تواصل ولايات الجنوب حصد اهتمامات السلطات العليا ولفت أنظارها، بعد عقود من التراكمات الاجتماعية التي تسبّبت في شلل شبه تام في العديد من القطاعات. ويبرز ملف نظافة المدن وإعادة الاعتبار للتهيئة الخارجية، كأهم تحديات السلطات المحلية التي تعكف على معالجة تراكمات إدارية خلّفت ظواهر بيئية أثّرت على الوجه العام للمدن بالجنوب.
سطّرت السلطات المحلية بولايات الجنوب وبتوجيهات من السلطات العليا وعلى رأسها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون برامج مستعجلة تهدف الى القضاء على النقاط السوداء داخل المدن ورفع النفايات المنزلية والهامدة ومخلّفات ورشات البناء، بالإضافة إلى إطلاق العديد من مشاريع التهيئة الحضرية التي كانت متوقفة.
الرؤية الاستراتيجية للسلطات العليا، تمحورت حول إعادة الاعتبار لمُدن الجنوب، من خلال تكثيف حملات النظافة والتشجير بها وتدعيمها بالوسائل اللوجيستية الكفيلة بإنجاح هذه الحملات، مع العمل على إشراك المجتمع المدني في هذا المسعى باعتباره شريكاً فاعلاً في كل عملية تنموية.
تجسيد استراتيجية رئيس الجمهورية وتمكين العديد من المؤسسات من الامكانيات المالية واللوجيستية، ساهم بشكل كبير في تحسين الوضع البيئي في العديد من مُدن الجنوب، حيث مكّن هذا الدعم السلطات المحلية من تنظيم حملات نظافة كبرى استهدفت النقاط السوداء والأودية، فكانت أولى نتائج هذه الاستراتيجية إعادة الاعتبار للمفرغة العمومية وواحة حي البدر بتندوف وافتتاح ساحة عمومية بحي 500 مسكن تيليلان والقضاء على الكثير من المشاكل البيئية بولاية أدرار وباقي ولايات الجنوب.
وتُعدُّ هذه الحركية التي أجرتها السلطات المحلية بولايات الجنوب إسقاطاً تاماً للاستراتيجية الوطنية الخاصة بنظافة المُدن على المستوى المحلي، حيث وضعت خطط عمل متعلقة بالمشكلات البيئية المحلية، متبنيةً في ذلك عدداً من البرامج التي تهدف إلى إدارة النفايات وحماية الأودية والانخراط في حملت نظافة دورية يُشرف عليها في الغالب الوُلاة أنفسهم.
وقد عملت ولايات الجنوب بشكل جاد على تحسين الوضع البيئي بها، تدفعها في ذلك رؤية واضحة واستراتيجية فعالة ومتابعة حثيثة من طرف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وكان لملف نظافة المُدن نصيبٌ وافر من الخطط والبرامج التي ستُمكّن عند تجسيدها من استرجاع هذه المُدن لرونقها وجماليتها.
ضريبة التنمية
ما عاشته ولايات الجنوب في السابق من تدهور في الوضع البيئي وانتشار النفايات الهامدة ومخلّفات البناء في مُدنها، يعزوه البعض إلى الطفرة التنموية التي شهدها الجنوب وما نتج عن ذلك من نمو متسارع للمحيط العمراني وازدياد عدد ورشات البناء، ناهيك عن التقسيم الإداري الأخير الذي أوجد ولايات جديدة سارعت هي الأخرى بالانخراط في مسار التنمية، والانتقال إلى السرعة القصوى في تهيئة المُدن وإعادة الاعتبار لشوارعها.
هذا الوضع التنموي، كان من بين أهم الأسباب التي أدّت إلى ظهور بؤر سوداء ومفارغ عشوائية أضرّت بجمالية المُدن الصحراوية التي انشغلت بإنجاز ومتابعة المشاريع الكبرى التي أقرّها رئيس الجمهورية على حساب ملف النظافة والتشجير.
وضريبة المسار التنموي بولايات الجنوب كانت مُكلّفة للغاية على الصعيد البيئي، فالمشاريع التي انطلقت قبل خمسة سنوات وفي مدة زمنية متقاربة، شكّلت النواة الأولى لظهور مفارغ عشوائية ونقاط سوداء في غفلة من الإدارة، ضمّت نفايات هامدة ومخلّفات ورشات البناء التي أثّرت على الوجه الجمالي للمُدن.
ولمعالجة هذا الواقع الجديد، لجأت السلطات المحلية بولايات الجنوب وبدعم من السلطات العليا إلى اتخاذ جملة من التدابير والاجراءات ارتكزت في مجملها على تدعيم البلديات ومؤسسات النظافة بالعتاد والآليات، التوجّه إلى إنشاء مؤسسات مصغّرة مختصة في رسكلة النفايات البلاستيكية، بالإضافة إلى توجيه دفّة المجتمع المدني نحو أنشطة ذات منفعة عامة وفي مقدّمتها نظافة المحيط.
فقد شكّل المجتمع المدني العصا السحرية التي وجدت فيها السلطات المحلية بولايات الجنوب ضالّتها، باعتباره الأقرب إلى المواطن والأداري بمكامن الخلل وسبل معالجتها.
جهود الإدارة الرامية إلى القضاء على النفايات بولايات الجنوب، دفعت بالسلطات المحلية إلى توظيف المجتمع المدني في حملات نظافة دورية، وهو ما عكفت عليه ولاية تندوف منذ قرابة العام، حيث تتكاثف جهود المؤسسات والهيئات الإدارية بالتعاون مع جمعيات الأحياء لإزالة النفايات والقضاء على النقاط السوداء المنتشرة عبر إقليم مدينة تندوف.
وطَفت مؤسسة التحسين الحضري بتندوف منذ تأسيسها كأحد الهيئات الفاعلة التي حملت على عاتقها مسؤولية نظافة المدينة، حيث تعمل على مدار 12 ساعة يومياً وفي ظروف مناخية صعبة لإزالة النفايات من المدينة.
وبلغة الأرقام، سجّلت المؤسسة رقماً قياسياً في حجم النفايات المرفوعة خلال يوم واحد ببلوغها عتبة 600 طن من النفايات، في حين بلغ حجم النفايات المرفوعة منذ الفاتح جوان المنصرم إلى غاية منتصف جويلية الحالي أزيد من 1600 طن من النفايات المنزلية والهامدة.
هذه الأرقام الفلكية مقارنةً بحجم المدينة الصغير، دفعت بالسلطات المحلية الى الاستعانة ببعض المؤسسات المكلفة بإنجاز خط السكة الحديدية من أجل القضاء على المفرغة العمومية التي كانت تشكّل كابوساً حقيقياً لسكان حي الحكمة لسنوات طويلة، وتحويل نفاياتها الهامدة إلى أماكن بعيدة عن النسيج العمراني.
هذه الاستراتيجية التي اتبعتها السلطات المحلية، لاقت استحسان المواطنين الذين أشادوا بالمجهودات المبذولة، كما مكّنت من استرجاع وعاء عقاري هام سيتم استغلاله لإنجاز آلاف الوحدات السكنية الجديدة مستقبلاً.
جاءت مدينة تندوف في مقدمة الولايات الجنوبية التي دفعت ضريبة التنمية غالياً، فافتتاح ورشات الانجاز، المشاريع الضخمة، برامج الاسكان والعديد من مناطق النشاطات في آن واحد، أثّر على الوضع البيئي في المدينة وأدى إلى انتشار المفارغ العشوائية بها، غير أنه وبإصرار من سلطاتها المحلية وبمتابعة من السلطات العليا بدأت المدينة تستعيد جزءًا من رونقها وجماليتها السابقة، مدفوعة بذلك بإطلاق مشاريع إعادة تهيئة الطرقات والشبكات الرئيسية التي انتهت بها الأشغال، إلى جانب الشروع قريباً في إعادة تهيئة الأرصفة وإطلاق مشاريع التهيئة الحضرية في العديد من الأحياء الأخرى بفضل البرنامج التكميلي الضخم الذي أقرّه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لفائدة الولاية.