تشهد الجزائر طفرة نوعية في مجال الإسكان وتشييد المدن والأقطاب الحضرية الكبرى، تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي يهدف إلى إنجاز مئات الآلاف من الوحدات في ظرف وجيز، استجابةً لطلبات المواطنين وتطلعاتهم وآمالهم في الحصول على سكن لائق للعيش الكريم.
ملف: سفيان حشيفة وعلي عويش وكمال زقاي ورابح سلطاني
تعد الجزائر من بين الدول القلائل في العالم التي اتّبعت سياسة اجتماعية واضحة في مجال توفير السكنات بأنواع مختلفة تتناسب والقدرات المالية للمواطنين، وحسب مناطق سكناهم الحضرية أو الريفية، ولعلّ أبرز تلك الصيغ يوجد السكن الاجتماعي العمومي الإيجاري والبيع بالإيجار «عدل» والسكن الريفي وغيرها.
وقد تضمّن قانون المالية لسنة 2024م ما يناهز 460 ألف وحدة سكنية بمختلف الأنماط، من بينها 230 ألف سكن ريفي موجها للمناطق المصنفة ريفية، وهو ما أثار استحسان المواطنين الراغبين في التسجيل للحصول على سكن، خاصة بالمدن التي عرفت تشييد أحياء وأقطاب سكنية جديدة بالمرحلة الأخيرة.
تدابير استباقية لتوطين مشروع “عدل 3” في 58 ولاية
وفي ظل تزايد الطلب على السكن من مختلف فئات المجتمع، أقرّ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون برنامج «عدل 3» خلال زيارته لولاية الجلفة، الذي يستهدف الطبقة المتوسطة، ويُرجى منه تلبية احتياجات المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية بين العائلات الجزائرية، حيث فُتحت المنصة الإلكترونية الخاصة بالصيغة أمام الراغبين في التسجيل ليلة الخامس من جويلية الماضي.
ولضمان نجاح مشروع «عدل3»، اتخذت وزارة السكن عدّة إجراءات عملية مبنية على التجارب السابقة لإنجاز «عدل 1» و»عدل 2»، مثل متابعة ومعالجة الوضعية العقارية، والقيام بالتدابير الضرورية لتوطين المشروع عبر 58 ولاية بشكلٍ مسبقٍ.
توزيع نحو 1.5 مليون وحدة سكنية بين 2020 و2024م
السّكن.. أولوية كبرى في السّياسة السوسيو-اقتصادية بالجزائر
يعتبر قطاع السكن في الجزائر من الأولويات الكبرى في السياسة الاجتماعية للدولة، ويُمثِّل بعدًا هامًا من أبعاد التنمية السوسيو-اقتصادية بالبلاد؛ باعتباره حقًا من الحقوق التي كرستها الدستور الجزائري، ويندرج ضمن مبادئ القانون الدولي بالأمم المتحدة.
عملت الجزائر منذ فجر الاستقلال ونيل السيادة الوطنية على توفير السكن لمواطنيها، وبكل الصيغ والأنماط المتناسبة مع القدرات المالية تحقيقا للعدالة الاجتماعية وتذليلا للفوارق بين أفراد المجتمع، حيث ضاعفت السلطات العمومية بالسنوات الأخيرة من الجهود المبذولة في بناء السكنات وحتى الأحياء والمدن الجديدة، لا سيما ما تعلق بالمنازل الاجتماعية ودعم السكن الريفي الموجه للمناطق الريفية والفلاحية الرعوية بكافة ربوع الوطن.
وقبل أيام، منح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إشارة انطلاق عملية توزيع أزيد من ربع مليون وحدة سكنية على المستوى الوطني (251.890) من كل الصيغ والأنماط، في المدينة الجديدة سيدي عبد الله بالجزائر العاصمة. كما دشّن رئيس الجمهورية بذات القطب الحضري، حي المجاهد الراحل عثمان بلوزداد الذي يضم 13300 وحدة سكنية.
وفي وقت سابقٍ، أكد وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، أن مصالح الدولة وزّعت نحو 1.5 مليون وحدة سكنية على المواطنين من مختلف الأنماط في الفترة الممتدة من 2020 إلى 2024م، في عمليات إسكانية قياسية شملت كافة الولايات دون استثناء، وكان لمناطق الظل منها حصّة هامة في إطار تنمية وتطوير الريف وترقية العيش بالنواحي المعزولة.
مهندس نهضة السّكن
قال رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، فوزي شابو، إنّ واقع قطاع السكن اليوم في الجزائر إيجابي، بدليل التجسيد الفعلي لمليون ونصف مليون وحدة سكنية منذ سنة 2020م، التي تعهّد بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، فضلا عن إقرار تسجيل 250 ألف وحدة سكنية وفق المرسوم التنفيذي الصادر يوم 25 جوان 2024م الخاص بصيغة «عدل 3».
وأوضح شابو في تصريح لـ «الشعب»، أنّ تلك الجهود المبذولة تترجم عزم رئيس الجمهورية باعتباره مهندس قطاع السكن، وعرّاب نهضته الحالية، المتمثلة في تحقيق أرقام ونتائج قل نظيرها في المجال رغم الأزمة الاقتصادية العالمية والسياق الدولي المعقّد.
ووفقا لمحدثنا، فإنّ الظروف الداخلية والخارجية لم تثن رئيس الجمهورية عن بذل قصارى جهده في بعث وتنويع الصيغ السكنية، والمضي قدماً في دعم السكن الريفي الذي سماه «الثورة الصامتة»، حيث جسّد نظرة استشرافية وتخطيطا محكما لرجل دولة، أخذ بعين الاعتبار الجانب السوسيولوجي والتوازنات الكبرى في المساحات والبناء.
وكرّس مبدأ المساواة في الدعم بين الجزائريين من خلال توسيع الاستفادة من هذا البرنامج إلى المواطنين القاطنين بالهضاب والصحراء وحتى مناطق الظل بالجزائر العميقة، واضعاً بعين الاعتبار الحفاظ على النسق العمراني لكل منطقة وزيادة قيمة المنحة إلى 100 مليون سنتيم بدلاً عن 70، في سابقة واستثناء خاص بالدّولة الجزائريّة الأبيّة ذات الطابع الاجتماعي المتميّز.
أساسيات رفاهية المواطن
لم تتوقّف المصالح العمومية، بحسب شابو، على إنجاز مشاريع السكن وإنما تعدى الأمر إلى تأكيد رئيس الجمهورية على تجسيد رفاهية المواطن، وعدم الاكتفاء بربط مسكنه بشبكة الماء والكهرباء فقط، بل تعد سقف التعليمات مرحلة توصيل المساكن بالألياف البصرية وشبكة الإنترنت تماشيا مع مقتضيات العصر، ثمّ قيامه بإجراءٍ آخرٍ معزّز لعنصر الثّقة لما أعطاه من دفعة بسيكولوجية إيجابية لفئات كبيرة من الشعب بالمناطق السهبية والجبلية والصحراوية والرعوية وغيرها، سهّلت على الجزائريين هناك عملية بناء وحداتهم السكنية وأرْست كذلك الاستقرار والنماء بتلك المناطق.
وتابع بالقول: «إنّ القفزة النوعية لقطاع السكن في الجزائر، وتأثيره المباشر على المواطن ويومياته، جعلته يرتقي لمرتبة الوزارات السيادية حسب رأينا، إذ ينبغي الحرص والحذر من إمكانية استغلال منصاته الالكترونية ضد مصلحة الوطن من طرف عصب الفتن وأعداء بلد الشهداء بالداخل والخارج».
المؤشرات الاقتصادية الإيجابية في قطاعات إستراتيجية أخرى، إضافة لمكاسب قطاع السكن والعمران التي جسدها الرئيس تبون خلال عهدته الأولى، كان لها دور كبير في إرجاع عنصر الثقة للجزائريين، وبفضلها وبفضل جهود مؤسسة السليل «الجيش الوطني الشعبي» والأجهزة الأمنية الأخرى الساهرين على أمن وسلامة الوطن والمواطن، استطاعت الجزائر صد المؤامرات اللامتناهية لبعض الكيانات والأنظمة الشريرة، التي سعت لإرباك المشروع النهضوي المرسوم بشتى الطرق والوسائل الممكنة، وفشلها كذلك في زرع الشك وإحباط معنويات الشعب الجزائري، يُضيف رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني فوزي شابو.
السّكن الريفي.. المفضل في ولايات الجنوب الكبير
خَطَت الجزائر في الآونة الأخيرة خطوات عملاقة في مجال الإسكان، ببلوغها عتبة 251 ألف وحدة سكنية تم توزيعها دفعةً واحدة عشية الاحتفال بالذكرى الثانية والستون لعيد الاستقلال، تُضاف الى مئات الآلاف من السكنات التي وُضعت تحت تصرّف أصحابها خلال السنوات الخمس الماضية. خطوات عملاقة، تجعل الجزائر تقترب بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة كاملةً، تدفعها في ذلك رؤية واضحة المعالم واستراتيجية مدروسة نظّر لها ووضع أُسسها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
أولت الجزائر أهمية خاصة لقطاع السكن، حيث وضعت بين يدي المواطن مختلف الصيغ السكنية التي تتيح له الحصول على السكن اللائق الذي يتناسب مع وضعه الاجتماعي ومستوى دخله الفردي.
مؤشرات إسكان أخذت في شكلها منحىً تصاعدياً، تؤكد مدى التزام الدولة بطابعها الاجتماعي، ومدى تمسّكها بالتكفل بالمواطن وصون كرامته.
يواصل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون رفع التحدي في شتى الميادين التنموية، من خلال إقراره لحزمة من الإجراءات الهامة المتبوعة بقرارات غير مسبوقة ترمي الى بلوغ مليون وحدة سكنية، وإنجازها ضمن أنماط عمرانية أقرب ما تكون الى مدن صغيرة متكاملة المرافق.
هذا التوجّه الجديد في الإسكان، فتح صفحةً أخرى تضاف الى العديد من الانجازات التي تجسّدت على أرض الواقع، شكّل شوكةً في خاصرة المتربّصين بالوطن، المشكّكين في قدراته التنموية.
ما فتئ رئيس الجمهورية يؤكّد في كل مناسبة على حق المواطن في السكن والتزام الدولة بمرافقته لتحسين ظروفه المعيشية، وهو التزام يقع ضمن قائمة طويلة من التعهدات التي أوفى بها الواحدة تلو الأخرى، في إشارة واضحة تعكس مدى إصراره على المضي قُدماً في الوفاء بالتزاماته 54 التي قطعها أمام الشعب في حملته الانتخابية.
أرسى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أسساً جديدة في الإسكان، تُعطي الأولوية لكرامة المواطن وتراعي آجال إنجاز معقولة، وتُقلّص مدة الاستفادة من السكن، والأهم من هذا كله، حوّلت هذه الأسس ما كان يُسمى بوحدات سكنية الى مدن جديدة متكاملة المرافق بدل أحياء صغيرة متفرقة.
اهتمام رئيس الجمهورية بملف السكن لم يتوقف عند هذا الحد، حيث أمر بتنويع الصيغ السكنية وتعميم الحصص عبر كل ربوع الوطن، الى جانب إطلاق منصة للتسجيل في «عدل 03»، الذي انتظره الكثير من الجزائريين.
فاجأ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أكثر المتشائمين حول مصير برامج الإسكان، والتي تعطّلت بفعل جائحة كورونا وما نتج عنها من تدابير احترازية أحدثت شللاً في الكثير من المشاريع التنموية، حيث أشرف رئيس الجمهورية على بعث كل المشاريع التي عرفت توقفاً بما فيها الحصص السكنية، أين أسفرت إستراتيجية الرئيس عن توزيع حوالي 200 ألف وحدة سكنية سنة 2020، وأزيد من 320 ألف وحدة سكنية بمختلف الصيغ سنة 2021، في الوقت الذي كانت أغلب دول العالم تصارع من أجل الحصول على اللقاح والكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي.
وقد تمحورت إستراتيجية رئيس الجمهورية في مجال السكن حول إنشاء مُدن جديدة وأقطاب عمرانية متكاملة المرافق والضروريات، جاعلةً – أي الإستراتيجية – من الأعياد والمناسبات الوطنية فرصةً لإدخال البهجة والسرور على المواطنين.
وشكّل التقسيم الإداري الجديد الذي اُستحدثت بموجبه ولايات جديدة بالجنوب، فرصة مواتية لإطلاق العديد من البرامج السكنية بهذه الولايات، والانتقال بها من دوائر أو ولايات منتدبة الى ولايات كاملة الصلاحيات.
رئيس الجمهورية الذي أعطى عناية خاصة لولايات الجنوب، أفرد لها برامج تنموية ومشاريع إستراتيجية وضعتها في صُلب التحوّل الاقتصادي الذي تشهده بلادنا، بالإضافة الى تدعيم برامج الإسكان وتنويع الصيغ بما يتلاءم ورغبات المواطنين.
ويتربّع السكن الريفي في مقدّمة اهتمامات السواد الأعظم من سكان الجنوب، لما فيه من امتيازات مُحفّزة وشروط مُيسّرة لغالبية المواطنين، ناهيك عن كونه من بين الأنماط السكنية الفردية القليلة التي تمنح للمستفيد حرية التصميم ومساحات شاسعة للبناء تصل حتى 200 متر مربع، وهي خصائص أسالت لعاب المواطن وجعلته يُقبل على هذا النمط السكني.
رغبة رئيس الجمهورية في ترقية قطاع السكن بولايات الجنوب، ترجمتها الأرقام «المكوكية» المعلن عنها، والتي تؤكد مدى حرصه والتزامه بالوفاء بوعوده، حيث تكشف هذه الأرقام عن الوصول الى عتبة 40 ألف وحدة سكنية هي في طور الانجاز أو في مراحلها الإدارية الأخيرة بولاية تندوف فقط أغلبها بصيغة السكن الريفي مكّنت السلطات المحلية من الوصول الى (صفر) ملف مودع ببلدية أم العسل بعد استفادة كل من أودع ملفاً من سكن بمختلف الصيغ، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الولاية.
قرارات رئيس الجمهورية الخاصة بقطاع السكن، أعادت رأب الصدع الاجتماعي، وأدت الى تعزيز ثقة المواطن بالإدارة، فالمواطن الذي بات على يقين تام بأن رئيس الجمهورية ملتزمٌ بالوفاء بكل تعهداته، على يقين تام كذلك بأن كل القرارات التي تصبُ في صالح المواطن قد أحدثت هزات ارتدادية امتدت تأثيراتها لتُسكت أصوات المشكّكين والمتربصين بأمن البلاد واستقرارها، وكبحت جماح المتاجرين بمآسي الجزائريين.
بومرداس.. أحياء جديدة مدمجة بمرافق وهياكل عمومية
شكّلت الخارطة العمرانية الجديدة التي اعتمدتها السلطات العمومية ووزارة السكن تحوّلا عميقا بفضل المشاريع السكنية المدمجة التي استفادت منها ولايات وبلديات الوطن في مختلف البرامج القطاعية المسجلة استجابة للحركية التنموية، والنمو الديمغرافي المتزايد الذي يدفع حتما الى المزيد من الاحتياجات لتلبية الطلب المتزايد من قبل المواطنين، حيث حرصت السياسة الجديدة على تقديم مواقع وأحياء محاطة بكل الضروريات من مرافق وهياكل عمومية، خصوصا المؤسسات التعليمية والصحية، وهذا عكس الأحياء السابقة التي أخذت مصطلح «المراقد» بسبب غياب هذه الخدمات.
عانت مدن وبلديات بومرداس سابقا من ظاهرة التوسع العمراني شبه العشوائي بظهور أحياء سكنية بلا روح أو ما يعرف بالمدن الجديدة التي جاءت لتخفيف الضغط على المراكز والتجمعات الشعبية التي لم تعد تلبي حاجيات المواطنين اليومية نتيجة الاكتظاظ والاختناق، لكنها فشلت الى حد كبير في لعب هذا الدور الاجتماعي وحتى الاقتصادي بسبب غياب مخططات عمرانية متكاملة وواضحة المعالم نظرا لافتقادها الى أبسط الضروريات والخدمات اليومية أو تأخر تسجيلها وانجازها بالتوازي مع عمليات الإسكان.
وقد أدركت السلطات الولائية والمحلية جيدا هذا الخلل وسوء التقدير مع انطلاق عمليات إعادة إسكان قاطني الشاليهات والسكنات الهشة نهاية سنة 2016، حيث شكل الضغط المتزايد من قبل قاطني هذه الأحياء للإسراع في الترحيل الى مواقع جديدة أغلبها تفتقد للمرافق القاعدية الأساسية كالمدارس والمراكز الصحية، مراكز البريد، ملاحق البلديات التي تعتبر من الأولويات. مما زاد من حدة الضغط على المؤسسات الأصلية التي استقبلت تلاميذ جدد في غياب مقاعد بيداغوجية والأمثلة كثيرة على هذه الأحياء التي عاشت تجربة صعبة أبرزها حي 1588 مسكن ببلدية سي مصطفى، الذي استقبل أيضا عائلات من العاصمة، والذي يعتبر من المواقع الأولى التي دشنت لكنها مجرد عمارات مترامية تفتقد للضروريات حتى لا نتحدث عن المساحات الخضراء ومراكز التسلية والترفيه.
نفس التجربة شهدتها عدة أحياء سكنية كبرى في أغلب مدن بومرداس، منها حي 800 عدل بومرداس، الذي لم يرافق سابقا بمرافق عمومية والأمثلة كثيرة خصوصا المدن الجديدة التي توسعت على أطراف المدن القديمة التي أنشئت في إطار مخططات التهيئة والتعمير، في حين شكلت التجمعات السكنية الفوضوية من تجزئات وتعاونيات حالة استثنائية أخرى صعبت حتى من مهمة إنجاز شبكات مياه الشرب، الصرف الصحي، الغاز الطبيعي وفتح مسالك الطرقات وغيرها من أشغال التهيئة بسبب غياب مخططات البناء، وصعوبة إيجاد عقار عمومي لإنجاز مرفق خدماتي، وكلها تجارب تجاوزتها المشاريع السكنية التي استفادت منها ولاية بومرداس في البرامج الجديدة، حيث تم التركيز كثيرا على هذا الجانب من خلال تقديم مواقع شبه متكاملة ومندمجة بمرافق حيوية تساعد العائلات على الاستقرار وفك الارتباط بالأحياء والمدن القديمة.
مع ذلك تبقى ولاية بومرداس بحاجة الى مخططات عمرانية شاملة، وبنظرة مستقبلية تراعي كل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها حاليا، حيث لا يكفي إنجاز مشاريع سكنية جديدة ومواقع موزعة بين البلديات، بقدر ما هي بحاجة الى أقطاب عمرانية ومدن جديدة تستوعب التحديات المفروضة، وتحقق تطلعات السكان من أجل المساهمة في تصحيح الصورة النمطية لدى المواطنين المتمسكين وجدانيا وعاطفيا بالمدن والأحياء السكنية الشعبية القديمة التي حققت لهم المبتغى، على عكس الأحياء المراقد التي تبقى بنظرهم خاوية، وهي بحاجة الى روح جديدة توفرها المرافق الملحقة.
برج بوعريريج.. برامج حضارية تتناغم مع التّوسع العمراني
تحرص السلطات المحلية بولاية برج بوعريريج، في العديد من خرجاتها الميدانية، إلى معاينة المشاريع والبرامج السكنية الجديدة، والمشاريع المرتبطة بالجوانب الاجتماعية والخدماتية وغيرها من المشاريع التي من شأنها أن تساهم في إعطاء الحيوية والديناميكية الحضرية الاجتماعية لدى المواطن والأحياء المدمجة في النسق العمراني الجديد، على غرار الربط بشبكة الطرقات، إنجاز مدارس ومؤسسات تربوية ومراكز للصحة الجوارية والبريد والمواصلات.
تشهد العديد من الولايات الجزائرية خلال السنوات القليلة الأخيرة تزايدا معتبرا في عدد الأحياء والمدن الجديدة، تتناغم فيها مع تلك الزيادات والنمو الديموغرافي الذي تعرفه الجزائر، وتكشف الأرقام والمبالغ المالية الضخمة المرصودة لقطاع السكن، مدى حرص الدولة وتبنيها إستراتيجية المدن الجديدة ضمن سياسات الإسكان المنتهجة، وقد تم المضي في هذه الإستراتيجية من خلال سلسلة القوانين الجديدة المتعلقة بشروط إنشاء المدن الجديدة أبرزها قانون 08-02 وقانون 02-06 المتضمن المبادئ التوجيهية للمدينة، يراعى فيها التكامل بين سياسات الإسكان والتخطيط المكاني والسياسات السكانية والبيئة، مع الأخذ بعين الاعتبار قابلية هذه المدن للجذب السكاني، بما يتوافق ويتلاءم مع قبلية هذه المدن وقدرتها على ضمان الجوانب المعيشية، الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية للأفراد.
وتحرص السلطات المحلية ببرج بوعريريج، في إطار التوجهات الجديدة والسياسة العامة المنتهجة للإسكان إلى التركيز على استلام المشاريع الجديدة المرتبطة بالمرافق العمومية على مستوى الأحياء السكنية الجديدة قبل توزيعها وبعد توزيعها، لاسيما تلك المتعلقة باستلام مؤسسات تربوية في مختلف الأطوار التعليمية، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في حل مشكلة النقل المدرسي، وتنقل التلميذ من أجل التمدرس خارج هذه الأحياء المدمجة في النسق العمراني الجديد، خاصة على مستوى حي عمارات بومرقد وحي عدل 2 بطريق العناصر، تضاف إليها إنشاء مراكز جديدة خاصة بمراكز بريد الجزائر، ومراكز للصحة الجوارية تضمن الخدمات الصحية، ومراكز للتسوق من شأنها التكفل بحاجيات المواطنين على مستوى هذه الأحياء المدمجة الجديدة.
ربط حي بومرقد بعاصمة المدينة
في السياق، تتواصل عملية تهيئة وإنجاز الطريق الاجتنابي المزدوج الرابط بين العمارات السكنية الجديدة بحي بومرقد مع توفير الإنارة العمومية على امتداد الطريق الاجتنابي المنجز بين نهج عريبي لخضر في نهاية النسيج العمراني لتجزئة 1044 سكن ومنطقة التوسع العمراني بومرقد، البعيدة عن المدينة بحوالي 3 كيلومتر في المدخل الشرقي لبلدية برج بوعريريج، ليصبح الحي الجديد بذلك يمتلك منفذين، وللأهمية الكبيرة التي يكتسيها هذا المشروع في ربط أجزاء المدينة المترامية، وتسهيل حركة المرور عبر شبكة الطرقات المارة بعاصمة الولاية، بتخصيص مبلغ يقارب 15 مليار سنتيم لإنجازه، مع تخصيص مبلغ 850 مليون سنتيم لتوفير الإنارة العمومية موزعة على 300 نقطة على طول الطريق.
كما أنّ المشروع سيوفّر أزيد من 13 ألف نسمة من الساكنة بمنطقة بومرقد والأحياء والتجمعات السكانية المجاورة في المدخل الشرقي للمدينة، منافذ جديدة، بعدما كانت تقتصر على المدخل الرئيسي الذي أضحى يشهد ازدحاما وحركية كثيفة، كما يساهم في تقليص الوقت واختصار المسافة لمستعملي شبكة الطرقات الوطنية على المحور الشمالي للمدينة، خاصة قاصدي ومرتادي الطريق الوطني رقم 5 والطريق الوطني رقم 76 على مستوى محطة شملال، وربطه بمحاور الطرق الداخلية الرابطة بين الطريق الوطني رقم 5 والطريق الوطني رقم 106 في المدخل الشمالي للمدينة.
وتأتي العملية وفق تصريحات مسؤول الجهاز التنفيذي بالولاية، في إطار العمليات والمشاريع المسجلة لربط مدينة البرج بالمناطق الحضرية الجديدة المترامية بضواحيها، سعيا لاستعادة عاصمة الولاية لنسقها العمراني، بعد التوسع العمراني الملحوظ على مدار السنوات الفارطة، والذي لم يراع حسبه، مطلب التنسيق بين الوحدات العمرانية، أين خلف النقص في محاور الطرقات انقطاعا بين مختلف الأحياء، ما حتم تسجيل عمليات لإنجاز طريق ازدواجية اجتنابية، كما يرتقب من هذه المشاريع أن تعيد الحيوية والديناميكية الحضرية الاجتماعية بين أطراف مدينة برج بوعريريج، خاصة على مستوى الأحياء والمدن العمرانية الجديدة، بما فيها المشاريع المستقبلية المراد غرسها بالمنطقة على غرار اختيار الأرضية لتجسيد مشروع انجاز برنامج «عدل 3».
مشروع لإنجاز مدينة جديدة
في السياق، تطمح السلطات المحلية ببرج بوعريريج إلى تجسيد مشروع انجاز مدينة جديدة بمنطقة الصفية التابعة لبلدية الياشير غرب ولاية برج بوعريريج، على مساحة تتجاوز 500 هكتار، تستجيب للطلب المتزايد على مختلف الصيغ السكنية، ويراعى فيها التنفيس من حالة الاكتظاظ والتشبع العمراني الذي تعرفه المدن الكبرى بمنطقة برج بوعريريج، ولما تتوفر عليه المنطقة من امتيازات واعتبارات أخرى متعلقة بقرب هذه المدينة الجديدة من برج بوعريريج، وقربها من المحاور الكبرى للطرقات لاسيما الطريق السيار والطريق الوطني.
وتم في هذا السياق مطالبة المجلس الشعبي لبلدية الياشير في وقت سابق، بإعداد المداولة المتعلقة بالمشروع قصد مباشرة مخطط التوجيه العمراني لإدماج هذا الموقع، وهو يوفر امتيازات كبيرة لبلدية اليشير للاستفادة من برامج هامة في التجهيزات العمومية والسكنية، وكذلك لساكنة بلدية برج بوعريريج لأجل التوسع العمراني وتجاوز مشكل نقص العقار الموجه للمشاريع السكنية، المطروح بقوة على مستوى عاصمة الولاية، إضافة إلى أنه سيخفف من حدة العجز والتشبع العمراني في عاصمة الولاية، مع العلم أن الولاية أصبحت مستقطبة للساكنة لما توفره من إمكانيات وامتيازات في الجانب الاقتصادي وفرص الشغل، ولا بد أن تصاحبها سياسة وإستراتيجية تنموية تتماشى وحجم النمو الديمغرافي وحتميات التوسع العمراني.