “بقايا صور”، ورواية “على الأكياس” التي أخرجها قيس الزبيدي.
وفي العراق، كان للرواية الحظ الأوفر في الاقتباس، مثل فيلم “العاشق” من إخراج محمد منير فنري، عن رواية “مكابدات عبد الله العاشق” للروائي عبد الخالق الركابي، وفيلم “فتى الصحراء” من إخراج عبد السلام الأعظمي عن رواية “البطل الصغير” للكاتب محمد شمسي.
وفي تونس، نذكر فيلم “ليلة السنوات العشر” (1990) من إخراج إبراهيم باباي، عن رواية بنفس العنوان لمحمد صالح الجابري (1982). كما أخرج علي لعبيدي فيلم “برق الليل” الذي اقتبسه عن رواية تاريخية للكاتب التونسي البشير خريف.
الرّواية في السّينما الجزائرية
وفيما يخص النصوص الروائية الجزائرية التي تم اقتباسها للسينما، تعتبر دراسة مونة بن الشيخ (جامعة الجلفة) وأيضا دراسة عبد الله أوغرب (المركز الجامعي بريكة) أنّ أول مثال عنها كان “ذكريات معركة الجزائر” للمجاهد الراحل ياسف سعدي، إذ تم اعتبارها “رواية سير ذاتية”، وهي التي نتج عنها واحد من أعظم الأفلام الجزائرية “معركة الجزائر” بإخراج من الإيطالي جيللو بونتيكورفو سنة 1966.
كما نذكر أمثلة منها “الأفيون والعصا” لمولود معمري (1965)، التي أخرجها أحمد راشدي سنة 1969، في فيلم ثوري يحكي مأساة قرية “تالة” التي يقوم المستعمر بحرقها انتقاما من أبنائها من المجاهدين، و«كان المخرج يتصرّف بحرية في محتوى الرواية لهذا لم يكن الاقتباس حرفيا بل جاء حرا”.
ونذكر فيلم “ريح الجنوب” المقتبس عن رواية بنفس العنوان للروائي عبد الحميد بن هدوقة (1970)، وأخرجه إلى السينما محمد سليم رياض سنة 1975. ويعد “ريح الجنوب” من الاقتباس الأدبي المحلي، ويندرج في خانة اللجوء الكامل إلى العمل الأدبي، إذ حافظ الفيلم على جميع أبعاد الشخصيات والأحداث العامة والثانوية، إلا أن المخرج أحدث تغييرا في نهاية الفيلم لأنه جعل البطلة تهرب إلى العاصمة، فيما جعلها الكاتب تتردّد في الهروب وتفكر في الرجوع إلى بيت والدها.
أما فيلم “امرأة لابني” (1982) فاقتبسها المخرج والروائي علي غانم عن روايته التي تحمل العنوان نفسه (1979)، ويسرد الفيلم أحداثا عائلية عن الصراعات الاجتماعية والنفسية خلال العلاقات التقليدية والعصرية وخاصة في موضوع الزواج.
وتمّت أفلمة رواية رشيد ميموني “شرف القبيلة” (1989) على يد المخرج محمود زموري (1992)، ونذكر لمولود معمري أيضا رواية “الربوة المنسية” (1952) التي أخرجها عبد الرحمن بوقرموح بالعنوان ذاته عام 1998، في فيلم ناطق باللغة الأمازيغية. أما رواية “العسس” (أو الحراس، 1991) للطاهر جاووت، فاقتبس عنها فيلم “المشتبه فيهم” (2004) للمخرج كمال دهان.
ومن الروايات الجزائرية المؤفلمة رواية “موريتوري” (1997) لياسمينة خضرة (محمد مولسهول)، وأخرج الفيلم عكاشة تويتا (2007)، ونذكر أيضا فيلم “شاي آنيا” للمخرج الجزائري سعيد ولد خليفة (2009) اقتبسه عن رواية “إغفاءة الميموزا” (1998) للدكتور أمين الزاوي، ويحكي الفيلم حياة شاعر جزائري غارق في هاجس الخوف الذي رافقه خلال العشرية السوداء.
ثم تأتي رواية “فضل الليل على النهار” (2008) لياسمينة خضرة، التي حوّلها المخرج الفرنسي ألكسندر آركادي إلى فيلم عام 2012. وأيضا رواية “الاعتداء” لياسمينة خضرة (2005) التي حولها إلى فيلم المخرج اللبناني زياد دويري (2013).
ومن خلال دراسته للعلاقة بين النصوص الروائية والأفلام السينمائية الجزائرية، لاحظ الدكتور أوغرب نوعا من الإحجام عن الاستفادة من الإبداع اللغوي القابع في المدونة الروائية، وما يحمله النص الروائي من صور واقعية وتخييلية، داعيا إلى الاعتماد أكثر على هذا المخزون الإبداعي للنهوض بالسينما الجزائرية.
الرّوائي محمد جعفر: السّينما الجزائرية ازدهرت بفضل أعمال نهلت من الرّواية
يعتقد الروائي محمد جعفر أن العارف بالوضع يدرك مدى ازدهار الرواية الجزائرية المكتوبة باللغتين منذ زمن الاستقلال وإلى يومنا الحالي، وفي مقابل ذلك لا يخفى على أحد مدى التراجع الذي تعيشه الصناعة السينمائية في الجزائر منذ ما ينيف عن ثلاثة عقود.
قال جعفر: عندما نعرج على قائمة الأعمال السينمائية التي نهلت من الرواية نجدها انحصرت في غالبيتها خلال فترة السبعينيات وزمن رواج وازدهار فن السينما في الجزائر مع بعض الاستثناءات النادرة”، مؤكدا “إننا لا نزال حين نتحدث عن العناوين التي قدمت نلوك نفس العناوين القديمة (ريح الجنوب، الأفيون والعصا..)”.
واعتبر الروائي محمد جعفر أنّنا لن نناقش هنا كيف أن السينما العالمية ترتكز في شق واسع منها على الاقتباس من الأعمال الإبداعية الكتابية عامة (رواية، قصة، مسرح، فنون غنائية)، كما أن بعضا منها حظي برواج كبير وشهرة واسعة لاعتماده على كتاب بعينهم (عالميا بول أوستر كمثال، وعربيا نجيب محفوظ)، مشيرا إلى أن ذلك يحدث في بلدان تعرف زخما كبيرا حتى في عدد كتاب السيناريو المدهشين وأصحاب الاختصاص الذين طالما أتحفونا بأعمال خالدة، وهذا ما لا ينعكس عندنا، إذ نعاني فرقا شاسعا في التجارب، وفي طريقة الخوض فيها والتعامل معها، مضيفا بأنه يرى ضرورة التطرق إلى العلاقة بين الرواية الجزائرية والسينما، ويجدر بنا طرح سؤال على درجة عالية من الأهمية حول وضع وواقع الصناعة السينمائية في الجزائر.
وأشار محدثنا إلى أنّه وفي ظل مناخ لا ترعى فيه مؤسسات ثقافية راسخة المجال، وتغيب فيه أدنى مقومات التفاعل الثقافي حتى بين أصحاب الفن نفسه، لا يمكننا بأي حال من الأحوال الحديث عن تلاقح الفنون، بما يجعلها تأخذ من بعضها البعض، وأما الحديث عن العلاقة بين الرواية والسينما، فإنه يقود بالضرورة إلى جملة من المقارنات تنسف الفكرة من أساسها، يقول المتحدث.
المخرج شوقي بوزيد: الرّواية قاعدة لبناء سيناريوهات سينمائية محكمة
يرى المخرج شوقي بوزيد أن موضوع الاستعانة بالكتابات الروائية والاقتباس منها في فائدة بناء السيناريوهات السينمائية، فكرة جديرة بالاهتمام، وتستدعي التفات كل الأطراف المعنية بالموضوع لمناقشتها والتعمق في دراسة سبل تطوير صناعة وإنتاجية الفنون، بامتزاجها مع بعضها البعض في أعمال فنية تبقى خالدة في تاريخ الفن.
اعتبر محدث “الشعب” أن كثيرا من الزوايا تطرح في هذه الإشكالية، وهي مسألة لا تعني المخرج لوحده، حيث من المهم أيضا أن ينتبه كتاب السيناريو قليلا للرواية، ويأخذوها كقاعدة لكتابة النصوص السينمائية، مشيرا إلى أن الرواية تعد قاعدة جيدة لبناء سيناريوهات محكمة، فكل الشخصيات فيها مبنية بناء منطقيا دقيقا، كما أن العلاقات بين الشخصيات فيها واضحة وضوح الشمس، وحتى تلك العلاقات المبهمة لديها مبرراتها، مؤكدا أن عملية نقل الرواية إلى سيناريو، ستساعد كثيرا في إنتاج سيناريوهات مبنية بشكل جميل وأكثر صدق ووضوح.
من جانب آخر، قال المخرج شوقي بوزيد إنه من الجميل جدا لو يحاول بعض الروائيين بما أنهم ميالون للكتابة، تحويل أعمالهم الروائية إلى سيناريوهات، وبطبيعة الحال ليس كل الروايات يمكن تحويلها إلى سيناريو، فهناك روايات بائسة، وهناك روايات جميلة، وأيضا هناك روايات رائعة، وربما تحتاج العملية إلى إمكانات كبيرة.
وفي تحليله لأسباب تراجع الاهتمام بالرواية في صناعة السينما، قال شوقي بوزيد إن كثيرا من الفنون في زمن مضى كانت تحظى بمتابعة على نطاق أوسع، بما فيها الرواية والقصة والشعر وغيرها، وتعد مادة أولية مهمة لكثير من الأعمال السينمائية والمسرحية، إلا أن دخول أنترنيت وانتشار استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، غيّر كثيرا من المعطيات، وهو واقع إذا ما قسناه مع كثير من الفنون الأخرى، سنجده أثر عليها كذلك بطريقة أو بأخرى، رغم أن كثيرا من الكتاب الجدد مبدعون ولهم أعمال رائعة وأخرى متوسطة ويمكن تحويلها إلى سيناريوهات.
وأشار بوزيد إلى أنه لا وجود لمعلومة صحيحة ودقيقة في الواقع توضح أسباب تخلي السينما في الجزائر على الرواية وحتى الأعمال التلفزيونية الدرامية، ومع ذلك، من المهم العودة للرواية لكتابة السيناريوهات، لأن العمل سيكون جميلا جدا، وهذا سيساعد الرواية ويساعد في بناء سيناريو محبوك بطريقة جيدة يضيف المتحدث، مؤكدا أن الموضوع مهم جدا، ومن المهم أن يثرى بآراء كثير من المتدخلين في المجال لتحديد الأسباب الحقيقية وراء تراجع الاهتمام بالاستعانة بالرواية في السينما الجزائرية، ولماذا لا ينتبه الروائيون لمحاولة كتابة أعمالهم كأعمال للسينما، وكيف ينبغي أن يهتم كتاب السيناريو بها أولا من أجل توجيه المخرجين، وهو واقع يستدعي أيضا – كما أشار المخرج شوقي بوزيد – أن تتحرك وزارة الثقافة والفنون من أجل إطلاق مشاريع للتشجيع على إنتاج أعمال مقتبسة من الرواية الجزائرية، ولدعم أفضل الطاقات وتعزيز لفت الانتباه أكثر لهذا الجانب.
المخرج زرزور طبال: عوامل عديدة تعرقل اعتماد السينمــا على الرّواية بالجزائر
اعتبر زرزور طبال العلاقة بين السينما وفن الرواية علاقة أخذ وعطاء، فكل منهما استفاد من الآخر، بالرغم من تمتع كل فن بخصوصيات مختلفة عن غيره، إلا أن السينما تبقى المستفيد الأكبر من هذه العلاقة مقارنة بالكاتب المستفيد هو كذلك نوعا ما من السينما.
يقول مخرج الأفلام القصيرة والأعمال المسرحية زرزور طبال، في حديث لـ “الشعب” إن هناك العديد من الروايات كانت غير معروفة إلى حين تحويلها إلى أعمال سينمائية، ودخولها إلى الشاشة الكبيرة لتأخذ بذلك رواجا كبيرا وشهرة واسعة، فبناء المشهد تقنية سنيمائية عليا استفادت منها الرواية مثل “الفلاش باك” الذي دخل الرواية عن طريق السينما، رغم أن اللغة سريعة من حيث حركتها وانتقالها زمكانيا، إلا أن المخرج يعتمد على الصورة لقدرتها على الوصول إلى المتلقي، وجعله يتواصل مع الفكرة بشكل دقيق، مما جعل السينما تؤثر على المتلقي باعتمادها على الصور مما يسهل فهم السرد.
وعدّد المنتج الفني لعدد من الأعمال الهاوية على غرار “عباس بن فرناس” و«حكاية الحديقة” وغيرها، عددا من العوامل التي أصبحت تعوق اعتماد السينما على الرواية بالجزائر، رغم أن المخرج في السابق كان يعتمد عليها من خلال تحويلها إلى أعمال سينمائية يكللها نجاح عالمي، واكتساب الرواية لشهرة واسعة عما كانت عليه وهي في طيات الكتاب، وهذا بدءا من عملية تحويل الرواية إلى عمل سينمائي، والجهد الذي تتطلبه لفهمها وتحليلها من قبل المخرج، فهناك حرص كبير من المقتبس في تحليل الهيكل السردي، لتنطلق عملية الكتابة إلى السيناريو الذي يعتبر عملية دقيقة تقوم على تحويل الأحداث والشخصيات والحوارات من الرواية إلى سيناريو، ووجب أن يكون هذا الفعل مناسب للسينما أو التلفزيون، مما يرهق كثيرا من المبدعين في زمن الربح السريع، رغم أن الصناعة الفنية كما نقول في لهجتنا الجزائرية الشعبية “الشغل لمليح ايطوّل”.
في السياق، يضيف منظم عدد من الورشات التكوينية في الإخراج وصناعة الدمى بالعديد من ولايات الجنوب، أن عملية الاقتباس رغم أنها قد تكون كلية أو جزئية أو إيحاء، مما يحدث في نظره اختلافا بين الكاتب والمقتبس أو المخرج، لأن كاتب الرواية يجعلها ذات خصائص أدبيّة وجماليّة من جانبها اللغوي الخاص، ولسرد نكهته في الرواية باعتبارها إبداعا شخصيا متفردا، بينما نجد للمخرج اعتبارات فنية وبصرية قوية، لهذا لا يمكن لمخرج الفيلم أثناء كتابة السيناريو أن يحتفظ بالمشاهد الوصفية في الرواية، لأن الوصف هنا عند كاتب الرواية بالسرد، وعند المخرج بالكاميرا، ما يجعل كثيرا من الروائيين يرفضون تحويل أعمالهم إلى أفلام أو مسلسلات، على غرار “غابرييل غارسيا ماركيز”، الذي يرفض تحويل رواياته إلى أفلام لأنه يريد أن يبقى القارئ بانطباعه البصري والخيالي، فهو يحترم خيال القارئ كما يعتقد ويريده أن يحتفظ بمواصفات الشخصيات والأماكن التي رسمها، كما يوجد عدد من الكتاب لا يحبون اختزال أعمالهم، فالمتعة عند الكاتب أن يحتفظ القارئ بمتعة القراءة والتخيل وغيرها.
هناك عامل تكوين المخرجين باللغة الفرنسية، يقول زرزور طبال، وهو ما يعيق عملية اقتباس أو تحويل الرواية إلى عمل سينمائي، إلى أن يتم ترجمة هذه الأعمال الأدبية إلى الفرنسية، على غرار أعمال الكاتب الراحل الطاهر وطار مثل قصة “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” ممّا جعل المخرج زياني شريف عياد يقتبسها إلى عمل مسرحي، تفنّـن في أدائه كبار الفنانين على الركح، بالإضافة إلى أعمال أخرى له لو لم تترجم إلى الفرنسية لما تبناها المخرجون، ولما تم تحويلها إلى الشاشة الكبيرة أو الصغيرة.
هناك معيق آخر لعملية الاقتباس، وهو المتمثل في إشكالية الثيمة المتناولة في الرواية أو القصة، وهي ذلك الموضوع الذي يتناوله النص، وقد يتعارض أو ينافي توجهات جهة ما أو يحمل ضعفا في الحبكة.
وختم المتحدث حديثه بالتطرق إلى عقلية الربح السريع التي وصفها بـ«الفيروس”، الذي صار يلهث وراءه العديد من المخرجين لضمان الربح، على حساب المشهد الناضج فنيا.
الكاتب والسيناريست عيسى شريط: الأفلام الجزائرية المقتبسة من الرّوايات ناجحة
أكّد الكاتب والسيناريست عيسى شريط على أهمية عملية الاقتباس وإدراجها ضمن الضرورة الملحة، والمساعدة على إنتاج أعمال سينمائية ناجحة وذات بعد عالمي، قال في تصريح لـ “الشعب” إننا لا نتحدث عن علاقة السينما، أو العمل السمعي البصري في عمومه بالرواية، إنما عن عملية الاقتباس أي تحويل العمل الأدبي رواية وقصة إلى فيلم سينمائي، أو مسلسل درامي.
قال شريّط إن السينما تُعدّ فنّا معاصرا مقارنة بالرواية التي سبقتها في الظهور، في بداياتها الأولى ولتصوير أول فيلم طويل اعتمدت السينما على فعل الاقتباس من الرواية، وكانت ولادة أول فيلم طويل صامت “رحلة إلى القمر”، لمخرجه الفرنسي “جورج ملياس”، والذي استوحى أحداثه من روايتي الكاتب جول فيرن “من الأرض الى القمر”، و«حول القمر”، مشيرا إلى أن هذا ما يؤسس لأهمية عملية الاقتباس، ويدرجها ضمن الضرورة الملحة والمساعدة على إنتاج أعمال سينمائية ناجحة وذات بعد عالمي.
وأفاد شريط أنه، “بالنسبة للسينما الجزائرية كل الأفلام التي اعتمدت على الرواية كانت ناجحة فعلا، وذلك لسبب بسيط هو إقحام كاتب أدبي بشكل غير مباشر عبر روايته المقتبسة فضلا عن المخرج والسيناريست، وأضاف: “لكن الملاحظ أن أغلب الروايات المقتبسة هي تلك التي كُتبت باللغة الفرنسية، باستثناء رواية ريح الجنوب للمرحوم عبد الحميد بن هدوقة”.
في السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أن عزوف المخرجين حاليا عن اعتماد الأعمال الأدبية لاقتباسها وتحويلها إلى أفلام أو أعمال درامية، يعود إلى جملة من الأسباب الموضوعية، وذكر منها: “أولا، هذا العزوف يكشف لنا جليا أن أغلب السينمائيين الجزائريين مخرجين ومنتجين لا يقرأون، ولا دراية لهم إطلاقا بما يُنشر من إبداعات روائية وقصصية، وإذا ما اطلعوا فيقتصر ذلك على الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية، والتي يصل إليهم صداها في الغالب من خارج الحدود، أما الرواية المعربة فلا حظ لها على الاطلاق في عملية الاقتباس، فأغلب المخرجين ينجذبون إلى اللغة الفرنسية. ومن بين الأسباب أيضا، الجانب المادي، فأغلب المخرجين يفضلون إخراج سيناريوهاتهم للاحتفاظ بكامل حقوق التأليف بدلا من اقتسامها مع كاتب، أو سيناريست اللذين يُعدان غرباء عن الفضاء السينمائي”.
وأوضح السيناريست عيسى شريط: “في الحقيقة عملية اقتباس رواية وتحويلها إلى فيلم لا تأتي عادة بمبادرة من المخرج، أو السيناريست..فالذي يقترح عادة هو المنتج، وعندما يُعجب برواية معينة، ويرغب في انتاجها، يتواصل مع سيناريست محترف لتحويلها إلى فيلم سينمائي أو غيره، بعدما يقوم بإجراءات التواصل والتفاهم مع مؤلف الرواية حول مجمل الحقوق، ونادرا ما يبادر بذلك سيناريست أو مخرج؛ لأنه لا يضمن عملية إنتاج المشروع”.
وختم شريط قائلا: “عملية الاقتباس تعود أساسا الى مبادرة المنتج، لكن في الجزائر حاليا لا يوجد منتج حقيقي باستثناء القطاع العمومي، كمؤسسة التلفزيون، ووزارتي الثقافة والمجاهدين، وفي انتظار ظهور منتجين حقيقيين بدلا من المنتجين المنفذين، يمكننا حينها الطموح إلى التأسيس لعمليات الاقتباس من الابداعات الأدبية”.