صدر عن دار “خيال”، كتاب قيّم في التاريخ الثقافي لمنطقة زمورة وأعلامها، ممّن ارتبطت مسيرتهم بالفقه والشريعة والأدب والتفسير، تطرق فيها صاحب الكتاب إلى الإسهامات الثقافية لأكثر من 17 عالما من منطقة برج زمورة إبان الحقبة الاستعمارية، موثقة بنصوص ووثائق محققة تنشر لأول مرة، اجتهد صاحبها على مدار أكثر من 20 عام في جمعها وتتبع كل صغيرة وكبيرة لإنجاز هذا الكتاب القيم.
جاء كتاب “زمورة العالمة” لصاحبه عبد الحليم بن خضير بوبكر المهتم بالجانب التاريخي والثقافي لمنطقة زمورة وأعلامها في فصلين قيمين، الأول يتعلق بتراجم علماء المنطقة، تناول فيه أزيد من 17 عالما، أما الفصل الثاني فقد أفرد فيه صاحب الكتاب 80 مراسلة نادرة تنشر لأول مرة كان يترأسها علماء ومشايخ زمورة فيما بينهم وبين باقي العلماء في مختلف البقاع الإسلامية، حيث تتناول مختلف جوانب الفقه والثقافة، بل حتى الأدب والشعر.
ويؤكد صاحب الكتاب في حديث لـ “الشعب”، أن هذا المنجز يعتبر ثمرة لمجهود استمر لأزيد من 25 سنة من البحث والتحقيق في نصوص ومراسلات علماء منطقة زمورة، سعى من خلالها إلى تجسيد طموحه العلمي الذي راوده منذ أيام الدراسة الجامعية، لما تملك المنطقة من رصيد ثقافي كبير في الفقه الإسلامي وتفسير القرآن اشتهر بها علماء “زمورة” منذ قرون، فكانت حافزا لتجسيد فكرة انجاز كتاب “زمورة العالمة”، وكتب أخرى لا تزال قيد الطبع.
وقال إنه كان يسافر في كثير من المرات إلى خارج الوطن من أجل جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات عن بعض العلماء، يقضي فيها شهورا في العواصم العربية في تحقيق تلك الرسائل وجمعها، آخرها السفر إلى دولة مصر من أجل تحقيق بعض المراسلات الخاصة بأحد علماء المنطقة، مبرزا في السياق بأن الكتاب يعتبر سابقة في التاريخ الثقافي للمنطقة وأعلامها، إذ لم يسبق أن تناول كاتب هذا الإرث الثقافي بهذا المنوال سوى بعض الكتابات التي تناولت شخصيات معينة مفردة عن منطقة برج زمورة، أما التراجم بهذا المنوال ـ حسب المتحدث ـ فلم يسبق أن تناولها أحد من الكتاب من قبل، الأمر الذي استغرق سنوات لجمعها كلها في كتاب واحد، مكتشفا خلال رحلته البحثية علماء درسوا في جامع الأزهر بمصر ودفنوا فيها، بالرغم من أن مسقط رأسهم كان في منطقة زمورة، على غرار العالم الشيخ الحسين البوزيدي الذي ولد بمنطقة زمورة وتتلمذ على يد مشايخها في العلوم الشرعية، لينتقل إلى زاوية الهامل، التي درس بها وتتلمذ على يد عدد من مشايخها، ليتوجه إلى ممارسة التعليم بجامع الأزهر أين لاقته المنية ودفن بها.
وأضاف خضير أن بحوثه حول هذا العالم وتضمينها في كتاب “زمورة العالمة”، جعلته يتنقل إلى مناطق متفرقة من الجزائر على غرار الجنوب الكبير، ومنطقة القبائل كل ذلك من أجل تتبع مسيرة حياته وتحقيق بعض من نصوصه العلمية والثقافية، مبرزا في سياق حديثه عن الكتاب بأن دراسة وجمع المعلومات حول هؤلاء الأعلام ارتبطت في مجملها بالفترة التاريخية الممتدة من 1830 إلى غاية يومنا هذا، معربا عن نيته في تدعيم الساحة المعرفية والعلمية بكتب جديدة تتناول التاريخ الثقافي للمنطقة وعلمائها خلال الفترة العثمانية مع إفراد كتاب آخر حول سيرة الشيخ العالم الحسين البوزيدي لا يزال قيد الطبع.
أما في حديثه عن القيمة العلمية التي يقدمها “زمورة العالمة”، فقال الكاتب إنها تكمن في التعريف ببعض العلماء الجزائريين المنسيين لدى الأوساط العلمية والبحثية، من خلال إبراز إسهاماتهم ومسيرتهم العملية بنوع من التفصيل، يتجاوز تلك التعريفات العامة الوجيزة الواردة في بعض كتب السيرة والتراجم، على غرار الشيخ الحسين الورثيلاني الذي تصلح كتبه أن تكون مشروعا لرسالة الدكتوراه، خاصة فيما تعلق بإسهاماته في الجانب الأدبي التي فاقت 16 نصا شعريا قديما يمكن جمعها في ديوان شعري، ناهيك عن أنه يمكن أن تعقد عن إسهاماته ندوات فكرية وشعرية، كما أن الكتاب يركز على النتاج الثقافي والمعرفي، ما يفتح الباب أمام الطلبة والباحثين في الدراسات العليا إلى خوض غمار هذا الباب، وبالتالي إثراء الساحة العلمية والثقافية بكتب تبرز مدى هذا الزخم الثقافي والتاريخي الذي تملكه منطقة زمورة ببرج بوعريريج.