التزم رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بدعم إدماج المؤسسات الناشئة ضمن مقاربة تنويع النمو، وبناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية لقطاع المحروقات، دعامته وعماده الشباب، وأوفى بالتزامه، وها هي الساحة الاقتصادية اليوم، تشهد تجارب فتية قادرة على تحقيق أقوى النتائج. هي تجربة حدّثنا عنها المدير العام للمؤسسات الناشئة وهياكل الدعم بوزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمصغرة، نور الدين واضح، في حوار مستفيض خصّ به جريدة “الشعب”.
نملك مؤهلات الرقي إلى مصـاف الاقتصاديـات الكبرى واقتصاد المعرفة تأشيرتنا
7 آلاف مــؤسسة ناشئـة تؤطرهـا 115 حاضنـ أعمال في الولايات
رصيد هام ودائم للاقتصاد الوطني من التكنولوجيا والحلول الابتكارية
من البحـث عن مناصب شغل إلى خلقها… جيـل جديد من رجال الأعمال
الشعب: اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة..جديد المقاربة الاقتصادية التي أراد رئيس الجمهورية من خلالها بناء جزائر جديدة عمادها الشباب، فاستحدث جهازا متكاملا لمرافقة الكفاءات الجزائرية، تقوده وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، تم ضم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لحافظتها مؤخرا..حدّثونا عن المشروع؟
مدير المؤسّسات النّاشئة بوزارة اقتصاد المعرفة نور الدين واضح: اقتصاد المعرفة واقع اقتصادي عالمي، فرض نفسه وبات حتمية لا مناص عن مواكبتها، وأكثر من ذلك، أصبح مدى تحكم المؤسسات الاقتصادية العالمية في التكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة وخلق الثروة، معيارا ووحدة قياس صارمة لتحديد القوة الاقتصادية لهذه المؤسسات وقدرتها على الاستمرار والبقاء ضمن سياق عالمي تنافسي، وقد حرص عليها رئيس الجمهورية، من خلال مقاربة اقتصادية قائمة على تنويع مصادر الدخل وخلق الثروة، تم توثيقها ضمن الالتزامات 54 التي تعهّد بتجسيدها، والتزم بذلك تحديدا في الالتزام 13، الذي أكد من خلاله على ضرورة خلق ومضاعفة الشركات الناشئة وتوجيه الاستهلاك الوطني والطلب العمومي نحو إنتاجها، والعمل على ظهور جيل جديد من رجال الأعمال. ومن أجل مواكبة السياق العالمي الاقتصادي، عملت الجزائر على استثمار طاقاتها الطبيعية ومواردها البشرية من أجل تنويع اقتصادها والتحرر من التبعية للمحروقات؛ فتجربة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة بالجزائر، أثبتت نجاعتها في تنويع الاقتصاد واستقطاب الكفاءات الشبانية سواء داخل الوطن أو خارجه من أجل كسب رهان تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية والرقي به إلى مصاف الاقتصاديات العالمية الكبرى، بقيادة جيل جديد من رجال الأعمال، حيث يمتلك الاقتصاد الوطني، ضمن رصيده اليوم، في كل قطاع عشرات المؤسسات الناشئة، متمكنة من الحلول التكنولوجية مما يساهم في الحد من استيراد التكنولوجيا.
الشباب الجزائري طاقة كامنة، وسيرفع – بالتأكيد – من سقف إنجازات بلادنا، ويعلو بها إلى المراتب العالمية..
أكيد..الحديث عن اقتصاد المعرفة يقودنا إلى التطرق لأهم طرف بالمعادلة وهو المعرفة المستمدة من المورد البشري المكون، الكفء والمتمكّن من مختلف التكنولوجيات والتقنيات الحديثة، وهو ما تعتز به بلادنا وتفاخر به دول العالم، ولكم أن تقدّروا هذا الإحساس والعلم الجزائري يرفرف عاليا في المسابقات العالمية للمعرفة والتكنولوجيا. ويبقى التحدي في كيفية خلق عنصر بشري فعال بإمكانه التعامل بذكاء أمام الفرص المطروحة أمامه، ويعمل على خلق الثروة وإثراء الاقتصاد الوطني، والسبيل في ذلك يكمن في تكوين الشباب الذي يمثل 70 بالمائة من تركيبة المجتمع الجزائري، وهو الأمر الذي ركّزت عليه الدولة الجزائرية كل التركيز، حجّتنا في ذلك عدد الشباب خرّيجي الجامعات، حيث بلغ عددهم أكثر من 2 مليون طالب جامعي من مختلف التخصصات و250 ألف متخرج سنويا، إضافة إلى عشرات الآلاف من الشباب المستفيد من مختلف تخصصات التكوين المهني. كما تحرص، من جهة أخرى، على إشراكها في صناعة القرار، وإدماجها كفواعل وقوة اقتراح بالمجتمع المدني؛ فالطاقة البشرية ببلادنا قوة كامنة لا يستهان بها، نعمل على أن تستفيد من تكوين قائم على أسس علمية حديثة، وتأطير الشباب وفق ميكانيزمات ذات نجاعة، تمكنه من المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني من خلال مناصب شغل تقليدية أو من خلال استحداث مؤسسة ناشئة أو صغيرة، مما يسمح بصياغة نسيج اقتصادي كثيف، قوامه آلاف بل ملايين المؤسسات الناشئة والمصغرة. وهو ما نعمل على تحقيقه من خلال تطوير روح المقاولاتية على مستوى جامعاتنا، وتحسين ظروف إنشاء المؤسسات المصغرة. كما قمنا مؤخرا، من أجل إعطاء فرص أوفر للشباب، على اعتماد صيغة المقاول الذاتي، التي أثبتت نجاعتها وفعاليتها في حشد وتجنيد الطاقات البشرية الجزائرية لصالح الهيئات العمومية، ولصالح الاقتصاد الوطني بصفة عامة.
استحداث وزارة لاقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة ترافق وتتبنّى مشاريع الشباب الجزائري المبتكر، فكرة محكمة حقّقها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تحمل في محتواها العديد من الدلالات..كيف تقرأونها؟
بالفعل..استحداث وزارة لاقتصاد المعرفة والمؤسسات الصغيرة والناشئة وتوسيع صلاحياتها إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأول مرة في تاريخ الجزائر، وإسداء مهامها إلى وزير شاب بدأ مشواره المهني كمقاول، خطوة تحمل دلالات عميقة، وتعكس اهتمام رئيس الجمهورية بهذا المجال وثقته في فئة الشباب من خلال إسدائهم مسؤوليات سامية على رأس قطاعات مهمة في الدولة، بالمقابل كان رد الجميل وحسن الصنيع، والنجاحات التي حققها قطاعنا الوزاري، كتجربة فتية، بقيادة مسؤوله الأول، وليد ياسين مهدي، تؤكد قدرة الشاب الجزائري على حمل المشعل وصون أمانة الشهداء، واستكمال مسار الخيريين من أبناء الوطن ممن سبقونا في تولي المسؤولية. في رأيي – وهذا ما أثبته الميدان – أن تسيير وزارة المؤسسات الناشئة من طرف وزير شاب مارس من قبل نشاط المؤسسة المصغرة، ساهم كثيرا في نجاح التجربة، من خلال القدرة على مخاطبة الشباب بلغة الأمل والتحدي والإصرار على النجاح، وكذا القدرة على فهم مشاكلهم والعراقيل التي تعترضهم في مسارهم كرواد أعمال مبتدئين، واحتوائها بكل حكمة وبراغماتية. ولعلمك، لاحظتم مدى تأقلم قطاعنا الوزاري مع تطورات المشهد الاقتصادي ببلادنا، من خلال ميكانيزمات رقمية 100 بالمائة، وإطارات شابة مدركة كل الإدراك لحساسية الرهان الذي يضعها في نقطة فاصلة بين الفشل أو النجاح، ففشل شاب حديث العهد بمجال ريادة الأعمال، يعني بالنسبة لنا فقدان كفاءة وخسارة مورد بشري خام، وهذا ما نحرص على تفاديه دوما من خلال ربط علاقة متينة ومرنة بالشاب المبتكر، تعتمد على المرافقة الآنية له خلال جميع مراحل مشروعه بواسطة هياكل دعم وأطر قانونية مستوحاة من أكبر وأقوى الاقتصاديات العالمية وضعت خصيصا لذلك، وبالتالي، فتجربة إسداء المسؤولية للشباب، ووضعهم على رأس دوائر وزارية قد أثبتت نجاحها، وأسقطت نظرية السن، وقدمت بالمقابل نظرية القدرة على استيعاب مشاكل الشبابت واعتماد الابتكار في طريقة التسييرت واعتماد التكنولوجيا كوسيلة عصرية للتعامل وهندسة ميكانيزمات التسيير.
ما موقع النّظام البيئي الجزائري ومقاربة المؤسّسات الناشئة من المعادلة الاقتصادية العالمية أو الإقليمية؟
اليوم، وبعد مرور حوالي أربع سنوات على تجربة الجزائر في مجال اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، أظن أن الفكرة أصبحت أكثر وضوحا ونضجا، بل وأصبحت نموذجا قابلا للتصدير، من خلال المؤتمرات ذات البعد القاري التي تم تنظيمها في الجزائر، من أجل تشجيع المؤسسات الناشئة وتمكينها من المزيد من الخبرات من خلال الاحتكاك بنظيراتها على المستوى القاري خاصة، فالعمق الإفريقي وجهة واعدة بامتياز للاستثمارات الجزائرية. من هذا المنطلق، جاءت فكرة المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة في طبعته الأولى، سنة 2022، حيث لقي هذا الحدث القاري صدى واسعا على المستوى القاري فيما تعلق بالمواضيع والإشكاليات التي تطرق إليها من حيث النظام البيئي، التمويلات في مجالات الابتكار وغيرها، كما عرفت الطبعة الأولى اعتماد خارطة طريق تمت المصادقة عليها من طرف الاتحاد الإفريقي من أجل تعاون إفريقي-إفريقي، وتمكين الدول الإفريقية من التنسيق فيما بينها من أجل إيجاد حلول لمشاكلها، خاصة ما تعلق بالأمن الغذائي والمائي والطاقوي.
أما الطبعة الثانية لسنة 2023 التي أصبح المؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة، بموجبها، تقليدا سنويا، جعل من الجزائر قبلة للمؤسسات الناشئة ومزارا ابتكاريا لشباب إفريقيا، يجسد إستراتيجية دائرتنا الوزارية، التي وضعت على رأس أولويات مخطط عملها وضع الإطار التنظيمي والقانون وتحسين مناخ الابتكار في الجزائر، ليمتد بعد ذلك إلى دول القارة الإفريقية، في إطار مقاربة التعاون القاري جنوب – جنوب، من أجل التطوير المتناسق لكل الأنظمة البيئية الإفريقية، بالنظر لما تتقاسمه هذه الأخيرة من معطيات مشتركة كالانشغالات ذات الطابع التمويلي والبيئي. ويبقى الهدف الأسمى للدولة الجزائرية من خلال جميع هيئاتها وأجهزتها ذات الصلة ببيئة المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، هو تحقيق الريادة القارية على مستوى القارة الإفريقية، كطموح شجعته النتائج التي حقّقها رواد الأعمال الجزائريين وحاملي المشاريع المبتكرة خلال مشاركاتهم المشرفة على مستوى المسابقات العالمية، حيث تحرص الجزائر على التعاون مع نظيراتها من البلدان الإفريقية من أجل تحقيق التوازن البيئي للمؤسسات الناشئة، وتوحيد النظام البيئي الإفريقي الذي سيمكن من نمو المؤسسات الناشئة، وتجسيد الحلول المبتكرة التي تحملها، خاصة في ظل تسارع وتيرة التطور بالجهة الشمالية من الكرة الأرضية وحتمية مواكبتها، ولن يكون ذلك إلا بتبني أفكار الشباب القادر على التفكير، وإيجاد الحلول للمشاكل التي تعيشها قارته وفتح سوق للمؤسسات الناشئة التي تنتج حلولا عالمية، تجعل منها مصدرا من مصادر تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الخارجية.
اقتصاد المعرفة، والتكنولوجيا باعتبارها “عملة المستقبل”، قاسم مشترك يجمع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، جعلت من دائرتكم الوزارية قطاعا أفقيا يعمل بالتنسيق مع باقي القطاعات الأخرى، خاصة التعليم العالي، كممون أول لكم بالمورد البشري. هل يمكن أن توضّحوا لنا طبيعة العلاقة التكاملية التي تربطكم بالتعليم العالي؟
ورد جزء من الإجابة في سؤالكم..فعلا العلاقة بين وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة تكاملية ومترابطة من حيث المهام والأهداف، هدفنا مرافقة الشاب الجزائري، وتكوين جيل شاب من رجال الأعمال. قبل ذلك أريد فقط أن أوضّح أن اقتصاد المعرفة، مجال أفقي يعنى بالحلول الابتكارية العلمية لمختلف الإشكاليات، ما يجعلنا نعمل بطريقة مباشرة مع مختلف التخصصات على غرار البيئة، الصناعة، النقل، الفلاحة، الري، تكنولوجيا الإعلام والاتصال وحتى الثقافة. وبما أن مادتنا الأولوية وموردنا الخام هي المعرفة والشباب الممارس لها، فعلاقتنا بالجامعة الجزائرية متينة، تجعلنا في اتصال يومي مع مختلف هياكلها وإطاراتها. ولعلّكم لاحظتم من خلال مرافقتكم الإعلامية، أن الحلول التكنولوجية والابتكارية لمختلف الإشكاليات التكنولوجية المطروحة على مستوى مؤسساتنا الاقتصادية، تتم على مستوى مخابر البحث بالجامعة الجزائرية. ومن أجل توطيد التعاون بين دائرتنا الوزارية، تمّ استحداث حاضنات أعمال، ومراكز تطوير المقاولاتية التي تم إطلاقها بجميع الأقطاب الجامعية..كذلك، أريد الإشارة إلى الخرجات الميدانية الدؤوبة التي يقوم بها وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، ياسين وليد مهدي، من أجل التقرب من الطلبة والباحثين وكوادر الجامعات الذين يتقاطعون جميعه، عند نقطة المعرفة والابتكار العلمي. كما أنوّه بالعمل الجبار الذي تقوم به حاضنات الأعمال ودور المقاولاتية من عمل تحسيسي ومرافقة من أجل زرع روح المقاولاتية بالمحيط الجامعي، والمساهمة في تنويع وإثراء الاقتصاد الوطني، بدءا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات، والحد من الاستيراد خاصة ما تعلق باستيراد التكنولوجيا والمعرفة.
نقف اليوم، ومنذ استحداث قطاعكم الوزاري، على حصيلة مسار يقارب الأربع سنوات، بلغة الأرقام..ما هي حصيلتكم؟ وما هي طموحاتكم المستقبلية؟
أكيد..من بين المؤشرات التي تميز اليوم النظام البيئي الاقتصادي بالجزائر، نذكر العدد المهم للمؤسسات الناشئة التي بلغ عددها 7 آلاف مؤسسة ناشئة، تؤطرها أكثر من 115 حاضنة أعمال، على مستوى جميع ولايات الوطن، وتعتمد حاضنات الأعمال في مهامها التأثيرية على مسرعات الأعمال..مؤشر آخر جدير بالتوضيح هو أن أكثر من 15 بالمائة هم من حاملي شهادة الدكتوراه، وتقريبا 15 بالمائة من أصحاب المؤسسات الناشئة هم خبراء جزائريون مقيمون بالخارج، ممّا يؤكد أن استعمال نظام رقمي 100 بالمائة، يسمح بالاحتكاك بأكبر شريحة ممكنة من الكفاءات الجزائرية محليا وبالخارج.
أما بالنسبة لطموحاتنا، فهي كبيرة بحجم الثقة التي أولى قطاعنا بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فعلى المستوى الداخلي ننتظر بشغف إصدار النصوص التطبيقية للعديد من التنظيمات المشجعة للنظام البيئي الاقتصادي الجزائري، على رأسه الدفع الالكتروني، كإجراء محفز لحركية الأموال بالأسواق المحلية، الإفريقية والعالمية. من جهة أخرى، نعمل على توسيع مجال الاحتكاك بالاقتصاديات العالمية، حيث قمنا في هذا الصدد بالمصادقة على برنامج عمل يتضمن تكوينات بالخارج لرواد أعمال أصحاب مؤسسات ناشئة، بكل من كوريا الجنوبية، الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل اكتساب تجربة وخبرة الأنظمة الاقتصادية العالمية، ومن أجل الرفع من القيمة السوقية لمؤسساتنا، بقيمة اقتصادية تعادل ملايين الدولارات. وكطموح إقليمي نعمل على تصدير التجربة الجزائرية إقليميا، حيث نعتزم تنظيم الطبعة الثالثة للمؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة، شهر ديسمبر 2024، كبوابة للمؤسسات الناشئة الإفريقية. ونعمل خلال الأسابيع القادمة، بتحفيز من قانون الصفقات العمومية الذي منح حيّزا مهما للحلول المبتكرة والمؤسسات الناشئة، والتحفيزات المهمة التي جاء بها قانون المالية 2023، لصالح البحث العلمي والتكنولوجيا، على تحويل العديد من المشاريع الابتكارية إلى مؤسسات ناشئة.