منذ اللحظة الأولى لدخوله عالم الفن، تمكّن من صناعة مساحته الخاصة التي ساعدته في إيصال مشروعه الفني إلى عدد كبير من الجمهور.. عزف على أوتار عشقه الفياض للوطن الغالي أعذب وأجمل الألحان، غنى للأجيال، للفريق الوطني، غنى للبيئة والفرح ما يناغم الوجدان، وعبر بحب إلى قلوب كل أبناء الوطن بصوته الوجداني الشامخ، وحضوره الأنيق.
إنه الفنان الصادق جمعاوي صاحب رائعة «جيبوها يالاولاد» التي حقّق بها نجاحا جماهيريا ساحقا في الجزائر والوطن العربي، والتي لاتزال إلى اليوم مصنفة أجمل أغنية رياضية في البلاد، و»شكرا وألف شكر يا أستاذي» التي نالت إعجاب الجزائريين وردّدها الجمهور في مختلف المناسبات لتصبح النشيد الرسمي للمعلم.
الفنان صادق جمعاوي حلّ ضيفا على «الشعب»، وكان لنا معه هذا الحوار الذي أكد فيه أن الفن هو مرآة المجتمع في كل الأوقات.
«الشعب»: شكّلت فرقة البحارة ظاهرة فريدة من نوعها في الجزائر، ولا تزال أغانيها حتى اليوم مصنّفة ضمن أجمل الاغاني، حدثنا عن هذه الفرقة التي أسستها؟
الفنان صادق جمعاوي: تأسست فرقة البحارة سنة 1976 بمدينة عين طاية، من طرف موسيقيين هواة مبتدئين من المنطقة، أردنا أن نقدّم للجمهور شيئا جديدا، أغاني تختلف عن التي كانت موجودة، كنا نتدّرب وبعد أن يرجع كل عضو من أعضاء الفرفة لانشغالاته، كنت أبقى أنا أبحث محاولا ايجاد طبوع وايقاعات موسيقية تفتخر بها الجزائر.
هذه قصّة فرقـة البحّارة وسرّ أغنية «شكرا يا أستـاذي»
كونّت هذه الفرقة بوعود – بيضاء – تجاوزنا العديد من الصعوبات كفرقة، يمكن القول إن نجاحنا كان جماعيا، فقد حققنا التكامل فنيا وأخلاقيا ومهنيا، بقينا ساعات وأيام حتى وقفنا أمام الجمهور لأول مرة بالمسرح الوطني، ومباشرة عن طريق التلفزيون اكتشفنا الجمهور الواسع.
حدثنا عن هذا المزيج بين الأغنية التربوية الرياضية والوطنية؟ وما سرّ إبداعك في اختيار الأغاني؟
هي تجارب ووقفات في حياة الفنان يتأثر بها، يُدَوِّن المرحلة ثم يمرّ لأخرى، غنيت أغنية «جيبوها يا الأولاد» بمناسبة تأهل الفريق الوطني لكرة القدم لنهائيات كأس العالم سنة 1982، كما غنيت أغنية «شكرا يا أستاذي» التي هي تكريم لأستاذ تأثرت بوضعه، حيث كان ينام في حمام جماعي، وينهض باكرا للذهاب إلى المدرسة فأردت تكريمه من خلاله.
منذ بداياتي أجتهد وأثابر لأقدم أعمالا تليق بالمستمع وأحرص جدا في اختيار الكلمات والألحان، وبما أن الفنان يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة أمام الجمهور، فعليه أن يكون المرشد والموجّه والمربي.
ما هو سبب غياب الفنان صادق جمعاوي عن الساحة الفنية؟
أنا فنان مخلص لفنّه واخترت السير فيه بقناعة خدمة لهذا الوطن المفدى لا غير، وليس لأسباب ذاتية. لو كنت مهتما بجمع الأموال لفعلت وأصبحت ثريا مثلما فعل الكثيرون عبر الغناء للحب بشكله الهابط بعيدا عن الأغاني العاطفية المحترفة التي اشتهر بها الكثير من المطربين، صنعت اسما لي بفضل التزامي بالفن الملتزم الذي يهتم بقضايا مجتمعنا، ولا أنوي التفريط في هذا الرصيد والإساءة لصورتي وسمعتي.
”خاوة.. خاوة” رسالتي إلى الشعب في زمـن تكاـب الأعداء
أغنيتك الجديدة «خاوة خاوة» رسمت رؤية تؤكد حب الوطن، كيف تمّ اختيارها؟
لا يخفى على أحد أن الجزائر قفزت قفزة نوعية وحققت انجازات كبيرة، ما جعلها محطّ أنظار الحاسدين، وهذه الأغنية جاءت كجواب بأن الشعب الجزائري موحد «قراب، حباب، نسأل رغم المسافات…»
خاوة خاوة رسالة «للأعداء لي يفرقوا، بأنا خاوة خاوة، والشيطان هو العداوا، مريض مايداوا، ويفرق بين الناس لملاح..»
هل تعتقد أن عودتك تأتي في وقت يبدو أن الوطنية أصبحت مجرد شعار.. هل أنت تعيد تصفية العقول بما علق بها من شوائب تغريب لا يعير للوطن أهميته الحقيقية؟
الوطن يجري في عروق كل جزائري، الوطن يحضر في يومياتنا، عندما نرفع العلم في المدرسة، عندما نتفانى في عملنا، وعندما نشجّع فريقنا..
في أعماق الأغاني الوطنية تكمن قوة عظيمة لشحذ الهمم وتحفيز الناس، لها تأثير كبير في بث الروح الوطنية وتشعل حماس المواطنين، والفنان له دور كبير في تقديم أعمال غنائية تبث روح الحماس بالدور الوطني، ودائماً أؤكد بأن الفن هو مرآة المجتمع في كل الاوقات.
أتمنى أن تقام مهرجانات كبيرة تضمّ كل أنواع الفنون الجزائرية، وتكون فرصة لالتقاء الجمهور بالفنانين من أجل تدعيم اللحمة الوطنية الثقافية الفنية.
هل تعتقد أن أغنيتك الجديدة ستحظى بنفس الشهرة والقبول؟
لا نستطيع أن نحكم، كل أغنية لها اتجاهها، الأغنية الوطنية لها ديمومتها تبقى دائما ثابتة، فهي ليست مرتبطة لا بالزمان ولا بالمكان، بل هي مرتبطة بالوطن فقط، لها مفعولها وتجذّرها لا يمكن أن تُعرف في ساعة وتشتهر في ساعة، وهذا التجذر يكون بمناسبات وطنية تاريخية تربطها صلة بالحماس الجماهيري على خلاف الحماس الايقاعي، لما أسمع الكلمات أحس بأني إذا انتقلت إلى تمنراست أو تندوف.. أجد أخي هناك، لو ذهبت إلى بلاد جرجرة أجد أخوالي هناك، ولو ذهبت إلى بلاد الأوراس أذهب وأنا مطمئن لأن هناك اخوتي وأصدقائي، هي فعلا نعمة يتمتع بها الجزائري.
من هو الفنان الحقيقي في نظر صادق جمعاوي؟
الفنان الحقيقي هو المتشبع بقيم مجتمعه وهمومه، يعيش ويذوب في وطنه.. يتقدم بخطى ثابتة، يزرع المحبة.. يزرع الأمل.. يقترح حلولا لأن الكثير من الفنانين لديهم رؤية وفي كثير من الأحيان يسبقون الأحداث.
الفنان الحقيقي هو من يملك رصيدا ثقافيا متنوعا، يكون على دراية بكل ما يخصّ الوطن والتحديات والمخاطر التي تهدّده. أقول هذا لكل من يريد أن يصل لمصاف ورتبة الفنان الذي يحمل رسالة.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أحضّر لعمل أخذ الكثير من وقتي، هو لحدّ الآن مشروع فقط يعني لم أتلق موافقة بعد، عنوانه «حسناوات المهمات المستحيلة» هو شبه أوبيريت مصغرة، يبرز هذا العمل دور المرأة النضالي إبان الثورة التحريرية وتضحياتها من أجل استرجاع السيادة الوطنية لهذا الوطن المفدى، يشارك فيه مجموعة من الفنانين مثل «كريم مصباحي»، «ندى الريحان»، «نسيمة شمس»، «محمد فؤاد ومان»….