«إن دور السينما مهم ومحدد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل».. بهذه العبارة أكد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على أهمية الفن السابع ودوره في تشكيل إدراك الفرد، خاصة في عصر الصورة الذي نعيشه. وقد أمر رئيس الجمهورية بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، وبجعل 2024 «عام انطلاق الإنتاج السينمائي». وليس هذا الاهتمام وليد اللحظة، بل نجده متواصلا طيلة العهدة الرئاسية، حرصٌ تكلّل بقوانين ومشاريع عززت القطاع، وأرست قواعده المتينة.
ملف: أسامة إفراح وفاطمة الوحش ومحمد الصالح بن حود ورابح سلطاني وحبيبة غريب
منذ انتخابه على رأس الدولة الجزائرية، أبدى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون اهتماما بالغا بالثقافة عموما، وقطاع السينما بشكل خاص، اهتمام تجسّد في نصوص تشريعية وتنظيمية، ومشاريع ميدانية. وهو حرص لم ينقطع منذ البداية، لذلك أمكن اعتبار القوانين والتدابير الميدانية التي تكرسه ثمرة عملية متواصلة وجزءًا من رؤية وبرنامج متكامل.
قانون الصناعة السينماتوغرافية
لعلّ من أهم المكاسب التي تدعّم بها قطاع السينما مؤخرا، وجسد حرص رئيس الجمهورية على نهضة حقيقية في هذا المجال، القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية (القانون رقم 24-07 المؤرخ في 20 شوال عام 1445 الموافق 29 أبريل سنة 2024) الذي صدر في العدد 31 لسنة 2024 من الجريدة الرسمية.
يهدف هذا القانون إلى تحديد الأحكام المطبقة على الصناعة السينماتوغرافية، ولا سيما منها تلك المتعلقة بإنتاج وتوزيع واستغلال الأفلام السينمائية والترويج لها عبر مختلف الدعائم، وكذا تنظيم النشاطات المتصلة بها (المادة 1).
وأوكل هذا القانون (المادة 3) إلى الوزير المكلف بالثقافة، وبالتنسيق مع القطاعات والهيئات المعنية، مهمة القيام بإعداد السياسة الوطنية في مجال الصناعة السينماتوغرافية، والسهر على تنفيذها.
تهدف السياسة الوطنية في مجال الصناعة السينماتوغرافية خصوصا إلى: التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للصناعة السينماتوغرافية، وتكييف الصناعة السينماتوغرافية مع التطورات والابتكارات التكنولوجية، وتطوير وترقية الاستثمار في الصناعة السينماتوغرافية، والرفع من القدرات التنافسية للسينما الجزائرية وتنوّع الإنتاج السينمائي الوطني، وترقية الذوق الفني والثقافة السينمائية للمواطن الراسخة في القيم الوطنية والمتفتحة على العالم، والحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز اللحمة الوطنية، وتثمين الأحداث التاريخية ومآثر المقاومة الوطنية والثورة التحريرية، والتعريف بالتاريخ وتثمين الذاكرة الوطنية، وولوج المواطنين لمحتويات سينمائية متنوعة وذات جودة، وحماية وحفظ وتثمين التراث والأرشيف السينمائيين، والترويج للوجهة السياحية للجزائر، وحماية وتثمين حقوق الملكية الفكرية للمصنفات السينمائية، ورفع الوعي البيئي والتحسيس بقضايا حماية البيئة والتنمية المستدامة.
وتضمن هذا القانون، الذي جاء لتأطير ممارسة مختلف النشاطات المتعلقة بالصناعة السينماتوغرافية، جملة من الإجراءات والتدابير لدعم الصناعة السينماتوغرافية، من خلال تشجيع وترقية الاستثمار والشراكة في الصناعة السينماتوغرافية، على غرار إمكانية استفادة المستثمرين في هذا المجال من الأملاك الخاصة للدولة وأملاك الجماعات المحلية من أجل إنجاز مدن سينمائية ومركبات العرض السينمائي.
أما على الصعيد المهني، فقد تمّ ــ لأول مرة ــ وضع إطار قانوني لمهني السينما، حيث يخضع هذا القانون مهني السينما لقانون أساسي خاص بهم، كما نصّ على إنشاء هيئة للوساطة وآداب وأخلاقيات النشاط السينماتوغرافي، تتولى إعداد ميثاق آداب وأخلاقيات النشاط السينماتوغرافي والسهر على احترامها وإجراء الوساطة بين مهنيي الصناعة السينماتوغرافية فيما يتعلق بخلافاتهم الناجمة عن ممارسة نشاطاتهم السينمائية.
كما قدّم القانون أحكاما تتعلق بترقية وتطوير قدرات مهنيي السينما من خلال التكوين، والتكوين المتخصص، والتكوين المستمر، وتحسين المستوى في المجالات السينمائية، حيث تسهم مؤسسات القطاع الخاص في تحسين مؤهلاتهم الفنية والتقنية، وهذا بالتشجيع على إنشاء مؤسسات خاصة للتكوين في المهن السينمائية وترقية الشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة.
لم يأتِ قانون الصناعة السينماتوغرافية من فراغ، مثله مثل التدابير الأخرى المتعلقة بالنهوض بالسينما خصوصا، والثقافة الجزائرية عموما، وعلى رأسها قانون الفنان.. ولعلنا نغتنم هذه السانحة، لنستعرض كرونولوجيا أهمّ القرارات والتعليمات والتوجيهات التي أسداها السيد رئيس الجمهورية.
التزامات الرئيس
كانت الثقافة، منذ البداية، من المحاور الرئيسية في الالتزامات الـ54 التي قدمها رئيس الجمهورية حين ترشحه سنة 2019، بداية بالالتزام 20 «الإنتاج الفكري والثقافي والفني لخدمة النمو الاقتصادي»، الذي أكد على «تطوير الصناعة السينمائية والثقافية من خلال حوافز وتدابير جذابة لصالح المنتجين لأول مرة»، و»تشجيع الخبرة الوطنية في مجال الصناعات الثقافية والفنية للحدّ من تقديم الخدمات المستوردة»، و»تشجيع إنشاء استوديوهات الصناعة السينمائية واستوديوهات التسجيل وقاعات المسرح والعروض من خلال الحوافز الضريبية والمصرفية (مع إمكانية اللجوء إلى الشراكة)»، و»خلق بيئة مواتية لظهور ونمو المواهب الفنية لاسيما من خلال تشجيع مسارات تكوين دراسية وجامعية فنية وخلق شهادة بكالوريا فنية»، و»إحصاء مفصل وحقيقي للإنتاج الصناعي والثقافي والفني الوطني ووضع دليل يتمّ تحديثه سنويا للإنتاج الصناعي والحرفي الوطني».
كما نصّ الالتزام 46 «تعزيز الثقافة والأنشطة الثقافية» على نقاط منها دعم ومرافقة الإبداع الفني والأعمال الثقافية، وتحسـيـن شبكة الهياكل القاعديــة ومنها المســارح ودور الســينما، ودعم ومرافقة المبادرات التي يطلقها الفنانون الشباب من خلال وضع آليات الدعم وتشجيع الإبداع، وتثمين مهنة الفنان وكل الفاعلين في مجال الثقافة وترقية دورهم الاجتماعي ووضعهم القانوني. أما الالتزام 50، فنص على تجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر.
جهود متواصلة.. وفق رؤية واضحة
وبُعيد انتخابه على رأس البلاد (وبالضبط في 02 جانفي 2020) عيّن رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة الجديدة، واستحدثت حينذاك حقيبة «كاتب للدولة لدى وزيرة الثقافة مكلف بالصناعة السينماتوغرافية» (استمرت الحقيبة إلى غاية 21 فيفري 2021).
وخلال ترؤسه لأول اجتماع لمجلس الوزراء (05 جانفي 2020)، ألحّ السيد رئيس الجمهورية على العنصر الثقافي، وأكد على ضرورة تخصيص فضاءات للفنانين كفيلة بتثمين المهنة وترقية دورها، «مع السهر على تطوير الصناعة السينمائية التي من شأنها تمكينهم من إبراز مهاراتهم». كما أكد على «وجوب التفكير في إمكانية ترقية التكوين الفني والثقافي بغية تشجيع المواهب وتجديد النخب الفنية ومنح امتيازات ضريبية لتطوير الإنتاج الثقافي والسينمائي والفكري والاهتمام بالوضع الاجتماعي للفنان».
وتوالت المناسبات التي جدّد فيها السيد الرئيس تأكيده على ضرورة النهوض بالسينما الجزائرية، حيث تضمّن جدول أعمال مجلس الوزراء (23 فيفري 2020) ملفات تخصّ العديد من القطاعات، منها «آفاق بعث وتطوير نشاطات الثقافة والإنتاج الثقافي والصناعة السينماتوغرافية».
وفي 03 جانفي 2021، ألحّ رئيس الجمهورية على «ضرورة التدارك الفوري للضعف المسجل في مجال الصناعة السينماتوغرافية التي لم تصل بعد إلى مورد اقتصادي قادر على خلق آلاف مناصب الشغل يمكّنه المساهمة بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد الوطني».
وفي أفريل 2021، عين رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، المخرج السينمائي أحمد راشدي مستشارا لديه مكلفا بالثقافة والسمعي البصري (استمر في منصبه إلى غاية أكتوبر 2023). وفي اجتماع 30 ماي 2021، وبخصوص العرض الذي قدمته وزيرة الثقافة والفنون حول مخطّط العمل لبعث الصناعة السينماتوغرافية والإنتاج السمعي البصري، كلف رئيس الجمهورية الحكومة بمواصلة دراسة مختلف الجوانب المتعلقة ببعث هذا القطاع، عبر تحديد عدد من المشاريع الرئيسية لهيكلة هذا النشاط، مشددا على ضرورة إدماج الوسائط الحديثة لتوزيع واستهلاك المنتوج السينمائي والسمعي البصري.
وكان من مخرجات اجتماع مجلس الوزراء (22 أوت 2021) ضرورة إرساء صناعة سينماتوغرافية خلاقة لمناصب الشغل والثروة عن طريق الإنتاج السينمائي الهادف ذي المعايير الدولية، وأيضا إعادة بعث مشروع إنتاج فيلم «الأمير عبد القادر» باعتباره مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وكونه رمزا عالميا. يضاف إلى ذلك، إدماج المتخرجين من المعاهد الفنية والدراما وحملة البكالوريا الفنية مستقبلا.
كما شهد 30 أوت 2021، اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء، خُصّص للدراسة والمصادقة على مخطط عمل الحكومة، وارتكز هذا الأخير، لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ضمن التزاماته الـ 54، على خمسة محاور وفق مقاربة تشاركية: حمل المحور الثاني منها عنوان «من أجل إنعاش وتجديد اقتصاديين»، وكان من بين النقاط الرئيسية بهذا المحور «تهيئة الظروف لانطلاق صناعة سينمائية حقيقية». وشدّد رئيس الجمهورية على أهمية هذا المخطط في تجسيد الالتزامات التي قطعها على نفسه أمام الشعب الجزائري.
وفي 8 جانفي 2023، أكد رئيس الجمهورية أن الهدف من إنشاء الثانوية النموذجية للفنون هو سدّ للفراغ الثقافي والفني، لدى الجيل الناشئ، لتقوية أسسنا الثقافية والفنية من أجل مواجهة التحديات، التي تنطلق من مرجعياتنا الثقافية، على غرار الفن السينمائي، والمسرحي والموسيقي. (للإشارة، فقد حقّقت هذه الثانوية «علي معاشي» في أول دورة بكالوريا لها، هذه السنة 2024، نسبة نجاح إجمالية بلغت 79.45 بالمائة، وبلغت نسبة نجاح شعبة السينما 81.25 بالمائة).
وبذات المناسبة، شدّد رئيس الجمهورية على أن «دور السينما مُهم ومحدّد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل، وليس للتسلية فقط».
أما في 20 فيفري 2023، وبخصوص مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، أمر رئيس الجمهورية بتأجيل مشروع القانون لإثرائه، وعقد جلسات خاصة بقطاع السينما، بإشراك الفاعلين ومهنيي القطاع الجزائريين، داخل الوطن وخارجه. كما أكد رئيس الجمهورية حرصه على أن يتضمّن القانون الجديد الخاص بالفنان آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين، على اختلاف فنونهم، عرفانا بما قدموه ويقدمونه من صور جميلة عن الجزائر.
ومن توجيهات الرئيس أيضا، أن يكون القانون محفّزا، ومشجّعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة على الإنتاج السينمائي، وفق نظرة إبداعية، تعيد للجزائر بريقها، بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع. وأن يراعي القانون مختلف التحولات والتطورات، في مجال العمل السينمائي، بما يتجاوب مع تطلعات الشباب الراغبين، في التخصص بهذا المجال. مع ضرورة ضبط آليات واضحة لتمويل المشاريع السينمائية، بما يتوافق وقوانين الجمهورية.
وفي 10 ديسمبر 2023، وبخصوص «مشروع الصناعة السينماتوغرافية»، كلّف السيد رئيس الجمهورية وزيرة الثقافة باستحداث هيئة وطنية، توكل مهامها إلى أهل القطاع، للإشراف على العمل السينمائي، وتشجيع النهوض به في هذا المجال الحيوي، خاصة مع بروز بعض الأعمال الدرامية الراقية والمواهب الشبانية، في التمثيل والإخراج، خلال السنوات الأخيرة.
كما أمر السيد الرئيس بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، داخل الجزائر، واستقطاب الكفاءات من أبناء الجالية الوطنية، بفسح المجال أمامهم لتقديم أعمالهم وإسهاماتهم، وذلك بجعل 2024 «عام انطلاق الإنتاج السينمائي». وأكدت الدولة التزامها بتمويل الأعمال السينمائية إلى غاية 70 في المائة، من خلال قروض بنكية، مع مساعدة أهل القطاع على بناء استوديوهات تصوير ومدن سينمائية، تعيد للجزائر مجدها وبريقها السينمائي.
وعود تتحقّق
لم تبقَ تعليمات رئيس الجمهورية بالنهوض بالثقافة عامة، والسينما خاصة، مجرد وعود، بل تجسدت ميدانيا، إن من خلال نصوص قانونية وتنظيمية كما رأينا، أو في إعادة بعث التظاهرات والمهرجانات التي كانت متوقفة، أو في شكل مشاريع على أرض الواقع، على غرار الثانوية الفنية «علي معاشي»، والمعهد الوطني العالي للسينما «محمد لخضر حمينة» (قيد الإنجاز).
ومن الأمثلة عن سياسة مرافقة أصحاب المشاريع الفنية، ولا سيما السينمائية منها، عن طريق الاعتمادات المخصصة لإعانة الدولة لترقية الفنون والآداب وطبع ونشر الكتاب والسينما، عرفت هذه الصائفة انتقاء مجموعة من المشاريع السينمائية. ويتعلق الأمر بـ16 فيلما طويلا، استفادت من إعانة إجمالية قدرها 497 مليون دج، و8 أفلام قصيرة استفادت من أكثر من 60 مليون دج، وفيما يتعلّق بالإعانة الخاصة بالكتابة، تمّ انتقاء 6 أفلام بإعانة إجمالية فاقت 14 مليون دج، فيما استفادت 4 أفلام وثائقية من إعانة بلغت مجموعها 34 مليون دج، مع تحديد رزنامة استقبال المشاريع المتعلقة بسنة 2025.
ولا ننسى الإشارة إلى أن انتعاش القطاع السينمائي لا يرتبط فقط بالمشاريع المتعلقة حصرا بالسينما، بل بكل الإنجازات في قطاع الثقافة عامة (التي قد نعود إليها لاحقا)، أولا لأن السينمائي، قبل كل شيء، مثقف وفنان، وثانيا لأن السينما تنهل من جميع الفنون الأخرى، وتستفيد من كل أشكال الإبداع.
في الأخير، نذكّر بضرورة أن يحترم الإبداع السينمائي، وغيره، ثوابت ومقومات الأمة، وهو ما أكده رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، مشدّدا على أهمية الإبداع الفني عامة، والسينما خاصة، في تخليد نضالات الجزائريين، حينما دعا «المنتجين والمخرجين والمؤرخين وكتاب السيناريو، إلى التعاون والتدوين الفني للتاريخ، تاريخ الثورة ونسائها ورجالها».
عيسى شريط: قانون الصناعة السينماتوغرافية.. آفاق واسعة للفنانين
يرى الكاتب عيسى شريط أن من بين أهم الإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة في مجال السينما هو مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية الذي جاء لينظم العمل السينمائي، وبعثه كصناعة قائمة بذاتها مثلما هو معتمد في الدول التي تهيمن على هذه الصناعة، والابتعاد بذلك عن الطرق القديمة التي كانت تُسيّر القطاع السينمائي الذي كان يعتمد جملة وتفصيلا على المال العام في العمليات الإنتاجية.
أشار السيناريست عيسى شريط في حديث مع «الشعب» إلى أن القانون يفتح آفاقا جديدة للمهتمين، ويؤسس لجملة من المهن المتعلقة بذلك انطلاقا من عمليات صناعة الفيلم، مرورا بتوزيعه، وانتهاءً بعرضه على شاشات قاعات السينما، وذلك عبر تسهيل الاستثمارات في المجال..
ولفت المتحدث إلى أنه قبل صدور هذا القانون كانت السينما الجزائرية تعاني جملة من المشاكل، فأغلب الأفلام التي صُنعت لم يشاهدها الجمهور الواسع، باستثناء فئة قليلة بالمدن التي تتوفر على قاعات سينمائية ملائمة عبر تنظيم فعاليات فنية، أو اقحامه في المشاركة بمهرجات دولية، في حين يتمّ تقييم مدى نجاح أو فشل الفيلم عبر «البوكس اوفيس» أي عبر مداخيله المالية بقاعات السينما، وإقبال المستهلك على مشاهدته، لذلك لا يمكن إدراج ما أنجز من أفلام جزائرية في وقت سابق ضمن الصناعة السينماتوغرافية باعتبارها غير ربحية، ومعظمها مهملٌ الآن ضمن الأرشيف على الرغم من حداثتها، لذلك تم التفكير في إحداث قانون ينظم هذا القطاع الحيويّ، ويفسح المجال قُبالة المنتجين بعيدا عن المال العام، فضلا على توفير حرية أكبر لصناعة مختلف أنواع الأفلام باعتبار السينما فنا أولا، وصناعة ثانيا، فالمنتج الخاص يمكنه صناعة أفلام تجارية مثلا تفكيرا في الربح، وقبل ذلك وتوفيرا لنجاح هذه الصناعة على المستثمر التفكير في انجار قاعات عرض ملائمة لهذا الفن المعاصر والراقي..
في جانب آخر أكد شريط أن القانون الجديد من شأنه معالجة وضعية قاعات العرض بشكل جذري «الحديث عن وضعية قاعات السينما أثار جدلا كبيرا، وعُقدت لذلك ندوات دراسية بحثا عن كيفية استرجاعها، وبعث عملها من جديد لكن دون جدوى، فجاء مشروع هذا القانون ليمنح جملة من الحلول تُشجّع الخواص المهتمين بالقطاع على الاستثمار، كالفرض على الهيئات المحلية بقوة القانون توفير كل التسهيلات، والمساعدات للمستثمر في استغلال قاعات السينما المتوفرة لديها، وتبسيط إجراءات الاستثمار في نشاطات أخرى تدخل ضمن الصناعة السينماتوغرافية كالتوزيع السينمائي، استغلال القاعات، والمركبات، وفضاءات العرض العمومية، ونشاطات أخرى تأتي مدعمة للصناعة السينماتوغرافية.»
كما أكد المتحدث أنه، عند الشروع في تطبيق هذا القانون ستُبعث صناعة سينمائية حقيقية، بعيدا عن الطرق القديمة البائدة التي لم يكن يستفيد منها أحد باستثناء المنتج المنفذ..
وختم بقوله إنه مع بداية تطبيق القانون قريبا: «يمكننا التحدّث عن صناعة سينماتوغرافية حقيقية توفّرُ العمل على مدار السنة، وتصنع لنا أفلاما جميلة ناجحة يمكن تسويقها في الأسواق التي تحتاج لذلك مثل السوق السينمائية العربية التي تحتكرها بلدان محدودة ومحددة…»
أيوب ونسة: الرئيس تبون.. قرارات وإنجازات كبرى لصالح الفن
أكد المخرج ونسة أيوب، أن الجزائر تعتبر من الدول القليلة في العالم التي تدعم صنع الأفلام من خلال صندوق دعم سنوي، بالرغم من أن معظم الدول في العالم، أصبحت فيها السينما من نصيب الخواص.
اعتبر ونسة أيوب، المتوّج بالجائزة الثانية للفيلم الوثائقي القصير، بمهرجان «غوتنبرغ للفيلم العربي» بالسويد عن فيلمه الموسوم «سماء المطار الدولي»، في حديثه لـ»الشعب» أن ما يقوم به القطاع المسؤول عن السينما في الجزائر من عروض الأفلام العالمية في بعض قاعات السينما الموزعة على المدن الكبرى، أو عبر شاحنات العروض الفيلمية بجولات في الولايات الداخلية، بالخطوة المهمة والمشجعة لتطوير السينما، في وقت سجلت فيه الجزائر استحداث بكالوريا الفنون، مع ترقب افتتاح المدرسة العليا للسينما في قادم الأيام.
هذه المكاسب يضيف المصوّر الفوتوغرافي والفيديوغرافي المحترف، ونسة أيوب إنما هي مبادرات يعكف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، على تدعيمها بإنجازات أخرى كبيرة، لتكون بذلك مبادرة حسنة وجد مهمة، تنتظر تطويرها من خلال تشجيع الثقافة السينمائية ومشاهدة الأفلام من خلال تحويلها لأحد أهم المجالات الاقتصادية في الجزائر.
عيسى جيرار: الحركـة السينمائية.. انتفاضة غير مسبوقة
ثمّن المخرج السينمائي والمسرحي عيسى جيرار في تصريح خصّ به «الشعب» الانجازات المحققّة على الساحة الثقافية والانتاج السينمائي بشكل خاص في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، لاسيما فيما تعلق بدعم الأعمال التاريخية في كثير من المناسبات، والتي يؤكد أنها «عرفت انتعاشا ملحوظا ونحن نعيش سبعينية اندلاع الثورة التحريرية المباركة، وهو ما يعتبر مكسبا للجيل الجديد على حد قوله، مكنت إحداث الفارق الكبير مقارنة مع سنوات سابقة كان العمل السينمائي والإنتاج محصور على فئة معينة».
أكد المخرج عيسى جيرار أن هذه التحفيزات تعد مكسبا للساحة الفنية الجزائرية، ومن شأنها أن تعطي دفعا قويا للجيل الجديد للمضي قدما في الإنتاج السينمائي، مستشهدا في ذات السياق بتلك الأعمال السينمائية التي يشتغل عليها الآن ويدعو عبرها إلى تكريس الواجب الوطني وتقديسه ضد أعداء الوطن في الداخل والخارج، من ضمنها إبراز جهود ودور الدولة الجزائرية في نصرة القضايا العادلة في العالم وخير دليل على ذلك وقوفها لنصرة القضية الفلسطينية، وهو ما نشتغل عليه يقول: في إنتاجي السينمائي الذي سيرى النور في الأيام القليلة القادمة.
كما اعتبر المخرج السينمائي، بأن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أبدى منذ توليه سدة الحكم حرصا كبيرا على النهوض بالقطاع الثقافي بشكل عام وأبدى إرادة سياسية وإصرارا على دعم السينما والإنتاج السينمائي بشكل عام، أبرزها استحداث هيئة وطنية للإشراف على العمل السينمائي والسعي من خلالها إلى النهوض بالإنتاج السينمائي في الجزائر، وتحفيز الإنتاج المحلي للأفلام وتعزيز المواهب المحلية، إذ يعود له الفضل خلال هذه المرحلة وما بعدها في ظهور العديد من المشاريع السينمائية ذات المحتوى الهادف وتحمل قيمة من شأنها أن تعيد الجزائر إلى مكانتها السابقة في الإنتاج السينمائي في المحافل الدولية.
وقال «نملك في الجزائر قامات كبيرة في الأدب والكتابة وكتاب سيناريو من الطراز العالمي يمكن تحويل أعمالهم إلى إنتاج سينمائي، وهو التحدي الذي يبقى مطروحا أمام المخرجين والمنتجين لإعادة إخراجها إلى المشهد الثقافي عن طريق ترجمتها إلى أفلام وأعمال سينمائية في ظل التحفيزات والتسهيلات المقدّمة من طرف وزارة الثقافة».
ويرى المخرج أن انجازات الرئيس تبون في النهوض بالمشهد الثقافي يبرز من خلال تلك المجهودات التي لمسها الفنان في تحسين وضعه الاجتماعي، عبر إمضائه لقانون الفنان الذي يعد مكسبا حقيقيا لكل منتسب لقطاع الفن والثقافة بشكل عام، جسّده بتلك المراسيم التنظيمية التي كان الفنان الجزائري يحلم بها منذ الاستقلال، من شأنها أن تقدم دون شك إضافة نوعية له، لاسيما فيما تعلق بالجوانب الاجتماعية والتأمين، الحق في التقاعد وضمان العلاج، وغيرها من الحقوق التي أمضى عليها الرئيس منذ فترة في قانون الفنان تهدف في مجملها إلى صون وحفظ كرامة الفنان الجزائري، الذي كان يمرّ بأوقات صعبة في وقت سابق.
تضاف إليها ـ يقول المتحدث ـ تلك الانجازات ورغبة رئيس الجمهورية الكبيرة في النهوض بالأعمال السينمائية واحتواء المنتجين السينمائيين والحركات الثقافية التي تقدّم منتوجا حقيقيا وهادفا وهو ما نشتغل عليه اليوم على حدّ قوله.
عبدالكريم شقروش: نقلة نوعية لكسب رهـان الاقتصاد الثقافي
ثمّن الكاتب والمخرج عبدالكريم شقروش ما حققته الجزائر من إنجازات كبيرة في مجال الإنتاج السينمائي والسمعي البصري خلال السنوات الأخيرة، معتبرا إياها نقلة نوعية وتحفيزات للنهوض بهذا القطاع الذي يعوّل عليه كثيرا في كسب رهان الاقتصاد الثقافي».
قال عبد الكريم شقروش في تصريح لـ»الشعب» أن «الجزائر قطعت أشواطا مهمة جدا في مجال الصناعة السينمائية في السنوات الأربع الأخيرة، حيث تدّعم المجال بمشاريع ضخمة على غرار قرار إنشاء المدن السينمائية، وأيضا القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، إلى جانب استحداث الجوائز والمسابقات المحفزة لكل صنّاع الأفلام، لاسيما يضيف شقروش مركزا على القانون الجديد أن «بنوده الـ88 شرحت كل الآليات المتعلقة بالمراقبة والتدخل في حالة تسجيل أي تجاوز يمسّ بالقيم الاخلاقية والدينية وثوابت الأمة، من خلال استحداث هيئة للوساطة وآداب وأخلاقيات النشاط السينمائي، التي تقوم بإعداد «ميثاق» يستحدث بموجبه سلك للمراقبين والمفتشين السينمائيين، يؤدون اليمين أمام رئيس المجلس القضائي المختص».
ومن جهة أخرى سجلنا بكل ارتياح يقول المتحدث «دعم وزارة الثقافة والفنون عددا كبيرا من الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، في إطار برنامج الدعم العمومي للسينما، بتصوّر استراتيجي نال إعجاب فاعلي العمل السينمائي الوطني».
كما استرسل شقروش بالقول: «حيث منحت لجنة دعم السينما التي يترأسها المخرج القدير عمار تريباش الضوء الأخضر لإنتاج مجموعة مهمة من الأعمال السينمائية التي شرفت الجزائر في المحافل الدولية»، مضيفا بأن «الاحتفال بستينية الاستقلال والتي صادفت سنة 2022 كانت فأل خير على العمل السينمائي الوطني، حيث شهدنا انتاج الكثير من الأفلام المخلدة لثورتنا المجيدة، كالفيلم الوثائقي «أيقونة الصغار: عمر الصغير» الذي تشرفت بكتابته والذي عرف عرضه الشرفي حضور العديد من الوزراء والمسؤولين السامين، وكان ذلك الحدث الأبرز في أجندة عرض الأفلام الممولة من طرف وزارة المجاهدين وذوي الحقوق».
ومن جهة أخرى أشاد شقروش بالاهتمام الكبير الذي توليه السلطات العمومية لقطاع الفن السابع من ناحية البحث والدراسات العلمية والأرشفة والتكوين، من خلال تنظيم الملتقيات والندوات العلمية، إلى جانب المنتديات والمهرجانات المتعددة محلية، وطنية ودولية.
وأشار هنا إلى استحداث بكالوريا الفنون، فتح المعهد الوطني للسينما وإبرام اتفاقية ثنائية بين قطاع الثقافة والفنون والتعليم العالي والبحث العلمي من خلال إدراج برامج السينما في الجامعة، إقامة ورشات تكوينية وتفعيل دور نوادي السينما والمهرجانات والفعاليات السينمائية، كما أضاف المتحدث بأننا «نتطلع إلى المزيد من المكتسبات الثقافية والفنية، خصوصا ما تعلق بتخصيص مركز للخدمات الطبية والاجتماعية وتفعيل الآليات القانونية الخاصة بتعويض الفنانين في حال التوقف عن العمل لظروف قاهرة».