يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، إدريس عطية أن الزيارات الميدانية للولايات التي يقوم بها رئيس الجمهورية، مرتبطة بمنهجية عمل قائمة على ثلاث نقاط رئيسية تتعلق بتدشين المشاريع التي تم انجازها والنظر إليها كمكاسب وطنية ومحلية، ومن جهة أخرى معاينة ومتابعة المشاريع التي هي قيد الانجاز خاصة التي تم رفع التجميد عنها سواء خلال فترة كورونا أو في الفترة السابقة أو تلك التي تم بعثها أخيرا، ناهيك عن تدشين مشاريع جديدة ذات الأولوية والمرتبطة بحاجيات الساكنة المحلية أو بمطالب المجتمع المدني.
يوضح الأستاذ إدريس عطية في تصريح لـ «الشعب» أن رئيس الجمهورية يحرص في المنهجية العامة على هندسة هذه الزيارات الميدانية من خلال لقاءاته سواء مع المواطنين والدليل على ذلك الترحاب الواسع الذي قوبل به في كل ولايات الوطن آخرها تيزي وزو والذي كان على عدّة مستويات، حيث أكدت هذه الولاية على الوحدة الوطنية، معطية بذلك الجواب الشافي والكافي لأعداء الوحدة الوطنية داخل الوطن وخارجه. واعتبر المتحدّث أن الترحيب من خلال البراعم والأطفال الذين تحدثوا باللّغة العربية كلغتنا الوطنية واللّغة الأم الأمازيغية جزء من الوطنية وباللغة الانجليزية كلغة حيّة وهي لغة العلم والأعمال ولغة الكمبيوتر تأكيد على أن أطفال المستقبل مرتبطين بالتطوّرات العلمية والتكنولوجية العالمية.
ويرى المتحدّث أن لقاء رئيس الجمهورية بالأعيان في كل الولايات وخاصّة ولاية تيزي وزو، أو ما يصطلح عليه في الأدبيات السياسية بالمجتمع الأهلي لأنهم يشكلون نظام قبلي أو نظام مشكّل من الأعيان أو نظام مشكّل من العشائر في إطار تنظيم التقليدي، وهو مرحلة سابقة ومرحلة تاريخية مقارنة بالمجتمع المدني المنظم وفق أطر قانونية وجوانب موضوعة وبالتالي نظام «تاجماعت» في ولاية تيزي وزو وغيرها من الأنظمة التقليدية داخل المجتمع الجزائري في شرق البلاد وفي وسطها وفي غربها وأيضا بالجنوب الجزائري كلّها تؤكد تماسك المجتمع الجزائري وعلى الرؤية السليمة لإدارة الكثير من المشاكل أو التحدّيات المحلية بطريقة ايجابية وبشكل استباقي.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية أن مثل هذه الأنظمة التقليدية من شأنها التخفيف على الدولة الكثير من الجهود المضنية، وتعزّز دائما حضور صوت العقل وربط ذلك دائما بهوّيتنا الوطنية سواء تعلّق الأمر بلغتنا الوطنية أو الدين الإسلامي أو العادات والتقاليد وغيرها من مكوّنات المجتمع الجزائري، مشيرا إلى أن ذلك يعدّ خطوة ايجابية وتؤكد في نهاية المطاف على أن الدولة الجزائرية هي دولة غنّية ثقافيا لأنه يوجد تنوّع طبيعي داخل المجتمع الجزائري غنية على المستوى الثقافي وهذا التنوّع أيضا يمكن أن يعزّز حضورنا الإقليمي والدولي وكذا تصوراتنا المستقبلية حول القوّة الناعمة.
في المقابل أشار عطية إلى أن ذلك لا يعني الوقوف عند خصوصية ثقافية معينة بل على العكس يجب الاستفادة من التنوّع الطبيعي والايجابي وإلى جانب ذلك يراد اليوم إلى الربط بين هذه الأنظمة التقليدية وعلى رأسها نظام «تاجماعت» والمتمثلة في المجتمع الأهلي وأيضا المجتمع المدني الذي أصبح أكثر تنظيما، حيث يسعى رئيس الجمهورية إلى جعله مؤسسة قائمة بل ارتقاء به كقطاع ثالث إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص.
وبحسب المتحدّث يعدّ هذا الأمر تصوّر جدّ مهم، لأن ممثلي المجتمع يمثلون انشغالات مختلفة، ويرافعون لصالح قضايا ونقاط معينة، تحظى باهتمام واسع من المواطنين وهي خطوة ايجابية تختصر المسافة على رئيس الجمهورية وعلى الكثير من المسؤولين المركزيين من خلال اللقاء المباشر مع المجتمع المدني، مع أن الرئيس حتى في زيارته لكثير من الولايات بما فيها تيزي وزو تلقى عروضا حول واقع التنمية من طرف والي الولاية ناهيك عن العديد من التقارير القطاعية والأسلاك المختلفة واللّجنة الأمنية فكلّها تشتغل على مواضيع التنمية وعلى تلبية حاجيات المواطن إلى جانب المتابعة اليومية والدورية بالنسبة لشخص رئيس الجمهورية للأوضاع الوطنية وبالخارج وهذا يدخل في صميم مهامه كونه المسؤول الأوّل عن البلاد.
وأكد الأستاذ أنه رغم أن رئيس الجمهورية صانع القرار المباشر، إلا أن الدولة الجزائرية من خلال تبنيه للمقاربة التشاركية جعل من المجتمع المدني جزءا من عملية صناعة القرار، حيث بإمكان هذا الأخير أن يكون صانع السياسات خاصّة في الإطار المحلي من خلال الاعتراف بالمجتمع المدني كشريك في الإدارة المحلية وأداة للربط بين المواطن والإدارة أو بين المواطن والمرافق العمومية وهذا ما يعزّز دائما عملية بناء ثقة بين الأطراف الثلاث المواطن أو الساكن المحلي، المجتمع المدني، والمرفق العمومي في إطار الديمقراطية التشاركية.
وتحترم هذه الديمقراطية التشاركية التنوّع الطبيعي داخل المجتمع الجزائري كمواطنين كأنظمة تقليدية من خلال النظر إلى أنظمة الأعيان التفقدية على غرار «تاجماعت»، أو كمجتمع مدني حتى الارتقاء إلى المجتمع السياسي المشكّل من الأحزاب، لكن عادة اهتمامات الأحزاب هي سياسية بالأساس وهي أيضا وطنية غير محدّدة حصريا في ولايات معينة، حيث قد تكون للأحزاب اهتمامات خارجية من خلال الدبلوماسية الحزبية أو مرافقة جهود الدولة في الكثير من النشاطات، وهذا ما يؤكد عليه رئيس الجمهورية على أن الدولة تمارس نوع من المرونة في علاقتها بالجميع وهي خطوة ايجابية تشاركية منفتحة على كل الفاعلين الجمعويين الفاعلين المدنيين أو أيضا الفاعلين السياسيين.
وبخصوص استحداث ولايات منتدبة على غرار ما تم في ولايات الهضاب العليا والسهوب، فحسب المتحدّث كلها تمثل إستراتيجية مهمة في انتظار الانتهاء من قانون الجماعات الإقليمية الذي يجمع ما بين قانوني البلدية والولاية، وهذا يطرح إمكانية ذهاب رئيس الجمهورية خلال المرحلة القادمة إلى استحداث بلديات جديدة مرتبطة دائما بحاجة المواطن لأن البلديات هي الأولى وهي الأقرب للمواطن ما يعني وجود حاجة لتعزيز هذا من خلال استحداث ولايات منتدبة وهي خطوة ايجابية تعمل دائما على خلق حركية داخل الإدارة.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، تبرز أهمية البلدية انطلاقا من أن الكثير من صلاحيات الولاية أصبحت موجودة لدى البلدية وبالتالي لا بد من وضع إستراتيجية متناغمة بين الولايات الجديدة وحتى البلديات الجديدة إذا سمحت الفرصة في ذلك.