الأحكام التي أصدرتها “العدل الدولية” ولا النداءات التي أطلقتها المجموعة الدولية استطاعت أن تكبح جنون الإرهاب الصهيوني الذي يواصل إراقة دماء الفلسطينيين للشهر العاشر على التوالي، ويمعن في إبادة الحياة بقطاع غزّة، مستعملا كل وسائل الإجرام المتاحة من قصف وتدمير وتجويع وتهجير واعتقال وتعذيب.
في ظرف أربعة أيام فقط، ارتكب الجيش الصهيوني أربع مذابح مروّعة بقصفه مدارس تؤوي فلسطينيين اضطروا للنزوح من بيوتهم بسبب العدوان الغاشم الذي بدأ في أكتوبر الماضي.
وأدى القصف الصهيوني على المدارس الأربع إلى مجازر فظيعة، أسفرت عن استشهاد 73 فلسطينيا على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وإصابة الكثير من الأشخاص.
وأولى هذه الهجمات، نفذت في 6 جويلية على مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم النصيرات وسط مدينة غزة والتي لجأ إليها حوالي ألفي نازح، وقد استشهد ما لا يقل عن 16 شخصا، معظمهم نساء وأطفال، وأصيب 50 آخرون.
وفي 7 جويلية، قصف جيش الاحتلال مدرسة “العائلة المقدسة” شمال غزة، واستشهد 4 فلسطينيين وأصيب عدد كبير منهم.
وفي 8 جويلية، تعرضت مدرسة تابعة لوكالة الأونروا في النصيرات هي الأخرى للقصف، مما أسفر عن إصابة العديد من الأشخاص.
وفي 9 جويلية، أضاف الجيش الصهيوني مجزرة جديدة إلى سجله الإجرامي، بقصف باب مدرسة “العودة” التي تؤوي نازحين فلسطينيين في بلدة عبسان شرقي محافظة خان يونس. وأدى الهجوم إلى استشهاد 53 فلسطينيا وإصابة العشرات من المدنيين، معظمهم أطفال ونساء.
الملاجئ باتت مصايد للموت
وكما سبق ولاحظنا، فإنّ جلّ الهجمات الصهيونية تستهدف مدارس “الأونروا” التي تحوّلت إلى أفخاخ للموت بعد أن وضعها الاحتلال على رأس أهدافه العسكرية، حتى لا يترك مجالا لنجاة الفلسطينيين من جهة، وحتى يتخلّص من هذه الوكالة الأممية التي تتعرّض لحرب صهيونية شرسة لإرغامها على وقف مهمّتها الإنسانية التي بدأتها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين عام 1949.
وقد أورد مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، فيليبي لازاريني، أمس، “ان جيش الاحتلال قصف ثلثي مدارس الوكالة منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي، بعضها تم تفجيره بشكل كامل، والعديد منها لحقت بها أضرار بالغة”.
وأكد لازاريني، أن “المدارس تحولت من أماكن آمنة للتعليم والأمل للأطفال، إلى ملاجئ مكتظة، وغالبًا ما ينتهي بها الأمر إلى مكان للموت والبؤس”. وبيّـن أنه “بعد مرور تسعة أشهر من الحرب، وتحت أنظارنا، لاتزال عمليات القتل والدمار مستمرة بلا هوادة”.
وشدد على أن “غزة ليست مكانا آمنًا للأطفال”، مؤكدا أن “التجاهل الصارخ للقانون الإنساني الدولي لا يمكن أن يصبح الوضع الطبيعي الجديد”. وطالب بـ “وقف إطلاق النار فورا قبل أن نفقد ما تبقى من إنسانيتنا”.
ويبدو جليّا بأن مطاردة الكيان الغاصب لـ«الأونروا” ستشتدّ في قادم الأيام بعد أن صادقت اللجنة الخارجية والأمن في البرلمان الصهيوني” الكنيست”، أمس الأول الثلاثاء، على مشروع قانون لإعلان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “منظمة إرهابية”، وطبعا استهداف “الأونروا” هو استهداف للفلسطينيين الذين لا يجدون ملجأ أو دعما إلا في مراكزها.
إعدامات ميدانية وجثث تنهشها الكلاب
في سياق متصل، تحدث عساكر صهاينة عن المجازر التي يرتكبها الجيش الصهيوني ضد المدنيين في غزة قائلين، “إن الجيش فتح النار على المدنيين بشكل عشوائي، ودمر المنازل بإشعال النار فيها، وكانت الشوارع مليئة بالجثث”.
وأضافوا، بأن “قوات الاحتلال تقوم بشكل روتيني بإعدام المدنيين الفلسطينيين بسبب دخولهم المناطق التي يعتبرها مناطق محظورة”، وبأن “جثث المدنيين القتلى تُركت لتتعفن وتأكلها الحيوانات الضالة”، وأشاروا إلى أن الجيش أخفى هذه الجثث قبل وصول قوافل المساعدات الدولية.
وذكر إثنان من العساكر، أنهما شاهدا “إحراق منازل الفلسطينيين بشكل منهجي بعد احتلالها”. وأوضحا كيفية استهداف المدنيين الفلسطينيين قائلين: “حتى أي شخص ينظر إلى قوات الاحتلال من النافذة كان يُعتبر مشتبها فيه ويتم إطلاق النار عليه”.
استمتاع بالقتل والتدمير
والمثير للصدمة والغثيان، ليس حدّة الإجرام الذي يسكن الجيش الصهيوني والذي يجعله أكثر جيش دموي في العالم، بل جرأته على تجاوز كل قوانين الحرب والاشتباك والجهر والافتخار بالمجازر التي يرتكبها والتي قد تكون دوافعها مجرّد إحساس بالملل. وبالخصوص كشف بعض العساكر الصهاينة عن إعدامهم لفلسطينيين دون سبب واضح، فقط لأنهم يشعرون بالملل.
كما أكّدوا بأنّهم يستمتعون بتدمير المباني من مساكن ومستشفيات وعيادات ومدارس ومؤسسات دينية ومباني منظمات دولية دون تفويض أعلى.
ولا يكتفي الجيش الصهيوني بالقتل والتدمير، بل يصرّ في كلّ مرّة على الاحتفال بمجازره، فعندما تبثّ الطائرات المسيّرة لقطات حيّة لهجماته في غزة، “كان هناك هتافات فرح في غرفة العمليات”، وذلك بحسب ما قاله ضباط صهاينة.
الأسرى الفلسطينيون مأساة مروّعة
إن الحديث عن واقع الأسرى الفلسطينيين وما يتكبّدونه على أيدي السفّاح الصهيوني أمر مروّع ويستدعي تحرّكا دوليا مستعجلا لوقف عمليات التعذيب التي تطال المعتقلين من قطاع غزّة، والذين استشهد الكثير منهم في المعتقلات، بينما يعاني الباقون الويلات حيث فقدوا أوزانهم بسبب التجويع وأصيبوا بأمراض جسدية ونفسية لا علاج لها.
ويجسّد المعتقل الفلسطيني معزز عبيات، الذي أفرج عنه الاحتلال بعد قضاء 9 أشهر في الاعتقال الإداري، صورة حيّة للانتهاكات التي تطال الأسرى الفلسطينيين، حيث ظهر في حالة صحية مزرية تعكس المعاناة التي عاشها خلال فترة احتجازه.
ووثق مقطع فيديو لحظة الإفراج عن الأسير عبيات، حيث يظهر في المشهد وهو في حالة مزرية جدا، وعدم قدرته على السير بشكل سليم، وتأكيده أن وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير رقص على جسده بعد تعذيبه بشدة.
وأفاد نادي الأسير في بيان، أن عبيات (37 عاماً) أُفرج عنه من سجن النقب، موضحا أنه تعرض للضرب المبرح أثناء عملية اعتقاله في أواخر شهر أكتوبر 2023، وخاصة على قدميه.
وأوضح النادي، أن عبيات واجه سلسلة من الاعتداءات بالضرب والتعذيب خلال فترة اعتقاله، بالإضافة إلى التجويع والجرائم الطبية التي ساهمت في تدهور حالته الصحية.
وأكد البيان، أن “الكلمات الأولى للمعتقل عبيات بعد الإفراج عنه كانت أنه تعرض لمحاولة قتل أكثر من مرة”.
وحمل نادي الأسير “سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الوضع الذي خرج به المعتقل معزز”، مطالبا المؤسسات الحقوقية الدولية بتحمل مسؤولياتها.
ولا يكتفي الاحتلال بتعذيب الأسرى الفلسطينيين، بل لجأ مؤخّرا الى اغتيالهم بعد الإفراج عنهم.
وقد أدان نادي الأسير، جريمة الإعدام الميداني التي نفذها جيش الاحتلال بحق أربعة أسرى من غزة. وقال في بيان صدر عنه، يوم الأحد، إنه بحسب المعلومات المتوفرة، فإن “الأسرى الأربعة هم من العاملين في تأمين المساعدات في غزة، وقد استهدفهم الاحتلال فور الإفراج عنهم عند معبر (كرم أبو سالم)، حيث جرى انتشال جثمان أحدهم يوم أمس الأول، وثلاثة صباح أمس، وتوضح صور عملية انتشالهم ونقلهم، وجود القيود على أيديهم، إضافة إلى آثار التعذيب”.
وأوضح، أن المعطيات الأولية المتوفرة حول هذه الجريمة، وبحسب إفادة أولية لأحد الناجين من بينهم، أن قوات الاحتلال اعتقلت ما يقارب 15 شخصا من بينهم مجموعة من العاملين في تأمين المساعدات، إذ استمر جيش الاحتلال في اعتقالهم لمدة أربعة أيام، وخلالها تعرضوا لعمليات تعذيب، وضرب وإذلال، إلى جانب احتجازهم في ظروف قاسية، وحاطّة من الكرامة الإنسانية.
من لم يرتق في السجن يغــتال خارجه
وتابع نادي الأسير، أن الاحتلال قتل العشرات من معتقلي غزة، سواء في السجون والمعسكرات، أو بإعدامهم ميدانيا، لافتا إلى أن ستة من معتقلي غزة تسنى للمؤسسات الإعلان عن هوياتهم وهم من بين (18) شهيدا من بين الأسرى المعتقلين الذين ارتقوا في السجون منذ بدء حرب الإبادة وتم الإعلان عنهم، فيما يواصل الاحتلال إخفاء هويات العشرات من معتقلي غزة الذين ارتقوا في السجون والمعسكرات، كجزء من جريمة الإخفاء القسري التي يتعرض لها معتقلو غزة.
وأكد نادي الأسير، أن شهادات المعتقلين والأسرى لاتزال تعكس مستوى غير مسبوق من تاريخ سياسة التعذيب التي انتهجها الاحتلال على مدار عقود طويلة بحق الأسرى والمعتقلين في سجونه ومعسكراته، ورغم مرور 279 يوما على الإبادة، إلا أن شهادات المعتقلين والأسرى لاتزال في مستوى الشهادات نفسها التي تلقيناها في بداية الحرب، علما أن سياسة التعذيب هي جزء من سلسلة من السياسات والجرائم الممنهجة التي فرضتها منظومة الاحتلال على الأسرى منذ بداية العدوان، والتي من أبرزها: جريمة التجويع، والجرائم الطبية، التي أدت في مجملها، إلى استشهاد العشرات من الأسرى والمعتقلين، إذ سُجل أعلى عدد من الشهداء بين صفوفهم في تاريخ الحركة الأسيرة.
المنظمات الدولية لا تحرّك ساكنا
وأضاف نادي الأسير، أن الاحتلال لا يكتفي حتى اليوم بما ارتكبه من جرائم أمام مرأى من العالم وأمام عدسات الكاميرا، بل يواصل التحريض على قتل الأسرى والمعتقلين كوجه من أوجه الإبادة، ويواصل الوزير المتطرف بن غفير بشكل خاص حملته التحريضية على قتل الأسرى وتعذيبهم وتجويعهم، وقد شكل معسكر (سديه تيمان) العنوان الأبرز لهذه الجرائم، إلى جانب عدة سجون أخرى منها سجنا (عوفر، والنقب)، ويرجح أن يكون هناك سجون سرية يحتجز فيها الاحتلال معتقلين من غزة.
وجدد نادي الأسير نداءاته ومطالباته إلى هيئة الأمم المتحدة بضرورة فتح تحقيق دولي محايد، في الجرائم المستمرة بحق المعتقلين والأسرى، وجرائم الإعدام الميداني، مطالبا المنظومة الحقوقية الدولية، بتحمل مسؤولياتها اللازمة أمام كثافة هذه الجرائم، وإنهاء حالة العجز التي تلف دورها، واتخاذ إجراءات واضحة في سبيل محاسبة الاحتلال، الذي يواصل ممارسة جرائمه بضوء أخضر من قوى دولية واضحة عملت على دعمه على مدار عقود، وقد ساهمت حالة الصمت، وغياب المحاسبة في استمرار هذه الجرائم التي تستهدف الوجود الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير.
التجويع وسيلة للإبادة
القصف والغارات، ليست الوسيلة الوحيدة التي يستعملها الكيان الصهيوني للإجهاز على الفلسطينيين، بل إنّه يراهن كثيرا في حربه الدموية على استخدام سلاح التجويع الذي حوّل آلاف الأبرياء إلى أشباح تمشي على الأرض.
وبالخصوص، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، أمس الأربعاء، إن جميع أنحاء قطاع غزة تشهد مجاعة ناتجة عن “التجويع الصهيوني المتعمد ضد الفلسطينيين”.
وأفادت ألبانيز على منصة “إكس”، بأن “هناك مجاعة في جميع أنحاء غزة”.
وأوضحت أن المجاعة جاءت “نتيجة للتجويع المتعمد الذي يمارسه الكيان ويستخدمه كجزء من حملة الإبادة الجماعية التي تشنها ضد الفلسطينيين”.
وجراء العدوان وقيود الاحتلال، بات سكان غزة ولاسيما محافظتي غزة والشمال، على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من السكان القطاع الذي تحاصره قوات الاحتلال منذ 17 عاما.
بعد كل الحقائق المروّعة التي تمّت الإشارة إليها، نذكّر في الأخير، بأنه منذ 7 أكتوبر الماضي، خلفت حرب الإبادة الصهيونية أكثر من 126 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال. ورغم هذه الأرقام الرهيبة، فإنّ العالم لا يبدو مباليا بمعاناة الفلسطينيين ولا مستعجلا لوقف المذبحة، حيث مازال السلاح الفتاك يصل الكيان بشكل منتظم، ومجلس الأمن مازال يعارض أي قرار ينهي العدوان، وما تسمى بمفاوضات وقف القتال بدون أي نتائج، الأمر الذي يؤكّد بأن نهاية الكابوس قد لا تكون غدا.